المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٣

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ

قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ‌

(69)

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)

وفي هذه الآيات قصة إبراهيم وامرأته والملائكة المرسلة إلى لوط وقومه وقد تقدم طرف من قصة لوط وقومه في سورة الأعراف آية (80-84) ، وسيأتي تفسيرها مفصلا في سورة الحجر من الآية (51-75) .

قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما المراد بهذه البشرى التي جاءت بها رسل الملائكة إبراهيم ولكنه أشار بعد هذا إلى أنها البشارة بإسحاق ويعقوب: (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) لأن البشارة بالذرية الطيبة شاملة للأم والأب، كما يدل لذلك قوله:(وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين)، وقوله:(قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم) وقوله (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) وقيل: البشرى هي إخبارهم له بأنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط، وعليه فالآيات المبينة لها كقوله هنا في هذه السورة (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) الآية.

ص: 59

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إبراهيم لما سلم على رسل الملائكة وكان يظنهم ضيوفا من الآدميين، أسرع إليهم بالأتيان بالقرى وهو لحم عجل حنيذ -أي منضج بالنار- وأنهم لما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة فقالوا لا تخف وأخبروه بخبرهم. وبين في الذاريات: أنه راغ إلى أهله -أي مال إليهم- فجاء بذلك العجل وبين أنه سمين، وأنه قربه إليهم وعرض عليهم الأكل برفق فقال لهم (ألا تأكلون)، وأنه أوجس منهم خيفة وذلك في قوله:(هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون، فأوجس منهم خيفة) الآية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بعجل حنيذ)، يقول: نضيج.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة) ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف، فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدث نفسه بشر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه، حدثوه عند ذلك مما جاءوا فيه، فضحكت امرأته، وعجبت من أن قوما أتاهم العذاب، وهم في غفلة. فضحكت من ذلك وعجبت (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) .

قال ابن كثير: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق إلهاً واحدا ونحن له مسلمون) .

ص: 60

قال الطبري حدثنا عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن أبي عدي قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله:(فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) قال: ولد الولد هو الوراء.

وسنده صحيح.

قال الشيخ الشنقيطي: بين الله جل وعلا في هذه السورة الكريمة ما قالته امرأة إبراهيم لما بشرت بالولد وهي عجوز، ولم يبين هنا ما فعلت عند ذلك، ولكنه بين ما فعلت في الذاريات بقوله:(فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) وقوله: "في صرة" أي ضجة وصيحة. وقوله (فصكت وجهها) أي: لطمته.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما ذهب عن إبراهيم الروع)

يقول: ذهب عنه الخوف (وجاءته البشرى) بإسحاق.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الروع) الفرق.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) قال: ذهب عنه الخوف.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وجاءته البشرى) قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، وأنهم ليسوا إياه يريدون.

قوله تعالى (وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط)

قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما جادل به إبراهيم الملائكة في قوم لوط، ولكنه أشار إليه في العنكبوت بقوله:(قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) الآية. فحاصل جداله لهم أنه يقول: إن أهلكتم القرية وفيها أحدا من المؤمنين أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب، فأجابوه عن هذا بقولهم:(نحن أعلم بمن فيها) الآية. ونظير ذلك قوله: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)

ص: 61

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (يجادلنا) يخاصمنا.

قال الشيخ الشنقيطي: هذا العذاب الذي صرح هنا بأنه آت قوم لوط، لا محالة وأنه لا مرد له بينه في مواضع متعددة، كقوله في هذه السورة الكريمة:(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) وقوله في الحجر: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين) .

وقوله: (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) الآية.

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن لوطا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب أنه ظن أنهم ضيوف من بني آدم كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط، لأنهم إن علموا بقدوم ضيف فرحوا واستبشروا ليفعلوا به الفاحشة المذكورة - فمن ذلك قوله هنا (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) وقوله في الحجر:(وجاء أهل المدينة يتبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) يقول: ساء ظنا بقومه، وضاق ذرعا بأضيافه.

ص: 62

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقال هذا يوم عصيب) أي: يوم شديد.

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه لوطا وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه، وعرض عليهم النساء وترك الرجال، فلم يلتفتوا إلى قوله، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة فقال لوط:(لو أن لي بكم قوة) الآية. فأخبرته الملائكة بأنهم رسل ربه، وأن الكفار الخبثاء لا يصلون إليه بسوء. وبين في القمر أنه تعالى طمس أعينهم، وذلك في قوله:(ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجاءه قوم يهرعون إليه)، يقول: مسرعين.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) قال: أمرهم لوط تزويج النساء، وقال:(هن أطهر لكم) .

قال ابن كثير: وقوله: (قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) يرشدهم إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة كما قال لهم في الآية الأخرى: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإنك لتعلم ما نريد) إنا نريد الرجال.

قوله تعالى (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ابن أخي جويرية، حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن

ص: 63

أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثتُ في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته".

(صحيح البخاري 6/481-482- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين) ح/3387) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه- ك الأنبياء، ب زيادة طمأنينة القلب 1/133 ح 151) .

وانظر سورة يوسف آية (50) حديث الترمذي عن أبي هريرة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: قال لوط: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) يقول: إلى جند شديد، لقاتلتكم.

قوله تعالى (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه أمر نبيه لوطا يسري بأهله بقطع من الليل، ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل، أو وسطه أو أوله، ولكنه بين في القمر أن ذلك من آخر الليل وقت السحر، وذلك في قوله:(إلا آل لوط نجيناهم بسحر) . ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمامه، ولكنه بين ذلك في الحجر:(فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تأمرون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بقطع من الليل)، قال: بطائفة من الليل.

قوله تعالى (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن موعد إهلاك قوم لوط وقت الصبح من تلك الليلة، وكذلك قال في الحجر:(وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) وزاد في الحجر أن صيحة العذاب وقعت عليهم وقت الإشراق وهو وقت طلوع الشمس بقوله: (فأخذتهم الصيحة مشرقين) .

ص: 64