المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

آيات من كتاب الله كقوله: (ويعلم ما في الأرحام) ؛ - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٣

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: آيات من كتاب الله كقوله: (ويعلم ما في الأرحام) ؛

آيات من كتاب الله كقوله: (ويعلم ما في الأرحام) ؛ لأن ما فيه موصولة بلا نزاع، وكقوله:(هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) وقوله: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) الآية.

ويحتمل أيضاً: أن تكون لفظة ما في هذه الآية الكريمة مصدرية، أي يعلم حمل كل أنثى بالمعنى المصدري، وقد جاءت آيات تدل أيضاً على هذا المعنى كقوله (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب)، وقوله:(إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) الآية.

قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن قال: حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدرى نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله".

(الصحيح‌

‌ 8

/225- ك التفسير- سورة الرعد ح/4697) .

قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدثنا شعبة، أنبأني سليمان الأعمش قال: سمعت زيد بن وهب، عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- قال: "إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح. فوالله إن أحدكم -أو الرجل- ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" قال آدم: إلا ذراع.

(الصحيح 11/486 ح 6594- ك القدر) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك القدر، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه) .

ص: 108

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: المرأة ترى الدم، وتحمل أكثر من تسعة أشهر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد)، قال: كان الحسن يقول: الغيضوضة، أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر، أو لما دون الحد، قال قتادة: وأما الزيادة فما زاد على تسعة أشهر.

قوله تعالى (وكل شيء عنده بمقدار)

قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أسامة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته -وعنده سعد وأبيُّ بن كعب ومعاذ- أن ابنها يجود بنفسه، فبعث إليها:"لله ما أخذ ولله ما أعطى، كل بأجل، فلتصبر ولتحتسب".

(الصحيح 11/503 ح 6602- ك القدر، ب (وكان أمر الله قدرا مقدورا) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/635-636 ح 923- ك الجنائز، في البكاء على الميت) .

ورواية الطبري الآتية تبين مناسبة إيراد حديث البخاري عند الآية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وكل شيء عنده بمقدار) ، إي والله، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم، وجعل لهم أجلا معلوماً.

قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن السر والجهر عنده سواء، وإن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء؛ لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفي كما يعلم الظاهر، وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله:(وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وقوله: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر

ص: 109

وأخفى) وقوله: (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) وقوله: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) الآية - إلى غير ذلك من الآيات. وأظهر القولين في المستخفى بالليل والسارب بالنهار: أن المستخفى هو المختفي المستتر عن الأعين، والسارب هو الظاهر البارز الذاهب حيث يشاء.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء، السر عنده علانية قوله:(ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) أي: في ظلمة الليل، و (سارب) أي: ظاهر بالنهار.

قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)

قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يُصلون".

(الصحيح البخاري 13/426 ح 7429- ك التوحيد، في قول الله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه)) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (1/439- ك المساجد، ب فضل صلاتي الصبح والعصر ح 632) .

قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن "قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: "وإياي، إلا أن الله أعانتي عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".

وأخرجه بعده بمثله، لكن فيه:"وقد وكل له قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة".

(الصحيح 4/2167-2168 ح 2814 وما بعده- ك صفات المنافقين، ب تحريش الشيطان

) .

ص: 110

قال الطبري: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:(له معقبات من بين يديه ومن خلفه)، قال: ذلك ملك من ملوك الدنيا، له حرس من دونه حرس.

وصحح إسناده الحافظ ابن حجر، انظر (الفتح 8/372) .

ويريد بملوك أي الملائكة والدليل الرواية التالية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يحفظونه من أمر الله)، يقول: بإذن الله، فالمعقبات هي من أمر الله، وهي الملائكة.

قال الحافظ ابن حجر: وروى الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه.

(الفتح 8/372) .

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دوله من وال) بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا. والمعنى: أنه لا يسلب قوما نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الآية.

وقوله (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) . وقد بين في هذه الآية أيضاً: أنه إذا أراد قوما بسوء فلا مرد له، وبين ذلك في مواضع أخر كقوله:(ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) ونحوها من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) يصدق بأن يكون التغيير من بعضهم كما وقع يوم أحد بتغيير الرماة ما بأنفسهم فعمت البلية الجميع، وقد سئل صلى الله عليه وسلم:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثير الخبث". ا. هـ.

وهذا الحديث صحيح.

ص: 111

قوله تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشيء السحاب الثقال)

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (خوفاً وطمعا) ، خوفاً للمسافر، وطمعا للمقيم.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وينشئ السحاب الثقال) قال: الذي فيه الماء.

قوله تعالى (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)

انظر حديث ابن عباس عند الآية (19) من سورة البقرة.

قال أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر وغيره قالوا: حدثنا ديلم بن غزوان، حدثنا ثابت، عن أنس قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه إلى رأس من رؤوس المشركين يدعوه إلى الله. فقال: هذا الإله الذي تدعو إليه، أمن فضة هو أم من نحاس هو؟ فتعاظم مقالته في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال:"ارجع إليه فادعه إلى الله". فرجع فقال له مثل مقالته. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره! فقال: "ارجع فادعه إلى الله". وأرسل الله عليه صاعقة". فرجع فقال له مثل مقالته، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "ارجع إليه فادعه إلى الله". ورسول الله في الطريق لا يعلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الله قد أهلك صاحبه. ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله) .

(المسند 6/87-88 ح 3341)، قال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي عاصم (السنة 1/304 ح 692) من محمد بن أبي بكر به. قال الألباني في ظلال الجنة: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ديلم بن غزوان وهو ثقة، وأخرجه البزار من طريق ديلم به، وصححه الحافظ ابن حجر (مختصر زوائد البزار ح 1474)، (وكشف الأستار ح 2221) قال الهيثمي: ورجال البزار رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/42) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وهو شديد المحال) أي القوة والحيلة.

ص: 112

قوله تعالى (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (له دعوة الحق)، قال: شهادة أن لا إله إلا الله.

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه بيده، فلا يأتيه أبدا.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه.

قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) ، فأما المؤمن فيسجد طائعا، وأما الكافر فيسجد كارها.

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه، الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء، ولهذا يسجد له كل شيء طوعاً من المؤمنين وكرهاً على الكافرين (وظلالهم بالغدوّ) أي البكر (والآصال) وهو جمع أصيل، وهو آخر النهار، كقوله تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله) الآية.

وانظر تفسير الغدو والأصال في سورة الأعراف آية (205) .

ص: 113

قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) ، أما (الأعمى والبصير) ، فالكافر والمؤمن، وأما (الظلمات والنور) ، فالهدى والضلالة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) ، حملهمِ ذلك على أن شكوا في الأوثان.

قوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها. فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله:(فأما الزبد فيذهب جفاء) ، وهو الشك، (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، وهو اليقين، كما يجعل الحلى في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك.

قوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال: (للذين استجابوا لربهم) أي أطاعوا الله ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم (الحسنى) وهو الجزاء الحسن، كقوله تعالى مخبرا عن

ص: 114

ذي القرنين أنه قال: (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا. وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا)

وقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) سورة يونس: 26.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) وهي الجنة.

وانظر سورة آل عمران آية (91) .

قوله تعالى (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

قال ابن كثير: يقول تعالى لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي (أنزل إليك) يا محمد (من ربك) هو الحق أي: الذي لا شك فيه، ولا مرية، ولا لبس فيه، ولا اختلاف فيه، بل هو كله حق يصدق بعضه بعضاً، لا يضاد شيء منه شيئاً آخر، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، كما قال تعالى:(وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) أي: صدقا في الإخبار، وعدلا في الطلب، فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه ولا اتبعه كقوله تعالى:(لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) .

قوله تعالى (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وأقاموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية)، يقول: الزكاة.

قال ابن كثير: (ويدرءون بالحسنة السيئة) أي: يدفعون القبيح بالحسن، فإدا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا وصفحا وعفوا، كقوله تعالى:(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) .

ص: 115

قوله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ)

قال ابن كثير: وقوله (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين، لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى من غير تنقيص لذلك الأعلى على درجته بل امتنانا من الله وإحسانا، كما قال تعالى:(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) الآية، سورة الطور:21.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ومن صلح من آبائهم) قال: من آمن في الدنيا.

قوله تعالى (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)

قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا المقريء، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني معروف بن سُويد الجذامي، عن أبي عُشّانة المعافري، عن عبد الله بنَ عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تدرون من أول من يدخل الجنة منَ خلْق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين يُسدّ بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدُهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ايتوهم فحيوهم، فيقول الملائكة: ربّنا نحنُ سكان سماواتك وخِيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء، فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسدّ بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم مِن كل باب:(سلام عليكم بما صبرتم فنِعم عُقبى الدار) .

(الإحسان 16/438-439- ك إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ب وصف الجنة وأهلها.

ح/7421 أخرجه أحمد من طريق أبي عشانه به (المسند 10/77 ح 6571) وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي ح 6571) إسناده جيد وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عثانة وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/259 وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/71-72 من طريق عمرو بن الحارث عن أبي عشانة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) .

ص: 116

قوله تعالى (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)

انظر حديث البخاري عن أبي هريرة تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول:(ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير) سورة الحج: 31، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله تعالى يقول:(أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)، يعني: سوء العاقبة.

قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)

قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه هو الذي يوسع الرزق على من يشاء، ويقتره على من يشاء، لما له في ذلك من الحكمة والعدل، وفرح هؤلاء الكفار بما أوتوا من الحياة الدنيا استدراجاً لهم وإمهالا، كما قال تعالى:(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الآخرة، فقال:(وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع)، كما قال:(قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) وقال (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) سورة الأعلى: 16-17.

وانظر سورة الشورى (27) والزخرف (32) والفجر (15-16) .

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إلا متاع) قال: قليلاً ذاهباً.

قوله تعالى (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب)

قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار اقترحوا عليه صلى الله عليه وسلم الإتيان بآية ينزلها عليه ربه وبين هذا المعنى في مواضع متعددة كقوله (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) إلى غير ذلك من الآيات وبين تعالى في موضع آخر أن في

ص: 117

القرآن العظيم كفاية عن جميع الآيات في قوله: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) وبين في موضع آخر حكمة عدم إنزال آية كناقة صالح ونحوها بقوله (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة) الآية كما تقدمت الإشارة إليه.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ويهدي إليه من أناب) أي: من تاب وأقبل.

قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به.

قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (طوبى لهم)، يقول: فرح وقرة عين.

قوله تعالى (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)

قال ابن كثير: يقول تعالى وكما أرسلناك يا محمد في هذه الأمة (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) أي تبلغهم رسالة الله إليهم، كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة بالله، وقد كذب الرسل من قبلك فلك فيهم أسوة، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك، فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم، فإن تكذيبهم لك أشد من تكذيب غيرك من المرسلين، قال الله تعالى:(تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) الآية، وقال تعالى:(ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين) سورة الأنعام: 34.

ص: 118

قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قريباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)

قال الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) الآية جواب لو في هذه الآية محذوف قال بعض العلماء تقديره: لكان هذا القرآن. وقال بعضهم: تقديره لكفرتم بالرحمن ويدل لهذا الأخير قوله قبله (وهم يكفرون بالرحمن) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، قول كفار قريش لمحمد: سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر بها، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) .

وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) يقول: يعلم.

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، تصاب منهم سرية، أو تصاب فيهم مصيبة، أو تحل يا محمد قريباً من دارهم، وقوله:(حتى يأتي وعد الله)، قال: فتح مكة.

وأخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس بنحوه وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/373) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولايزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) أي: بأعمالهم أعمال السوء، وقوله (أو تحل قريباً من دارهم) أنت يا محمد، (حتى يأتي وعد الله) ، ووعد الله، فتح مكة.

ص: 119

قال ابن كثير: وقوله (إن الله لا يخلف الميعاد) أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة (فلا تحسبن الله غلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) .

قوله تعالى (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)

قال ابن كثير: يقول تعالى مسلياً لرسوله صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه: (ولقد استهزىء برسل من قبلك) أي فلك فيهم أسوة (فأمليت للذين كفروا) أي أنظرتهم وأجلتهم، (ثم أخذتهم) أخذة رابية، فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم؟ كما قال تعالى:(وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير) وفي الصحيحين (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) .

قوله تعالى (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، ذلكم ربكم تبارك وتعالى، قام علي بني آدم بأرزاقهم وآجالهم، وحفظ عليهم والله أعمالهم.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) ، والله خلقهم.

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بظاهر من القول) ، بظن من القول.

ص: 120

قوله تعالى (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)

قال ابن كثير: أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار كقوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم) الآية

(ومن يضلل الله فما له من هاد) كما قال (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بل زين للذين كفروا مكرهم)، قال: قولهم.

قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ)

قال ابن كثير: ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار، فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك (لهم عذاب في الحياة الدنيا) أي بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا، (ولعذاب الآخرة) أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا (أشق) أي من هذا بكثير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين:"إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" وهو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، فإن عذاب الدنيا له انقضاء، وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته، كما قال تعالى:(فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) .

والحديث في صحيح مسلم في كتاب اللعان وانظر سورة طه آية (127) وتفسيرها.

قوله تعالى (أكلها دائم وظلها)

قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "خَسَفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى. قالوا: يا رسول الله رأيناك تناول شيئاً في مقامك، ثم رأيناكَ تكعكعتَ. قال: إني أُريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".

(صحيح البخاري 2/271- ك الأذان، ب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ح/748) وأخرجه مسلم (2/626- ك الكسوف، ب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف.. ح/907 بأطول منه) .

ص: 121