الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
(25)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا) هذا قول أهل الكتاب، فرده الله عليهم فقال:(قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادو تسعا)، قال: عدد ما لبثوا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولبثوا في كهفهم)، قال: بين جبلين.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ما لهم من دونه من ولي) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الكهف ليس لهم ولي من دونه جل وعلا، بل هو وليهم جل وعلا. وهذا المعنى مذكور في آيات أخر كقوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) ، وقوله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فبين أنه ولي المؤمنين، وأن المؤمنين أولياؤه والولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به، فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة. وبين في مواضع أخر: أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، كقوله:(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية، وقوله:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) الآية. وبين في مواضع أخر: أن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . وبين في موضع آخر أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين، وهو قوله تعالى:(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) .
قوله تعالى (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولن تجد من دونه ملتحدا) أصل الملتحد: مكان الالتحاد وهو الافتعال: من اللحد بمعنى الميل، ومنه اللحد في القبر، لأنه ميل في الحفر، ومنه قوله تعالى (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) وقوله (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الآية فمعنى اللحد والإلحاد في ذلك: الميل عن الحق. والملحد المائل عن دين الحق. وقد تقرر في فن الصرف أن الفعل إن زاد ماضيه على ثلاثة أحرف فمصدره الميمي واسم مكانه واسم زمانه كلها بصيغة اسم المفعول كما هنا. فالملتحد بصيغة اسم المفعول، والمراد به مكان الالتحاد، أي المكان الذي يميل فيه إلى ملجأ أو منجى ينجيه مما يريد الله أن يفعله به. وهذا الذي ذكره هنا من أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يجد من دونه ملتحدا، أي مكانا يميل إليه ويلجأ إليه إن لم يبلغ رسالة ربه ويطعه - جاء مبينا في مواضع أخر؛ كقوله (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً إلا بلاغا من الله ورسالاته) ، وقوله (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين) الآية.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ملتحداً) قال: ملجأ.
قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي)
أخرج البستي القاضي في تفسيره عن محمد بن علي بن الحسن عن أبي معاذ عن عبيد قال: سمعت الضحاك يقول: قوله (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) يعني: يعبدون وهو مثل قول الله (لا جرم أنما تدعونني) يعني تعبدون. وقال: (أولئك الذين يدعون) يعني: يعبدون (بالغداة والعشي) يعني الصلاة المفروضة.
وسنده حسن تقدم في بداية تفسير هذه السورة نفسها.
قوله تعالى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) نهى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة عن طاعة من أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا. وقد كرر في القرآن نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع مثل هذا الغافل عن ذكر الله المتبع هواه، كقوله تعالى (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفوراً) ، وقوله (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم) الآية، وقوله تعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وكان أمره فرطا) ضياعا.
قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي -التخيير بين الكفر والإيمان- ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير، وإنما المراد بها التخويف والتهديد. والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية. والدليل من القرآن العظيم على أن المراد من الآية التهديد والتخويف - أنه أتبع ذلك بقوله (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.
قال الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (كالمهل) قال: كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه.
(السنن 4/704 ح 2581- ك صفة جهنم، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار. وأخرجه الطبري (التفسير 25/132) عن أبي كريب، عن رشدين به. ورشدين قد تكلم فيه -كما قال الترمذي عقب هذا الحديث-. لكن تابعه عبد الله بن وهب، أخرجه الحاكم (المستدرك 2/501) من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث به، وزاد فيه:(ولو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا) . قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وله طريق أخرى عن دراج، أخرجه الإمام أحمد (المسند 3/70-71) عن حسن عن ابن لهيعة، عن دراج بمثل لفظ الترمذي. والحديث بهذا الإسناد حسن إن شاء الله، حيث قال الحافظ ابن حجر من دراج: صدوق في حديثه عن أبي الهيثم. (التقريب 1/235) . ويشاهد له ما يلي:
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (كالمهل)، قال: يقول: أسود كهيئة الزيت.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (مرتفقا) : أي مجتمعا.
قوله تعالى (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا)
قال مسلم: حدثنا سعيد بن عَمْرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث ابن قيس قال: حدثنا سفيان بن عيينة. سمعته يذكره عن أبي فروة؛ أنه سمع عبد الله بن عُكَيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن، فاستسقى حذيفة، فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة، فرماه به. وقال: إني أخبركم إني قد أمرته أن
لا يسقيني فيه. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في إناء الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج والحرير، فإنه لهم في الدنيا، وهو لكم في الآخرة، يوم القيامة".
(صحيح مسلم 3/1637- ك اللباس والزينة، ب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ح 2067) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (على الأرائك) قال: هي الحجال.
وانظر الآية (29) من السورة نفسها لبيان مرتفقا: مجتمعا.
قوله تعالى (كلتما الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولم تظلم منه شيئاً) : أي لم تنقص منه شيئاً.
قوله تعالى (وكان له ثمر)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وكان له ثمر)، يقول: مال.
قوله تعالى (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة) كفور لنعم ربه، مكذب بلقائه، متمن على الله.
قوله تعالى (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ويرسل عليها حسبانا من السماء) ، عذابا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فتصبح صعيدا زلقا) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء.
قوله تعالى (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأصبح يقلب كفيه) : أي يصفق كفيه (على ما أنفق فيها) متلهفا على ما فاته، وهو (يقول يا ليتني لم أشرك لربي أحدا) ويقول: يا ليتني، يقول: يتمنى هذا الكافر بعد ما أصيب بجنته أنه لم يكن كان أشرك بربه أحدا، يعني بذلك: هذا الكافر إذا هلك وزالت عنه دنياه وانفرد بعمله، ود أنه لم يكن كفر بالله ولا أشرك به شيئاً.
قوله تعالى (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله) أي: جند ينصرونه، وقوله (ينصرونه من دون الله) يقول: يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذبه.
قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملاً)
قال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا حيوة أنبأنا أبو عقيل أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء، أظنه سيكون فيه مُدّ، فتوضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: "ومن توضأ وضوئي ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله أن يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتؤضأ وصلى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يُذهبن السيئات، قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات يا عثمان؟ قال: هن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
(المسند 1/382 ح 513) قال محققه: "إسناده صحيح، وأخرجه ابن جرير (التفسير 15/511-512 ح 18662) . وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) 1/297) وقال: رجاله رجال الصحيح غير الحارث مولى عثمان، وهو ثقة. وصحح السيوطي إسناده في (الدر 4/353)، وقال الشيخ محمود شاكر في حاشية الطبري: صحيح الإسناد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والباقيات الصالحات)، قال: هي ذكر قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض.
قوله تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وترى الأرض بارزة) ، ليس عليها بناء ولا شجر.
قوله تعالى (وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) ، هذا الكلام مقول قول محذوف. وحذف القول مطرد في اللغة العربية، كثير جداً في القرآن العظيم. والمعنى: يقال لهم يوم القيامة لقد جئتمونا، أي والله لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلا، أي غير مختونين، كل واحد منكم فرد لا مال معه ولا ولد، ولا خدم ولا حشم. وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) وقوله (لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا) وقوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا) الآية، وقوله:(كما بدأكم تعودون) تقدم.
وانظر سورة الأنبياء آية (104) .
قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
انظر حديث عائشة الآتي عند سورة القمر آية (53) وفيه: "يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب".
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكتاب يوضع يوم القيامة. والمراد بالكتاب: جنس الكتاب؛ فيشمل جميع الكتب التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا. وأن المجرمين يشفقون مما فيه؛ أي يخافون منه، وأنهم يقولون (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر) . أي لا يترك (صغيرة ولا كبيرة) من المعاصي التي عملنا (إلا أحصاها) أي ضبطها وحصرها. وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية الكريمة جاء موضحا في مواضع أخر؛ كقوله:(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) . وبين أن بعضهم يؤتي كتابه بيمينه، وبعضهم يؤتاه بشماله، وبعضهم يؤتاه وراء ظهره. قال:(فأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتي لم أوتى كتابيه) الآية، وقال تعالى:(فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحد ظلما، فإياكم والمحقرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه.
قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) . قدمنا في سورة البقرة أن قوله
تعالى: (اسجدوا لآدم) محتمل لأن يكون أمرهم بذلك قبل وجود آدم أمرا معلقا على وجوده. ومحتمل لأنه أمرهم بذلك تنجيزا بعد وجود آدم. وأنه جل وعلا بين في سورة الحجر وسورة ص أن أصل الأمر بالسجود متقدم على خلق آدم معلق عليه. قال في الحجر (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وقال في ص: (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ولا ينافي هذا أنه بعد وجود آدم جدد لهم الأمر بالسجود تنجيزا. وقوله في هذه الآية الكريمة: (فسجدوا) محتمل لأن يكونوا سجدوا بعضهم أو كلهم ولكنه بين في مواضع أخر أنهم سجدوا كلهم، كقوله:(فسجد الملائكة كلهم أجمعون) ونحوها من الآيات.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (إلا إبليس كان من الجن)، قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى: (ففسق عن أمر ربه)، قال: في السجود لآدم.
انظر سورة البقرة آية (30) .
قوله تعالى (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) الآية، وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم، وهم لكم عدو.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بئس للظالمين بدلا) بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس.
قوله تعالى (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وما كنت متخذ المضلين عضدا) : أي أعوانا.
قوله تعالى (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا)
قال الشيخ الشنقيطي: أي واذكر يوم يقول الله جل وعلا للمشركين الذين كانوا يشركون معه الآلهة والأنداد من الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله توبيخا لهم وتقريعا: نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركاء معي فالمفعولان محذوفان: أي زعمتموهم شركاء لي كذبا وافتراء. أي ادعوهم واستغيثوا بهم لينصروكم ويمنعوكم من عذابي، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، أي فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من عدم استجابتهم لهم إذا دعوهم يوم القيامة جاء موضحا في مواضع أخر، كقوله تعالى في سورة القصص (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وقوله تعالى (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقوله (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلنا بينهم موبقا)، قال: مهلكا.
قوله تعالى (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المجرمين يرون النار يوم القيامة، ويظنون أنهم مواقعوها، أي مخالطوها وواقعون فيها. والظن في هذه الآية بمعنى اليقين، لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع وقد بين تعالى في