الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اختلف الفقهاء في
الطائفة الممتنعة، لو تركت السنة الراتبة
كركعتي الفجر هل يجوز قتالها؟ على قولين.
فأما الواجبات والمحرمات الظاهرة المستفيضة، فيُقاتَل عليها بالاتفاق، حتى يلتزموا أن يقيموا الصلوات المكتوبات
(1)
، ويؤدوا الزكاة، ويصوموا شهر رمضان، ويحجوا البيت، ويلتزموا ترك المحرمات؛ من نكاح المحرمات
(2)
، وأكل الخبائث، والاعتداء على المسلمين في النفوس والأموال، ونحو ذلك.
وقتال هؤلاء واجب ابتداءً بعد بلوغ دعوة النبي [أ/ق 53]صلى الله عليه وسلم إليهم بما يُقاتَلون عليه، فأما إذا بدؤوا المسلمين فيتأكد قتالهم، كما ذكرناه في قتال الممتنعين من المعتدين قطاع الطريق وأبلغ
(3)
.
الجهاد
(4)
الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع، كمانعي الزكاة والخوارج ونحوهم= يجب ابتداءً ودفعًا؛ فإذا كان ابتداء فهو فرض على الكفاية إذا قام به من يكفيه سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به، كما قال تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
(5)
[النساء: 95].
(1)
(ظ، ب، ل) زيادة: «الظاهرة» .
(2)
«من نكاح المحرمات» ليست في (ز، ب).
(3)
انظر ما سبق (ص 99 وما بعدها).
(4)
(ف، ظ، ز، ب، ل): «والجهاد» .
(5)
الآية بتمامها في (ظ، ب).
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجبًا على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72]، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن.
وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون
(1)
لما قَصَدَهم العدوُّ عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحدٍ، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج، بل ذمَّ الذين يستأذون النبي صلى الله عليه وسلم:{يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13].
فهذا دَفْعٌ عن الدين والحُرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه لإرهاب
(2)
العدوّ، كغزاة تبوك ونحوها، فهذا النوع من العقوبة هو للطوائف
(3)
الممتنعة.
فأما غير الممتنعين من أهل ديار الإسلام ونحوهم، فيجب إلزامهم بالواجبات التي هي مباني الإسلام الخمس، وغيرها من أداء الأمانات والوفاء بالعهود في المعاملات وغير ذلك.
فمن كان لا يصلي من جميع الناس: رجالهم ونسائهم، فإنه يؤمر
(1)
(ي): «كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون» .
(2)
(ف، ي، ز، ظ): «ولإرهاب» ، (ب):«وإرهاب» .
(3)
(ز): «للطرائق» .
بالصلاة، فإن امتنع عُوقِب حتى يصلي بإجماع العلماء. وأكثرهم
(1)
يوجبون قتله إذا لم يصل، فيُستتاب فإن صلى وإلا قُتِل. وهل يُقتل كافرًا أو مرتدًا أو فاسقًا؟ على قولين مشهورين في مذهب أحمد وغيره، والمنقول عن أكثر السلف يقتضي كفره، وهذا مع الإقرار بالوجوب، فأما من جَحَدَ
(2)
الوجوب فهو كافر بالاتفاق.
بل يجب على الأولياء أن يأمروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبعًا، ويضربوه عليها لعشر، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مُروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على
(3)
تركها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»
(4)
. وكذلك ما تحتاج إليه الصلاة من الطهارة الواجبة ونحوها.
(1)
بقية النسخ: «ثم إن أكثرهم» .
(2)
(ز، ل): «مع» . (ف): «مع جحود» .
(3)
بقية النسخ: «عليها» .
(4)
أخرجه أبو داود (495)، والترمذي (407)، وابن خزيمة (1002)، والدارقطني:(3/ 230)، والحاكم:(1/ 258)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 14) من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده.
قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال عبد الحق في «الوسطى» : هذا الحديث أصح ما في الباب. وصححه ابن الملقن، لكن عبد الملك ضعفه ابن معين وابن حبان وغيرهما، ووثقه العجلي وأخرج له مسلم متابعةً.
والحديث أخرجه أبو داود (496)، والحاكم:(1/ 197) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. انظر «الإمام» : (3/ 535) لابن دقيق العيد، و «البدر المنير»:(3/ 238) لابن الملقن.
ومن تمام ذلك: تعاهُد مساجد المسلمين وأئمتهم، وأمرهم بأن يصلوا بهم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري
(1)
.
وصلى مرة بأصحابه على طرف المنبر فقال: «إنما فعلت هذا لتأتمُّوا بي ولتعلموا صلاتي»
(2)
.
وعلى إمام الناس في الصلاة وغيرها أن ينظر لهم، فلا يُفَوِّتهم ما يتعلق بفعله من كمال دينهم، بل على إمام الصلاة أن يصلي بهم صلاة كاملة، ولا يقتصر على ما يجوز لمنفردٍ [أ/ق 54] الاقتصارُ
(3)
عليه من قدر الإجزاء إلا لعذر.
وكذلك على إمامهم في الحج، وكذلك أميرهم في الحرب. ألا ترى أن الوكيل والوليَّ في البيع والشراء عليه أن يتصرف لموكله ولموليه على الوجه الأصلح له في ماله، وهو في مالِ نفسِه يفوِّت نفسَه ما شاء، فأمرُ الدين أهمّ، وقد ذكر الفقهاء هذا المعنى.
ومتى اهتمت الولاة بإصلاح دين الناس؛ صلح للطائفتين دينُهم ودنياهم، وإلا اضطربت الأمور عليهم. ومِلاك ذلك كله: حسن النية للرعية، وإخلاص الدين كله لله، والتوكل عليه. فإن الإخلاصَ والتوكلَ جِماعُ
(4)
صلاح الخاصة والعامة، كما أمرنا أن نقول في صلاتنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
(1)
(631) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه. وهو في مسلم (674) بدون هذا اللفظ.
(2)
أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(3)
سقطت من (ظ).
(4)
الأصل: «جماع في» .
نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فإن هاتين الكلمتين قد قيل: إنهما
(1)
تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرةً في بعض مغازيه فقال: «يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين» فجعلت الرؤوس تندر
(2)
عن كواهلها
(3)
.
وقد ذكر ذلك في غير موضع من كتابه كقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}
(4)
[هود: 123]، وقوله تعالى:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح أضحيته يقول: «اللهم منك ولك»
(5)
.
(1)
(ظ، ب): «فقد قيل إن هاتين الكلمتين يجمعان» .
(2)
الأصل: «تبدر» .
(3)
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8159)، و «الدعاء» (1033)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (334) من حديث أنس عن أبي طلحة ولفظه:«قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي العدو فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، قال: فلقد رأيت الرجال تُصرَع تضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها» .
قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي طلحة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو الربيع، وسمعت موسى بن هارون يقول: سألت عثمان بن طالوت عن حنبل فقال: زعموا أنه رجل من بني قريع، وسألته عن عبد السلام بن هاشم فقال: شيخ بصري، فقلت له: كان ثقة؟ قال: ما أعلم إلا خيرًا. اهـ. وقال الهيثمي في «المجمع» : (5/ 592): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد السلام بن هاشم وهو ضعيف. واللفظ الذي ساقه المؤلف لم أجده، وقد ساقه المؤلف باللفظ الذي ذكرناه في كتابه «الكلم الطيب» (ص 30).
(4)
سقطت الآية من (ز).
(5)
أخرجه أحمد (15022)، وأبو داود (2795)، وابن ماجه (3121)، والدارمي (1989)، وابن خزيمة (2899)، والحاكم:(1/ 467)، والبيهقي:(9/ 287) وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث صححه ابن خزيمة، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في «الإرواء» (1152).
وأعظمُ عونٍ لولي الأمر خاصة ولغيره عامة ثلاثة أمور:
أحدها: الإخلاص
(1)
لله، والتوكل عليه بالدعاء وغيره، وأصلُ ذلك المحافظة على الصلوات بالقلب والبدن.
والثاني: الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة.
والثالث: الصبر على أذى
(2)
الخلق وغيره من النوائب؛ ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرًا، كقوله في موضعَين:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45، 153]، وكقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114 - 115]، وقوله تعالى:{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، وكذلك في سورة ق:{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]، وقال:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97 - 98].
وأما قِرانه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدًّا، فالقيام
(3)
بالصلاة
(1)
(ظ، ب): «إخلاص العمل» .
(2)
(ف، ظ، ب، ل): «الأذى من» .
(3)
(ف، ي، ز، ظ، ل): «فبالقيام» .
والزكاة والصبر يُصْلِح حالَ الراعي والرعية، إذا عرف الإنسانُ ما دخل
(1)
في هذه الأسماء الجامعة، مثلما يدخل في اسم
(2)
الصلاة؛ من ذكر الله تعالى، ودعائه، وتلاوة كتابه، وإخلاص الدين له، والتوكل عليه. وفي الزكاة؛ الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع، من نصر المظلوم، وإغاثة
(3)
الملهوف، وقضاء حاجة المحتاج. ففي «الصحيحين»
(4)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلُّ معروفٍ صدقة» .
ويدخل فيه كل إحسان ولو ببسط الوجه والكلمة الطيبة، ففي «الصحيحين»
(5)
عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربُّه ليس بينه وبينَه حاجب ولا ترجمان، فينظر أيمنَ منه فلا يرى إلا شيئًا قدَّمَه، وينظر أشأم [أ/ق 55] منه فلا يرى إلا شيئًا قدَّمَه، وينظر أمامه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشقِّ تمرة فليفعل، فإن لم يستطع
(6)
فبكلمة طيبة».
وفي «السنن» قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك
(1)
بقية النسخ: «يدخل» .
(2)
من الأصل.
(3)
(ز، ل): «وإعانة» .
(4)
البخاري (6021) من حديث جابر بن عبد الله، ومسلم (1005) من حديث حذيفة رضي الله عنهما. ووقع في (ي):«الصحيح» .
(5)
البخاري (1413)، ومسلم (1016).
(6)
بقية النسخ: «يجد» .
ووجهك إليه مُنْبَسط، ولو أن تُفْرغ من دلوك في إناء المُسْتسقي
(1)
»
(2)
.
وقال
(3)
صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل
(4)
ما يوضع في الميزان الخُلُق الحَسَن»
(5)
.
ورُوي عنه أنه قال [لأم]
(6)
سلمة: «يا أم سلمة ذهبَ حُسْن الخلق بخير الدنيا والآخرة»
(7)
.
وفي الصبر: احتمال الأذى، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، ومخالفة
(1)
(ي، ل): «المستقي» .
(2)
أخرجه أحمد (20632، 20633)، والنسائي في «الكبرى» (9611 وغيره)، وأبو داود الطيالسي (1304)، والبخاري في «الأدب المفرد» (1182)، وابن حبان (521، 522)، وغيرهم من حديث جابر بن سليم الهُجَيمي أبو جُرَي رضي الله عنه به. بلفظ أتم وسياقات متعددة. وهو حديث صحيح.
(3)
بقية النسخ: «وفي السنن عن
…
».
(4)
(ب، ظ): «أفضل» . وهو كذلك في رواية لأحمد.
(5)
أخرجه أحمد (27496)، وأبو داود (4799)، والترمذي (2002)، والبخاري في «الأدب المفرد» (270)، وابن حبان (481)، وغيرهم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وانظر في الكلام على اختلاف أسانيده «علل الدارقطني» : (6/ 221 - 223).
(6)
سقطت من الأصل.
(7)
أخرجه الطبراني في «الكبير» : (23/رقم 870)، و «الأوسط» (3165) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(7/ 119): وفيه سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي.
وقد روي من حديث أم حبيبة أخرجه عبد بن حُمَيد «المنتخب» (1212)، والعقيلي في «الضعفاء»:(2/ 171)، وابن عدي في «الكامل»:(5/ 348)، وغيرهم، قال ابن عدي: منكر. وفي سنده سنان بن هارون البرجمي قال العقيلي: حديثه غير محفوظ.
الهوى، وترك الأشَرِ والبَطَر، فإنَّ الصبرَ على السرَّاء أشد من الصبر على الضرَّاء
(1)
، كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 9 - 11]، وقال لنبيه
(2)
صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133 - 134]، وقال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 - 36]، وقال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].
قال الحسن البصري: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد من بطنان العرش، ألا ليقم من وقع
(3)
أجره على الله، ولا يقوم إلا من عفا وأصلح
(4)
.
(1)
من قوله: «فإن الصبر
…
» إلى هنا من الأصل فقط.
(2)
من سائر النسخ.
(3)
(ف، ي، ل): «وجب» ، وسقطت من (ز، ب).
(4)
لم أجده بهذا اللفظ عن الحسن، لكن أخرج البيهقي في «الشعب» (7050)، والخطيب في «تاريخ بغداد»:(6/ 145) عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومن العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلا من عفا» .
وليس حُسْن النية للرعية والإحسان إليهم أن يفعلَ ما يهوونه ويترك ما يكرهونه، فقد قال الله تعالى:{(70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]، وقال تعالى للصحابة:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7]. وإنما الإحسان إليهم فِعل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولو كرهه من كرهه، لكن ينبغي له أن يرفق بهم فيما يكرهونه، ففي «الصحيح»
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه» . وقال: «إن الله رفيق يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»
(2)
.
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: والله إني أريد أن أخرج لهم المُرَّةَ من الحق فأخاف أن ينفروا عنها، فأصبر حتى تجيء الحلوةُ من الدنيا، فأخرجها معها، فإذا نفروا لهذه سكنوا لهذه
(3)
.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة لم يردّه ــ وكان محتاجًا ــ إلا بها أو بميسورٍ من القول
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (1594) من حديث عائشة رضي الله عنها. ووقع في بقية النسخ: «الصحيحين» . وليس في البخاري.
(2)
أخرجه مسلم (2593) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
ذكره ابن قتيبة في «عيون الأخبار» : (1/ 9).
(4)
انظر «تفسير الطبري» : (14/ 569 - 572).
وسأله مرةً بعضُ أقاربه أن يوليه على الصدقات ويرزقه منها فقال: «إن الصدقة لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمد»
(1)
. فمنعهم إياها وعوَّضهم من الفيء.
وتحاكم إليه عليٌّ وزيدٌ وجعفر [أ/ق 56]رضي الله عنهم في ابنة حمزة، فلم يقض بها لواحد منهم ولكن قضى بها
(2)
لخالتها، ثم إنه طيَّب قلبَ كلِّ واحد منهم بكلمة حسنة، فقال لعلي:«أنت منِّي وأنا منك» ، وقال لجعفر:«أشبهتَ خَلقي وخُلقي» ، وقال لزيد:«أنت أخونا ومولانا»
(3)
.
فهكذا ينبغي لوليِّ الأمر في قَسْمِه وحكمه، فإن الناس دائمًا
(4)
يسألون وليَّ الأمر ما لا يصلح بَذْله من الولايات، والأموال
(5)
، والمنافع، والجور، والشافعة في الحدود، وغير ذلك؛ فيعوِّضهم من جهةٍ أخرى إن أمكن، أو يردهم بميسورٍ من القول ما لم يحتج إلى الإغلاظ، فإنَّ ردَّ السائل يؤلمُه، خصوصًا من يُحتاج إلى تأليفه، وقد قال تعالى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10]، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
(1)
أخرجه مسلم (1072). ومن سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما.
(2)
«لواحد منهم ولكن قضى بها» سقطت من (ز).
(3)
أخرجه البخاري (2699)، وأصله في مسلم (1783) مختصرًا دون الشاهد الذي ذكره المصنف.
(4)
تحرفت في الأصل، وليست في (ي).
(5)
من بقية النسخ.
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}
(1)
[الإسراء: 26 - 28].
وإذا حكم على شخص
(2)
فإنه قد يتأذَّى، فإذا طيَّب نفسَه بما يصلح من القولِ والعمل؛ كان ذلك تمامَ
(3)
السياسة، وهو نظيرُ ما يعطيه الطبيبُ للمريض من الطِّيْب
(4)
الذي يُسَوِّغ الدواءَ الكريه، وقد قال الله تعالى لموسى صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى فرعون:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ وأبي موسى ــ لما بعثهما إلى اليمن ــ: «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتَطاوعا ولا تختلفا»
(5)
.
وبال مرةً أعرابيٌّ في المسجد فقام أصحابه إليه، فقال:«لا تُزْرِمُوه» أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم أمر بدلو من ماء فصُبَّ عليه، وقال:«إنما بُعِثتم مُيَسِّرين ولم تُبعَثوا مُعَسِّرين»
(6)
. والحديثان في «الصحيحين» .
(1)
الآية الثانية ليست في (ي، ظ، ل).
(2)
«وإذا حكم على شخص» تكررت في الأصل.
(3)
(ظ، ب): «من تمام» .
(4)
(ي، ظ، ب، ل، ط): «الطب» .
(5)
أخرجه البخاري (3038)، ومسلم (1733).
(6)
أخرجه البخاري (220)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه البخاري (6025)، ومسلم (284) من حديث أنس رضي الله عنه وليس فيه قوله: (إنما بعثتم ميسرين
…
). والجملة الأخيرة ليست في (ف).