الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(صحيح مسلم 1/163 ح 181- ك الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى . وقد أخرجه الترمذي (السنن 5/286 ح 3105- ك التفسير، ب ومن سورة يونس) ، وأحمد (المسند 6/15-16) ، وابن أبي حاتم (التفسير- سورة يونس/
26
ح 2034) ، وابن خزيمة (التوحيد 1/443-444 ح 258)، من طرق عن حماد بن سلمة بن وجاء عند الترمذي وابن خزيمة: عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال: "إذا دخل
…
الحديث. ووقع عند أحمد وابن أبي حاتم ذكر الحديث كما عند مسلم وفي آخره: ثم قرأ (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (للذين أحسنوا الحسنى)، يقول: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله.
قال تعالى (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
قال ابن كثير: لما أخبر تعالى عن حال السعداء الذين يضاعف لهم الحسنات ويزدادون على ذلك عطف بذكر حال الأشقياء فذكر تعالى عدله فيهم وأنه يجازيهم على السيئة بمثلها لا يزيدهم على ذلك (وترهقهم) أي تعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها كما قال: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل) الآية، وقال تعالى (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم) الآيات، وقوله (ما لهم من الله من عاصم) أي مانع ولا واق يقيهم العذاب كقوله تعالى (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر) وقوله:(كأنما أغشيت وجوههم) الآية إخبار عن سواد وجوههم في الدار الآخرة كقوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون) وقوله تعالى (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وترهقهم ذلة)، قال: تغشاهم ذلة وشدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما)، قال: ظلمة من الليل.
قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يجمع الناس جميعا، والآيات بمثل ذلك كثيرة. وصرح في الكهف بأنه لا يترك منهم أحدا بقوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) .
قال أحمد: حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير أنه سأل جابراً عن الورود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فيدعى بالأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا عز وجل بعد ذلك فيقول ما تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا عز وجل فيقول: أنا ربكم.
فيقولون حتى ننظر إليه قال فيتجلى لهم عز وجل وهو يضحك ويعطي كل إنسان منهم منافق ومؤمن نوراً وتغشاه ظلمة ثم يتبعونه معهم المنافقون على جسر جهنم فيه كلاليب وحسك، يأخذون من شاء ثم يطفأ نور المنافقين وينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ثم ذلك حتى تحل الشفاعة فيشفعون حتى يخرج من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه ميزان شعيرة فيجعل بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يهريقون عليهم من الماء حتى ينبتون نبات الشيء في السيل ويذهب حرقهم ثم يسأل الله عز وجل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها.
(المسند 3/345، 346. والحديث في صحيح مسلم (1/177، 178 ح 191) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير به، وقد وقع في بعضه تصحيف وتخليط، نبه عليه محمد فؤاد عبد الباقي وبين حقيقته، فلينظر هناك.
قال ابن كثير: وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارا عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة (مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) أنهم أنكروا عبادتهم، وتبرؤوا منهم، كما قال تعالى:(سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) الآية.
قوله تعالى (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت) قال: تختبر.
قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة بأن كل نفس يوم القيامة تبلو أي تخبر وتعلم ما أسلفت أي قدمت من خير وشر، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) وقوله (يوم تبلى السرائر) وقوله (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) وقوله (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) الآية.
قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)
قال ابن كثير: يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية إلاهيته فقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته ومشيئته فيخرج منها (حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأباً) أإله مع الله؟ فسيقولون الله (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) وقوله: (أمن يملك السمع والأبصار) أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة، والقوة الباصرة،
ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقولة تعالى: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار) الآية. وقال: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) الآية.
وانظر سورة آل عمران آية (27) لبيان قوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) .
قوله تعالى (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
قال ابن كثير: وقوله (كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا) الآية، أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده، فلهذا حقت عليهم كلمه الله أنهم أشقياء من ساكني النار كقوله:(قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) .
قوله تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ألقم الله تعالى المشركين في هذه الآيات حجرا بأن الشركاء الذين تعبدونهم من دونه لا قدرة لهم على فعل شيء وأنه هو وحده جل وعلا الذي يبدأ الخلق ثم يعيده بالإحياء مرة أخرى وأنه يهدي من يشاء.
وصرح بمثل هذا في آيات كثيرة كقوله (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) وقوله تعالى (واتخذوا من دونه آلهة لا يَخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) .
قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن:(فأنى تؤفكون)، قال: أنى تصرفون؟.
رجاله ثقات وسنده صحيح.
انظر سورة الأنبياء آية (104) .
قوله تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى)، قال: الأوثان، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لما شاء.
قوله تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شيئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (116) .
قوله تعالى (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
(الصحيح 8/619 ح 4981- ك فضائل القرآن، ب كيف نزل الوحي
…
) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) .
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
قال ابن كثير: وهذا هو المقام الثالث في التحدي فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده وليستعينوا بمن شاءوا وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ولا سبيل لهم إليه فقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه
فقال في أول سورة هود: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) ثم تنازل إلى سورة فقال في هذه السورة: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وكذا في سورة البقرة وهي مدنية تحداهم بسورة منه وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا فقال: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) الآية، سورة البقرة آية:24.
وانظر سورة البقرة آية (23) .
قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: التحقيق أن تأويله هنا هو حقيقة ما يؤول إليه الأمر يوم القيامة، كما قدمنا في أول آل عمران ويدل لصحة هذا قوله في الأعراف (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء) الآية.
قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، أن يظهر البراءة من أعمال الكفار القبيحة إنكارا لها وإظهارا لوجوب التباعد عنها وبين هذا المعنى في قوله (قل يا أيها الكافرون) إلى قوله (ولي دين) ونظير ذلك قول إبراهيم الخليل -وأتباعه- لقومه (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله) الآية.
قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ)
انظر سورة الأحقاف آية (26) .
قال ابن كثير: أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى.
وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا) الآية.
وانظر سورة البقرة آية (42) وسورة النمل آية (80) وسورة الروم آية (52) .
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شيئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، حدثنا مروان (يعني ابن محمد الدمشقي) ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:"يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادى! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيتُ كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني، إذا حدث بهذا الحديث، جثا على ركبتيه.
(الصحيح 4/1994-1995 ح 2577- ك البر والصلة، ب تحريم الظلم) .
قوله تعالى (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار)
قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا، حتى كأنها قدر ساعة عندهم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في آخر الأحقاف (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) الآية وقوله في آخر النازعات (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقوله في آخر الروم (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا إلا ساعة) الآية.
قوله تعالى (يتعارفون بينهم)
قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة أن أهل المحشر يعرف بعضهم بعضاً فيعرف الأباء الأبناء كالعكس ولكنه بينه في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها، فلا يسأل بعضهم بعضاً شيئاً كقوله:(ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم)، وقوله:(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) .
قوله تعالى (وإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفّينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك (أو نتوفينك) ، قبل (فإلينا مرجعهم) .
قوله تعالى (ولكل أمة رسول
…
)
قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أن لكل أمة رسولا وبين هذا في مواضع أخر كقوله (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) الآية، وقوله (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وقوله (ولكل قوم هاد) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون)
وانظر حديث البخاري ومسلم المتقدم عند الآية (31) من سورة البقرة (وهو حديث الشفاعة) .
قال الشيخ الشنقيطي: أوضح الله تعالى معنى هذه الآية الكريمة في سورة الزمر بقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون) .
قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين مما لا فائدة لهم فيه كقوله: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) أي كائنة لا محالة وواقعة وإن لم يعلموا وقتها عينا، ولهذا أرشد تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جوابهم فقال:(قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا) الآية، أي لا أقول إلا ما علمني ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يطلعني الله عليه فأنا عبده ورسوله إليكم
…
(لكل أمة أجل) أي لكل قرن مدة من العمر مقدرة فإذا انقضى أجلهم (فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) كقوله: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) الآية. سورة المنافقون آية: 11.
قوله تعالى (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)
قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن لكل أمة أجلا، وأنه لا يسبق أحد أجله المحدد له، ولا يتأخر عنه. وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله:(ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) وقوله: (إن أجل الله إذا جاء لا يأخر لو كنتم تعلمون) وقوله: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون)
قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار يطلبون في الدنيا تعجيل العذاب كفرا وعنادا، فإذا عاينوا العذاب آمنوا، وذلك الإيمان عند معاينة العذاب وحضوره لا يقبل منهم، وقد أنكر ذلك تعالى عليهم هنا بقوله:(أثم إذا ما وقع آمنتم به) ونفى أيضاً قبول إيمانهم في ذلك الحين بقوله: (آلآن وقد كنتم به تستعجلون) . وأوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وقوله: (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لآ إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) .
قوله تعالى (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)
قال ابن كثير: (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد) أي يوم القيامة يقال لهم هذا تبكيتاً وتقريعا كقوله: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تحزون ما كنتم تعملون) .
قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض لَافْتَدَتْ بِهِ)
انظر حديث البخاري عن أنس المتقدم عند الآية (91) من سورة آل عمران وهو حديث: "يجاء بالكافر يوم القيامة
…
".
وانظر سورة آل عمران آية (91) .
قوله تعالى (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
انظر سورة آل عمران آية (27) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) أي زاجر عن الفواحش (وشفاء لما في الصدور) أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وهدى ورحمة أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى:(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) وقوله: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) الآية.
قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا السري بن يحيى، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت عليّ سورة وأمرت أن أقرئكها". قال: قلت: أسميت لك قال: نعم. قلت لأبي: أفرحت بذاك يا أبا المنذر؟ قال: وما يمنعني والله تعالى وتبارك يقول (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) .
(المستدرك 3/304- ك معرفه الصحابة) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود عن سفيان به (السنن ح 3980) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3367) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قل بفضل الله وبرحمته)، يقول: فضله الإسلام، ورحمته القرآن.
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله:
(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا) ، وهو هذا.
فأنزل الله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) الآية، سورة الأعراف:32.
وانظر سورة الأعراف آية (32) .
قوله تعالى (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته وجميع الخلائق في كل ساعة وأوان ولحظة وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين كقوله (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) .
وانظر حديث البخاري ومسلم الآتي عند الآية (34) من سورة لقمان، وهو حديث جبريل الطويل في بيان شرائع الإسلام والإيمان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذ تفيضون فيه)، يقول: إذ تفعلون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما يعزب)، يقول: لا يغيب عنه.
وانظر سورة الزلزلة لبيان: مثقال ذرة.
قوله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
قال ابن حبان: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حدثنا ابنُ فضيل، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: مَن هم لعلّنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا انتساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ:(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
(الإحسان 2/332-333 ك البر والإحسان- ب الصحة والمجالسة) . وقال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه الطبري في (التفسير 11/132) عند تفسير الآية عن أبي هشام الرفاعي عن ابن فضيل به. وأخرج الحاكم في (المستدرك 4/170) عن ابن عمر نحوه. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال العراقى: رواه النسائي في سننه الكبرى ورجاله ثقات (اتحاف السادة 6/174) ، وصحح الشيخ محمود شاكر إسناد رواية أبي هريرة في حاشية الطبري، وله شاهد صحيح أخرجه أحمد من طريق أبي مالك الأشعري حسنه المنذري في (الترغيب 4/21-22)، وقال الهيثمي: رجاله وثقوا (مجمع الزوائد 10/276-277) .
قوله تعالى (الذين آمنوا وكانوا يتقون)
ثم بين الله تعالى من هم أولياء الله فقال في الآية التالية (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ثم بين جزاءهم في الدنيا والآخرة كما في الآية التالية.
وانظر سورة البقرة آية (2) لبيان المتقين.
قوله تعالى (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم)
قال ابن كثير: وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) وقال تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) .
قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا،
ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان. ورؤيا مما يُحدث المرءُ نفسه.
فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس". قال:"وأحب القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين". فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين.
(الصحيح 4/1773 ح 2263- ك الرؤيا) . وأخرجه البخاري في (صحيحه - التعبير، القيد في المنام ح 7017) .
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سعيد ابن المسبب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة".
(الصحيح 12/391 ح 6990 ك التعبير، ب المبشرات) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه من حديث ابن عباس- ك الصلاة، ب النهي عن القراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح 479) .
قال أحمد: ثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش، عن منهال بن عمرو، عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون -يعني بها- على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن
أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد
…
".
(المسند 4/287-288) ، أخرجه أبو داود (السنن 4/239-240 ح 4753- ك السنة، ب في المسئلة في القبر وعذاب القبر) من طريق جرير وأبي معاوية. وأخرجه الحاكم (1/37-38- ك الإيمان) من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به، وليس عند أبي داود قوله:"ابشر بالذي يسرك..". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين
…
ولم يخرجاه بطوله. وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح 1672) .
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله الله سبحانه (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) قال: "هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له".
(سنن ابن ماجة 2/1283- ك تعبير الرؤيا، ب الرؤيا الصادقة يراها المسلم أو ترى له ح 3898)، أخرجه أحمد والترمذي والحاكم (المستدرك 2/340) من طريق يحيى بن أبي كثير به نحوه. وقال الترمذي: حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المسند 5/315) ، (السنن 4/534- الرؤيا، ب قوله (لهم البشرى في الحياة الدنيا) . وللحديث طرق عن عبادة به نحوه (انظر تفسير ابن كثير 4/215) . وذكره الألباني في صحيح ابن ماجة وسقط حكمه عليه (2/338) . وأورده في السلسة الصحيحة (ح 1786) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (12) .
قوله تعالى (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على من ادعى أن له (ولداً سبحانه هو الغني) أي تقدس عن ذلك هو الغني عن كل ما سواه وكل شيء فقير إليه (له ما في السموات وما في الأرض) أي فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شيء مملوك له عبد له (إن عندكم من سلطان بهذا) أي ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان (أتقولون على الله ما لا تعلمون) إنكار ووعيد أكيد وتهديد شديد كقوله تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شيئاً إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هذا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) .
قوله تعالى (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ)
انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع: إنه قليل ذاهب.
قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ)
انظر قصة نوح في سورة الأعراف آية (59-64) .
وانظر حديث مسلم عن أنس المتقدم تحت الآية (59) من سورة الأعراف وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "ولكن ائتوا نوحاً أول رسول
…
".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أمركم عليكم غمة) قال: لا يكبر عليكم أمركم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) قال: اقضوا إلي ما كنتم قاضين.
قوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأرض وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
وهذه قصة موسى مع فرعون والسحرة وإيمانهم وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (103-128) .
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال: الملك.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى عن موسى في هذه الآية، أنه قال: إن الله سيبطل سحر سحرة فرعون. وصرح في مواضع أخر بأن ذلك الذي قال موسى، أنه سيقع؛ من إبطال الله لسحرهم؛ أنه وقع بالفعل، كقوله:(فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) ونحوها من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذرية من قومه) يقول: بني إسرائيل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما سلطنا عليهم ولا عذبوا، فيفتنوا بنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة)، قال: وذلك حين منعهم فرعون الصلاة، فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم، وأن يوجهوا نحو القبلة.
قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)
في هذه الآيات دعاء موسى وهارون ودمار فرعون وقومه وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (129-137) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ربنا اطمس على أموالهم)، قال: بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: وقال موسى قبل أن يأتي فرعون: (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) ، فاستجاب الله له، وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق، فلم ينفعه الإيمان.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (قد أجيبت دعوتكما) قال: دعا موسى وأمّن هارون.
قوله تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا".
(الصحيح 8/198 ك التفسير- سورة يونس ح 4680) .
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فقال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. (سنن الترمذي 5/287- ك التفسير، سورة يونس) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/61-62) . وأخرجه أحمد في المسند (ح 2144)، والحاكم في المستدرك بنحوه (2/340) وصححه وقال: إلا أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس. ووافقه الذهبي وقال: عامة أصحاب شعبة أوقفوه. وابن الملقن. وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند.
قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)، يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه.
قوله تعالى (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه بوأ بني إسرائيل مبوأ صدق. وبين ذلك في آيات أخر كقوله. (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) الآية، وقوله:(كم تركوا من جنات ونعيم وكنوز ومقام كريم) إلى قوله: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (مبوأ صدق) قال بوأهم الله الشام وبيت القدس.
قوله تعالى (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم)
انظر حديث ابن ماجة عن أنس المتقدم عند الآية (105) من سورة آل عمران. وهو حديث: "إن بني إسرائيل افترقت
…
".
قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)
قال ابن كثير: وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) الآية.
قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا يحيى ابن محمد ابن يحيى، ثنا مسدد، ثنا المعتمر بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المراء في القرآن كفر". تابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه.
(المستدرك 2/223- ك التفسير، سورة يونس- الآية) . وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود (السنن- السنة، ب النهي عن الجدال في القرآن ح 4603) ، وأحمد في المسند (2/286، 424، 375) ، وابن حبان في (الإحسان 4/324-325 ح 1464) من طرق عن محمد بن عمرو وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح 3847)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ومحقق الإحسان. ونسبه الهيثمي إلى أحمد بإسناد حسن وقال: رجال أحدهما رجال الصحيح (المجمع 7/151) .
قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، أن من حقت عليه كلمة العذاب، وسبقت له في علم الله الشقاوة لا ينفعه وضوح أدلة الحق، وذكر
هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) وقوله: (وإن يروا آية يعرضوا) الآية، وقوله:(وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) وقوله: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم معرضون) وقوله: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) ، حق عليهم سخط الله بما عصوه.
قوله تعالى (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)، يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم، لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل.
قال ابن كثير: واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين:
(أحدهما) إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية.
(والثاني) فيهما لقوله تعالى (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين) فأطلق عليهم الإيمان. والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر والله أعلم.
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن إيمان قوم يونس ما نفعهم إلا في الدنيا دون الآخرة، لقوله (كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) ويفهم من مفهوم المخالفة في قوله (في الحياة الدنيا) أن الآخرة ليست كذلك، ولكنه تعالى أطلق عليهم إسم الإيمان من غير قيد في سورة "الصافات" والإيمان منقذ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، كما أنه بين في "الصافات" أيضاً كثرة عددهم وكل ذلك في قوله تعالى:(وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين) .
قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً)، (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) سورة يونس: 100، ونحو هذا في القرآن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول.
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولو شاء ربك) يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقال تعالى (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً) ولهذا قال تعالى (أفأنت تكره الناس) أي تلزمهم وتلجئهم (حتى يكونوا مؤمنين) أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) ، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء)(لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) .
قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لو شاء إيمان جميع أهل الأرض لآمنوا كلهم جميعاً، وهو دليل واضح على كفرهم واقع بمشيئته الكونية القدرية. وبين ذلك في آيات كثيرة كقوله (ولو شاء الله ما أشركوا) الآية وقوله:(ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها) وقوله: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)
قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن من لم يهده الله فلا هادي له، ولا يمكن أحدا أن يقهر قلبه على الانشراح إلى الإيمان إلا إذا أراد الله به ذلك. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) ، وقوله (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل) الآية، وقوله:(إنك لا تهدي من أحببت) الآية، وقوله:(ومن يضلل الله فلا هادي له) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويجعل الرجس)، قال: السخط.
قوله تعالى (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيات وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حقاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا جميع عباده أن ينظروا ماذا خلق في السموات والأرض من المخلوقات الدالة على عظم خالقها، وكماله، وجلاله، واستحقاقه لأن يعبد وحده جل وعلا. وأشار لمثل ذلك بقوله:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم)، يقول: وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود.
قال ابن كثير: وقوله (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم)، أي فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم (قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا) أي ونهلك المكذبين بالرسل (كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين) حقاً أوجبه الله تعالى على نفسه الكريمة كقوله:(كتب ربكم على نفسه الرحمة) وكما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي".
قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
انظر سورة الكافرون آية (1-2) .
قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: أوضح هذا المعنى في قوله (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) الآية.
وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان معنى حنيفا.
قوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
انظر سورة الأنعام آية (17) .
قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)
انظر سورة الإسراء آية (15) .
قوله تعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما حكم الله به بين نبيه وبين أعدائه، وقد بين في آيات كثيرة أنه حكم بنصره عليهم، وإظهار دينه على كل دين، كقوله:(إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخر السورة، وقوله:(إنا فتحنا لك فتحا مبينا) إلى آخرها وقوله: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه) الآية. إلى غير ذلك من الآيات.