المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فصل   و‌ ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه] (1) كالقذف - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌أحدهما: الولايات

- ‌ الولاية لها ركنان: القوة، والأمانة

- ‌فصلاجتماع القوة والأمانة في الناس قليل

- ‌كثيرًا ما يحصل للرجل إحدى القوتين دون الأخرى

- ‌فصلالقسم الثاني من الأمانات(1): الأموال

- ‌هذا القسم يتناول الرُّعاة(7)والرعية

- ‌ليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم

- ‌فصل(1)الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:

- ‌ يجتمع مع الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين

- ‌لم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوانٌ جامع

- ‌كثيرًا ما يقع الظلم من الولاة والرعية

- ‌الظالم يستحق العقوبة والتعزير

- ‌ التعاون نوعان

- ‌المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر، ومسلم

- ‌كثيرًا ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل

- ‌ صلاح البلاد والعباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إذا كان المحاربون الحرامية جماعة

- ‌ المقتتلون على باطل لا تأويل فيه

- ‌ إذا شَهَروا السلاح ولم يقتلوا نفسًا

- ‌ التمثيل في القتل

- ‌لو شَهَر المحاربون السلاح في البنيان

- ‌من آوى محاربًا أو سارقًا

- ‌ الواجب على من استجار به مستجير:

- ‌إذا قُطِعت يده حُسِمت

- ‌ تُقْطَع يده إذا سرق نصابًا

- ‌ الطائفة الممتنعة، لو تركت السنة الراتبة

- ‌ نفقةُ الإنسان على نفسه وأهله مقدَّمة على غيره

- ‌القتل ثلاثة أنواع:

- ‌من قَتَل بعد العفو أو أَخْذ الدِّية

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع(7)الثالث:

- ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه]

- ‌ حدُّ(2)القذف

- ‌أولو الأمر صنفان؛ الأمراء والعلماء

- ‌الواجب اتخاذ الإمارة(3)دينًا وقُربة

الفصل: فصل   و‌ ‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه] (1) كالقذف

فصل

و‌

‌إذا كانت المَظْلَمة في العِرْض مما لا قصاص [فيه]

(1)

كالقذف وغيره؛ فيه العقوبة بالحدّ في القذف، وبالتعزير في غيره.

أما‌

‌ حدُّ

(2)

القذف

؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4 - 5]

(3)

.

(4)

وهذا الحد ــ حد القذف ــ مُسْتحقه المقذوف، فلا يُستوفى إلا بطلبه باتفاق الفقهاء، فإن عفا عنه سقط عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه؛ لأنَّ المُغَلَّب فيه حق الآدمي، كالقصاص والأموال.

(1)

زيادة لازمة لاستقامة السياق.

(2)

انظر ما سبق (ص 144). والعبارة في بقية النسخ: «وإذا كانت الفرية ونحوها لا قصاص فيها، ففيها العقوبة بغير ذلك، فمنه حد القذف [ظ: القاذف للقذف] الثابت

».

(3)

بعده في باقي النسخ عبارة: «فإذا رمى الحرُّ محصنًا بالزنا أو التلوُّط فعليه حد [ظ: جلد] القذف، وهو ثمانون جلدة، وإن رماه بغير ذلك عُوقِب تعزيرًا» وما في صدر الفصل هو معنى هذه العبارة.

(4)

من هنا إلى أخر الفصل يزيد الأصل على بقية النسخ بجمل وعبارات وأسطر، لم أشر إليها في كل موضع حتى لا تثقل النص، واكتفاءً بهذا الإجمال.

ص: 214

وقيل: لا يسقط تغليبًا لحق الله تعالى [أ/ق 67] لعدم المماثلة كسائر الحدود، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية

(1)

.

وإنما يجب حدُّ القذف إذا كان المقذوف محصنًا؛ وهو المسلم، الحر، العفيف، وأما المشهور بالفجور فلا حدَّ على قاذفه، وكذلك الكافر والرقيق

(2)

، لكن يُعَزَّر القاذف.

وهذا في غير الزوج، إذ لا حاجة به إلى القذف وإن كان صادقًا؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

أما

(3)

الزوج فإنه يجوز له أن يقذف المرأة إذا زنت ولم تحبل من الزنا، فإن حَبِلَت منه وولدت، فعليه أن يقذفها وينفي ولدَها، لئلا يلتحق به من ليس منه، ويصير ذا رحم لأقاربه ومَحْرَمًا لنسائه.

فإذا قذفها فإما أن تقرَّ هي بالزنا وإما أن تنكر، فإن أنكرت فله أن يلاعنها، كما ذَكر الله في الكتاب، وذُكِر في السنة.

ولو كان القاذف عبدًا فعليه نصف حدِّ الحر، وكذلك في جلد

(4)

الزنا والشرب؛ لأن الله تعالى قال في الإماء: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، وإذا كان الواجب القتل أو القطع لليد؛ فإنه لا يُنَصَّف.

(1)

انظر «كتاب التمام» : (2/ 181) لابن أبي يعلى، و «المغني»:(12/ 386).

(2)

(ي، ب): «والزنديق» !

(3)

بقية النسخ: «إلا» .

(4)

(ظ): «حد» .

ص: 215

فصل

(1)

ومن الحقوق: الأبضاع، فالواجب الحُكم بين الزوجين بما أمر الله تعالى به من إمساكٍ بمعروف أو تسريحٍ بإحسان، وعليها طاعته وحِفظ الغيب في نفسها وماله كما أمر الله تعالى. ويجب على كلٍّ من الزوجين أن يؤدِّي إلى الآخر حقوقَه بطِيب نفسٍ وانشراح صدرٍ.

(2)

فأما المرأة؛ فلها عليه حقٌّ في ماله، ولها حقٌّ في بدنه، فأما المال؛ فالصداق والنفقة بالمعروف. فإن كان الصداق حالًّا ــ وهو الذي يسمى:

(1)

ملخص الفصل كما في بقية النسخ ــ وضعنا الفروق المهمة بين الأقواس ــ: «فإن للمرأة على الرجل حقًّا في ماله وهو الصداق والنفقة بالمعروف، وحقًّا في بدنه وهو العشرة والمتعة، بحيث لو آلى منها استحقت الفرقة بإجماع المسلمين، وكذلك لو كان مجبوبًا أو عنينًا لا يمكنه جماعها فلها الفرقة. ووطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء.

وقد قيل: إنه لا يجب اكتفاء بالباعث الطبعي [ظ: الطبيعي]، والصواب أنه واجب كما دل عليه الكتاب والسنة والأصول، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لما رآه يكثر الصوم والصلاة:«إن لزوجك عليك حقًّا» .

ثم قيل: يجب عليه وطؤها كل أربعة أشهر مرة، وقيل: يجب وطؤها بالمعروف على قدر قوته وحاجته كما تجب النفقة بالمعروف كذلك وهذا أشبه. وللرجل عليها أن يتمتع بها متى شاء ما لم يضرّ بها أو يشغلها عن واجب، فيجب عليها أن تمكنه كذلك [ي: من ذلك].

ولا تخرج من منزله إلا بإذنه أو بإذن الشارع. واختلف الفقهاء هل عليها خدمة المنزل كالفرش والكنس والطبخ ونحو ذلك؟ فقيل: يجب عليها، وقيل: لا يجب، وقيل: يجب الخفيف منه [ب: ونحو ذلك]».

(2)

من هنا إلى آخر الفصل (ص 216) من الأصل فقط.

ص: 216

المقدَّم ــ فتستحق مطالبته به قبل الدخول. وأما المؤجَّل إلى أجل مسمى ــ وهو الذي تسميه الناس: المؤخر ــ قد جرت عادةُ البواهل

(1)

هذا الزمان بأن يتزوجوا المرأة على مهرٍ مقدَّم ومهرٍ مؤخَّر، ويَشْتِرطا على ذلك قبل العقد عند الخِطبة غالبًا، ثم إذا عقدوا النكاح سمَّوا الجميعَ وأطلقوا، ولم يتعرضوا للفظ مقدَّم ولا مؤخَّر.

والشرطُ المتقدم على العقود بمنزلة المقارن

(2)

عند عامة السلف، وهو المشهور من قول مالك وأحمد وغيرها، وعليه يدل الكتاب والسنة.

وإذا تزوجها على مقدَّم ومؤخَّر ولم يسمِّ أجلًا، فقد اختلف الفقهاء في صفحة هذه التسمية، وأكثر السلف على صحَّتها؛ لأن ما يقابلها من المنفعة ليس بمؤجَّل إلى أجل مسمى، بخلاف المنفعة في الإجارة.

ثم تنازعوا متى يحل المؤجَّل؟ فقال كثير منهم ــ أو أكثرهم ــ: يحل إذا تفرقا بموت أو طلاق ونحوه، وهذا مذهب أحمد وغيره. وعلى هذا فلا يستحق عامة نساء هذه الأزمان مطالبة الزوج بالمؤخَّر من الصداق حتى يتفارقا، وهذا هو الصواب؛ فإن الرجل لم يدخل على أنه حالٌّ عليه بمنزلة المقدَّم، وبمنزلة ما يحل من الأيمان والأجور، ولا المرأةُ ــ أيضًا ــ دخلت على أنها تتقاضى ما كان لها حالًّا من المقدَّم والثمن والأجرة، وإنما تتقاضاه حالِّيًّا عند مضارَّة الرجل لغرضٍ فاسدٍ يريد أن يفعله، أو لتخليه إلى طلاقها،

(1)

جمع باهل، وهي المرأة إذا خلت من الزوج وليس لها ولد. «المعجم الوسيط»:(1/ 74).

(2)

الأصل: «القارن» .

ص: 217

أو إلى منعه

(1)

من نفسها، أو أن تذهب حيث شاءت. وأكثر الضرار الحاصل من [أ/ق 68] النكاح من جهة تكثُّر المرأة من المطالبة بالمؤخَّر من الصداق.

ومن تأمل أحوالَ الناس علم ما في ذلك من الفساد الذي لا تأتي به سياسةُ عاقل فضلًا عن شريعة الإسلام، حتى تنكره العامة بطباعها، لا سيما إذا أُضِيف إلى ذلك قبول قولها في عدم قبض النفقة مع عدمها سكنها في منزله خمسين سنة، وليس لها جهة معلومة إلا هو، ونحو ذلك من الأحكام التي قد زلَّ بعضُ العلماء فحَصَل منهم من تلك المزلَّة من الشر ما ينافي الشريعة.

وأما النفقة فهي

(2)

بالمعروف في ذلك المكان في ذلك الزمان، وهي عند جمهور الفقهاء كأبي حنيفة ومالك وأحمد ليست مقدَّرةً بالشرع قدرًا [و] لا حدًّا

(3)

، بل هي معلومة بعرف، تزيد وتنقص بحسب حال الزوج، وفي اعتبارها بحال المرأة خلافٌ في مذهب أحمد وغيره.

وهل يجب تمليك المرأة ذلك ــ وهو الذي يسمى: الأكل ــ كالفرض أم يكفي تمكينها من الأكل في المنزل كما جرت به أعراف

(4)

الناس وعادتهم قديمًا وحديثًا؟ فيه قولان للفقهاء، والثاني أشْبَهُهما بالكتاب والسنة، فإنه لم يُعْرَف على عهد السلف امرأة كانت تأكل بالفرض، وهذا هو المعروف الذي

(1)

الأصل: «تتبعه» تحريف.

(2)

الأصل: «فهو» وكذا الضمير بعده.

(3)

الأصل: «قدرًا لا حدًّا» ، والصواب ما أثبت، وانظر «الفتاوى»:(34/ 83 - 85)، و «زاد المعاد»:(6/ 79 وما بعدها).

(4)

الأصل: «عرف» .

ص: 218

أمر الله به

(1)

.

واختلفوا ــ أيضًا ــ هل وجبت النفقة على وجه الصِّلة

(2)

كنفقة الأقارب، أم على وجه المعاوضة كالصداق والأجرة؟ على قولين، فالأول قول أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه. والثاني هو قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه.

وبنوا على ذلك أنها على القول الأول تسقط بمضيّ الزمان إذا لم يفرضها حاكم، ولا تستحق فسخ العقد بإعسار

(3)

الزوج. وعلى الثاني لا تسقط بمضيِّ الزمان كالأجرة، وتستحق الفسخ بعجزه عنها، كعجزه عن الوطء، وكذلك بامتناعها منه في الصحيح.

وأما حقها في بدنه فشيئان: العِشرة والمتعة، بحيث لو كان عاجزًا عن الوطء، لكونه مجبوبًا استحقت الفسخ عند العلماء قاطبة، وكذلك لو كان عِنِّينًا على خلافٍ شاذٍّ فيه.

ولو آلى منها ــ وهو أن يحلف بالله أنه لا يطؤها مطلقًا أو مدةً تكون أكثر من أربعة أشهر ــ فإنها تستحق الفُرقة باتفاق المسلمين، كما دل عليه القرآن العظيم في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227] لكنَّ أكثرهم يقولون: إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يُمَكِّن وإما أن يطلق، ومنهم

(1)

انظر «الفتاوى» : (34/ 88 - 89).

(2)

الأصل: «العلم» . وانظر «الفتاوى» (34/ 78).

(3)

الأصل: «النفقة باعتبار» وهو تحريف.

ص: 219

من يقول: بل يقع الطلاق بِمُضيِّ أربعة أشهر إذا لم يفئ منها.

والعِشرة التي هي القَسم ابتداء، والمتعة التي هي الوطء= واجب عليه كما دل عليه الكتاب والسنة والأصول، بل هو مقصود النكاح، واقتضاء الطبع لا ينافي الوجوب، كما لا ينافي وجوب الأكل والشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عَمرو

(1)

رضي الله عنهما لما رآه يسرد الصوم: «إن لزوجكَ عليكَ حقًّا»

(2)

، ولولا استحقاق الوطء لما ملكت فسخ النكاح بعجزه على الوطء، وامتناعه بالدين.

ثم قد قيل: الواجب مرة في كل أربعة أشهر؛ لأنها مدة التربُّص في الإيلاء. وقيل: يجب وطؤها بالمعروف على قدر قُوَّته وحاجتها، كما تجب النفقة بالمعروف كذلك، وكما أن الواجب له يستحقه بالمعروف على [أ/ق 69] قدر قوتها وحاجته. والحاكم يقدِّر ما تستحقه من الوطء عند التنازع، كما يقدر ما يستحقه هو، وكما يقدر النفقة ومهر المثل، وكلا القولين في مذهب أحمد وغيره. والثاني أشبه بالكتاب والسنة والأصول ومصلحة الخلق، ولا تُقْضى حاجة الناس ويزول الضرر إلا به.

وأما حق الرجل عليها؛ فقد روى مسلم في «صحيحه»

(3)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوانٍ عندكم، وأنكم

(4)

أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم أن لا يوطِئنَ

(1)

الأصل: «عمر» خطأ.

(2)

أخرجه البخاري (1974)، ومسلم (1159).

(3)

(1218) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

الأصل: «وأنهن» .

ص: 220

فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلنَ ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف».

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرأةٍ يدعوها زوجُها إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى تصبح» أخرجاه في «الصحيحين»

(1)

.

وقال: «لو كنتُ آمرًا أحدًا بالسُّجود لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها»

(2)

.

وروى أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قدم معاذ الشام فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فرأى في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يُعَظَّم، فلما قدم قال: يا رسول الله، رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فرأيتُ في نفسي أنك أحق أن تعظَّم، فقال:«لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدِّي المرأةُ حقَّ الله تعالى كلَّه حتى تؤدِّي حقَّ زوجها كله، ولو سألها نفسَها على ظهر قَتَبٍ لأعطته إيَّاه»

(3)

.

وهذا متفق عليه بين الفقهاء: أن له أن يستمتع بها متى ما شاء ما لم يضرّ

(1)

البخاري (5194)، ومسلم (1436) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الترمذي (1159)، وابن حبان (4162)، والبيهقي:(7/ 291) قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وصححه ابن حبان.

وله شاهد من حديث عائشة، وأنس، وقيس بن سعد، ومعاذ، وابن أبي أوفى ــ وهو الآتي ــ رضي الله عنهم.

(3)

أخرجه أحمد (19403)، وابن ماجه (1853)، وابن حبان (4171)، والبيهقي:(7/ 292). وانظر ما قبله.

ص: 221

بها أو يشغَلْها عن فرض، فعليها أن تُمكِّنه.

كذلك ولا تخرج من منزله إلا بإذنه أو إذن الشارع، فإنها عانية عنده، والعاني: الأسير.

وينبغي له إذا استأذنته أن تخرج إلى الصلاة أن لا يمنعها إذا لم يكن فيه مفسدة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ»

(1)

. وكذلك لا يمنعها عيادة

(2)

مرضى أهلها وتعزيتهم.

وهل له حق في بدنها من الخدمة، مثل الفرش والكنس والطبخ ونحو ذلك؟ اختلف الفقهاء فيه، فقيل: يجب عليها، وقيل: لا يجب، وقيل: يجب الخفيف منه، كالذي اقتضاه العُرف، وهو يختلف باختلاف عادات الناس.

* * * *

(1)

أخرجه البخاري (900)، ومسلم (442) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

الأصل: «إعادة» .

ص: 222

فصل

(1)

(1)

ملخص الفصل كما في بقية النسخ: (وقد تنازع المسلمون في مسائل من ذلك، وكذلك في المعاملات من البياعات [ظ: المبايعات، ب: المبيعات] والإجارات والوكالات والمشاركات والهبات والوقوف والوصايا ونحو ذلك من المعاملات المتعلقة بالعقود والقبوض، فإن العدل فيها هو قوام العالمين لا تصلح الدنيا والآخرة [لا: ز] إلا به.

فمن العدل فيها ما هو ظاهر يعرفه كل أحد بعقله، كوجوب تسليم الثمن على المشتري وتسليم المبيع على البائع للمشتري وتحريم تطفيف المكيال والميزان ووجوب الصدق والبيان وتحريم الكذب والخيانة والغش، وأن جزاء القرض الوفاء والحمد.

ومنها ما هو خفي حتى جاءت به الشرائع أو شريعتنا أهل الإسلام فإن جمهور [ظ: عامة] ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم دقه وجله، مثل أكل المال بالباطل وجنسه من الربا والميسر وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم مثل: بيع الغرر وبيع حَبَل الحبلة وبيع الطير في الهواء والسمك في الماء والبيع إلى أجل غير مسمى وبيع المصراة وبيع المدلس والملامسة والمنابذة والمزابنة والمحاقلة والنجش وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وما نهى عنه من أنواع المشاركات الفاسدة كالمخابرة بزرع بقعة بعينها من الأرض.

ومن ذلك ما قد تنازع فيه المسلمون لخفائه واشتباهه، فقد يرى هذا العقد والقبض صحيحًا عدلًا وإن كان غيره يرى فيه جورًا يوجب فساده، وقد قال الله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه، إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرّمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دون الله ما لم يحرمه الله، وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانًا، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته).

ص: 223

وأما الحكم في

(1)

الأموال؛ فيجب الحكم بين الناس فيها بالعدل كما أمر الله ورسوله، مثل قَسْم المواريث بين الورثة على ما جاء به الكتاب والسنة.

(2)

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه، ولا وصية لوارث»

(3)

ولما ذكر الله الفرائض ــ فرائض عمود النسب من الأصول والفروع وفرائض الأطراف من الزوجين والكلالة ــ قال سبحانه وتعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13 - 14].

(1)

«الحكم في» من الأصل.

(2)

من هنا إلى آخر الفصل (ص 226) من الأصل فقط.

(3)

هذا الحديث روي من طريق جماعة من الصحابة، منها حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أخرجه أحمد (22294)، وأبو داود (2862)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713)، والدارقطني:(3/ 40)، والبيهقي:(6/ 212) وغيرهم.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (وفي التحفة والبدر: حسن فقط). قال ابن الملقن في «البدر المنير» : (7/ 264 - 269): وهو كما قال؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم، وهو حمصي من أهل الشام. وحَسَّنه الحافظ في «التلخيص»:(3/ 106).

ص: 224

فيُمْنَع المريض أن يخص بعضَ الورثة بعطيَّة أو وصية، أو يحتال على ذلك، أو يَشهدوا على إقرار قد [أ/ق 70] لُقِّنوه أو عَرَفوا بطلانه، ولذلك تورَّث النساء والصِّغار بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، وما قد عاد إليه كثير من الأعراب، ويسوَّى بين من سوَّى الله بينه وبين ولد الحرَّة والأمة.

وقد تنازع الصحابة ومن بعدهم في بعض مسائل الفرائض، كالجد مع الإخوة والمشرَّكة والعمريتين وغير ذلك.

وكذلك العلم بالعدل [في]

(1)

المعاملات؛ من البِياعات

(2)

والإجارات والوكالات والمشاركات والهبات والوقوف والوصايا، ونحو ذلك من المعاملات المتعلقة بالعقود والقبوض، فإنَّ العدلَ فيها هو قِوام العالمين لا تصلح الدنيا والآخرة إلا به.

فمن العدل فيها ما هو ظاهرٌ يعرفه كلُّ أحد بعقله، وهو من المعروف الذي قال الله تعالى:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [الأعراف: 157]، كوجوب تسليم الثمن على المشتري، وتسليم المبيع على البائع، وتحريم تطفيف المكاييل والموازين، ووجوب الصِّدق والبيان، وتحريم الكذب والخيانة والغش، وأن جزاء القرض الوفاء والحمد

(3)

.

ومنها ما هو خفيٌّ على العقول حتى جاءت به الشرائع وشريعتنا أهل الإسلام، فإن جمهور ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات تعود إلى

(1)

الأصل: «و» .

(2)

البياعات: الأشياء التي يُتبايع بها في التجارة. انظر «اللسان» : (8/ 23).

(3)

الأصل: «الحد» وهو تحريف. وانظر «الفتاوى» : (30/ 350).

ص: 225

تحقيق العدل والنهي عن الظلم دِقِّه وجلِّه، مثل أكل المال بالباطل الذي حرَّمه القرآن، وذَكَر جِنْسَيه: الربا والميسر، ومثل أنواع الربا

(1)

والميسر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل بيع الغَرَر، وبيع حَبَل الحَبَلة، وبيع الطير في الهواء، والسَّمك في الماء، والبيع إلى أجل غير مسمى، وبيع المصرَّاة، وبيع المدلَّس، وبيع الملامسة، والمنابذة، والمزابنة، والمحاقلة، والنَّجَش، وبيع الثَّمَر قبل بُدُوِّ صلاحه، وغير ذلك، وهي نحو أربعين نوعًا من البيع.

وما نهى عنه من أنواع المشاركات الفاسدة؛ كالمخابرة بزرع بقعة من الأرض، ومن ذلك ما قد تنازع فيه المسلمون لخفائه

(2)

أو اشتباهه.

وقد يرى أحدُهما أنَّ العقد والقَبْض عدلٌ لا جورَ فيه، فيكون صحيحًا، وإن كان الآخر يظن أنه مشتمل على جَور يكون به فاسدًا. وقد قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

والأصل في هذا: أنه لا يُحَرَّم على الناس في المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دلَّ الكتابُ والسنةُ على تحريمه، كما لا يُشْرَع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دلَّ الكتاب أو السنة على شرعه؛ إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حَرَّمه الله، بخلاف الذين ذمَّهم الله، حيث حرَّموا من دون الله ما لم يحرمه وأشركوا بالله ما لم ينزلِّ به سلطانًا، وشرعوا من الدين

(1)

الأصل: «الزنا» .

(2)

تحرفت في الأصل إلى: «لحقانه» !

ص: 226

ما لم يأذن به الله. اللهم فوفّقنا لأن نجل الحلال ما حللته، والحرام ما حرَّمته، والدين ما شَرَعْته.

وعلى ولي الأمر أن يتقدم بالنهي عن المعاملات المحرَّمة وعقوبة فاعليها مثل الغِش، فقد روى مسلم في «صحيحه»

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرة طعام فأدخل يدَه فيها فنالت

(2)

أصابعه [أ/ق 71] بللًا فقال: «ما هذا يا صاحبَ الطعام؟!» قال: أصابته السماءُ يا رسول الله، قال:«أفلا جعلتَه فوقَ الطعام حتى يراه الناسُ، من غشَّ فليسَ منِّي» وفي رواية

(3)

: «من غَشَّنا فليسَ مِنَّا» .

والغِشُّ: اسم جامع لكل من أظهر من المبيع خلافَ باطنه، مثل الذين يحسِّنون ظاهر الأطعمة من الثمار والحبوب ونحوها، ويجعلون الرديء في باطنها، ويفعلون مثل ذلك في الحيوان؛ كتصرية الإبل والغنم، وهو أن يجمع اللبن في ضرعها يومين أو ثلاثة ثم يبيعها، فيظن المشتري أنها تحلب كلَّ يوم بقدر ما في الضرع، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعدُ فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر» أخرجاه في «الصحيحين»

(4)

.

ومثال ذلك: تحمير وجه الجارية، وتسويد شعرها وتجعيده.

(1)

(102).

(2)

تحرفت في الأصل إلى: «فسالت» !

(3)

أخرجها مسلم (101) من حديث أبي هريرة أيضًا بلفظ: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشَّنا فليس منا» .

(4)

البخاري (2148)، ومسلم (1515/ 11) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 227

وكذلك الغش في الصناعات، كمن يصنع للناس بالأجرة، أو من

(1)

يصنع لنفسه ثم يبيع الناس؛ من النساجين، والطباخين، والخبازين، والشوَّائين، والطحَّانين، والمناديين، والسَّماسرة= فإنّ الغشّ يكثر في هؤلاء، وهو من الخيانة وعدم النصيحة.

وفي «الصحيح»

(2)

عن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على النُّصْحِ لكلِّ مسلم.

وفي «الصحيحين»

(3)

عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صَدَقا وبيَّنا بُورِكَ في بيعهما وإن كَذَبا وكتما مُحِقت بركة بيعِهما» .

ومن أعظم الغش: الغش في جنس الأثمان؛ من الدراهم والدنانير والمصوغ منهما، فلا يمكن أحدًا أن يضرب الدراهم والدنانير [إلا] بأمر السلطان خوفًا من الغش، ولا يجوز لذي سلطان أن يكسر سكة المسلمين ليربح فيها، أو لأجل كتابة اسم، فقد روى أبو داود في «سننه»

(4)

أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

العبارة في الأصل: «أما من

أو لمن» والصواب ما أثبت.

(2)

أخرجه البخاري (57)، ومسلم (56).

(3)

البخاري (2079)، ومسلم (1532).

(4)

(3449).

وأخرجه أحمد (15457)، وابن ماجه (2263)، والحاكم:(2/ 31)، والبيهقي:(6/ 33)، والعقيلي في «الضعفاء»:(4/ 125) وغيرهم من حديث عبد الله المزني.

تفرد به محمد بن فضاء الأزدي عن أبيه، وقد ضعفه ابن معين والنسائي، وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه، وقال ابن حبان: منكر الرواية، حدَّث بدون عشرة أحاديث كلها مناكير، لا يتابع على شيء منها فبطل الاحتجاج به. وأبوه مجهول. انظر «تهذيب الكمال»:(6/ 474 - 475).

ص: 228

نهى عن كَسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس.

وقال بعض السلف: كسر سكة المسلمين من الفساد في الأرض.

وقد قيل: إنه مما عابه الله عز وجل على قوم شعيب حيث قال: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85].

نعم يجوز كسر السِّكة المغشوشة، فإن الناس إذا مُكِّنوا من ذلك لم يتبين مقدار الغش. وقد روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن شَوْب اللبن بالماء للبيع

(1)

. يعني أنه يجوز أن يُشاب اللبن للشرب، فأما البيع فلا يجوز وإن علم المشتري أنه مشوب؛ لأنه لا يتبين مقدار الشَّوْب.

ومن أعظم أنواع الغش: الكيمياء

(2)

، وهو عمل ما يشبه الذهب والفضة، وكذلك يعمل ما يشبه الجواهر والطِّيب من المِسك والزعفران والعنبر وغير ذلك. ومعنى الكيمياء: الشَّبَه. فإن ذلك كله محرم، إذ لا يكون المصنوع مثل المخلوق قط، وإنما غايته أن يُشَبَّه به في الظاهر وفي بعض صفاته.

(1)

أخرجه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» : (2/ 116) عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعًا.

(2)

انظر في الكلام عليها مطولًا: «مجموع الفتاوى» : (29/ 368 - 391). ولابن القيم رسالة مفردة في بطلان صناعة الكيمياء وذلك من أربعين وجهًا، ذكرها في كتابه «مفتاح دار السعادة»:(2/ 93)، وقد نُمي إلينا خبر وجودها.

ص: 229

ولم يخلق الله شيئًا وجعلَ للخلق سبيلًا أن يخلقوا كخلقه ولا أقدرهم [أ/ق 72] على [أن] ينقلوا نوعًا من أنواع خلقه إلى نوع آخر، وإنما صنَعَ الناسُ الزجاجَ، لأن الله لم يخلق زجاجًا كما خلقَ ذهبًا وفضة.

وقد اتفق عقلاء بني آدم على أن غاية الكيمياء الزَّغَل الجيد الذي لا ينكشف إلا بعد مدة طويلة، ولا يتعلَّق بها إلا أحد رجلين: قليل العقل يعتقد صحَّتها، أو قليل الدين يستحل إنفاق المغشوش. وما يُذكر فيها من الحكايات الصحيحة غايته المغشوش الجيد الذي يروج على خلقٍ من النقَّاد، فالإنكارُ على هذا الضرب وعقوبتهم من أعظم الواجبات. وأكثر ما فسَدَ حالُ كثير من الناس من هذا الوجه، ولهذا لم يذكر الفقهاء ما يجب في الكيمياء كما يجب في المعدن والركاز، إذ كان للركاز حقيقة، وهي الكنوز العادية التي تسمى المطالب، وليس للكيمياء حقيقة.

ومن ادعى على النبي صلى الله عليه وسلم أو على موسى ــ عليه السلام ــ أنه كان يَعْملها أو يُعَلِّمها فقد كذب وافترى. وجابر بن حيَّان الذي تُعْزَى

(1)

إليه مصنفاتها مجهولٌ كثير التخليط والتناقض

(2)

.

(1)

الأصل: «بعدي» !

(2)

وقال المصنف أيضًا في «مجموع الفتاوى» : (29/ 374): «وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية، فمجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين» اهـ.

وقال عنه القفطي: الصوفي الكوفي كان متقدمًا في العلوم الطبيعية بارعًا منها في صناعة الكيمياء وله فيها تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة، وكان مع هذا مشرفًا على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدًا للعلم المعروف بعلم الباطن.

وقال ابن خلدون وهو يتكلم عن علم السحر والطِّلَّسمات: «ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة، فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة، وغاص في زبدتها واستخرجها ووضع فيها عدة من التآليف. وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء، لأنها من توابعها

». «مقدمة ابن خلدون» : (1/ 303).

وانظر ترجمته ــ على شُحِّها ــ في: «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» : (1/ 209)، و «وفيات الأعيان»:(1/ 327)، و «الوافي بالوفيات»:(11/ 34)، و «فوات الوفيات»:(1/ 275)، و «كشف الظنون»:(2/ 1529 - 1530)، و «الأعلام»:(2/ 103) للزركلي.

ص: 230

والكيمياء من جنس السيمياء، وهو السحر الذي يُخَيِّل الشيَّ بخلاف ما هو عليه، كما حكى الله تعالى عن سَحَرة قوم فرعون أنهم قالوا لموسى:{إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 65].

فيقال

(1)

: إنهم تحيلوا على ذلك بزئبق وضعوه فيها، فلما حمي الحرُّ تحرَّك الزئبق بها. وهو نظير ما يفعله رهبان النصارى من المخاريق والمصعون

(2)

، ممن

(3)

ينسب إلى الصلاح بلا حقيقة. وكل هذا من نوع الكذب والنفاق والغش والخديعة والمكر، وكل هؤلاء يستحق العقوبة البالغة؛ لما فيهم من الضرر على أنفسهم وعلى الناس في دينهم ودنياهم.

فأما معرفة هذه الأشياء بلا غشٍّ

(4)

لأحد لكن لمعارضة المُبْطِل وكشف

(5)

غِشِّه وتدليسِه= فإنه قد ينتفع بذلك، إذ لولا معرفة ذلك عند أهل

(1)

الأصل: «فقال» .

(2)

كذا في الأصل! و «المخاريق» تصحفت إلى «البحاريق» .

(3)

مشتبهة في الأصل.

(4)

رسمها في الأصل: «عسر» !

(5)

الأصل: «وكيف» ولعلها ما أثبت.

ص: 231

الحق لنفق

(1)

الباطل عند كثير ممن لا يعرفها.

نعم قد يخرق العادة لمن شاء من عباده بمعجزات الأنبياء وبكرامات الصالحين، ولكن ذلك لا يقف على الأسباب التي يتعاطاها أهل الغش من الكيمياوية والسَّحَرة، بل قد يقلب الله الباذنجان والحصى ذهبًا وفضةً لمن شاء، مع أن عامة هؤلاء ينفقون منها ولو قلبها الله لهم.

ومما يتعين أيضًا على ولي الأمر: النظر في ولاة الحِسْبة وما يدخلون لله

(2)

من أسعار المسلمين ومداهنة باعة الدقيق وغيره لما ينالهم من السُّحْت، فإن مضرة هذا عامة، وإن لم يكن ناظر الحِسْبة ممن يخشى الله ويوثق بأمانته، وإلا فما يُبْذَل له من المال يزلزل أمثاله، فإن هؤلاء الذين يبخسون الناسَ أشياءَهم ويعثون في الأرض مفسدين، فجعلهم غرض عظيم فيما يحصلونه من المال الخبيث، فيبذلون فيه عظيمًا، وهو قليل من كثير، فقد قال سلفهم قديمًا لشعيب صلى الله عليه وسلم:{أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].

مع أن هذه الأشياء هي من الحقوق العامة التي يجب القيام بها ابتداءً كأمر حقوق الله ليست حقًّا لآدمي معيَّن [أ/ق 73] لكن كثيرًا ما يقع الشكوى فيها من المعينين، فهي داخلة في الحكم بين الناس في الأموال والقضاء، والحكم فيها كأمثالها، والله أعلم.

* * * *

(1)

رسمها في الأصل: «يتفرق» بلا نقط في الحرفين الأولين، ولعل الصواب ما أثبت.

(2)

كذا في الأصل. وهذه الفقرة برمتها السياقُ فيها قلق.

ص: 232

فصل

لا غنى لولي الأمر عن المشاورة، فإن الله أمر بها نبيه، قال سبحانه وتعالى:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}

(1)

[آل عمران: 159].

وقد رُوِي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لم يكن أحدٌ أكثر مشاورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقد قيل: إن الله تعالى أمر بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم لتاليفِ قلوبِ أصحابِه، وليقتدي به من بعده، وليَسْتَخْرج

(3)

منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والأمور الحربية

(4)

وغير ذلك؛ فغيره صلى الله عليه وسلم أولى بالمشاورة.

وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين بذلك، فقال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}

(5)

[الشورى: 38]. وإذا استشارَهم، فإن بيَّن له بعضهم ما يجبُ اتباعُه من كتاب الله وسنة رسوله، أو إجماع المسلمين؛ فعليه اتباع ذلك، ولا طاعة لأحدٍ في خلاف ذلك، وإن كان عظيمًا في الدين أو

(1)

الآية في بقية النسخ إلى: «وشاورهم في الأمر» .

(2)

أخرجه ابن حبان (4872)، والبيهقي:(7/ 45، 10/ 109) في حديث قصة الحديبية الطويل، من طريق معمر عن الزهري: كان أبو هريرة يقول به.

(3)

الأصل: «والمقتدي [ز: ليقتدي] به من بعده والمستخرج [ي: يستخرج]» .

(4)

كذا في الأصل و (ب، ل)، و (ف، ي، ز، ظ، ط): «الجزئية» ، وكتب في هامش (ي):«ظ: التجربية» .

(5)

في بقية النسخ سيقت الآية من قوله: «وما عند الله خير وأبقى

» إلى «ينفقون» .

ص: 233