المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌أحدهما: الولايات

- ‌ الولاية لها ركنان: القوة، والأمانة

- ‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

- ‌كثيرًا ما يحصل للرجل إحدى القوتين دون الأخرى

- ‌فصلالقسم الثاني من الأمانات(1): الأموال

- ‌هذا القسم يتناول الرُّعاة(7)والرعية

- ‌ليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم

- ‌فصل(1)الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:

- ‌ يجتمع مع الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين

- ‌لم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوانٌ جامع

- ‌كثيرًا ما يقع الظلم من الولاة والرعية

- ‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

- ‌ التعاون نوعان

- ‌المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر، ومسلم

- ‌كثيرًا ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل

- ‌ صلاح البلاد والعباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إذا كان المحاربون الحرامية جماعة

- ‌ المقتتلون على باطل لا تأويل فيه

- ‌ إذا شَهَروا السلاح ولم يقتلوا نفسًا

- ‌ التمثيل في القتل

- ‌لو شَهَر المحاربون السلاح في البنيان

- ‌من آوى محاربًا أو سارقًا

- ‌ الواجب على من استجار به مستجير:

- ‌إذا قُطِعت يده حُسِمت

- ‌ تُقْطَع يده إذا سرق نصابًا

- ‌ الطائفة الممتنعة، لو تركت السنة الراتبة

- ‌ نفقةُ الإنسان على نفسه وأهله مقدَّمة على غيره

- ‌القتل ثلاثة أنواع:

- ‌من قَتَل بعد العفو أو أَخْذ الدِّية

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع(7)الثالث:

- ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه]

- ‌ حدُّ(2)القذف

- ‌أولو الأمر صنفان؛ الأمراء والعلماء

- ‌الواجب اتخاذ الإمارة(3)دينًا وقُربة

الفصل: ‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

ظُلْم» أخرجاه في «الصحيحين»

(1)

، والليُّ: هو المَطْل.

و‌

‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

، وهذا أصلٌ متفق عليه: أن كل من فعَل محرمًا أو ترك واجبًا استحقَّ العقوبة، فإن لم تكن مُقَدَّرة بالشرع كان تعزيرًا يجتهد فيه وليُّ الأمر، فيعاقب الغني الماطل

(2)

بالحبس، فإن أصرَّ عُوقب بالضرب حتى يؤدِّي الواجب، وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه خلافًا

(3)

.

وقد روى البخاري في «صحيحه»

(4)

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

(ي): «المماطل» .

(3)

انظر «مجموع الفتاوى» : (30/ 38، 23)، (35/ 402). وقوله:«مالك و» ليس في (ف).

(4)

ذكر البخاري بعد (2730) سنده فقط دون متنه وقال: (اختصره)، وقد عزاه الحميدي مطولًا للبخاري في «الجمع بين الصحيحين»:(1/ 121)، وعزاه المؤلف في «الفتاوى»:(35/ 407) للصحيح، وشيخ الإسلام كثير الاعتماد على كتاب الحميدي، بل هو من أوائل محفوظاته، فالغالب أنه اعتمد عليه في العزو، وقد نبه الحافظ ابن حجر في «الفتح»:(5/ 387) إلى صنيع الحميدي في هذا الحديث فقال: (تنبيه: وقع للحميدي نسبة رواية حماد بن سلمة مطولة جدًّا إلى البخاري، وكأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته وذهل عن عزوه إليه، وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادًا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرًا) اهـ. والحديث أخرجه أبو داود (3006)، وابن حبان «الإحسان» (5199)، والبيهقي:(9/ 137)، وابن المنذر في «الأوسط»:(11/ 362). من رواية حماد بن سلمة، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر ــ فيما يحسب أبو سلمة ــ عن نافع، عن ابن عمر به. صححه ابن حبان، وقال الحافظ: رجاله ثقات. «الفتح» : (7/ 548).

ص: 62

لما صالح أهلَ خيبر على الصفراء والبيضاء والسلاح سأل بعض اليهود ــ وهو سَعْيَه

(1)

عم حُيَي بن أخطب ــ عن كنز حُيَي بن أخطب؟ فقال: أذهَبَتْه النفقات والحروب، فقال:«العهد قريب، والمال أكثر من ذلك» فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية إلى الزبير، فمَسَّه بعذاب، فقال: قد رأيتُ حييًّا يطوف في خِرْبَة ههنا، فذهبوا فطافوا، فوجدوا المَسْك في الخربة.

وهذا الرجل كان ذميًّا، والذمي لا تحل عقوبته إلا بحق، وكذلك كل مَن كتم ما يجب إظهاره من دلالة واجبة وغير ذلك عُوقِب

(2)

على ترك الواجب.

وما أخذ ولاة الأموال

(3)

وغيرهم من مال

(4)

المسلمين بغير حق، فلولي الأمر العادل استخراجه منهم، كالهدايا التي يأخذونها بسبب العمل، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: هدايا العمال غلول

(5)

.

(1)

تصحف في الأصل و (ب): «شعية» و (ف): «شعبة» ، وانظر «الإكمال»:(5/ 66) لابن ماكولا.

(2)

بقية النسخ: «ونحو ذلك يعاقب» .

(3)

(ط): «وما أخذه العمال» .

(4)

هنا ينتهي السقط الطويل من نسخة (ظ) وكانت بدايته (ص 24).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» : (4/ 444).

ص: 63

وروى إبراهيم الحربي في كتاب «الهدايا»

(1)

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هدايا الأمراء غلول»

(2)

.

وفي «الصحيحين»

(3)

عن أبي حُمَيد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزْد يقال له: ابن اللُّتْبِية على الصدقة فلما قَدِم قال: هذا لكم وهذا أُهْدِي إليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول: هذا لكم وهذا أُهْدِي إليَّ؟ ! فهلَّا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهْدَى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة

(1)

ذكره ياقوت في ترجمته باسم (الهدايا والسنة فيها)«معجم الأدباء» : (1/ 50)، والحافظ في «المعجم المفهرس»:(2/ 399)، ونقل منه في «الفتح» .

(2)

أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6898) بلفظ: (الهداية إلى الإمام غلول). قال الهيثمي: فيه يمان بن سعيد وهو ضعيف. «المجمع» : (10/ 151).

وله شاهد من حديث أبي حميد الساعدي أخرجه أحمد (23601)، والبزار (3723)، والبيهقي:(10/ 138) وضعفه الهيثمي في «المجمع» : (10/ 151)، والحافظ في «التلخيص»:(4/ 208).

ومن حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7848) قال الهيثمي في «المجمع» : (10/ 151): (وفيه حميد بن معاوية الباهلي وهو ضعيف). وقال الحافظ: إنه أشد ضعفًا من حديث أبي حميد.

ومن حديث جابر أخرجه ابن أبي شيبة: (5/ 168)، والطبراني في «الأوسط» (4965) وقال: لم يرو هذا الحديث عن عطاء إلا ليث تفرد به قيس. قال الهيثمي: إسناده حسن. «المجمع» : (10/ 151).

(3)

أخرجه البخاري (1500)، ومسلم (1832).

ص: 64

تَيْعَر» ثم رفع بيده حتى رأينا عُفْرَة

(1)

إبطيه: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» ثلاثًا.

وكذلك محاباة الولاة في المعاملة؛ من المبايعة والمؤاجرة والمضاربة، والمساقاة والمزارعة، ونحو ذلك= هو من نوع الهديَّة، ولهذا شاطر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عماله مَن كان [أ/ق 19] له فضل ودين لا يُتَّهم بخيانة، وإنما شاطرهم لما كانوا خُصُّوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضي ذلك؛ لأنه كان إمامَ عدلٍ يقسم بالسوية

(2)

.

(1)

الأصل و (ف، ي، ز، ظ، ل): «عفر» ، والمثبت من (ب) ومصادر الحديث. والعفرة البياض ليس بالناصع. انظر «النهاية»:(3/ 516).

(2)

وقال المؤلف في «الاختيارات» (ص 462): (ثبت أن عمر شاطر عماله كسعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص ولم يتهمهم بخيانة بينة، بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين، ومن علم تحريم ما ورثه أو غيره وجهل قدره قسمه نصفين) اهـ.

وقد أخرج أبو عبيد في «الأموال» (667)، وابن زنجويه في «الأموال» (996) عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين ــ وكان أميرًا عليها ــ ساءله عمر عما بيده من المال، وأنه قبضه منه.

وذكر الحافظ ابن حجر في «الإصابة» : (1/ 609) أن الزبير أخرج في «الموفقيات» عن جعفر مولى أبي هريرة قال: عزل عمر أبا موسى عن البصرة، وقدامة بن مظعون، وأبا هريرة، والحارث بن وهب أحد بني ليث بن بكر، وشاطرهم أموالهم، فذكر القصة وفيها: وقال للحارث: ما أعبد وقلاص بعتها بمائة دينار؟ قال: خرجت بنفقة معي فتجرت فيها، قال: إنا والله ما بعثناك للتجارة في أموال المسلمين

وانظر «الفقه الاقتصادي لعمر بن الخطاب» (ص 588 - 589).

وهذه المشاطرة مبنية على معرفة ماله قبل الولاية، فقد كان عمر إذا استعمل عاملًا كتب ماله. أخرجه ابن سعد في «الطبقات»:(3/ 307).

ص: 65

فلما تغير الإمام والرعية، كان الواجب على كلِّ إنسان أن يفعل من الواجب ما يقدر عليه، ويترك ما حرم عليه، ولا يحرم عليه ما أباح الله له.

وقد يُبْتَلى الناسُ من الولاة بمن يمتنع من الهدية ونحوها، ليتمكن بذلك من استيفاء المظالم منهم، ويترك ما أوجبه الله من قضاء حوائجهم، فيكون من أخذَ منهم عِوضًا على كَفِّ ظلمٍ وقضاء حاجةٍ مباحة أحبَّ إليهم من هذا، فإن الأول قد باع آخرته بدنيا غيره، وأخسرُ الناسِ صفقةً من باع آخرته بدنيا غيره.

وإنما الواجب كف الظلم عنهم بحسب القدرة، وقضاء حوائجهم التي لا تتم مصلحة الناس إلا بها؛ من تبليغ ذي السلطان حاجاتِهم، وتعريفه بأمورهم، ودلالته على مصالحهم، وصرفه عن مفاسدهم بأنواع الطرق اللطيفة وغير اللطيفة، كما يفعل ذوو الأغراض من الكُتَّاب ونحوهم في أغراضهم، ففي حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:«أبلغوني حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ ذا سلطان حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها ثَبَّتَ الله قدميه على الصراط يوم تزلُّ الأقدام»

(1)

(1)

أخرجه الترمذي في «الشمائل» (336)، والآجري في «الشريعة» (1022)، والطبراني في «الكبير» (22/ 414)، وابن عدي:(7/ 134)، والبيهقي في «الدلائل»:(1/ 285 - 289)، و «الشعب»:(1362) من حديث رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابنٍ لأبي هالة، عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة ــ وكان وصافًا ــ عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مطولًا. قال المزي في «تهذيب الكمال» : (7/ 428): (في إسناد حديثه بعض مَن لا يعرف، وحديثه من أحسن ما روي في وصف حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود وذكر حديث ابن أبي هالة، فقال: أخشى أن يكون موضوعًا) اهـ.

ص: 66

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود في «سننه» عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له عليها هدية فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا»

(1)

.

وروى إبراهيم الحربي

(2)

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: السُّحْت أن يطلب الحاجةَ للرجل، فتُقْضى له، فيُهْدي إليه فيقبلها

(3)

.

وروى أيضًا عن مسروق: أنه كلم ابنَ زياد في مظلمة فردها، فأهدى له صاحبُها وصيفًا فرده عليه وقال: سمعت ابن مسعود يقول: من ردَّ عن مسلم مظلمة فرَزَأه

(4)

عليها قليلًا أو كثيرًا فهو سُحْت. فقلت: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم، قال: ذاك كفر

(5)

.

(1)

أخرجه أحمد (22251)، وأبو داود (3541)، والطبراني في «الكبير» (7853). ضعفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية»:(2/ 267)، وابن القطان في «بيان الوهم»:(4/ 519)، وقال الحافظ في «بلوغ المرام»:(2/ 24): إسناده فيه مقال.

(2)

هذا الأثر وما بعده لعله في كتاب «الهدايا» للحربي الذي سلف نقل المؤلف عنه قريبًا.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» : (4/ 1134).

(4)

(ي، ظ، ل): «فرزقه» ، (ب):«فرزى» .

(5)

أخرجه عبد الرزاق: (8/ 148)، والبيهقي في «الشعب» (5116) من طريق عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق بنحو لفظه، وإسناده صحيح. ومن طريق آخر أخرجه ابن سعد في «الطبقات»:(6/ 81) بنحوه. وبدون ذكر قصة ابن زياد أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» : (4/ 1134)، والطبراني في «الدعاء» (ص 581) وغيرهم.

ص: 67