الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
وإن كان أمرًا قد تنازع فيه المسلمون؛ فينبغي أن يستخرج من كل واحدٍ منهم رأيَه ووجْهَ رأيِه، فأيُّ الآراء كان أشبهَ بكتاب الله وسنة رسوله عُمِلَ به، كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
(1)
.
و
أولو الأمر صنفان؛ الأمراء والعلماء
(2)
، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس، فأكثر ما يُخافُ على الناس ضررهما، وكان السلفُ يحذِّرون فتنتهما: فتنة المبتدع في دينه، والفاجر في دنياه، صاحب هوًى قد أعماه هواه، وصاحب دنيا قد أغوته دنياه، فتنة الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، وفتنة الذين خاضوا كما خاض الذين من قبلهم.
وكانوا يقولون: من نجا من فتنة أهل البدع، وفتنة ذي السلطان نجا
(3)
.
فعلى كلٍّ منهما أن يتحرَّى بما
(4)
يقوله ويفعله طاعةَ الله ورسوله، واتباعَ كتاب الله وسنة رسوله
(5)
، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل
(1)
من قوله «ذلك خير
…
» إلى هنا ساقط من (ظ).
(2)
(ي): «الفقهاء» .
(3)
من قوله: «فأكثر ما يخاف
…
» إلى هنا من الأصل فقط.
(4)
(ي): «فيما» .
(5)
«وسنة رسوله» من الأصل.
عليه الكتاب والسنة= كان هو الواجب، وإن لم يمكن ذلك لضيق الوقت، أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده، أو غير ذلك؛ فله أن يقلد من يرتضي علمَه ودينَه، هذا أقوى الأقوال.
وقد قيل: ليس له التقليد بكل حال
(1)
، وقيل: له التقليد بكل حال، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وغيره.
وكذلك ما يُشْتَرط في القضاة والولاة من الشروط، يجب فعله بحسب الإمكان، بل وسائر شروط
(2)
العبادات؛ من الصلاة والجهاد وغير ذلك، كلُ ذلك واجب مع القدرة، فأمَّا مع العجز فإن الله لا يكلف [أ/ق 74] نفسًا إلا وسعها؛ ولهذا أمرَ الله المصلي أن يتطهَّر بالماء، فإن عدمه أو خاف الضرر باستعماله لشدة البرد أو لجروح به
(3)
أو غير ذلك= تيمم الصعيدَ
(4)
الطيب؛ فمسح بوجهه ويديه منه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:«صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب»
(5)
.
فقد أوجب الله تعالى الصلاة في الوقت على أيِّ حالٍ أمكن، كما قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238 - 239].
(1)
(ف، ي، ب): «بحال» ، وجملة:«وقيل له التقليد بكل حال» سقطت من (ز).
(2)
ليست في (ظ، ب، ل، ط).
(3)
(ي، ظ، ب): «لجراحه» ، (ف، ب، ط): «جراحة» ، ومطموسة في (ز).
(4)
(ي، ظ، ب): «بالصعيد» ، (ل، ط): «صعيدًا طيبًا» .
(5)
أخرجه البخاري (1117).
فأوجب الله الصلاة على الآمن والخائف، والصحيح والمريض، والغني والفقير، والمقيم والمسافر، وخففها على المسافر والخائف
(1)
والمريض والفقير الذي لا يجد طهورًا أو لا يجد مَيْسَرة
(2)
، كما جاء به الكتاب والسنة.
وأسقط ما يعجز عنه العبد من واجباتها، من الطهارة، واستقبال الكعبة، وقراءة الفاتحة، وتكميل الركوع والسجود والقيام
(3)
.
فلو انكسرت سفينة بقوم، أو سلبهم المحاربون ثيابهم؛ صلوا عراةً
(4)
بحسب أحوالهم، وكان
(5)
إمامُهم وسطهم؛ لئلا يرى الباقون عورته.
ولو اشتبهت
(6)
القبلة اجتهدوا في الاستدلال عليها
(7)
، فلو عَمِيَت الدلائلُ صلوا كيف أمكنهم، كما قد رُوي أنهم فعلوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(8)
.
(1)
من قوله: «والصحيح
…
» إلى هنا سقط من (ي).
(2)
«والفقير الذي لا يجد طهورًا أو لا يجد ميسرة» من الأصل.
(3)
العبارة في باقي النسخ: «وكذلك أوجب فيها واجبات من الطهارة والستارة واستقبال القبلة [ف: الكعبة]، وأسقط ما يعجز عنه العبد من ذلك» .
(4)
(ي): «عرايا» .
(5)
(ي، ز): «وقام» .
(6)
(ي، ز): «اشتبهت عليهم» .
(7)
(ي): «إليها» ، وليست في (ف، ب، ل).
(8)
وذلك من حديث عامر بن ربيعة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
أخرجه الترمذي (345)، وابن ماجه (1020)، والدارقطني:(1/ 272)، والبيهقي:(2/ 11) وغيرهم. قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعّف في الحديث. اهـ.
وكذلك لو حُبِس بمكان ضَيِّق، أو كان حال [مساورة العدو]
(1)
وغير ذلك
(2)
، فهكذا الجهاد والولايات وسائر أمور الدين، وذلك كله في قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»
(3)
.
كما أن الله تعالى لما حرَّم المطاعم الخبيثة قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، وقال تعالى:{جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ} [الحج: 78]، وقال تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، فلم يوجب ما لا يُستطاع، ولم يحرِّم ما يُضْطَر إليه إذا كانت الضرورة بغير معصية من العبد.
فصل
ولاية
(4)
أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا تمام
(5)
للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم
(1)
في الأصل: «مسارة العدد» ! والأصح ما أثبت.
(2)
من قوله: «وكذلك لو
…
» إلى هنا من الأصل.
(3)
أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
العبارة في بقية النسخ: «يجب أن يعرف أن ولاية
…
».
(5)
بقية النسخ: «قيام» .
إلى بعض تعاونًا وتناصرًا؛ يتعاونون على جلب المنفعة، ويتناصرون لدفع المضرة، إذ الواحد منهم لا يقدر وحده على جلب جميع منافعه، ودفع جميع مضارِّه
(1)
.
ولابد
(2)
لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثةٌ في سفر فليؤمِّروا
(3)
أحدهم» رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة
(4)
.
وروى الإمام أحمد في «المسند»
(5)
عن ابن عَمرو
(6)
رضي الله عنهما
(7)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلُّ لثلاثة يكونوا بفلاةٍ من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدَهم» .
فأوجب صلى الله عليه وسلم تأميرَ الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع التي هي أكثر وأدْوَم، ولأن الله تعالى أوجب
(8)
الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، ولا يتمُّ ذلك إلا بقوَّة وإمارة،
(1)
من قوله: «تعاونًا وتناصرًا
…
» إلى هنا من الأصل.
(2)
تحرفت في الأصل: «ولأنه» !
(3)
(ي): «فأمروا» وعلق بالهامش: «لفظه في سنن أبي داود: فليؤمروا» .
(4)
(2608، 2609). قال النووي في «رياض الصالحين» (ص 299): إسناده حسن. وكذا الألباني في «الصحيحة» (1322).
(5)
(6647) وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(6)
في الأصل و (ي، ظ): «عمر» خطأ.
(7)
من أول الفقرة إلى هنا ساقط من (ظ).
(8)
(ف) بدلا من «التي هي
…
أوجب» = «وجوب» . وقوله: «بذلك على سائر أنواع» تكرر في (ب)، و «التي هي أكثر وأدوم» من الأصل، وما بعدها في (ظ):«ويدل على ذلك أن واجب» .
وكذلك سائر ما أوجب [أ/ق 75] من الجهاد والعدل، وإقامة الحج والجُمَع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود= لا تتم إلا بالقوة والإمارة؛ ولهذا رُوي:«إن السلطانَ ظلُّ الله في الأرض»
(1)
، ويقال:«ستونَ سنة من إمامٍ جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان»
(2)
.
والتجربة تبيِّن ذلك، فإن الوقت والمكان الذي يعدم فيه السلطان بموت أو قتل، ولم يقم غيره، أو تجري فيه فتنة بين طائفتين، أو يخرج أهله على حكم سلطان، كبعض أهل البوادي والقرى= يجري فيها من الفساد في الدين والدنيا، ويفقد فيه من مصالح الدنيا والدين ما لا يعلمه إلا الله.
ولهذا كان السلف ــ كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم ــ يُعَظِّمون قدرَ نعمة الله به، ويرون الدعاء له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى، مع عدم الطمع في ماله ورئاسته، ولا لخشية منه، ولا لمعاونته على الإثم والعدوان
(3)
.
(1)
أخرجه العُقيلي في «الضعفاء» : (3/ 353 - 354)، وأبو نعيم في «فضيلة العادلين ــ مع تخريجه» (32)، والبيهقي:(8/ 162) من حديث أنس رضي الله عنه. قال العقيلي: حديث منكر. وقال الأزدي: غير محفوظ. وللحديث روايات عن عدد من الصحابة وكلها ضعيفة.
(2)
نسبه المصنف لبعض العقلاء في «الفتاوى» : (20/ 54، 30/ 136).
(3)
من قوله: «فإن الوقت والمكان
…
» إلى هنا من الأصل فقط. وانظر بعض آثار السلف في ذلك: «السنة» (14)، و «فضيلة العادلين» (48)، و «الحلية»:(8/ 91)، و «جامع بيان العلم»:(1/ 644 - 647)، و «الفتاوى»:(18/ 391).
(1)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَّاه أمركم»
(2)
.
وقال: «ثلاثٌ لا يغلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ ولاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تُحيط من ورائهم
(3)
»
(4)
.
وهذان حديثان حسنان
(5)
.
وفي «الصحيح»
(6)
عنه أنه قال: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة
(7)
»، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
(1)
قبله في باقي النسخ ــ وهو اختصار لما سلف في الأصل ــ: «ولهذا كان السلف ــ كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما ــ يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان» .
(2)
(ي، ز) زيادة: «رواه مسلم» وهو فيه (1715) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
الجملة الأخيرة من بقية النسخ.
(4)
أخرجه أحمد (21590)، وأبو داود (3660)، والترمذي (2656)، وابن ماجه (230)، وابن حبان «الإحسان» (680)، وغيرهم، كلهم من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
قال الترمذي: حديث حسن. وصححه ابن حبان.
وله شاهد من حديث أنس أخرجه أحمد (13350)، وابن ماجه (236).
(5)
هذه الجملة مكانها في (ي، ز): «رواه أهل السنن» ، وهي في (ظ) بالإفراد:«هذا حديث حسن» . وقد رأيتَ أنَّ أحدهما في مسلم.
(6)
أخرجه مسلم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
(7)
جملة «الدين النصيحة» في (ظ) مرة واحدة.