المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌أحدهما: الولايات

- ‌ الولاية لها ركنان: القوة، والأمانة

- ‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

- ‌كثيرًا ما يحصل للرجل إحدى القوتين دون الأخرى

- ‌فصلالقسم الثاني من الأمانات(1): الأموال

- ‌هذا القسم يتناول الرُّعاة(7)والرعية

- ‌ليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم

- ‌فصل(1)الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:

- ‌ يجتمع مع الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين

- ‌لم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوانٌ جامع

- ‌كثيرًا ما يقع الظلم من الولاة والرعية

- ‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

- ‌ التعاون نوعان

- ‌المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر، ومسلم

- ‌كثيرًا ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل

- ‌ صلاح البلاد والعباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إذا كان المحاربون الحرامية جماعة

- ‌ المقتتلون على باطل لا تأويل فيه

- ‌ إذا شَهَروا السلاح ولم يقتلوا نفسًا

- ‌ التمثيل في القتل

- ‌لو شَهَر المحاربون السلاح في البنيان

- ‌من آوى محاربًا أو سارقًا

- ‌ الواجب على من استجار به مستجير:

- ‌إذا قُطِعت يده حُسِمت

- ‌ تُقْطَع يده إذا سرق نصابًا

- ‌ الطائفة الممتنعة، لو تركت السنة الراتبة

- ‌ نفقةُ الإنسان على نفسه وأهله مقدَّمة على غيره

- ‌القتل ثلاثة أنواع:

- ‌من قَتَل بعد العفو أو أَخْذ الدِّية

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع(7)الثالث:

- ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه]

- ‌ حدُّ(2)القذف

- ‌أولو الأمر صنفان؛ الأمراء والعلماء

- ‌الواجب اتخاذ الإمارة(3)دينًا وقُربة

الفصل: ‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

فالقاضي اسم لكل مَن حكم بين اثنين

(1)

، سواء سُمِّيَ خليفةً أو سلطانًا أو نائبًا أو واليًا، أو كان منصوبًا ليقضي بالشرع، أو نائبًا له، حتى مَن يحكم بين الصبيان في الخطوط إذا تخايروا. هكذا ذكر أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر.

‌فصل

اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم إليك أشكو جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة

(2)

.

فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا عُيِّن

(3)

رجلان أحدهما [أ/ق 6] أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضررًا فيها، فيُقَدَّم في إمارة الحروب الرجل القويّ الشجاع ــ وإن كان فيه فجور ــ على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينًا، كما سئل الإمام أحمد

(4)

عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قويٌّ فاجر والآخر

(1)

(ف، ظ، ل، ب، ط): «من قضى بين اثنين أو حكم بينهما» .

(2)

لم أجده، وقد ذكره المصنف أيضًا في «منهاج السنة»:(6/ 401). ولم يعزه.

(3)

(ظ، ي، ط): «تعين» .

(4)

لم أجد نص الرواية، وانظر في معناها «المغني»:(13/ 14)، و «الكافي»:(4/ 132)، و «الإنصاف»:(4/ 119).

ص: 18

ضعيف صالح، مع أيهما يُغْزَى

(1)

؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، يُغْزَى مع القوي الفاجر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»

(2)

، وروي:«بأقوام لا خلاق لهم»

(3)

،

فإذا لم يكن فاجرًا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسدّ مسدَّه.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالدَ بنَ الوليد على الحرب منذ أسلم، وقال:«إن خالدًا سيفٌ سلَّه الله على المشركين»

(4)

مع أنه أحيانًا قد كان

(1)

(ي): «نغزو» ، (ظ):«يغزو» .

(2)

أخرجه البخاري (3062)، ومسلم (111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

روي بهذا اللفظ عن عدد من الصحابة، أحسنها حديث الحسن عن أنس، أخرجه الترمذي في «العلل الكبير»:(2/ 955 - 956)، والبزار (1721)، والطبراني في «الأوسط» (1969)، و «الصغير»:(1/ 121). وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (8834)، وابن حبان (4517)، والبزار (1722)، والطبراني في «الأوسط» (2758) جميعًا من حديث أبي قِلابة عن أنس. صححه ابن حبان والعراقي في «تخريج الإحياء» ، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

وأخرجه أحمد (20454)، وابن عدي في «الكامل»:(2/ 150)، والطبراني كما في «المجمع»:(5/ 548) عن الحسن عن أبي بكرة. قال الهيثمي: رجالهما ثقات.

(4)

أخرجه أحمد (43)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (696)، والطبراني (3798)، والحاكم:(3/ 298) من حديث أبي بكر رضي الله عنه. قال الهيثمي في إسناد أحمد والطبراني في «المجمع» : (9/ 348): رجالهما ثقات. وله شواهد عن عدد من الصحابة، وأخرج البخاري (4262) من حديث أنس في قصة مؤتة: (

حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم).

ص: 19

يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه مرةً رفع يديه إلى السماء وقال:«اللهم إني أبرأ إليك مما فَعَل خالد»

(1)

لما أرسله إلى جَذِيمة

(2)

، فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة، ولم يكن يُجَوِّز ذلك، وأنكره عليه بعض مَن كان

(3)

معه من الصحابة، حتى وَدَاهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم. ومع هذا فما زال يقدِّمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره، وفَعَل ما فَعَلَه بنوع تأويل.

وكان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق، ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيم» رواه مسلم

(4)

. ونهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفًا. مع أنه قد رُوِي: «ما أظلَّت الخضراءُ ولا أقلَّت الغَبْراء أصدقُ لهجةً من أبي ذر»

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (4339) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

الأصل وف: «بني جذيمة» ، خطأ.

(3)

من الأصل.

(4)

(1826).

(5)

أخرجه أحمد (6519)، والترمذي (3801)، وابن ماجه (156)، والحاكم:(3/ 342) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه الترمذي (3802)، وابن حبان (7132)، والحاكم:(3/ 342) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن غريب، وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم، وفيه نظر. وصححه الألباني.

وللحديث شواهد عن عدد من الصحابة.

ص: 20

وأمَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرةً عَمْرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ــ استعطافًا لأقاربه الذين بعثه إليهم ــ على مَن هو أفضل منه

(1)

. وأمَّر أسامة بن زيد لأجل طلب ثأر أبيه

(2)

. وكذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة، مع أنه قد كان يكون مع الأمير مَن هو أفضل منه في العلم والإيمان.

وهكذا كان أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ما زال يستعمل خالدًا في حرب أهل الرِّدَّة، وفي فتوح العراق والشام، وبَدَت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذُكِر له عنه أنه كان له فيها هوى، فلم يعزِلْه من أجلها، بل عَتَبَه

(3)

عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه

(4)

، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خُلُقه يميل إلى الشِّدَّة، فينبغي أن يكون خُلُق نائبه يميل إلى اللين، وإذا كان خُلُقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، ليعتدل الأمر.

ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُؤثِر استنابةَ خالد، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر عزلَ خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح؛ لأن خالدًا كان شديدًا كعمر، وأبا عبيدة كان ليِّنًا كأبي بكر، فكان [أ/ق 7] الأصلح لكل منهما أن يولي مَن ولاه؛ ليكون أمره معتدلًا، ويكون بذلك مِن خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو معتدل، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا نبيُّ الرحمة، أنا نبيُّ

(1)

أصله في البخاري (4358)، ومسلم (2384)، وانظر «سيرة ابن هشام»:(ق 2/ 4/623 - 624).

(2)

انظر «سيرة ابن هشام» : (ق 2/ 4/641 - 642).

(3)

(ي): «عاتبه» ، (ظ):«لم يعبه» .

(4)

(ظ، ل، ب): «إبقائه» .

ص: 21

المَلْحَمَة»

(1)

.

وقال: «أنا الضَّحُوك القَتَّال»

(2)

،

وأمته وسط، قال الله تعالى فيهم:

(1)

أخرجه البخاري في «الأوسط» : (1/ 81)، وأبو يعلى (7207)، ومِن طريقه ابن حبان (6314) من طريق الأعمش، والطبراني في «الأوسط» (2737) من طريق مِسْعر= كلاهما عن عَمْرو بن مُرَّة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري بلفظه. لكن أخرجه مسلم (2355) من طريق الأعمش عن عَمْرو به بلفظ: «

نبي التوبة، ونبي الرحمة». وأخرجه أحمد (19621) وابن أبي شيبة:(6/ 311) وغيرهما من طريق المسعودي عن عمرو به بلفظ: «

نبي التوبة، ونبي الملحمة».

وأخرج الطيالسي (9) من حديث جبير بن مطعم بلفظ حديث مسلم، ورُوي نحوه عن غيره من الصحابة.

(2)

نسبه المصنف حديثًا في عدد من كتبه مثل «المنهاج» : (6/ 138)، و «الدرء»:(2/ 115)، وكذا ابن كثير في موضع من «تفسيره»:(4/ 1728). وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ص 32 - السيرة): إنه جاء في بعض الآثار عنه صلى الله عليه وسلم

، ومثله ابن كثير في «التفسير»:(3/ 1193) و «الفصول» (ص 265).

ولم نجد الحديث، وإنما وجدنا أثرًا عن ابن عباس أخرجه ابن فارس في «أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعانيها» (ص 31، 37) قال: حدثنا سعيد بن محمد بن نصر، حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، قال: حدثنا عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وعن مقاتل عن ابن عباس قال:(اسمه في التوراة: أحمد الضحوك القَتَّال، يركب البعير، ويلبس الشَّمْلة، ويجتزئ بالكِسْرَة، سيفه على عاتقه).

ونسبه ابن القيم في «هداية الحيارى» (ص 363) إلى بعض الكتب المتقدمة. وانظر «النهجة السوية» (ص 188، 212) للسيوطي.

وفي معنى «الضحوك القتال» قال ابن فارس: «وإنما سمي الضحوك؛ لأنه كان طيب النفس فَكِهًا على كثرة من يأتيه ويَفِد عليه من جُفاة العرب

وإنما سمي بالقتال؛ لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القِراع». وقال ابن القيم في «هداية الحيارى» : «وأما صفته صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدّمة بأنه «الضحوك القتال» فالمراد به أنه لا يمنعه ضحكه وحُسْن خلقه ــ إذا كان حدًّا لله وحقًّا له ــ ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه فيعطي كلَّ حالٍ ما يليق بتلك الحال، فترك الضحك بالكلية من الكبر والتجبر وسوء الخلق، وكثرته من الخِفَّة والطيش، والاعتدال بين ذلك».

وأما كيفية إطلاق الاسمين فقال ابن القيم في «الزاد» : (1/ 87): «وأما الضحوك القتال فاسمان مزدوجان لا يُفْرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس ولا مقطِّب ولا غضوب ولا فظ. قتَّال لأعداء الله لا تأخذه فيهم لومة لائم» . وانظر (شرح العثيمين: 25 ط ابن حزم).

ص: 22

{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وقال تعالى:{وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى} [المائدة: 54].

ولهذا لما ولي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كامِلَين في الولاية، واعتدل منهما ما كانا يُنْسَبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مِن لين أحدهما وشدّة الآخر، حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم:«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (23276)، والترمذي (3662)، وابن ماجه (97)، وابن حبان (6902)، والحاكم:(3/ 75). من طريق رِبعي بن خراش عن حذيفة رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال العقيلي في «الضعفاء»:(4/ 94 - 95): (يروى عن حذيفة بأسانيد جياد تثبت) ، وصححه ابن حبان، وقال الحاكم: (هذا حديث من أجلِّ ما روي في فضائل الشيخين، وقد أقام هذا الإسناد عن الثوري

فثبت بما ذكرنا صحة هذا الحديث، وإن لم يخرجاه) اهـ. وحسَّنه ابن الملقن في «البدير المنير»:(9/ 578).

وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي (3805) ، والبزار «الكشف» (2679) ، والطبراني في «الكبير» (8458) ، و «الأوسط» (3828)، والحاكم:(3/ 75 - 76). قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث) اهـ، وقال الحاكم: بإسناد صحيح.

ص: 23

وظهر من أبي بكر رضي الله عنه مِن شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم ما بَرَّزَ به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

(1)

.

وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قُدِّم الأمين

(2)

، مثل حفظ الأموال ونحوها. فأما استخراجها وحفظها

(3)

فلا بد فيه من قوة وأمانة، فيولى عليها شادّ

(4)

قويّ يستخرج الأموال بقوته

(5)

، وكاتبٌ أمينٌ يحفظها بخبرته وأمانته. وكذلك في إمارة الحرب إذا أمر الأمير بمشاورة أولي العلم والدين جمع بين المصلحتين. وهكذا في سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جُمِع بين عدد، فلابد من ترجيح الأصلح أو تعدد المولَّى إذا لم تقع الكفاية بواحدٍ تام.

ويُقَدَّم في ولاية القضاء الأعْلَم الأورَع الأكْفأ، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قُدِّمَ ــ فيما قد يظهر حكمُه ويُخاف فيه الهوى ــ الأورعُ

(6)

،

(1)

انظر «منهاج السنة» : (8/ 79 - 80).

(2)

(ي): «قدم الأمير الأمين» .

(3)

(ظ، ب): «من متحفظها» .

(4)

تقدم تفسيرها (ص 9).

(5)

(ظ، ط): «يستخرجها بقوته» ، (ي، ز): «يستخرج بقوته» .

(6)

من هنا إلى (ص 62) ساقط من (ظ).

ص: 24

وفيما يدِقُّ

(1)

حكمه ويُخاف فيه الاشتباه الأعلم. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب البصر الناقد

(2)

عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات»

(3)

.

ويقدَّمان على الأكفأ إن كان القاضي مؤيدًا تأييدًا تامًّا من جهة والي الحرب أو العامة.

ويقدَّم الأكفأ إن كان القضاء يحتاج إلى قوة وإعانة للقاضي أكثر من حاجته إلى مزيد العلم والورع؛ فإن القاضي المُطْلَق يحتاج أن يكون عالمًا عادلًا قادرًا، بل وكذلك كل والٍ للمسلمين، فأيُّ صفةٍ من هذه الصفات نقصت، ظهر الخلل بسببه. والكفايةُ: إما بقهر ورهبة

(4)

، وإما بإحسان ورغبة، وفي الحقيقة فلابد منهما.

وسئل بعض العلماء: إذا لم يوجد من يتولى القضاء إلا عالم فاسق

(5)

(1)

(ف): «ندر» .

(2)

(ط، ز): «النافذ» ، وهو كذلك في أكثر المصادر، ويبدو أن الخلاف قديم ففي «تاج العروس»:(7/ 55): (البصير الناقد هكذا بالقاف والدال في سائر النُّسَخ، والذي في التكملة وغيرها: النافذُ في كُلِّ شيءٍ بالفاءِ) اهـ.

(3)

أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (1081، 1080)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (954)، وأبو نعيم في «الحلية»:(6/ 199) من حديث عمران بن حصين. قال البيهقي: تفرد به عمر بن حفص، قال العراقي في «تخريج الإحياء»:(2/ 1186): وفيه عمر بن حفص العدني ضعفه الجمهور. وقال المصنف: مرسل. «مجموع الفتاوى» : (7/ 540).

(4)

ليست في (ز).

(5)

(ز): «فاسق عالم» .

ص: 25

أو جاهل دَيِّن

(1)

، فأيهما يقدم؟

فقال: إن كانت الحاجة إلى الدِّين أكثر لغلبة الفساد، قُدِّم الدَّيِّن، وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر لخفاء الحكومات، قُدِّم العالم

(2)

.

وأكثر العلماء يقدِّمون ذا الدين، فإن الأئمة متفقون على أنه لابدّ في المتولي من أن يكون عدلًا أهلًا للشهادة

(3)

.

واختلفوا في اشتراط العلم

(4)

هل يجب أن يكون مجتهدًا، أو يجوز أن يكون مقلدًا؟ أو الواجب تولية الأمثل فالأمثل كيفما تيسر؟ على ثلاثة أقوال

(5)

. وبَسْط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع

(6)

.

ومع أنه يجوز تولية غير الأهل

(7)

للضرورة إذا كان أصلح الموجود، [أ/ق 8] فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال، حتى يكمل في الناس ما

(1)

هل المقصود بالجاهل هنا المقلد الذي يقابل المجتهد أو العامي؟ فيه نزاع. انظر: «رد المحتار» : (8/ 46)، و «شرح العثيمين» (ص 58).

(2)

علق الشيخ العثيمين في «شرحه» (ص 59) بقوله: «يعني إذا كانت المسائل مشتبهة مشتبكة تخفى، وتحتاج إلى عالم جيد؛ فهنا يُقدَّم العالم على الدَّيّن، وإذا كان الهوى والشر والفساد والرشوة فاشية يُقَدَّم الدَّيِّن على العالم، وكلٌّ منهما أهل للقضاء» .

(3)

انظر «البيان» : (13/ 20) للعمراني، و «المغني»:(14/ 13 - 14).

(4)

(ي): «العالم» .

(5)

الخلاف في ذلك مع أبي حنيفة إذ أجاز تولية المقلد، انظر «رد المحتار»:(8/ 46 - 47)، و «المغني»:(14/ 13)، و «البيان»:(13/ 19).

(6)

من قوله: «وأكثر العلماء

» إلى هنا ساقط من (ف).

(7)

فوقها في (ي) علامة ×× وكتب في الهامش: (الظاهر: الأمثل).

ص: 26

لا بد منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها، كما يجب على المُعْسِر السعي في وفاء دينه، وإن كان في الحال لا يُطْلَب منه إلا ما يقدر عليه، وكما يجب الاستعدادُ للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز، فإنَّ ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب، بخلاف الاستطاعة في الحج ونحوها، فإنه لا يجب تحصيلها؛ لأن الوجوب هناك لا يتم إلا بها.

فصل

والمهم

(1)

في هذا الباب معرفة الأصلح

(2)

وذلك إنما يتم بمعرفة مقصود الولاية، ومعرفة طريق المقصود، فإذا عُرِفَت المقاصد والوسائل تم الأمر. فلهذا لما غلب على أكثر الملوك قصد الدنيا دون الدين قدَّموا في ولايتهم من يُعينهم على تلك المقاصد، وكان من يطلب رئاسة نفسه يؤثر تقديم من يقيم رئاسته

(3)

.

وقد كانت السُّنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم هم أمراء الحرب، الذين هم نُوَّاب ذي السلطان على الجند، ولهذا لما قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة، قدَّمَه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على حرب

(4)

كان هو الذي يؤمُّ

(1)

(ط): «وأهم ما» .

(2)

(ي): «الإصلاح» وكتب فوقها: الظاهر: الأصلح.

(3)

علق الشيخ العثيمين في «شرحه» (ص 64): (ولهذا تجد الملوك ورؤساء البلدان يقربون من العلماء مَن يوافقهم على أهوائهم، وإن كان في البلد مَن هو أعلم وأدين ممن قربوه؛ لأنهم إنما يريدون الوصول إلى أهوائهم

).

(4)

(ي): «الحرب» .

ص: 27

الصلاة

(1)

بأصحابه. وكذلك إذا استعمل رجلًا نائبًا على مدينة كما استعمل عَتَّاب بن أَسِيد على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، وعليًّا ومعاذًا وأبا موسى على اليمن، وأبا سفيان

(2)

[و] عَمرو بن حزم على نجران= كان نائبه هو الذي يصلي بهم، ويقيم فيهم الحدود وغيرها مما يفعله أمير الحرب.

وكذلك

(3)

خلفاؤه بعده، ومن بعدهم من الملوك الأمويين وبعض العباسيين؛ وذلك لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد، ولهذا كانت أكثر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد. وكان إذا عاد مريضًا يقول:«اللهم اشف عبدك يشهد لك صلاةً وينكأ لك عدوًّا»

(4)

.

(1)

(ي، ز، ب، ل): «يؤمِّره للصلاة» .

(2)

قوله: «أبا سفيان» من الأصل فقط. وقد ذكر غير واحد من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو سفيان والٍ له على نجران بعد عمرو بن حزم. لكن قال الواقدي: (أصحابنا ينكرون ذلك ويقولون: كان أبو سفيان بمكة وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عاملها حينئذ عمرو بن حزم) اهـ. وقال ابن حجر: ولا يثبت. انظر «معرفة الصحابة» : (3/ 42) لأبي نعيم، و «أسد الغابة»:(2/ 392) لابن الأثير، و «الإصابة في معرفة الصحابة»:(3/ 403) لابن حجر.

(3)

(ف، ز): «وكذلك كان» .

(4)

أخرجه أحمد (6600)، وأبو داود (3107)، وابن حبان (2974)، والحاكم:(1/ 344) وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. والحديث صححه ابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يتعقبه الذهبي. لكن في سنده حُيي بن عبد الله المعافري لم يخرج له مسلم وفيه ضعف، وقال ابن عدي (2/ 450): إن عامة أحاديثه بهذا الإسناد لا يُتابع عليها.

ص: 28

ولما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قال: «يا معاذ إن أهمَّ أمرك عندي الصلاة»

(1)

.

وكذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله: إن أهمَّ أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حَفِظَ دينَه، ومن ضيعها كان لما سِواها من عمله أشد إضاعة

(2)

.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة عماد الدين»

(3)

. فإذا أقام المتولي عمادَ الدين، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي التي تُعِيْن الناس على ما سواها من الطاعات، كما قال سبحانه وتعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وقال:{(152) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ} [البقرة: 153]، وقال عز وجل لعبده ونبيه

(4)

صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ

(1)

لم أجده.

(2)

أخرجه مالك في «الموطأ» (6)، وعبد الرزاق في «المصنف» (2037 - 2039)، والبيهقي في «الكبرى»:(1/ 445).

(3)

أخرجه البيهقي في «الشعب» (2550) بسند ضعيف من حديث عكرمة عن عمر مرفوعًا، ونقل عن شيخه الحاكم أنه قال: عكرمة لم يسمع من عمر، قال: وأظنه أراد عن ابن عمر. وقال النووي في التنقيح: منكر باطل. وتعقبه ابن حجر في «التلخيص» : (1/ 183) بقوله: (وليس كذلك، بل رواه أبو نعيم شيخ البخاري في «كتاب الصلاة» عن حبيب بن سليم، عن بلال بن يحيى، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: الصلاة عمود الدين». وهو مرسل رجاله ثقات) اهـ. ويشهد له حديث: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة

» وسيأتي تخريجه. وانظر: «المقاصد الحسنة» (ص 266 - 267).

(4)

(ف، ي، ز): «وقال تعالى لنبيه» .

ص: 29

نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58].

والمقصودُ الواجب بالولايات: إصلاحُ دين الخلق الذين متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نَعِمُوا به في الدنيا، وإصلاحُ ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم، وهو نوعان: قَسْم المال بين مستحقيه، وعقوبات المعتدين

(1)

.

فمن لم يَعْتَدِ أصلحَ له دينَه ودنياه؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنما بعثتُ عُمَّالي إليكم ليعَلِّموكم كتابَ ربكم، وسنةَ نبيّكم، ويقسموا بينكم فيأكم

(2)

.

فلما تغيرت الرعية من وجه، والرُّعاة من وجه، تناقضت

(3)

الأمور. فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان، كان من أفضل

(1)

(ي): «المتعدين» .

(2)

أخرجه أحمد (286)، وأبو داود (4537)، والحاكم:(4/ 439)، والبيهقي:(9/ 42) من طريق أبي فراس عن عمر بن الخطاب، وإسحاق في «مسنده ــ كما في المطالب العالية: 15859» من طريق عطاء قال: «كان عمر

» الأثر، وغيرهم مطولًا، ورواه غيرهم مختصرًا. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يتعقبه الذهبي، لكن مسلم لم يخرج لأبي فراس. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على «المسند»:(1/ 90). ولفظة: «ويقسموا بينكم فيأكم» جاءت في رواية الحاكم وإسحاق.

(3)

(ي، ز، ل): «تناقصت» .

ص: 30

أهل زمانه، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله تعالى، فقد رُوِي:«يومٌ من إمامٍ عادل أفضل من عبادة ستين سنة»

(1)

.

وفي «المسند»

(2)

للإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحبُّ الخلقِ إلى الله إمامٌ عادل، وأبغض الخلق إلى الله

(3)

إمام جائر»

(4)

.

(5)

وفي «الصحيحين»

(6)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلَّق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجلٌ ذَكَر الله خاليًا ففاضت عيناه،

(1)

أخرجه الطبراني في «الكبير» (11932) و «الأوسط» (4762)، وأبو نعيم في «فضيلة العادلين» (16)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 162) و «الشعب» (6995) من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما الحديث. قال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن عكرمة إلا عفان بن جبير، تفرد به جعفر بن عون، ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد). وقال الهيثمي في «المجمع» : (6/ 263): (فيه زريق بن السخت ولم أعرفه). وضعفه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (989).

(2)

(11174).

(3)

(ي): «وأبغضهم إليه» .

(4)

وأخرجه الترمذي (1329)، والبيهقي:(10/ 88) من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. قال الترمذي: (حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وقال ابن القطان في «بيان الوهم»:(4/ 363): (وعطية العوفي يضعف، وقال ابن معين فيه: صالح، فالحديث حسن) اهـ.

(5)

هذه الفقرة ليست في (ف).

(6)

البخاري (660)، ومسلم (1031).

ص: 31

ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال

(1)

فقال: إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفق يمينُه».

وفي «صحيح مسلم»

(2)

عن عِياض بن حِمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسِط، ورجلٌ رحيم رقيق

(3)

القلب بكل ذي قُرْبى ومسلم، ورجل غني عفيف متصدق».

وفي «السنن»

(4)

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبيل الله» .

وقد قال سبحانه وتعالى ــ لما أمر بالجهاد ــ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].

وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الرجلُ يقاتل شجاعةً، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: «مَن قاتل لتكون كلمة الله هي

(1)

(ز) زيادة: «إلى نفسها» .

(2)

(2865). ولفظه: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال).

(3)

ليست في (ز).

(4)

أخرجه أحمد (15826)، وأبو داود (2936)، والترمذي (645)، وابن ماجه (1809)، وابن خزيمة (2334)، والحاكم:(1/ 406)، والبيهقي (7/ 16) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه بلفظ: «العامل على الصدقة

». قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وفي سنده محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وفيه كلام معروف.

ص: 32

العليا فهو في سبيل الله» أخرجاه في «الصحيحين»

(1)

.

فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا. وكلمة الله: اسم جامع لكلماته التي تضمَّنها كتابه

(2)

، وهكذا قال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه. ثم قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} ، فمَن عَدَل عن الكتاب قُوِّمَ بالحديد، ولهذا كان قِوامُ الدين بالمصحف والسيف.

وقد رُوِي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه [أ/ق 10] وسلم أن نضرب بهذا ــ يعني السيف ــ من عَدَل عن هذا ــ يعني المصحف ــ

(3)

.

(1)

البخاري (7458)، ومسلم (1904) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وقوله:«أخرجاه في الصحيحين» ليست في (ف).

(2)

وشرحها المصنف أيضًا بقوله: (وكلمة الله هي: خبره وأمره، فيكون أمره مطاعًا مقدمًا على أمر غيره، وخبره مصدَّقًا مقدمًا على خبر غيره». «مجموع الفتاوى»: (5/ 238).

(3)

أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» : (52/ 279). ولفظه: عن عمرو بن دينار قال: (رأيت جابر بن عبد الله وبيده السيف والمصحف وهو يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا مَن خالف ما في هذا). لكن أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» : (2/ 333)، والحاكم:(3/ 436)، وابن عساكر:(39/ 322) بسياق آخر ليس من قول جابر، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: بعثنا عثمان في خمسين راكبًا وأميرنا محمد بن مسلمة، فلما انتهينا إلى ذي خشب استقبلنا رجل في عنقه مصحف، متقلدًا سيفه، تذرف عيناه، فقال: إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا ــ يعني السيف ــ على ما في هذا، فقال له محمد:«اجلس فنحن قد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك أو قبل أن تولد» قال: فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا. وصححه الحاكم على شرط الشيخين.

ص: 33

فإذا كان هذا هو المقصود فإنه يُتَوسَّل إليه بالأقرب فالأقرب، ويُنظر إلى الرجلين أيهما كان أقرب إلى المقصود وُلِّي، فإذا كانت الولاية ــ مثلًا ــ إمامة صلاة فقط، قُدِّم من قدمه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:«يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا، ولا يُؤمَّنَّ الرجلُ في سلطانه، ولا يجلس على تَكْرِمَتِه إلا بإذنه» رواه مسلم

(1)

.

فإذا تكافأ رجلان، أو خفي أصلحُهما أُقْرِع بينهما، كما أقرع سعد بن أبي وقاص بين الناس يوم القادسية لما تشاجروا على الأذان

(2)

، متابعةً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناسُ ما في النداء والصفِّ الأوّل ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَموا

(3)

»

(4)

.

فإذا كان التقديم بأمر الله إذا ظهر، أو بفعله

(5)

ــ وهو ما يُرَجِّحه بالقرعة

(1)

(673) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الطبري في «تاريخه» : (2/ 425)، والبيهقي في «الكبرى»:(1/ 429). وعلقه البخاري في باب الاستهام على الأذان بصيغة التمريض. وقال الحافظ عن سند البيهقي: إنه منقطع. «فتح الباري» : (2/ 114).

(3)

(ي، ز، ب، ل) زيادة: «عليه» .

(4)

أخرجه البخاري (615)، ومسلم (437) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

المثبت من (ل). والمعنى: أي بفعل الله. ووقع في الأصل و (ز): «ظهر ويفعله» ، (ي):«ظهر بفعله» ، (ب):«ظهر وبفعله» .

ص: 34

إذا خفي الأمر ــ كان المتولي قد أدى الأمانات في الولايات

(1)

إلى أهلها.

فصل

(2)

القوة في الولايات تجمع قوة المرء في نفسه، وقوته على غيره؛ فقوته على نفسه بالحلم والصبر، كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»

(3)

. وهذا هو السيد الذي قال الله تعالى فيه: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن:«إنَّ ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»

(4)

.

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل الشديد القوي ليس هو القوي في بدنه الذي يصرع الناسَ ويغلبهم كثيرًا، وإنما هو القوي في نفسه الذي يملك نفسه ويغلبها عند الغضب.

وأما قوته على غيره؛ فالشجاعة في نفسه، والخبرة وسائر أسباب القوى من الرجال والأموال، كما دل عليه قوله تعالى:{يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ} [الأنفال: 60].

وروى مسلم في «صحيحه»

(5)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول

(1)

«في الولايات» ليس في (ز).

(2)

هذا الفصل إلى (ص 39) من الأصل فقط.

(3)

أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري (2704) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

(5)

(2664).

ص: 35