الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية:
في شروط المؤذن والمخبر بالوقت عن علم أو اجتهاد
الشرط الأول: أن يصدق الحس ما أفاده من دخول الوقت، فلا يكذبه ولا تحيله العادة، وقد مرت أدلته وتفصيله في الشرط الثالث، لجواز العمل بالاجتهاد. وفي باب الصوم من «التحفة» بعد قول «المنهاج»:(وثبوت رويته بعدل) ما لفظه: (ولو مع إطباق غيم لا يُحيل الرؤية عادة، كما هو ظاهر) انتهى. وفيه: (في)(1) إذا ذكر الشاهد محل الهلال وبان خلافه، ما لفظه:(نعم إن ذكر محله مثلاً وبان الليلة الثانية بخلافه، فإن أمكن عادة الانتقال إليه لم يؤثر، وإلا علم كذبه، فيجب قضاءُ بدل ما افطروه برؤيته) انتهى. فعلم: أن المخبر بالوقت أو غيره، إذا أحالت العادة صدقَهُ، يتبيّن كذبه. وقد قررنا غير مرّة: أنه إذا مضى بعد أذانه أو إخباره زمن يسع الصلاة وما يتعلق بها، ولم يزد ضوءُ النهار تبيّن كذبه، إذ محال أن يمضي ذلك بلا زيادة.
(1) سقطت من (ب).
الشرط الثاني: كونه مقبول الرواية، وهو البالغ العاقل (العدل)(1) يقيناً، ولو عبداً أو امرأة، لا صبياً وفاسقاً ومجنوناً ومجهولَ العدالة. قال في «المغني» ((2): مقبول الرواية كعبد أو امرأة، لا فاسق أو مجنونٍ ومجهول وصبيٍّ ولو مميزاً، وصرح في «فتح الوهاب» (3) و «النهاية»: بعدم قبول مجهول العدالة. وقال القليوبي في «حاشيته على المحلي» : (قوله: (مقبول الرواية (. هو البالغ العاقل العدل يقيناً). إلى أن قال: (بخلاف الصبي والمجنون والفاسق ومجهول العدالة) انتهى. وقال - عند ذكر اعتماد أذان الثقة -: (وخرج بالثقة المذكور الفاسق، ومجهول العدالة ولو مستورها، والصبيّ، وإن كان في صحو)((4) انتهى. وفي «حاشية الجمل» على «شرح المنهج»
(1) أثبتناها من (ب) وفي (أ) للعدل.
(2)
وهي معنى عبارة «المغني» . (1\ 226).
(3)
«فتح الوهاب شرح منهج الطلاب» (مخ: 945) لزكريا الأنصاري، و «منهج الطلاب» له أيضاً، وهو مختصر من «منهاج الطالبين» للإمام للنووي.
(4)
حاشية القليوبي: والصبي وإن كان مأموناً عارفاً وفي صحو. (القليوبي. حاشية القليوبي على المحلي. (1\ 117).
- نقلاً عن البرماوي - قوله: (الثقة خرج به الفاسق، ومجهول العدالة ولو مستورها، والصبي وإن كان مأموناً عارفاً) انتهى.
وفي «الإيعاب» : (عدل الظاهر والباطن كما في «الاستقصاء»، وقال غيره يكفي ظاهرها؛ لأن أمر الإخبار مبني على حسن الظن بالمُخبر قاله الزركشي، ولا يشترط هنا عدالة الشهادة المتوقفة على الذكورة والحرية) انتهى. وقال الإمام النووي رحمه الله في «التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير صلى الله عليه وسلم» : (النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته وما يتعلق به: وفيه مسائل: [المسألة] الأولى: أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه والأصول: أنه يشترط فيه أن يكون عدلاً ضابطاً، بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءَة، متيقظاً)((1) انتهى.
فعلم أن من سمع أذان إنسان أو أخبره بدخول الوقت .. لا تصح صلاته اعتماداً عليه، إلا أن علم اتصافه بالإسلام والبلوغ والعقل والعدالة والضبط وهو معرفته بالوقت وعدم تساهله، والاطلاع
(1) الإمام النووي. «التقريب والتيسير» مع شرحه «تدريب الراوي» للسيوطي ص (1/ 300).
على البلوغ والإسلام والعقل سهل، وأما العدالة للراوي فالاطلاع عليها، إما بعلم الشخص لها، أو بخبر عدلين له بها، أو بالاستفاضة.
قال الإمام النووي ((1) في «التقريب» - المار بعد العبارة المارة -: (الثانية: تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة)((2) انتهى. ولا يشترط هنا ثبوت العدالة عند حاكم؛ لأن ذلك شرط لما يرتبه على ذلك من الأحكام وفصل الخصومات.
الشرط الثالث: كونه عارفاً بوقت الصلاة، التي أذن له أو أخبر به، إذ كل من يخبر عن شيء لا يمكنه ذلك إلا بمعرفته. وقد مرّ في (الحال الأول) من (المسألة الأولى) تصريح «الفتح» و «التحفة» بذلك،
(1) الإمام النووي: أبو زكريا محي الدين يحي بن شرف بن مري الحزامي الحوراني النووي الشافعي (631هـ - 676هـ)، من مؤلفاته «المجموع» و «منهاج الطالبين» ، و «روضة الطالبين» و «التحقيق» . (السيوطي. طبقات الحفاظ. (1/ 513) رقم 1128).
(2)
في المطبوعة (عدلين)، وفي شرح السيوطي (لفظة عالمين) وعلق عليها بقوله:(وعبارة ابن الصلاح: (المعدلين) وعدل عنه لما سيأتي أن التعديل إنما يقبل من عالم). السيوطي. تدريب الراوي. (1/ 301).
وفي (الحال الثاني) منها تصريح ابن قاسم به، ومثل ذلك في «الأسنى» و «الغرر» و «الإمداد» و «المغني» و «النهاية». قال الإمام النووي في «التيسير» - المار -:([المسألة] الثالثة: يعرف ضبطه بموافقة الثقاة المتقنين غالباً، ولا تضر مخالفته النادرة، فإن كثرت اختل ضبطه، ولم يحتج به) انتهى. فالمؤذن للفجر والمخبر به، تعلم معرفته به .. بموافقةِ أذانه وإخباره غالباً وجودَ العلامات الأربع - المارة في الأبواب الثلاثة الأول -، فإن كان كذلك فهو عارف بالفجر؛ لأنها الذي جعلها الله (سبحانه)(1) ورسوله صلى الله عليه وسلم علامات له، وأجمع عليها الأمة، فإن خالفها نادراً لم يقدح ذلك في معرفته واعتماده، إذ قل أن يخلو البشر عن ذلك، وإن كثرت مخالفته لها، اختلت معرفته، ولم يجز اعتماده؛ لأنه إما جاهل أو متساهل، فشرط المؤذن والمخبر الذي يجوزُ اعتماده: أن نعرف أنه يعرف علامات الفجر الأربع، وأن أذانه وخبره يوافق وجود الفجر في الواقع غالباً، فلو علمنا كونه عارفاً بالعلامات، وجهلنا موافقته وجود الفجر .. لم يجز اعتماده؛ لأنه قد يعتقد شعاع الكاذب أو القمر أو بعض الكواكب فجراً صادقاً، فينزل
(1) سقطت من (ب).
علامات الصادق على ذلك، كما مرّ عن الغزالي: أنه قد غلط في ذلك كثير، وليس سبب غلطهم إلا ما ذكرنا من تنزيلهم علامات الفجر على غيره، فليتنبه لذلك كل مسلم، ولا يعتمد في الفجر وغيره من أوقات الصلاة إلا من خَبَرَ معرفتَهُ بالوقت، بموافقته له غالباً بمعرفة نفسه أو إخبار عدل له بها أو استفاضة بها. ومن أقوى أسباب خبرة موافقته للفجر .. تزايد الضوء بعد أذانه وإخباره على ما كان عليه عنده - كما مرّ غير مرة -، حتى أن المصلي إذا شرع في الصلاة بعده فإن طوّلها، كان خروجه بعد تمام الإسفار، وإن قصّرها كان خروجه منها بعد مبادئ الإسفار، كما مرّ عن «شرح المشكاة» لابن حجر: أن هذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم. ومن أقوى أسباب غلطه، وأنه لا يجوز اعتماد أذانه وخبره .. عدم تزايد الضوء بعدهما، كما ذكرنا فتنبه لذلك.
الشرط الرابع: أن لا يعارض أذانه أو خبره بالوقت مثله، فلو عارضه ذلك: بأن أخبر عدل مثله أو أوثق منه أو أكثر: بأن الفجر لم يطلع حال أذانه أو إخباره .. سقط خبره ولم يجز العمل به كما ذكروا ذلك: في النجاسات والقبلة وتعارض الروايتين والبينتين، ويرجع للأصل وهو بقاء الليل هنا.
تنبيه [أول]: علم بما مرّ أن الفاسق ومجهول العدالة لا يقبل خبرهما بالوقت، لكن بالنسبة للقادر على علم الوقت بنفسه أو بثقة، بسبب لا مشقة فيه، فإن لم يقدر عليه أصلاً، أو قدر عليه بسبب فيه مشقة، وأخبره به الفاسق والمجهول عن علم لا اجتهاد ووقع في قلبه صدقه .. كان ذلك من جملة آلات الاجتهاد - كما ذكر ذلك في «الإيعاب» - .. فله العمل بخبره، بشرط أن توجد فيه الشروط المارة إلا العدالة.
تنبيه ثان: قال في «اليواقيت» : (وليس كل الناس عارفين بالفجر ولا بأوقات الصلاة وهو شرط، فيجب عليهم أن يتعلموا ولا يقلدوا المؤذنين على أظهر الوجهين، فلا يسع بصيراً أن يقلد، فتقليد المؤذن جائز للأعمى فقط، هذا أيضاً إذا لم يعرف الوقت بعمل من قراءة وغيرها، فإن عرفه فهل يقلد فيه وجهان) انتهى. والمعتمد خلاف ما ذكره - كما مرَّ -، لكن أتينا به ليعرف المصلي: أن صلاته اعتماداً على المؤذن في الصحو والمخبر عن علم الثقتين العارفين بالمواقيت فيها خلاف في المذهب، فيسن له أن يتوقاه، فيتعرف الوقت بنفسه، وإذا قدر على اليقين لكن بسبب فيه مشقة، فصلّى باجتهاد - غير الحساب -
اجتمعت فيه شرائطه الخمسة المذكورة .. في (الحال الثالث) في (المسألة الأولى) جرى في صلاته خلاف ثان أقوى من الأول، وهو القول بعد جواز الاجتهاد مع القدرة على اليقين، وإذا صلى به مع اجتماع الشروط الأربعة الأُول وفقد الخامس .. جرى في صلاته خلاف ثالث للقائلين به، أقوى من الذي قبله، وإذا صلى بحساب نفسه جرى الخلافات الثلاثة المارة في صلاته، وخلاف رابع للوجه الذي مرّ: أنه لا يجوز العمل به مطلقاً، وإذا صلى بحساب غيره، جرى في صلاته خلاف خامس، وهو المعتمد الذي عليه أكثر المتأخرين: أنها لا تصح. فينبغي له أن يتوقى هذه الخلافات بالصبر إلى أن يتيقن الوقت أو يخاف فواته، كما مرّ التصريح به في (الشرط الخامس) من شروط الاجتهاد، عن «الأسنى» و «المغني» و «النهاية» وقال في «التحفة»:(ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت، إذا تيقن دخوله)((1) انتهى. وفي «المغني» أيضاً: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت إذا تيقنه)(2) انتهى، وصرح بيسن ذلك في «الفتح» و «الإمداد» ،
(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة. (1\ 430).
(2)
الخطيب الشربيني. المغني. (1\ 195).
ومرّ التصريح به عن «الإيعاب» . في (الثالث) وعن «شرح المشكاة» في (الباب الثاني).