الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر له ذنبه، وطهر قلبه وحصن فرجه" قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
(المسند 5/256، 257) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وقد وقع تصحيف باسم حريز فورد بلفظ جرير، وحريز هو ابن عثمان الرحبي معروف بالرواية عن سليم بن عامر الكلاعي وبرواية يزيد بن هارون عنه كما في ترجمته في تهذيب التهذيب وأخرجه الطبراني من طريق حريز به (المعجم الكبير 8/190 ح 7679)، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (المجمع 1/129)، وقال العراقي: رواه أحمد بإسناد جيد ورجاله رجال الصحيح (تخريج إحياء علوم الدين 3/1362 ح 2052) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة ح 370) .
قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)
أخرج البخاري ومسلم مرفوعاً: "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وإنا والله ما نعلم بحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث، إلا رجلاً قتل متعمدا، فعليه القود أو زاني بعد إحصانه فعليه الرجم أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل.
وبه قوله (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وهو القود الذي جعله الله تعالى.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب، في قوله (فلا يسرف في القتل) قال: لا تقتل غير قاتله، ولا تمثل به.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وابن بشار هو محمد، وعبد الرحمن: بن مهدي، وسفيان الثوري، ومنصور: ابن المعتمر. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن المثلة (انظر صحيح سنن أبي داود ح 2
32
2) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (فلا يسرف في القتل) يقول: لا تقتل غير قاتلك، ولا تمثل به (إنه كان منصورا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (إنه كان منصورا) قال: هو دفع الإمام إليه، يعني إلى الولي، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا.
وانظر حديث ابن ماجة عن البراء: "لزوال الدينا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق
…
"، في سورة النساء آية (93) .
قوله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلع أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا)
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) أي لا تتصرفوا له إلا بالغبطة (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) .
أخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم".
وقد تحرج الصحابة رضي الله عنهم عندما نزلت هذه الآية فعزلوا طعامهم وشرابهم من طعام وشراب اليتامى وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) سورة البقرة من آية: 220، وتقدم تفسيرها هناك.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) قال: كانوا لا يخالطونهم في المال ولا مأكل ولا مركب، حتى نزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم) .
ومن صفات المؤمنين الوفاء بالعهد حيث قال تعالى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) سورة المؤمنون: 8، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد وبعهده فقال (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) آل عمران: 76، (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) سورة النحل: 91، وحث ورغب في ذلك فقال (ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما) سورة الفتح: 10، وحذر من مغبة نقض عهده فقال (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) الرعد: 25، ووبخ وعاب على المخالفين من بني إسرائيل فقال (أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) سورة البقرة:100.
قوله تعالى (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال (القسطاس) هو: الميزان العدل بالرومية.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ذلك خير وأحسن تأويلا)، قال: عاقبة وثوابا.
قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)
قال الشيخ الشنقيطي: نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ماليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت ولم ير، وسمعت ولم يسمع، وعلمت ولم يعلم، ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر كقوله:(إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقوله: (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقوله (يا أيها الذين آمنوا إن بعض الظن إثم) الآية، وقوله:(قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون)، وقوله:(إن الظن لا يغني من الحق شيئاً) وقوله: (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن) وقال أيضاً: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، فيه وجهان من التفسير:
الأول- إن معنى الآية: إن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه فيقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى، كقوله (ولتسألن عما كنتم تعملون) وقوله (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) ، ونحو ذلك من الآيات.
والوجه الثاني- أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها، فتشهد عليه جوارحه بما فعل، قال القرطبي في تفسيره: وهذا المعنى أبلغ في الحجة فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي كما قال:(اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) وقوله (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) قال مقيده عفا الله عنه: والقول الأول أظهر عندي وهو قول الجمهور. ا. هـ.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن طريق علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) يقول: لا تقل.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تقف) ولا ترمِ.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم.
قال ابن كثير: ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) سورة الحجرات آية:12. وفي الحديث: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث".
أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري- النكاح، ب لايخطب على خطبة أخيه رقم 5143) ، (وصحيح مسلم- البر، ب تحريم الظن والتجسس رقم 2563) .
وفي الحديث الآخر: "من أفرى الفرى أن يُرِيَ عينه ما لم تر".
أخرجه البخاري من حديث ابن عمر (الصحيح- التفسير، ب من كذب في حلمه رقم 7042) .
وفي الصحيح: "من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين، وليس بعاقد".
أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (المصدر السابق رقم 7043) .
قوله تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)
قال الشيخ الشنقيطي: وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله عن لقمان مقررا له (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك) الآية، وقوله:(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) الآية.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولا تمش في الأرض مرحا) قال: لا تمش كبرا ولا فخرا فإن ذلك لا يبلغ بك أن تبلغ الجبال طولا ولا أن تخرق الأرض تكبرا وفخرا.
قال ابن كثير: وقوله (ولن تبلغ الجبال طولا) أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح: "بينا رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".
(صحيح البخاري- ك اللباس، ب من جر ثوبه من الخيلاء 10/258 ح 5789) ، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح- اللباس، ب تحريم التبختر في المشي رقم 2088 وما بعده) .
وقال ابن كثير: وكذلك أخبر الله عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وإن الله تعالى خسف به وبداره الأرض. ا. هـ.
قوله تعالى (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولاتجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا)
في بداية هذه الآية إشارة إلى ما تقدم من التنزيل الذي ورد فيه بعض الأحكام والأخلاق الحميدة والمراد بالحكمة ها هنا: القرآن بدليل آيات كثيرة منها قوله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) سورة يوسف: 3، وقوله (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) سورة فاطر: 31، وقوله (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا) سورة الشورى: 7، وقوله (وأوحي إلي هذا القرآن) سورة الأنعام:19.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ملوما مدحورا) يقول: مطرودا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ملوما مدحورا) : ملوماً في عبادة الله مدحورا في النار.
قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما)
قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الإنكار متوجه على الكفار في قولهم الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ففد جعلوا له الأولاد ومع ذلك جعلوا له أضعفها وأردأها هو الإناث وهم لا يرضونها لأنفسهم وقد بين الله في هذا المعنى آيات كثيرة كقوله (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) وقوله (أم له البنات ولكم البنون) وقوله (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) . ا. هـ.
وقال أيضاً: وقوله في هذه الآية الكريمة (إنكم لتقولون قولا عظيما) . بين فيه أن ادعاء الأولاد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيراً، أمر عظيم جداً، وقد بين شدة عظمته بقوله تعالى:(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) .
قوله تعالى (ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا)
لقد زاد الله تعالى هذه الآية بيانا في قوله تعالى (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) آية: 98 من هذه السورة.
وانظر سورة الروم آية (58) لمزيد من البيان.
قوله تعالى (قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً)
قال الشيخ الشنقيطي: وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير كلاهما حق ويشهد له قرآن:
الأول: أن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا -أي الآلهة المزعومة- أي لطلبوا إلى ذي العرش -أي إلى الله سبيلا- أي إلى مغالبته وإزالة ملكه لأنهم إذا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) وقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) وهذا المعنى في الآية مروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأبي علي الفارسي والنقاش وأبي المنصور وغيره من المتكلمين.
الوجه الثاني: في معنى الآية الكريمة: أن معنى لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا أي طريقا ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله ويدل لهذا المعنى قوله تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) الآية، ويروى هذا القول عن قتادة، واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره، ولاشك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول، لأن في الآية فرض والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه بل تنازعه لو كانت موجودة ولكنها معدومة مستحيلة الوجود. ا. هـ.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) قال: لا بتغوا التقرب إليه مع أنه ليس كما يقولون.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم، فابتغوا ما يقربهم إليه.
قوله تعالى (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان وقال تعالى (عما يقولون علوا) ولم يقل: تعاليا كما قال (وتبتل إليه تبتيلا)
قوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا)
قال ابن كثير: وقوله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام في النبات والجماد والحيوانات وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
(صحيح البخاري- المناقب، ب علامات النبوة ح 3579) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) قال كل شيء فيه الروح يسبح من شجرة أو شيء فيه الروح.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أنه كان حليما) عن خلقه فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض (غفورا) لهم إذا تابوا.
قال الإمام أحمد: ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت الصقعب بن زهير يحدث عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج -أو مزررة بديباج- فقال: إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل رأس ابن رأس فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه فقال: لا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال: إن نوحاً عليه السلام لما حضرته
الوفاة دعا ابنيه فقال إني قاص عليكما الوصية آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين أنهاكما عن الشرك بالله والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السموات والأرض وما بينهما لوضعت كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح ولو أن السموات والأرض كانتا حلقة فوضت لا إله إلا الله عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء.
(المسند 2/225) ، ورجاله ثقات إلا والد وهب وهو جرير بن حازم الأزدي ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ولكنه توبع حيث رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن زيد عن الصقعب به وأطول (المسند 2/169، 170)، فسنده صحيح وصححه ابن كثير (البداية 1/119) وقال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 4/219-220) وصححه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (11/150 ح 6583) . وأخرجه الحاكم من طريق الصقعب به، وصححه، ووافقه الذهبي (المستدرك 1/48-49) .
قوله تعالى (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا)
قال الحافظ ابن حجر: روى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو تنحيت، قال إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت فقالت: يا أبا بكر هجاني صاحبك، قال: لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يفوه به، قالت: إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك، قال: ما زال ملك يسترني حتى ولت.
وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه (فتح الباري 8/738) .
وهذا حديث أسماء: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى الهروى إسحاق بن إبراهيم، حدثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) .
جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة والولولة: البلبلة والدعاء بالويل، وفي يدها فهر
وهي تقول: مذمما أتينا -أو: أبينا، قال أبو موسى: الشك مني- ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله جالس، وأبو بكر إلى جنبه -أو قال: معه- قال:
فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا خائف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآنا اعتصم به منها:"وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالآخرة حجابا مستوراً". قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانى، فقال أبو بكر: لاورب هذا البيت ماهجاك، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش إني بنت سيدها. ا. هـ.
ذكره ابن كثير، وأخرجه الحاكم من طريق بشر بن موسى الحميدي عن سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/362) .
قال الشيخ الشنقيطي: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير:
الأول: أن المعنى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا أي حائلا وستارا من تفهم القرآن وإدراكه لئلا يفقهوه فينتفعوا به وعلى هذا القول -فالحجاب المستور هو ما حجب الله به قلوبهم عن الانتفاع بكتابه والآيات الشاهدة لهذا المعنى كثيرة كقوله (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) وقوله (ختم الله على قلوبهم) الآية وقوله (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) الآية إلى غير ذلك من الآيات وممن قال بهذا القول في معنى الآية: قتادة والزجاج وغيرهما الوجه الثاني في الآية- أن المراد بالحجاب المستور أن الله يستره عن أعين الكفار فلا يرونه، ا. هـ. ثم استدل بحديث أسماء المتقدم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ححابا مستورا) قال: هي الأكنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.
قوله تعالى (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا)
قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل على قلوب الكفار أكنة، -جمع كنان- وهو ما يستر الشيء ويغطيه ويكنه، لئلا يفقهوا القرآن، أو كراهة أن يفقهوه لحيلولة تلك الأكنة بين قلوبهم وبين فقه القرآن أي فهم معانيه فهماً ينتفع به صاحبه، وأنه جعل في آذانهم وقرا أي صمماً وثقلا لئلا يسمعوه سماع قبول وانتفاع وبين في مواضع أخر سبب الحيولة بين القلوب وبين الانتفاع به، وأنه هو كفرهم، فجازاهم الله على كفرهم بطمس البصائر، وإزاغة القلوب والطبع والختم والأكنة المانعة من وصول الخير إليها، كقوله تعالى:(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) .. الآية، وقوله (بل طبع الله عليها بكفرهم
…
) .
قوله تعالى (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا) وإن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، فصافها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.
قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال: "لا إله إلا الله" ولى الكافرون على أدبارهم نفورا بغضا منهم لكلمة التوحيد ومحبة للإشراك به جل وعلا، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر مبينا أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار كقوله (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) ، وقوله (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) وقوله (إنهم كانوا
إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون آئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون) ، وقوله (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) الآية، وقوله (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا) وقوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) .
قوله تعالى (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتعبون إلا رجلاً مسحورا)
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد: (إذ يستمعون إليك) قال: هي مثل قيل الوليد بن المغيرة، ومن معه في دار الندوة.
وقد بين قتادة قيل الوليد بن المضرة فأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون) الآية ونجواهم أن زعموا أنه مجنون وأنه ساحر وقالوا (أساطير الأولين) .
قوله تعالى (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (فلا يستطيعون سبيلا) قال: مخرجا الوليد بن المضرة وأصحابه أيضاً.
قوله تعالى (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقاً جديدا)
قال ابن كثير: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أئنا لمبعوثون) أي يوم القيامة (خلقاً جديدا) أي بعدما بلينا وصرنا عدما لا يذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر (يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذن كرة خاسرة) النازعات: 10-12. قال تعالى (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل شيء عليم) سورة يس: 78-79.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا)، يقول: غبارا.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري عن مجاهد يقول الله (رفاتا) قال: ترابا.