الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206].
وإنما
الواجب على من استجار به مستجير:
إن كان مظلومًا ينصره
(1)
، ولا يثبت أنه مظلوم بمجرَّد دعواه، فطالما اشتكى الرجل وهو ظالم، بل يكشف خبرَه من خصمه وغيره، فإن كان ظالمًا ردَّه عن الظلم بالرفق إن أمكن، إما من صلحٍ أو حُكْم بالقسط، وإلا فبالقوة.
وإن كان كلٌّ منهما ظالمًا مظلومًا؛ كأهل الأهواء من قيسٍ ويَمَن ونحوهم، وأكثر المتداعين من أهل الأمصار والبوادي، أو كانا جميعًا غير ظالمين لشبهة
(2)
أو تأويل أو غلط وقع فيما بينهما= سعى بينهما بالإصلاح أو الحكم، كما قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9 - 10]، وقال تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
وقد روى أبو داود في «السنن»
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: أمِنَ العصبية
(1)
(ف): «أن ينصره» .
(2)
(ي): «متداعين لشبهة» .
(3)
(5119). وأخرجه أحمد (16989)، والبخاري في «الأدب المفرد» (396)، وابن ماجه (3949)، والطبراني (22/ 995) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. وفي سنده ضعف، وله شاهد من حديث أنس وغيره.
أن ينصر الرجل قومَه في الحق؟ قال: «لا، ولكن العصبية أن ينصرَ الرجلُ قومَه في الباطل» .
وقال: «خيرُكم المدافع
(1)
عن قومه ما لم يأثم»
(2)
.
وقال: «مثل الذي ينصرُ قومَه في الباطل كبعيرٍ تردَّى في بئر فهو يجُرُّ بِذَنَبِه»
(3)
.
وقال: «من سمعتموه يتعزَّى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بِهَنِ أبيه ولا تَكْنوا»
(4)
، أي: قولوا له: عضّ أيرَ أبيك
(5)
.
(1)
(ي، ز، ظ، ل): «الدافع» . وهي رواية ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» : (1033) من حديث عبد الله المدلجي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (5120)، والطبراني في «الأوسط» (6989) من حديث سراقة بن مالك رضي الله عنه. وضعفه أبو داود بأيوب بن سويد، وحكم عليه أبو حاتم الرازي بالوضع في «العلل» (2117).
(3)
أخرجه أبو داود (5118، 5117)، والطيالسي (342)، وأحمد (3726)، والبيهقي:(10/ 234) من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا. وفي سماع عبد الرحمن من أبيه خلاف وإن سمع منه في الجملة. وصححه أحمد شاكر في «شرحه للمسند» : (5/ 274)، والألباني في «صحيح أبي داود» .
(4)
أخرجه أحمد (21256)، والنسائي في «الكبرى» (8813)، وابن حبان «الإحسان» (3153)، والطبراني في «الكبير» (532) وغيرهم، حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه. صححه ابن حبان، وقال الهيثمي عن إسناد الطبراني: رجاله ثقات. «المجمع» : (3/ 3).
(5)
الجملة بعد الحديث من الأصل فقط.
وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن من نسبٍ أو بلدٍ أو جنس، أو مذهب أو طريقة؛ فهو من عزاء الجاهلية. بل لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا
(1)
بين أظهركم؟ »
(2)
، وغضب لذلك غضبًا شديدًا.
* * * *
(1)
في الأصل: «وأنا نبيكم» . وليست في شيء من ألفاظ الحديث.
(2)
أخرجه البخاري (3518)، ومسلم (2584) من حديث جابر رضي الله عنه.
فصل
وأما السارق؛ فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 38 - 39]، ولا يجوز بعد ثبوت الحدِّ عليه بالبيِّنة أو الإقرار تأخيرُه لا بحبسٍ، [أ/ق 40] ولا مالٍ يفتدي به، ولا غيره، بل تُقطع يدُه في الأوقات المعظَّمة وغيرها.
فإن إقامة الحدود
(1)
من العبادات كالجهاد في سبيل الله، وينبغي أن يعرف أن إقامة الحدِّ رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديدًا في إقامة الحدِّ، لا تأخذه رأفةٌ في دين الله فيعطله. ويكون قصده رحمة الخلق بكفِّ الناس عن المنكرات، لا شِفاءَ
(2)
غيظه وإرادته للعلو على الخلق.
بمنزلة الوالد إذا أدَّبَ ولدَه، فإنه لو كفَّ عن تأديب ولده كما تُشِير به الأم ــ رِقَّةً ورأفة ــ لفسدَ الولدُ، وإنما يؤدِّبه رحمةً به وإصلاحًا لحاله، مع أنه يودُّ ويؤثر أن لا يُحْوِجه إلى تأديب. وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه. وبمنزلة قَطْع العضو المستأكل
(3)
، والحَجْم، وقَطْع العروق بالفصاد، ونحو ذلك. بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه وما يُدخله على نفسه من المشقّة لينال به الراحة.
(1)
سقطت من الأصل.
(2)
(ب): «لا لإشفاء» ، (ل):«لا لشفاء» .
(3)
كذا في الأصل و (ي، ز)، و (ف، ظ، ب، ل، ط): «المتآكل» .
فلهذا
(1)
شُرِعت الحدود، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها، فإنه متى كان قصدُه صلاحَ الرعية، والنهي عن المنكرات بجلب
(2)
المنفعة لهم، ودَفْع الضرر
(3)
عنهم، وابتغى بذلك وجهَ الله تعالى وطاعة أمره= ليَّنَ
(4)
الله سبحانه وتعالى له القلوب، وتيسرت له أسباب الخير، وكفاه العقوبة اليسيرة
(5)
، وقد يرضى المحدود إذا أقام عليه الحد.
وأما إذا كان غرضُه العلوَّ عليهم
(6)
، وإقامة رياسته ليعظِّموه
(7)
، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال= انعكس عليه مقصوده.
يروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبل أن يلي الخلافة كان نائبًا للوليد بن عبد الملك على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ساسهم سياسةً صالحةً، فقَدِم الحجَّاج من العراق وقد سامهم سوء العذاب، فسأل أهل المدينة عن عمر: كيف هيبته فيكم؟ قالوا: ما نستطيع أن ننظر إليه هيبةً، قال:
(1)
(ي): «فكذلك» ، (ز، ظ، ب، ل): «فهكذا» .
(2)
الأصل: «طلب» ، ويمكن أن تقرأ في بعض النسخ:«لجلب» .
(3)
بقية النسخ: «المضرة» .
(4)
(ي، ز، ب): «ألان» .
(5)
(ز) فقط: «البشرية» ورجحه الشيخ العثيمين في «شرحه» (ص 272) وقال: (والمعنى: أن الله يكفيه العقوبة البشرية التي تترتب على الحد، بمعنى أن ما في قلوبهم من الإيمان يوجب استقامتهم فيقل الجرم، وحينئذٍ لا يحتاجون إلى عقوبة بشرية) اهـ. ووجه ما في سائر النسخ: أن الله يكفي الوالي ما يوقعه من العقوبات التعزيرية اليسيرة عن العقوبات الشديدة لاستقامة الخلق وصلاحهم.
(6)
الأصل: «عنهم» .
(7)
(ي): «ليعطوه» .