المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في مسائل تتعلق بمسألة الفجر ‌ ‌المسألة الأولى: ما مرَّ في هذا - السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر

[عبد الله بن عمر الحضرمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌الفصل الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌اسمه ونسبه

- ‌كنيته ولقبه

- ‌نشأتهُ وطلبهُ للعلم

- ‌شيوخه

- ‌بعض أقرانه وأصحابه

- ‌مذهبه العقدي والفقهي

- ‌طرفٌ من سيرته

- ‌صاحب البقرة

- ‌القوات الهولندية تحاصر المؤلف وتحاول أَسرهُ (قصة باكلنقان)

- ‌مناظرة بين المؤلف وعالم مكة وشريفها حول مشروعية التدخين

- ‌المؤلف يحارب المعازف واتخاذ الصور والتزيي بزي الكفار

- ‌المؤلف والصلاة

- ‌كرمه وزهده

- ‌ثناء الناس عليه

- ‌مكانته العلمية

- ‌تلاميذه

- ‌أولاده

- ‌مؤلفاته

- ‌المطبوع من كتب المؤلف:

- ‌كتب ورسائل المؤلف المخطوطة:

- ‌وفاته

- ‌بعض ملامح الأوضاع السياسية والفكرية لعصر المؤلف

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالكتاب الذي بين أيدينا

- ‌عنوان الكتاب

- ‌توثيق اسم الكتاب

- ‌نسبته إلى المؤلف

- ‌سبب تأليفه

- ‌موضوعات الكتاب ونظام ترتيبه

- ‌منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب

- ‌مصادر الكتاب

- ‌تقييم الكتاب

- ‌[توطئة للمؤلف]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الباب الأول:فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في بيان الفجر

- ‌[الآية الأولى]:

- ‌[الآية الثانية]:

- ‌[الآية الثالثة:

- ‌[الآية الرابعة]:

- ‌ علامات الفجر الكاذب

- ‌الباب الثاني:فيما جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم مبيناً به كلام ربه عز وجل في الفجر

- ‌الطرف الأول:-[بيان علامات الفجر الأربع]

- ‌الطرف الثاني: -[العلامة الأولى: الاعتراض]

- ‌تنبيهات

- ‌الطرف الثالث: -[العلامة الثانية: التزايد]

- ‌الطرف الرابع: -[العلامة الثالثة: تبين النهار بعده]

- ‌الطرف الخامس: -[العلامة الرابعة: الحمرة]

- ‌تنبيهات:

- ‌الباب الثالث:-‌‌[بيان الفجر من إجماع الأمة، وأئمة المذهب الشافعي]

- ‌[بيان الفجر من إجماع الأمة

- ‌[بيان الفجر من أئمة المذهب الشافعي]

- ‌ فوائد

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية: [

- ‌الفائدة الثالثة: [

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌ الخامسة:

- ‌ السادسة:

- ‌ السابعة:

- ‌فصل: في بيان أوقات الصبح

- ‌الأول: وقت فضيلة:

- ‌الثاني: وقت الاختيار:

- ‌الثالث: وقت الجواز:

- ‌الرابع: وقت الكراهة:

- ‌الباب الرابع-[بيان الفجر من علم الفلك]

- ‌فصل: [بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي]

- ‌[التقدير بالمنزلتين]:

- ‌[التقدير بالثُمن]:

- ‌[تقدير حصة الفجر بتُسع الليل الفلكي]:

- ‌فصلفي مسائل تتعلق بمسألة الفجر

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌قائمة المراجع

- ‌مراجع المؤلف:

- ‌مراجع التحقيق

- ‌الدوريات:

الفصل: ‌ ‌فصل في مسائل تتعلق بمسألة الفجر ‌ ‌المسألة الأولى: ما مرَّ في هذا

‌فصل

في مسائل تتعلق بمسألة الفجر

‌المسألة الأولى:

ما مرَّ في هذا الباب أتينا به تكميلاً للفائدة، ليعرف به طالب أول الفجر قربه، إذا بقي قدر الحصة المذكورة، فينظر محل الفجر، فإذا رأى علاماته الذي مرّ تقريرها في الأبواب الثلاثة، التي رتب الشارع صلى الله عليه وسلم الأحكام عليها .. أذن وصلى، وإن لم ير تلك العلامات فله ثلاثة أحوال:

الحال الأول: أن يحصل له علم بنفسه أو بإخبار غيره، يخالف حسابه، ومثل الحساب أنواع الاجتهاد كلها، كأن نظر ذلك ولا حائل يمنع رؤيةَ الفجر، وإن لم ير تلك العلامات لم يؤذن ولم يصلِّ، قال في «فتح الجواد» ((1): (تنبيه: قد يشاهد غروب الأحمر في بلد، قبل

(1)«فتح الجواد بشرح الإرشاد» لابن حجر الهيتمي و «الإرشاد» لابن المقري شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله الشرجي الشاوري اليمني الشافعي (755هـ - 837هـ) له: «إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي» أي «الحاوي الصغير» لنجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشافعي (ت 665هـ) و «التمشية على الإرشاد» و «الروض في مختصر الروضة» و «عنوان الشرف الوافي في الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافي» (الزركلي. الأعلام. (1/ 310).

ص: 261

مضي الوقت الذي قدَّره الموقتون لها، وهو نحو عشرون درجة، فهل العبرة بما قدَّروه أو المشاهد؟ .. وقاعدة الباب ترجيح الثاني، والإجماع الفعلي على ترجيح الأول، وكذا يقال فيما لو مضى ما قدَّروه ولم يغب الأحمر) (1) انتهى. فصريح كلامِهِ: أنه إذا غاب الشفق قبل مضي العشرين الدرجة .. يخرج وقت المغرب ويدخل العشاء؛ لقاعدة الشرع في باب المواقيت: وهي (جعله)(2) الزوال، وبلوغ ظل كل شيء مثله، وغروب الشمس، والشفق وطلوعَ الفجر .. علامات

(1) ابن حجر الهيتمي. فتح الجواد (1\ 68).

(2)

في (ب): جعل.

ص: 262

لأوقات الصلوات من غير تقييد بمدة (1)، وقوله:«والإجماع الخ» أي: أنهم يؤخرون أذان العشاء عن غيبوبة الشفق، إلى مضي العشرين الدرجة، وهذا الإجماع الذي ذكره موافق للشرع، لا مخالفة فيه إلا بالتأخير قليلاً عن مغيب الشفق، وأما قوله:«وكذا يُقال الخ» أي: فقاعدة الشرع بقاءُ وقت المغرب؛ لبقاء الشفق وعدم دخول العشاء، ولا إجماع فِعْليّ على أذان العشاء وصلاته مع بقاء الشفق؛ لأن الشيخ فرض ذلك لو وقع، وما هو كذلك لا يمكن حكاية الإجماع الفعليّ فيه؛ فيكون الحكم فيه على قاعدة الباب، لا خلاف فيه؛ وللفرق الواضح بينه وبين ما مرَّ من تأخير العشاء بعد الشفق إلى تمام العشرين، إذ التأخير المذكور موافق للشرع، بإيقاعها في وقتها الذي حدّه الشارع لهما، وهو ما بين مغيب الشفق وطلوع الفجر، وليس كذلك إذا بقي الشفق بعد مضي العشرين الدرجة،

(1) أعطت الطرق الحسابية الفلكية نتائج دقيقة في ما يتعلق بحركة الأجرام ومنها الشمس، لكنها أخفقت في إعطاء مثل هذه الدقة عند حساب وقت ظهور الشفق والفجر، ولعل أهم أسباب هذا الإخفاق، تأثر ظهورها بتغير الكثافة الضوئية للجو بفعل التغيرات المناخية وعوامل أخرى.

ص: 263

إذ فيه إيقاع الصلاة قبل مغيب الشفق، الذي جعله الشارع إذناً لنا في فعلها بعده، وقال الشيخ علي بن عبد الرحيم بن قاضي في «(رسالته) (1) في الهلال»:(قال ابن حجر: ومن القواعد أن كلامهم - أي الحكماء - حيث لم يخالف نصاً، ولم يترتب عليه شيء مما يخالف الأصول .. لا بدع في القول به) انتهى.

وهذه القاعدة، ذكرها ابن حجر في «فتاويه» ، فإذا مضت منازل الليل الشرعي ودرجه، فنظر الناظر في محل الفجر ولا حائل، فلم يرَهُ أو أخبرَه بعدمِهِ مقبول الرواية .. لم تجز له صلاة الفجر؛ لتحقق مخالفة حسابه، والحال ما ذكر؛ لقاعدة الشرع في «المواقيت» ، ونصوص الشارع صلى الله عليه وسلم فيها، فإن قلت: هذا ينافي ما في الصوم من أن الحاسب له العمل بحسابه، وإن لم ير الهلال ولا حائل، وكذا في أوقات الصلاة وأن لم ير علامات دخولها، قلت: أما في أوقات الصلاة فسيأتي في (الحال الثالث) أن له العمل به إذا وجدت شروطه الآتية فيه، وأما القول بعمله بحسابه في الهلال، فإذا دل الحساب على أنه يرى بعسر أو بغير عسر، ولم يُرَ مع فقد الحوائل .. فلا يخالف نصاً ولا أصلاً؛ لأنه

(1) في (ب): رسالة.

ص: 264

قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته الحديث» (1) معناه: صوموا للعلم برؤيته، والعلم برؤية الهلال، كما يحصل بمشاهدته وإخبار مشاهده الذي يقع في القلب صدقه يحصل بالحساب الذي يطمئن به القلب، ويعرف به الحاسب أنه لولا خفاء القمر بالشفق وصغره لرئي من غير عسر، ولكن لذلك تعسّر، ولأن بمنعه من العمل بالحساب المذكور، يفوت صوم ذلك اليوم، وأول الفجر لا يعسر إدراكه، وإن عسُر على بعض الناس، فبالصبر قليلاً يسهل، ولا يترتب فوات الصلاة على المنع بالعمل بالحساب فيه. قال في «التحفة»: (فإن اجتهد وصلى ثم بعد خروج الوقت، تيقن صلاته - أي إحرامه - بها قبل الوقت،

(1) حديث «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» مروي عن أبي هريرة في البخاري (البخاري. صحيح البخاري. 2/ 674) رقم 1810)، ومسلم. صحيح مسلم (2/ 762). رقم 1081. وأخرجه أيضاً عند أحمد (الإمام أحمد. مسند أحمد. (2/ 420) رقم 9551 و 9552) والنسائي (النسائي. سنن النسائي (2/ 69) رقم 2427) والبيهقي (البيهقي. سنن البيهقي الكبرى. (4/ 205). رقم 7721)، والدارمي (الدارمي. سنن الدارمي. (2/ 6) رقم 1685).

ص: 265

ولو بخبر عدل عن علم لا اجتهاد .. قضى في الأظهر؛ لفوات شرطها: وهو الوقت، فإن تيقن في الوقت، أعاد قطعاً) ((1) انتهى. ونحوه في «المغني» و «النهاية»:(فإذا كانت الصلاة تلزم المجتهد إعادتها، بعلمهِ بعدَها بعدم دخول وقتها حال إحرامه، ولو بخبر عدل له عن علم بذلك .. فكيف لا يمتنع عليه الدخول فيها بالاجتهاد، إذا حصل له العلم المذكور بذلك قبله). وقال في «فتح الجواد» - في كلامه في الاجتهاد ما لفظه -: (وإنما امتنع على القادر على اليقين بأذان عدل، [أو] رواية عارف بالمواقيت في الصحو، أو بخبر ثقة عن علم؛ لأنه لا مشقة عليه في سماع الأذان والخبر، بخلاف الخروج إلى رؤية الشمس مثلاً، فإن من شأنه المشقة، وإذا لم يَبِنْ للمصلي الحال، مضت صلاته على الصحة، وإن بان - ولو بخبر عدل - رواية عن علم لا اجتهاد، فإن كان قد قدّم الصلاة على الوقت، لم تجزه وأعاد الصلاة)(2) انتهى. فقوله: (وإنما امتنع على القادر الخ .. »

أي: امتنع عليه العمل بالاجتهاد؛ لقدرته على اليقين في الحال، بأذان

(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة (1\ 438).

(2)

ابن حجر الهيتمي. فتح الجواد. (1\ 70).

ص: 266

أو إخبار من ذكر، الذي ليس من شأنه المشقة، فإذا أفاده اجتهاده دخول الوقت، وأفاده الأذان أو الإخبار عدمه .. لم يعمل بالاجتهاد، وعمل بهما لضعفه وقوتهما، وإذا أفاده الاجتهاد عدم دخول الوقت، وأفاده أحدهما دخوله .. صلى لذلك، فعبارته شاملة للصورتين). وفي «التحفة»:(نعم إن أخبره ثقة عن مشاهدة، أو سمع أذانَ عدلٍ عارف بالوقت في صحو .. لزمه قبوله ولم يجتهد، إذ لا حاجة للاجتهاد حينئذ)((1) انتهى. فإذا أفاده إخبار الثقة دخول الوقت أو عدمه، أو أذان من ذكر دخوله لكونه مؤذنَهُ، أو عدمه لكونه مؤذن الأذان الأول .. لم يعمل باجتهاده المخالف لذلك، فترك العمل به هو المراد بقوله: لم يجتهد. إذ هو المقصود من الاجتهاد، ولا قائل بامتناع الاجتهاد لذاته، ومثل العلم المستفاد منهما علم الشخص نفسه بذلك بل أولى.

وقال الشيخ زكريا في «شرح البهجة الكبير» : (لا يجوز الاجتهاد لهما - أي للبصير والأعمى - مع قول عدل عن عِيَان - بكسر العين -

(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة. (1\ 435).

ص: 267

أَعلما عن مشاهدة، بقوله: رأيت الشفق غارباً أو الفجر طالعاً) (1) انتهى. ومثله في «شرحه الصغير» وعباراتهم في هذا كثيرة جداً، وفيما ذكرناه كفاية. وحاصلها كلها: أن المجتهد إذا علم بنفسه أو بخبر مقبول الرواية عن علم، خلاف ما أفاده اجتهاده من دخول الوقت، فإن كان قبلَ الصلاةِ، لم يصل، وإن كان بعدها أعادَها. أو من عدم دخوله .. صلى ولم يلتفت للاجتهاد والحساب؛ لأن الحاسب سيأتي لك الخلاف فيه: أنه من جملة المجتهدين أو أنقص منهم.

الحال الثاني: أن يظهرَ له بالحساب دخول الوقت ولا علم حاصل عنده يخالفه، لكنه قادر عليه بسبب ليس من شأنه المشقة، كَكَونه عند كوة تشاهدُ محل الفجر، أو جالساً في فضاء مستديرة، فإذا التفت إليه شاهَدهُ، ولا حائل يحول دونه، أو يمكنه وهو في محله سؤال مقبول [الرواية] عالم به ونحو ذلك، فلا يجوز له العمل بحسابه حينئذ؛ لأنه للقدرة المذكورة، ينزَّل منزلة من حصل له العلم، فيلزمه العمل به

(1) الشرح الكبير المسمى «الغرر البهية شرح البهجة الوردية» . (الشيخ زكريا الأنصاري. شرح البهجة (1\ 250 - 251)).

ص: 268

وترك العمل بحسابه، فالأول كمجتهد الأحكام الواجد للنص بالفعل، والثاني كواجده بالقوة، وهما لا يجوز لهما العدولُ إلى القياس مع ذلك، ويشهد لهذا ما مرَّ من العبارات في الحال الأول، خصوصاً قول «الفتح»:(وإنما امتنع على القادر. الخ). وقال ابن قاسم (1)

في «حاشيته على الغرر البهية» : (وصرح - أي زكريا - في شرحه أي على «الروض» ((2) - قبل ذلك -: بامتناع الاجتهاد مع الإخبار عن علم (3)، ومن ثم قال بعضهم: أنه قد يشكل الفرق بين امتناع الاجتهاد، مع أذان العدل العارف في الصحو أو إخباره عن

(1) ابن قاسم العبادي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم الصباغ العبادي المصري الشافعي (ت 992هـ أو 994 هـ)، له:«حاشية على شرح جلال الدين المحلي» . (الزركلي. الأعلام (1/ 198)) و (الباباني. هداية العارفين. (1/ 80).

(2)

شرح الروض المسمى «أسنى المطالب شرح روض الطالب» للشيخ زكريا الأنصاري.

(3)

الشيخ زكريا الأنصاري. أسنى المطالب. (1\ 120).

ص: 269

علم، وجوازه مع إمكان اليقين بنحو الخروج من محل مظلم، قال: إلا أن يجاب بأن في التكليف بالخروج إلى رؤية الشمس مشقة، بخلاف سماع الأذان والخبر) انتهى، ويمكن أن يقال: لا فرق بين المسألتين؛ لأن مسألة الخروج مفروضة: فيما إذا لم يكن اليقين حاصلاً في الحال، بل كان مقدوراً على تحصيله حتى لو كان حاصلاً في الحال، كأن رأى الشمس بالفعل .. امتنع الاجتهاد. والثانية مفروضة: فيما إذا احصل اليقين بالفعل، بأن حصل إخبار العدل المذكور بالفعل حتى لو لم يحصل بالفعل، فالوجه جواز الاجتهاد. ولعل هذا واضح متعين إذ لم يكن في كلامهم ما ينافيه، لكن قضية ذلك أنه لو لم يحصل في الثانية اليقين بالفعل، بأن لم يحصل إخبار العدل بالفعل لكنه موجود يمكن سؤاله .. جاز الاجتهاد، إلا أن المتجهَ أن محل جوازه حينئذ: إذا شق سؤاله عرفاً، وإلا اتجه وجوبُ السؤال وامتناع الاجتهاد، ويفارق عدم وجوب الخروج من محل مظلم .. بالمشقة في الخروج، نعم أن لم يشق كأن كان عند كوة يسهل رؤية نحو الشمس منها أو كان عند الباب، بحيث لو خطا خطوة رأى نحو الشمس، فالوجه امتناع

ص: 270

الاجتهاد وحينئذ: (تستوي)(1) المسألتان فليتأمل) ((2) انتهى. فاتضح بكلامه: أنه متى حصل للمجتهد علم يخالف اجتهاده .. لزمه العمل بالعلم وترك العمل بالاجتهاد، ومتى لم يحصل له لكنه قادرٌ عليه بسبب لا مشقة فيه .. لزمه طلبه بذلك السبب، وترك العمل بالاجتهاد. ومتى لم يحصل له، وفي تحصيله مشقة عليه .. جاز له العمل بالاجتهاد، ولم يلزمه تحصيل العلم.

الحال الثالث: أن يظهر له بالحساب دخول الوقت، ولا علم عنده يخالفه، ولا قدرة له عليه الآن، أو له قدرة عليه لكنها بسبب من شأنه المشقة، كخروج وصعود ونحوهما .. فيجوز له العمل بالحساب بشروط [خمسة]:

[الشرط] الأول: أن لا يحصل له علم يخالفه؛ لما مرّ في الحال الأول.

[الشرط] الثاني: عدم القدرة عليه بسبب ليس فيه مشقة؛ لما مرَّ في الحال الثاني.

(1) أثبتناها من (ب) وفي (أ): يستوي.

(2)

ابن قاسم العبادي. حاشية ابن قاسم على الغرر البهية. (2\ 33).

ص: 271

[الشرط] الثالث: أن يصدقه الحسّ ولا يكذبه ولا تحيله العادة، ويعرف ذلك بأحد أمرين:

أحدهما: انتشار الضوء بعد الصلاة زيادة على ما قبلها، فإذا مضت الصلاة وما يتعلق بها، ولم يظهر لضوء النهار زيادة على ما قبلها، فالحس يكذب المخبر بالفجر عن عِلم أو حساب أو غيره من أنواع الاجتهاد، إذ تحيل العادة ويكذب الحس: أن يمضي نحو وقت الفضيلة ويدخل وقت الاختيار، ولا يزيد ضوءُ النهار؛ لأن وقتَ الفضيلة نحو خمس درج، فالصلاة وما يتعلق بها .. يستغرقهُ تقريباً.

ثانيهما: كونه في جهتنا مع استواء الليل والنهار بعد مضي عشر ساعات ونصف من الغروب، وبعد مضي إحدى عشر ساعة وربع وثمن مع الطول، وبعد مضي تسع ساعات ونصف مع القصر، ويضاف لكل من الثلاثة ما قاربه؛ لأن هذه عادةُ الله المستمرةُ في طلوع الفجر في جهتنا .. لا يتقدم على ذلك، وكذلك هي في جميع الجهات مع مراعاة الزيادة والنقص لطول ليلها وقصره عما ذكرنا فيهما، فمن أخبر بما يخالف العادة المذكورة عن علم أو اجتهاد .. فهو كاذب مردود.

ص: 272

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ((1) في قواعده «القاعدة في الإخبار من الدعاوي والشهادات والأقارير» وغيرها: (إنّ ما كذبه العقل أو جوّزه وأحالته العادة، فهو مردود، وما أبعدته العادة من غير إحالة، فله رتب في القرب والبعد قد يختلف فيها، فما كان أبعد وقوعاً فهو أولى بالرد، وما كان أقرب وقوعاً فهو أولى بالقبول، وما بينهما رتبٌ متفاوتة) انتهى. ونحوه في «الأشباه والنظائر» لابن الملقن (2)، و «قواعد العلائي» (3))، وغيرها. فإذا ردّ الشرع

(1) أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي قاسم السلمي الدمشقي الشافعي (577هـ أو 578 - 660هـ) لقب بسلطان العلماء: له «قواعد الأحكام في إصلاح الأنام» و «مسائل الطريقة» و «بداية السول في تفضيل الرسول» . (الزركلي. الأعلام. (4/ 21)(كحالة. معجم المؤلفين. (5/ 249)(الباباني. هدية العارفين. (306)).

(2)

ابن الملقن: أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي (723هـ - 804هـ). من مؤلفاته: «شرح العمدة» «المقنع» . (ينظر: السيوطي. طبقات الحفاظ. (1/ 542)).

(3)

العلائي: أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي (694هـ - 761هـ). من مؤلفاته: «القواعد» و «الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جد عن النبي صلى الله عليه وسلم» . (ينظر: السيوطي. طبقات الحفاظ. (1/ 533)).

ص: 273

شهادة الآحاد وأخبارهم بما أحالته العادة .. فمن باب أولى ردّ الحساب وجميع أنواع الاجتهاد بذلك، والعادة تثبت بالاستقراء وإخبار عدد متواتر به. قال في «التحفة» - في كتاب السير -:(وتواتر الكتب معتدٌ به كما صرحوا به)((1) انتهى.

ومثله في «الفتاوى الحديثية» (2)) (له)(3) قال السيد العلامة علوي بن عبد الله باحسن جمل الليل ((4) - بعد نقله عبارة «التحفة» هذه في

(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة. (1\ 215).

(2)

قال ابن حجر الهيتمي: (وقد صرح ابن صلاح وغيره بأن كثرة النسخ تنزل تارة منزلة التواتر وتارة منزلة الاستفاضة، ومن المعلوم أن التواتر ولو معنوياً يفيد العلم الضروري)(ابن حجر الهيتمي. الفتاوى الحديثية: 74).

(3)

سقطت من (ب).

(4)

العلامة علوي بن عبد الله بن محمد باحسن جمل الليل باعلوي التريمي ثم الشحري القاضي (1055هـ - 1117 هـ). كان له رأي مشهور في قضية هلال رمضان سنة 1096هـ التي وقعت مع قاضي تريم (ينظر: السقاف. تاريخ الشعراء الحضرميين. (2/ 53 - 54)) (باكثير. البنان المشير. ص 76).

ص: 274

كتابه «مرّ النسيم» : (فيكفي ذكر الاستحالة في خمسة كتب فصاعداً من كتب الحساب) انتهى. وقد علمت - مما مرّ في هذا الباب - مما نقلناه عن من صرّح بقدر حصة الفجر، أنهم يزيدون على الخمسة؛ لأن [الذين](1) قدروها بالمنزلتين تقريباً هم المحققون - كما نقله الغزالي وارتضاه - ويقيناً أنهم يزيدون على الخمسة، وقد مرّ أن منهم الأصبحي، واليافعي، ومحفوظ الحضرمي، ومنهم أيضاً القليوبي وذكر: أنه يحتاط للصلاة بالتأخير، ومنهم السجاعي، والونائي، والأخصاصي، ويحيى الحطاب في «شرح المختصر» وذكر: أنه يجب التأني (بالصلاة)(2) أيضاً. ومرَّ لك: أن الحُسَّاب متفقون على أن التقدير لها بالدرج - المذكور في الجداول وغيرها - أضبط وأقرب إلى التحقيق من المنازل. وقد نقلنا ذلك عن الأصبحي، وابن حجر، وعبد الله بامخرمة، والرشيدي، وابن قاضي، وابن عفالق، ويحيى الحطاب، والحبيب عمر بن سقاف، وشاد السّواحلي، ورضوان أفندي، والسيد عبد الرحمن بن أحمد الزواوي، والسيد عمر أحمد

(1) في (أ) و (ب): (الذي).

(2)

في (ب): للصلاة.

ص: 275

الصليبية، وبارجاء، والونائي، والأخصاصي، وغيرهم ممن لم نذكرهم، وتقديراتهم كلهم: أكثرها نحو الثمن وأقلها ثمانية عشر درجة.

فعلم أنهم: كلهم متفقون على أنها لا تزيد على الثمن، فالحاسب والمنجم إن (دلّ)(1) حسابه على الفجر، وقد بقي من طلوع الشمس ثمن ما بينه وبين غروبها .. فالحس يصدقه ولا يكذبه، فيجوز له العمل بذلك، وإن بقي أكثر من ذلك فهو يكذبه ولا يصدقه، فلا يجوز له العمل به؛ لأن تقديرهم بذلك يدل على: استحالة الزائد عليه، فاستحالة ذلك مبنيَّة على اتفاق أهل الفلك: أن من الغروب إلى الفجر يقطعه اثنا عشر منزلاً، ومن الفجر إلى طلوع الشمس منزلتان تقريباً، وعلى اتفاقهم على أن ضبطهم للحصة المذكورة بالدرج أدق وأضبط من المنزلتين، وعلى اتفاق الضابطين لها بذلك بأنقص من المنزلتين، مع كثرتهم كثرة لا يمكن حصرها، وإنما ذكرنا اليسير منهم. وقد علمت - مما مرَّ -: أن المخبر عن المشاهدة بما يستحيل عادة، يرد خبره، فالحاسب من باب أولى.

(1) في (ب): دله.

ص: 276

الشرط الرابع: أن يظهر له بالحساب أن الفجر لولا الحوائل يرى بالبصر، فإن ظهر له أنه موجود لكنه لولاها لم يُرَ أو يشك في رؤيته .. لم يجز له العمل به حتى يعرف أنه يرى، قال ابن حجر في «شرح المشكاة» - على قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم:«وقت الظهر إذا زالت الشمس» ((1) ما لفظه -: (أي مالت عن وسط السماء - المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء - إلى المغرب في الظاهر لنا، وليس المراد بالزوال هنا نفس الميل المذكور، الذي هو ابتدأ انحطاطها عن منتهى ارتفاعها؛ لأنه يوجد قبل ظهوره لنا وليس هو أول الوقت، ومن ثم لو أحرم فيه، لم ينعقد، وإن كان في نفس الأمر بعد الزوال. وكذا سائر الأوقات لا يعتبر فيها ما في نفس الأمر، وإنما العبرة بما يظهر للناس) انتهى، قال فيه: (والأفضل في الصبح إيقاعها عقب تحقق

(1) التبريزي. مشكاة المصابيح: المواقيت \ م1\ 184 رقم 581. وراوي الحديث عبد الله بن عمرو. وعند مسلم أيضاً عن أبي موسى الأشعري عن أبيه بلفظ «فأقام الظهر حين زالت الشمس» . (مسلم. صحيح مسلم (1/ 429). رقم 614)، ورواه النسائي (النسائي. سنن النسائي (1/ 467) رقم 1499)، وأبو داود (أبو داود. سنن أبي داود. (1/ 108). رقم 395).

ص: 277

طلوع الفجر في الظاهر لنا، لا في نفس الأمر؛ لأنه لا عبرة به - كما مرَّ-) انتهى. وقال في «التحفة» - في وقت الظهر -:(وأول وقته زوال الشمس أي: عقب وقت زوالها - أي: ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء - باعتبار ما يظهر لنا، لا باعتبار نفس الأمر، فلو ظهر أثناء التحرم لم يصح، وإن كان بعده في نفس الأمر، وكذا في نحو الفجر)((1) انتهى.

وقال في «الإيعاب» : (والزوال يتحقق قبل ظهوره لنا، لكن لا حكم له، فليس هو أول الوقت، وبه يعلم أن الأحكام المتعلقة بالاستواء: كتحريم الصلاة إنما تناط بالاستواء الظاهر للحسّ، دون ما في نفس الأمر، إذ لا يدركه إلا تخيُّل الراصد، وهو لا اعتبار به، وكذا باقي المكتوبات، فلو علم وقوع الصبح بعد الفجر، لكن في وقت لا يتصور أن يتبين الفجر للناظر .. لم يصح؛ لأن مواقيت الشرع مبنية على ما يدرك بالحسّ، كما تشهد به سياق أحاديث المواقيت، ولا ينافيه قول «التحقيق»: (وللمنجم أن يعمل بحسابه)(2). لأنه

(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة. (1\ 417).

(2)

عبارة الأمام النووي في «التحقيق» : (ولو عرفه منجم اعتمده هو دون غيره في الأصح). (الأمام النووي. التحقيق. ص 165).

ص: 278

إنما يجوز له العمل بما يوافق كلامهم، ويؤيد ما ذكرته قول الزركشي ((1):(نبه بعض المتأخرين إلى دقيقة، وهي أن كثيراً من الموقتين يعتمدون في الغيم نصف قوس النهار، فإذا مضى حكموا بدخول الوقت، وفيه نظر، فإن ذلك زوالها في نفس الأمر، وهو غير معتبر، فيجب التأخير، قدراً لو كانت ظاهرة ظهر الفيء)(2) انتهى بحذف. فهذه العبارات وغيرها مما في معناها صريحة: أن الحاسب لا يعمل بحسابه إلا إذا دله على: أن الفجر تدركه الأبصار لولا الحوائل من الجبال والسحاب والقمر ونحوها، وصريحة في: أن الحوائل لو ارتفعت، وشاهد الحاسب محل الفجر فلم يره، أو اخبره بذلك مقبول

(1) الزركشي: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن بهاور بن عبد الله الزركشي التركي ثم المصري الشافعي (745هـ -794هـ). له تصانيف كثيرة منها: «البرهان في علوم القرآن» و «إعلام الساجد بأحكام المساجد» و «المنثور» ويعرف بقواعد الزركشي في أصول الفقه. (ينظر: الزركلي. الأعلام. (6/ 60).) (الباباني. هدية العارفين. (2/ 39)(كحالة. معجم المؤلفين. (9/ 121)).

(2)

ابن حجر الهيتمي. الإيعاب. (1\ 322 - 223).

ص: 279

الرواية .. لم يجز له العمل بحسابه؛ لتبين خطأه بالمشاهدة، إذ لو كان موجود منه ما يرى لولا الحوائل، لرئي عند ارتفاعها، فكل هذه العبارات أيضاً شواهد للحال الأول. ويشهد لذلك قوله في «الإمداد» و «الخادم» (1):(لو أحرم مستدلاً على ذلك بالحساب لم يصح، كما هو ظاهر كلامهم) انتهى. وهو ظاهر إن استدل عليه به قبل ظهوره لنا، وإلا فسيأتي أن للمنجم أن يعمل بحسابه ولا يقلده غيره) انتهى. ثم أيَّد ذلك بالدقيقة التي نقلها في «الإيعاب» عن الزركشي - (في) (2) العبارة المارة - فقوله: قبل ظهوره لنا. معناه أن يقول: الفجر مثلاً موجود، لكن لا يظهر للناظر لدقته، أو موجود يظهر له، فينظر - إلى محله - فلا يظهر له، أو يخبره بذلك العدل .. فلا يصح إحرامه حينئذ.

(1)«خادم الرافعي والروضة في الفروع» لبدر الدين الزركشي (مخ/ 961) والمقصود بالرافعي: كتاب الرافعي الشرح الكبير المسمى «فتح العزيز على كتاب الوجيز» و «الروضة» للنووي.

(2)

في (ب): آخر.

ص: 280

الشرط الخامس: أن يغلب على ظنه دخول الوقت، بعد معرفته ذلك بالحساب كسائر أنواع الاجتهاد، قال في «الأسنى»:(وعلى المجتهد التأخير، حتى يغلب على ظنه أنه دخول الوقت، وتأخيره إلى خوف الفوات - أي إلى أن يغلب على ظنه أنه لو أخر فاتت الصلاة - أفضل) انتهى (1). وفي «المغني» : (وعلى المجتهد التأخير حتى يغلب على ظنه دخول الوقت، وتأخيره إلى خوف الفوات أفضل) انتهى. وفي «النهاية» : (ويلزم المجتهد التأخيرُ إلى أن يغلب على ظنه دخوله، وتأخيره إلى خوف الفوات أفضل) انتهى.

فعلم بهذا: أنه يلزم الحاسب والمجتهد التأخير بعد ظنه بهما (2) دخول الوقت، إلى أن يغلب على ظنه دخوله، فإن قلت: صريح كلامهم: أن من غلب على ظنه دخول الوقت، جازت له الصلاة بلا حساب ولا اجتهاد فلا يبقى لهما فائدة. قلت: يبقى لهما فائدة وهي أن الحاسب والمجتهد بالصبر القليل، يحصل له غلبة ظن دخول الوقت، بخلاف غيرهما، لا يحصل له ذلك إلا بصبر أكثر من ذلك. وقد

(1) الشيخ زكريا الأنصاري. أسنى المطالب: مواقيت الصلاة (1\ 120).

(2)

أي بالحساب والاجتهاد.

ص: 281

خالف ابن حجر في هذا الشرط فجزم في «الفتح» و «الإمداد» و «الإيعاب» (1)): (أن المجتهد إذا ظن باجتهاده دخول الوقت، جازت له الصلاة، وإن لم يغلب على ظنه دخوله).

وهذه الشروط الخمسة، شروط للعمل بجميع أنواع الاجتهاد الحساب وغيره، بل الشرط الثالث، شرط للعمل به برؤية نفسه أو إخبار غيره له، بها فتنبه لذلك.

وممَّن صرح بأن الحاسب له العمل بحسابه، وانه من أنواع الاجتهاد، تجري فيه أحكامه، الشيخ عبد الله بن عمر مخرمة في فتاويه «الهجرانية» قال:(وأما الصلاة، فإذا دل حساب المنازل على دخول الوقت، كان ذلك من أنواع الاجتهاد: كالأوراد ونحوها، فيكون حكمه حكمها، لا محالة، وكذلك إذا دلَّ على ذلك الحساب النجومي، المأخوذ من ارتفاع الشمس أو بعض الكواكب ونحو ذلك، بل قد يكون ذلك من باب العلم لا الظن في حق العارف بهذا الفن).

(1) ابن حجر الهيتمي. فتح الجواد (1\ 70)، وعبارة «الإيعاب»:(بخلاف المجتهد، إذ لم يخبر، فإنه يكفيه ظن دخوله، ولا يشترط غلبة الظن كما هو ظاهر). (ابن حجر الهيتمي. الإيعاب. (1\ 337)).

ص: 282

إلى أن قال: (ومن أمثلة ذلك المنكاب المحرر المحقق صحته بوجهه المعتبر، وكذلك الإسطرلاب المحقق صحة تقاسيمه واتساقها، وما جرى هذا المجرى، فيكون ما يخرجه العمل بذلك، في حق العالم بهذا الفن، المحقق صحة تلك الآلة .. من باب العلم لا من باب الاجتهاد). إلى أن قال: (ويجوز للأعمى والعاجز عن الاجتهاد تقليدهما في ذلك، كما يجوز لهما تقليد غيرهما ممن عرف الوقت باجتهاده). إلى أن قال: (وأما قول صاحب «البيان»: أنه يعمل به لنفسه ولا يعمل به غيره، فمحمول على ما إذا كان الغير قادراً على الاجتهاد ولم يكن أعمى، وإن كان كلامه يشعر بالمنع مطلقاً) انتهى. وقال في «مجمع البحرين» (1): (ولمنجم - لا غيره - اعتماد

(1) لعله «مجمع البحرين ومطلع البدرين على تفسير الجلالين» لبدر الدين أبي عبد الله محمد بن محمد الكرخي البكري المصري الشافعي (910هـ - 1006هـ)(ينظر كحالة. معجم المؤلفين. (11/ 261)(الباباني. هدية العارفين (2/ 85). . «مجمع البحرين ومطلع البدرين» كتاب للسيوطي في التفسير جعل كتابه «الإتقان في علوم القرآن» مقدمة له، لكنه لم يكمله. (الدكتور الذهبي. التفسير والمفسرون (1\ 253)) (الباباني. هدية العارفين. (1/ 286)(حاجي خليفة. كشف الظنون (2/ 1599).

ص: 283

حسابه؛ لظاهر قوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} (1)، ولا يقلده غيره لأنه مجتهد، والمجتهد لا يقلد مجتهداً، وقضية كلامه - أي المتن -: إن ذلك جائز لا واجب. قال في «الخادم» : وهذا ظاهر، كما صرَّحوا بذلك في الصوم) انتهى. فتعليله هذا مصرّح: بأن الحاسب مجتهد، وأن الغير في كلامه في الموضعين هو القادر على الاجتهاد، بخلاف العاجز فله تقليده؛ لأنه ليس مجتهداً، وقال الشبراملِّسي في «حاشية النهاية»:(قوله): ويجوز (. بل يجب عليه ذلك، كما نقله (ابن قاسم على المنهج) عن الشارح وعبارته: (فرع: قالوا للمنجم اعتماد حسابه، على طريق ما اعتمده، من أنه يجب عليه صوم رمضان إذا عرفه بالحساب ويجزيه - كما يأتي -. قوله: (وليس لأحد تقليدهما (. سيأتي في الصوم أن لغيره العمل به، فيحتمل مجيئه هنا، وأن يُفرَّق بأن أمارت دخول الوقت، أكثر وأيسر من أمارات دخول رمضان) اهـ «سم» على) «حج» (((2). والأقرب عدم الفرق؛

(1)[النحل: 16].

(2)

في (ب): جحر.

ص: 284

لأن المدار على ما يغلب على الظن دخول الوقت، وهو حاصل حيث اعتقد صدقه. ثم رأيت «م ر» صرح به في «فتاويه» (1) انتهى.

وفي «التحفة» و «الفتح» و «الإمداد» : (وللمنجم العمل بحسابه ولا يقلده فيه غيره) انتهى. ومثل ذلك في «المغني» وفي «النهاية» و «الأسنى» : (اعلم أن الاجتهاد بغير الحساب متفقون على تعيُّنِه ووجوب العمل به، إذا لم يجد طريقاً إلى معرفة الوقت غيره، وعلى وجوب تقليد صاحبه الثقة العارف على عاجز عنه، وعن العلم لعمى بصره أو بصيرته، والمعتمد جوازه وجواز العمل به مع القدرة على العلم لكن بمشقة، وعلى تقليد الأعمى لصاحبه، وكذا للبصير العاجز، وأما الحساب فقد جعله بامخرمة، وابن قاسم، والشبراملِّسي (2) تبعاً «للرملي في فتاويه» : كالاجتهاد في هذه الأحكام كلها وجعله صاحب «مجمع البحرين» كالاجتهاد إلا في الوجوب، فلا يجب، ولا يجب العمل به، وجعله في «التحفة»

(1) حرف (م): اختصار لمحمد الرملي، و (اهـ) (سم) أي: انتهى تعليق ابن قاسم، على (حج) أي: على قول ابن حجر الهيتمي.

(2)

الشبراملِّسي. حاشية الشبراملِّسي. (1/ 335).

ص: 285

و «الفتح» (1) و «الإمداد» وكذا في «المغنى» و «النهاية» و «الأسنى» : كالاجتهاد في جواز عمل الحاسب به لنفسه، لا في الوجوب، وتقليد الغير له بل لنا وجه: أنه لا يجوز العمل به للحاسب نفسه فضلاً عن غيره.

قال في «اليواقيت» : (فلو صلى رجل يوم الغيم بعلم الهندسة، لم يسقط عنه الفرض). إلى أن قال: (وهل يسقط عن المهندس نفسه؟ .. فيه وجهان، كما نقول في رمضان إن غم، وعرفه بالحساب) انتهى. وقد تكرر منه الجزم بعدم السقوط في غير هذا الموضع، وقد ذكر هذا الوجه بامخرمة في «الهجرانية»؛ ولهذا الخلاف قلنا - فيما مرَّ -: إنه أنقص من الاجتهاد.

(1) ابن حجر الهيتمي. التحفة (1\ 436) وابن حجر الهيتمي. الفتح. (1\ 70).

ص: 286