الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يقدم الصبح على الفجر الآخر») (1). وذكره غيره (2)، ولم أجد من ينسبه لغير المؤلف.
سبب تأليفه
حين يقترب وقتُ بزوغ الفجر في سماء تريم، كان مؤذنو مساجد تريم يُرهفون السمع لسماع أذان مسجد آل أبي علوي (عمدة المؤذنين في الفجر) في ذلك الزمان، فالمسجد يقع في الحافة الشرقية للمدينة، وموقعه هذا يؤهلُ مؤذنَه؛ لأن يراقب العلامة الشرعية لدخول وقت الفجر، فأضواء المدينة الخافتة خلفه، والأفق أمامَه، والمكان مرتفع، والمنارة شاهقة، يرقى مؤذن مسجد آل أبي علوي المئذنة يرقب الفجر، حتى إذا استبان له؛ رفع الأذان، وتبعَه من خلفه من المؤذنين، حتى يَهُزُّ أذانهم أرجاء المدينة الصغيرة وقت السحر، فتُصلي المدينة وتصوم على العلامة الشرعية لدخول وقت صلاة الفجر:
(1) عبد الله السقاف. تاريخ الشعراء الحضرميين. (3/ 212).
(2)
ينظر: عبد الله الحبشي. مصادر الفكر الإسلامي في اليمن. ص 283.
ألا وهي رؤية الفجر الصادق (1)، كان هذا في زمان قبل هذا الزمان الذي نحن بصدده، وهو القرن الثالث العشر الهجري، حين خفت نجم الشرع الواضح، وسلك الناس ملاوي التنطع والمشقة، ووَلَجو مواقيت الصلاة من غير بابها، فأتوا صلاة الفجر من باب النجوم والمنازل، فكيف كانت المراقبة؟ في آخر الليل يأتي نائب المسجد إلى المسجد، ويقف في صحنه ينظر وسط السماء يرقب النجوم والمنازل، ويرى اعتدالها، فإذا تحقق له ما كان ينظره؛ أذِن للمؤذن أن يرفع الأذان وفقاً لرؤيته النجومية (2)، فيُحِل لأهل البلدة صلاة الصبح، ويُحرم على صوّامهم الطعام والنكاح، وقد لقي هؤلاء النواب والمؤذنون من يساندهم من العلماء ويصوب عملهم، وأشهر من انبرى لذلك العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه باعلوي، الذي ألف في ذلك رسالة أسماها «السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار» وصف فيها هؤلاء النواب والمؤذنين بأنهم
(1) ينظر: بلفقيه. السيف البتار. ص 16.
(2)
ابن شهاب. القول الصادق في بيان الفجر الصادق. مخطوط. ص 2.
مؤذنين ثقاة (1)، عارفين بأوائل الأوقات، يَندُر خطاؤهم على مرّ السنين، وقد تلقّوا علمهم عن السابقين من الأئمة العارفين، وقد أقرَّهم على معرفتهم بوقت الصبح جميعُ أهل تريم، وتريم مدينة الإسلام المشهورة من قديم بالعلم والتعليم والعلماء (2)، كما وصف أئمة هذه المساجد بأنهم من العلماء الراسخين، والمأمومين بأنهم من المبادرين بالصلاة في أول وقتها؛ رغبة في رضوان رب العالمين.
وبَعْدَ أن سطَّر العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه تزكية المؤذنين وشيوخهم، وأئمة المساجد والمأمومين والبلد، أفتى قائلاً:"فيجب الأخذ بأذانهم "، لكن العلامة عيدروس بن أحمد بن شهاب: وهو من أهل تريم تعقَّب رسالة بلفقيه هذه، وكتب رسالة معارضة، عَنْوَنَها «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاض كلام المعترض» ، ووصف أولئك المؤذنين قائلاً: " ليس لهم بمعرفة الوقت عرفان، وإن أحدَهم يؤذن حين يأمره نائب المسجد، بعد أن ينظر وسط السماء، يرى اعتدال النجوم والمنازل، وهذا النائب يتمسك
(1) ينظر: بلفقيه. السيف البتار. ص 16.
(2)
ينظر: بلفقيه. السيف البتار. ص 20 - 21.
بشيء موهوم، ويُقلدُ بعضَ من يدّعي معرفة النجوم والتقويم، فكان التهور والتوغل في تقديم دخول وقت صلاة الصبح قبل طلوع الفجر الصادق بزمان، استعجالاً من الشيطان ليوقعهم في البطلان، وقد عمت هذه البلية بأهل تريم وطار شررها وأَضحت عادة راسخة ولأحكام الشريعة ناسخة وباينوا في هذا سائر الأقاليم وخالفوا الكتاب والسنة وقول كل ذي علم عليم " (1). لكن رسالة ابن شهاب رغم قوة حجتها لم تفلح في رد المخالفين، فحمل ابن شهاب رسالته ورسالة بلفقيه وعرضهما على شيخه العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى فأجابه لما أراد وفي ذلك يقول ابن يحيى: " فألف بعضُهم - يقصد بلفقيه - رسالة في الانتصار لذلك الخطأ والزلل - أي تقديم صلاة الصبح وأذانِها على وقتِها المشروع -، وأكثر فيها من تمويه تصويبه ذلك العمل، وترويجِه على من يجهل، فعارضه آخر - يقصد ابن شهاب - برسالة بيَّن فيها الحق كالهالة، نافياً غبار تلك الجهالة، ثم عرض الرسالتين عليّ، وطلب منِّى أن أنصرَ الحق بما
(1) ابن شهاب. القول الصادق في بيان الفجر الصادق. مخطوط. ص 2.