المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات؛ لأنه قد يبادر بالصلاة قبل - السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر

[عبد الله بن عمر الحضرمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌الفصل الأول: التعريف بالمؤلف

- ‌اسمه ونسبه

- ‌كنيته ولقبه

- ‌نشأتهُ وطلبهُ للعلم

- ‌شيوخه

- ‌بعض أقرانه وأصحابه

- ‌مذهبه العقدي والفقهي

- ‌طرفٌ من سيرته

- ‌صاحب البقرة

- ‌القوات الهولندية تحاصر المؤلف وتحاول أَسرهُ (قصة باكلنقان)

- ‌مناظرة بين المؤلف وعالم مكة وشريفها حول مشروعية التدخين

- ‌المؤلف يحارب المعازف واتخاذ الصور والتزيي بزي الكفار

- ‌المؤلف والصلاة

- ‌كرمه وزهده

- ‌ثناء الناس عليه

- ‌مكانته العلمية

- ‌تلاميذه

- ‌أولاده

- ‌مؤلفاته

- ‌المطبوع من كتب المؤلف:

- ‌كتب ورسائل المؤلف المخطوطة:

- ‌وفاته

- ‌بعض ملامح الأوضاع السياسية والفكرية لعصر المؤلف

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالكتاب الذي بين أيدينا

- ‌عنوان الكتاب

- ‌توثيق اسم الكتاب

- ‌نسبته إلى المؤلف

- ‌سبب تأليفه

- ‌موضوعات الكتاب ونظام ترتيبه

- ‌منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب

- ‌مصادر الكتاب

- ‌تقييم الكتاب

- ‌[توطئة للمؤلف]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الباب الأول:فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في بيان الفجر

- ‌[الآية الأولى]:

- ‌[الآية الثانية]:

- ‌[الآية الثالثة:

- ‌[الآية الرابعة]:

- ‌ علامات الفجر الكاذب

- ‌الباب الثاني:فيما جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم مبيناً به كلام ربه عز وجل في الفجر

- ‌الطرف الأول:-[بيان علامات الفجر الأربع]

- ‌الطرف الثاني: -[العلامة الأولى: الاعتراض]

- ‌تنبيهات

- ‌الطرف الثالث: -[العلامة الثانية: التزايد]

- ‌الطرف الرابع: -[العلامة الثالثة: تبين النهار بعده]

- ‌الطرف الخامس: -[العلامة الرابعة: الحمرة]

- ‌تنبيهات:

- ‌الباب الثالث:-‌‌[بيان الفجر من إجماع الأمة، وأئمة المذهب الشافعي]

- ‌[بيان الفجر من إجماع الأمة

- ‌[بيان الفجر من أئمة المذهب الشافعي]

- ‌ فوائد

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية: [

- ‌الفائدة الثالثة: [

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌ الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌ الخامسة:

- ‌ السادسة:

- ‌ السابعة:

- ‌فصل: في بيان أوقات الصبح

- ‌الأول: وقت فضيلة:

- ‌الثاني: وقت الاختيار:

- ‌الثالث: وقت الجواز:

- ‌الرابع: وقت الكراهة:

- ‌الباب الرابع-[بيان الفجر من علم الفلك]

- ‌فصل: [بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي]

- ‌[التقدير بالمنزلتين]:

- ‌[التقدير بالثُمن]:

- ‌[تقدير حصة الفجر بتُسع الليل الفلكي]:

- ‌فصلفي مسائل تتعلق بمسألة الفجر

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌قائمة المراجع

- ‌مراجع المؤلف:

- ‌مراجع التحقيق

- ‌الدوريات:

الفصل: يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات؛ لأنه قد يبادر بالصلاة قبل

يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات؛ لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل؛ حتى لا يشق عليه النزول، وقبل النوم حتى يستريح، فإن وطّن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن .. فيسمح بفوات فضيلة أول الوقت ويتجشم كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى اليقين .. استغنى عن تعلم علم الأوقات، فإن المشكل أوائل الأوقات لا أوساطها) (1) انتهى.

وهذا الكلام من هذا الإمام حجة الإسلام، هو فصل الخطاب في هذا الباب، لمن أراد الصواب، ورضا رب الأرباب، وترك التعصب والهوى، وجانب الكبر والدعوى .. وفيه‌

‌ فوائد

جمة، ننبه منها على المهمة، وهي أربع فوائد:

‌الفائدة الأولى:

قد عرَّف أول الفجر - هذا الإمام - بأنه: بياض معترض منتشر فيه صفرة، هي مبادئ الحمرة، لا يعسر إدراكه، فقال:(ثم يظهر بياض معترض لا يعسر إدراكه، فهو أول الوقت)، إلى أن قال:(ولا اعتماد إلا على انتشار البياض عرضاً) إلى أن قال: (ولا اعتماد إلا على العيان، ولا اعتماد في العيان إلا بأن يصير الضوء منتشراً

(1) الغزالي. إحياء علوم الدين. (6/ 132).

ص: 181

حتى تبدو مبادئ الصفر)، إلى أن قال:(فإذن لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة، وكأنها مبادئ الحمرة). هذا ما عرَّف به الحجة أول الفجر، واستدل عليه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره، فلا يشك أحد أنه أراد بهذا تعريف غير أول الوقت؛ لأن كلامه كله في بيان أوائل الأوقات: الصبح، وبقية الصلوات، وقد أكد ذلك بقوله - في آخر كلامه -:(وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات الخ)، وزاده تأكيداً بقوله:(فإن وطّن نفسه على تأخير الصلاة) الخ، وبان بكلامه رضي الله عنه علامات الفجر التي ذكرناها، وهي أنه البياض المعترض المشرب بالحمرة، المنتشر أي: الذي لا يزال يتزايد، ويلزم من تزايده تبين النهار، فأما المتشرب بالحمرة، فقد مرّ عن الترمذي في (الباب الثاني) في (الطرف الخامس) قوله:(والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب؛ حتى يكون الفجر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم) انتهى. فيكفيك في هذه العلامة؛ أن عليها عامة أهل العلم، ومرَّ أيضا فيه، أن العسقلاني، والهيتمي صرحا بذلك واستدلا بما استدل به، ومرّ في (الباب الأول): تصريح الموزعي، ومحمد بن حسن درواز بذلك،

ص: 182

ومرّ فيه عن الدميري، و «القاموس» ، و «المغني» ، و «القول التمام» ، والقليوبي: أن الفجر في اللغة هو البياض الذي فيه حمرة. وأما الزيادة، وتبين النهار، والاعتراض، فقال ((1) في «الوسيط»:(ولا نظر إلى الفجر الكاذب، وهو يبدو مستطيلاً، ثم (يمحق)((2) ويبدو الصادق مستطيراً، ثم لا يزال الضوء يزداد، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يغرنكم الفجر المستطيل، فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» انتهى. وقال: الشيخ زكريا ((3)

في «شرحه الصغير للبهجة» - في

(1) الغزالي، وكتابه «الوسيط» في الفقه.

(2)

كذا في (أ) و (ب) وفي «الوسيط» (ينمحق). (الغزالي. الوسيط. 2/ 19). من معاني المحق: النقصان والذهاب والمحو والإبطال. (ينظر: ابن منظور. لسان العرب. (10/ 12) مادة: محق).

(3)

الشيخ زكريا الأنصاري: شيخ الإسلام زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري القاهري الدمشقي الشافعي (823هـ - 926هـ). له «منهج الطلاب» «الشرح الصغير والكبير على البهجة الوردية» ، و «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» . (الزركلي. الأعلام. (3/ 46)) (الباباني. هدية العارفين. (1/ 196) ..

ص: 183

بيان آخر وقت العشاء -: (والغاية له فجر صدقاً معترض تام، - أي: زائد - يضيء الأفق - أي: نواحي السماء-، إلى أن قال: (وبالصادق - أي: خرج الكاذب -، وهو ما يطلع مستطيلاً، بأعلاه ضوء كذنب السرحان - وهو الذئب - ثم يذهب وتعقبه ظلمة، ثم يطلع الصادق مستطيراً - أي: منتشراً - وهو ما عبر عنه من زيادته بقوله: معترض إلى آخره)((1) انتهى. وعبارة «شرحه الكبير» عليها مثل هذه، حرفاً بحرف.

فعلم أن تزايد ضوء الفجر علامة الصادق، وعدمه علامة الكاذب، وأن الفقهاء كلهم مطبقون على ذلك؛ لوصفهم له بالانتشار، والاستطارة التي هي امتداد نوره جنوباً وشمالاً وغرباً، كما مرّ ذلك عن «القاموس» في (الباب الثاني) في (الطرف الثاني)، وعبارات الفقهاء من جميع المذاهب في مختصراتهم ومبسوطاتهم؛ في وصف الفجر الصادق بالانتشار الذي هو امتداد زيادته في الجهات الثلاث .. لا يمكن حصرها، وعبارة «التحفة» (وهو - أي الفجر -: بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي،

(1) الشيخ زكريا الأنصاري. الغرر البهية (1\ 245).

ص: 184

المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق - أي نواحي السماء -) انتهى. فأفاد: أن الفجر بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي، أي آخر ما يظهر لنا من السماء في الجانب الشرقي. قال القليوبي في «حاشيته على شرح التحرير»:(قوله: (بالأفق - (أي: بنواحيه -: وهو اسم للحد الفصل بين الظاهر والخفي من الفلك) انتهى. وفي «القاموس» : (والفَلَكُ: - مُحَرَّكَةٌ - مَدار النُّجومِ)(1) انتهى، ومن المعلوم لكل إنسان: أن الشمس لا تقف قط، بل لا تزال سائرة؛ فيلزم من ذلك أن شعاعها إذا ظهر لا يزال سائراً مرتفعاً، حتى تظهر. ولذا قال الرملي ((2) في «النهاية»: (وسمي الثاني صادقاً؛ لأنه

(1) الفيروزآبادي. القاموس. (3/ 461) مادة: (الفَلَكُ).

(2)

الرملي: محمد بن أحمد بن حمزة الرملي المصري الشافعي (919 هـ - 1004 هـ). وكتابه «نهاية المحتاج شرح المنهاج» (مخ: 1115). (الزركلي. الأعلام. (6/ 7)).

ص: 185

يصدق عن الصبح ويبينه) (1) انتهى. وقال فيها: (والصبح - بضم الصاد وحكي كسرها لغة - أول النهار)(2) انتهى.

فعلم أن الفجر الصادق هو الذي يتبين به النهار، وفي «الأسنى»:(وسمي الأول كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني صادقاً؛ لأنه يصدق عن الصبح ويبينه)((3) انتهى. وقال فيه: (وصلاة الصبح نهارية؛ لآية: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}.؛ وللأخبار الصحيحة) انتهى. وقال في «منتقى البحرين» (4)(وسمي الأول كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني صادقاً؛ لأنه يصدق الصبح ويبينه). إلى أن قال: (وهو - أي الصبح - في الأصل أول النهار، وسميت الصلاة به لفعلها فيه). إلى أن قال: (وهي صلاة نهارية، أي تقع في النهار؛

(1) الرملي. النهاية. (1/ 371).

(2)

الرملي. النهاية. (1/ 371).

(3)

زكريا الأنصاري. أسنى المطالب. (1\ 117).

(4)

لم أعثر على معلومات عن هذا الكتاب.

ص: 186

لآية: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} ، وآية:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النهار} (1)) انتهى. وقال في «الإيعاب» : (فرع صلاة الصبح نهارية؛ لقوله تعالى: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} الآية؛ وللأخبار الصحيحة في ذلك، فأول النهار طلوع الفجر الثاني)((2) انتهى. وفي «المغنى» : (وهي - أي الصبح - نهارية.) انتهى. ولا يمكن استقصاء عباراتهم في ذلك، وفي ما ذكرناه كفاية، فمن شرع في صلاة الصبح، التي تفعل أول النهار متصلة بظلام الغلس، ثم فرغ منها ولم تظهر زيادة لنور النهار، بل بقي الظلام كما ابتدأها .. فكل هذه العبارات تغلطه وتكذبه، وتعرفه أن صلاته ليست في الوقت، الذي هو أول النهار؛ فصلاته في غير الوقت إجماعاً، وقال في «الإيعاب» و «الإمداد» (3): (وخرج بالصادقِ الكاذبُ، وهو ما يطلع

(1)[هود: 114].

(2)

ابن حجر الهيتمي. الإيعاب (1\ 327)).

(3)

«الإمداد شرح الإرشاد» لابن حجر الهيتمي (مخ: 514).

ص: 187

مستطيلاً، بأعلاه ضوء كذنب السرحان، ثم يذهب وتعقبه ظلمة، ثم يطلع الفجر الصادق مستطيراً - بالراء -، أي منتشراً ضوءه، معترضاً بنواحي السماء، وسمي الأول: كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني: صادقاً؛ لأنه يصدق عن الصبح ويُبَيِّنه) (1) انتهى. فوصفه الفجر بكونه مستطيراً منتشراً بيّن به أنه لا يزال يزيد ضوءه من حين ظهوره، لما مرَّ لك غير مرة، أن الاستطارة والانتشار هي طول ذلك الضوء وامتداده حين يبين النهار؛ ولذا علل تسميته بالصادق بقوله:(بأنه يصدق عن الصبح ويبينه)، كما مرّ عن غيره ذلك أيضاً، ووصفه بكونه معترضاً. قال القليوبي في «حاشيته على المحلي» (2):(قوله: (معترضاً)، أي في

(1) ابن حجر الهيتمي. الإيعاب (1\ 325).

(2)

المحلي: جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد المحلي المصري الشافعي (791هـ - 864هـ)، له:«كنز الراغبين في شرح منهاج الطالبين» و «البدر الطالع في حل جمع الجوامع» وله مع الجلال السيوطي «تفسير الجلالين» . (الزركلي. الأعلام (5/ 333). وَالباباني. هدية العارفين. (2/ 53)).

ص: 188

عرض الأفق من جهة المشرق، فيما بين شماله وجنوبه) ((1) انتهى.

وفي «حاشية البرماوي على شرح أبي شجاع» (2) لابن قاسم الغزي (3): (قوله: (معترضاً بالأفق) أي فيما بين الجنوب والشمال من جهة المشرق) انتهى. وفي «الإيعاب» - في بيان أوقات الصبح - ما لفظه: (وأوله فضيلة ثم اختيار إلى الإسفار، وهو الإضاءة التامة،

(1) القليوبي. حاشية القليوبي على المحلي (1\ 114).

(2)

البرماوي: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين البرماوي المصري الشافعي (ت 1106).له عدة حواشي منها: «حاشية على شرح غاية التقريب (مختصر أبي شجاع)» لأبي عبد الله محمد بن قاسم بن محمد الغزي القاهري (ت 918هـ) و «حاشية على فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب» للشيخ زكريا الأنصاري. «حاشية على شرح البسط على الرحبية» . (ينظر: الزركلي. الأعلام. (1/ 68)) و (كحالة. معجم المؤلفين. (1/ 85)) و (الباباني. هدية العارفين. (1/ 19). (عبد الله الحبشي. جامع الشروح والحواشي. (2/ 1469)).

(3)

ابن قاسم الغزي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد الغزي ثم المصري ابن الغرابيلي الشافعي (859 هـ - 918هـ) له «فتح القريب المجيب في شرح الفاظ التقريب» (الزركلي. الأعلام. (7/ 5)).

ص: 189

بحيث يعرف الإنسانُ الجالسَ منه قريباً عرفاً) انتهى. وإذا تقرر لك: أن الفجر الصادق هو ضوء شعاع الشمس المعترض، المستمر الزيادة حتى يبين النهار، والمشرب بحمرة، وأن أوله وقت فضيلة ثم اختيار إلى الإسفار، وهو الإضاءة التامة .. علمت أن الإضاءة موجودة من أول الوقت، وأنها لا تزال تتزايد فيه، وأنها في وقت الاختيار أكثر من ذلك، وأن بتمامها يخرج ويدخل وقت الجواز، فلابد من وجود الإضاءة في وقت الفضيلة والاختيار، ولكنها في الأول أنقص منها في الثاني، وفيه أكثر من الأول، لكنها ناقصة لبقاء ظلام في السماء، وبتمامها - وهو عموم الفجر لجميع المرئي من السماء - يدخل وقت الجواز، ويشهد بذلك: أن في «الإيعاب» لما تكلم على قوله صلى الله عليه وسلم «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» ((1)،

قال المراد بالإسفار كما قال

(1) رواه رافع بن خديج، وأخرجه أحمد (الإمام أحمد. مسند أحمد. حديث رافع بن خديج (3/ 465))، وأبو داود (أبو داود. سنن أبي داود. (1/ 115) رقم 424)، والنسائي (النسائي. سنن النسائي (1/ 479) رقم 1531)، وابن ماجة (ابن ماجة. سنن ابن ماجة. (1/ 221) رقم 672)، وابن حبان (ابن حبان. صحيح ابن حبان (4/ 357) رقم (1490))، والترمذي، قال: الترمذي: حسن صحيح. (الترمذي. سنن الترمذي. 1/ 289 رقم 154). وصححه الألباني (الألباني. سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 189) رقم 1115) وهو حجة من قال بتأخير الصلاة إلى الإسفار، قال الترمذي:(وهو قول بعض الصحابة والتابعين). (الترمذي. سنن الترمذي. 1/ 290)، قال الحافظ ابن القيم في «أعلام الموقعين» بعد ذكر حديث رافع بن خديج:(وهذا بعد ثبوته، إنما المراد بالإسفار بها دوماً لا ابتداءً، فيدخل فيه مغلساً ويخرج منها مسفراً، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم فقوله موافق لفعله، لا مناقض له، كيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه) انتهى. (ابن القيم. أعلام الموقعين. (2/ 620)).

وقال ابن بطال في «شرحه للبخاري» : وإخبار عائشة رضي الله عنها أن النساء، ينصرفن من الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم متلفعات لا يعرفهن أحد من الغلس إخبار عن أنه كان يداوم على ذلك، أو أنه أكثر فعله، ولا تحصل المداومة إلا على الأفضل. وقال الأمام أحمد بن حنبل: الإسفار الذي أراد عليه السلام، هو أن يتضح الفجر، فلا يشك أنه قد طلع، وقال غيره: قوله صلى الله عليه وسلم: «أسفروا بالفجر» ، أي تبينوه، ولا تغلسوا بالصلاة وأنتم تشكون في طلوعه حرصا على طلب الفضل بالتغليس، فإن صلاتكم بعد تيقن طلوعه أعظم للأجر، وعلى هذا التأويل لا تتضاد الآثار. (ينظر: ابن بطال. شرح ابن البطال على صحيح البخاري. (م2جـ2 ص 264 - 265). شرح حديث عائشة (رقم 49)«كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر» . وحمل الألباني الأمر بالإسفار على استحباب الخروج منها وقت الإسفار وذلك بإطالة القراءة فيها. (الألباني. السلسلة الصحيحة (3/ 189) رقم 1115. وَالألباني. الثمر المستطاب (1/ 81)).

ص: 190

الشافعي وأحمد: ظهور الفجر الذي به يتحقق طلوعه، فالتأخير إليه أفضل من التعجيل عند ظن طلوعه، ويتأكد ذلك في الليالي المقمرة؛ إذ لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار ((1) في الإسفار ((2) انتهى. فقد جعل ابن حجر - تبعاً للشافعي وأحمد - (الإسفارَ) في الحديث ظهورَ الفجر الذي يتحقق به الناظر إليه أنه الفجر، بعد أن كان يظنه قبل زيادة ذلك الضوء؛ الذي يحصل به اليقين، وقرر أن: فضيلة أول الوقت حاصلة لمن صلى بعد ذلك الظهور، بل هو أفضل ممن صلى قبله بالظن، فبان بذلك أن كمال الفضيلة أول الوقت لا بد فيها من أمرين: الأول: إيقاعها أول الوقت. الثاني: أن يكون ذلك بعد زيادة ضوء

(1) الاستظهار: من الظهور الذي من معانيه الغلبة والعلو. (ينظر: ابن منظور. لسان العرب. (4/ 520) مادة: ظهر). والمقصود بالاستظهار هنا غلبة نور الفجر على نور القمر.

(2)

تمام عبارة الإيعاب: (بالاستظهار في الإسفار، أي المراد به التطويل فيها إلى أن يخرج منها مسفراً). (ابن حجر الهيتمي. الإيعاب: 1\ 334).

ص: 192

الفجر، زيادة يحصل بها يقينه بعد ظنه؛ ولذا لما تكلم ابن حجر، في «شرح المشكاة» على هذا الحديث قال:(أي أَخِّروا صلاة الفجر - وهي الصبح - إلى أن تَتَحققوا طلوع الفجر، ولا تُبادروا بها عند ظن طلوعه، فإن ذلك أعظم لأجوركم، إذ الصلاة بعد تيقن دخول الوقت .. أفضل منها عند ظنه، وإنما حملوه على ذلك - كما مرّ -؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة، التي لا تقبل تأويلاً: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بعيد طلوع الفجر، وينصرف منها تارة قبل الإسفار الذي يعرف به الرجل وجه جليسه، وتارة عند أول مبادئ الإسفار، بحسب تطويله وتقصيره) انتهى. وليس مراد ابن حجر بقوله في «الإيعاب» : (ويتأكد ذلك الخ) .. تأخير الصلاة، عن وقت الفضيلة في الليالي المقمرة، إلى وقت الاختيار، بل مراده إيقاعها في وقت الفضيلة، لكن بعد إضاءة يتيقن بها دخول الوقت؛ لأنه كالشافعي وأحمد يتكلمون في الجمع بين أحاديث الإسفار والتغليس، ولا يحصل الجمع بينها إلا بتفسير الإسفار في تلك الأحاديث، بإضاءة يتيقن بها الوقت، ولا يتحقق ذلك، إلا بزيادة ضوء الفجر على ضوء ظهوره، مع بقاء وقت الفضيلة، إذ الإسفار في اللغةِ هو الإضاءةُ، ولو

ص: 193