الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُؤْتَمَرُ الاِسْتِعْمَارِيُّ:
المؤتمر الاستعماري:
نشرت المجلة السويسرية التي نقلنا عنها المقالة الماضية مقالة ذات شأن عن موقف إرساليات التبشير في المؤتمر الاستعماري الألماني. ومما يزيد في أهمية هذه المقالة أنها مكتوبة بقلم (م. ك. اكسنفلد) صاحب التقرير عن الفرع المختص بالإسلام في المؤتمر الاستعماري وهو أيضًا سكرتير جمعية التبشير في برلين.
قال صاحب المقالة: إن المؤتمر الاستعماري امتاز بميزتين:
الأولى: أنه بحث في الشؤون الصناعية والاقتصادية.
والثانية: إجماعه على وجوب ضم المقاصد
السياسية والاقتصادية إلى الأعمال الأخلاقية والدينية في سياسة الاستعمار الألماني. واستشهد بقول (شنكال) رئيس غرفة التجارة في همبرغ: أن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات وأهم وسيلة للحصول على هذه الأمنية إدخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأن هذا هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الوجهة الاقتصادية: وحض السامعين على تقدير عمل المُبَشِّرِينَ وإحلاله في محله اللائق به.
وبحث أعضاء المؤتمر الاستعماري في شؤون تتعلق بالتبشير فكفوا المُبَشِّرِينَ مؤنة الكلام عن أعمالهم ولم يشترك هؤلاء المُبَشِّرُونَ في المداولات إلا عندما أخذ المؤتمر يبحث في أعمال فرعه الرابع - الخاص بالمسألة الإسلامية - فأفاض المُبَشِّرُونَ وتوسعوا في
القول حتى خُيِّلَ للجميع أن المؤتمر الاستعماري تحول إلى مؤتمر تبشير.
ثم حدث اختلاف بين المُبَشِّرِينَ وأعضاء المؤتمر في وجهة النظر إلى الإسلام فقام (أكسنفلد) كاتب هذه المقالة في المجلة السويسرية ولفت الأنظار إلى الخطر الإسلامي في المستعمرات الألمانية بأفريقيا واقترح على المؤتمر الاهتمام من كل الأوجه بعاقبة الحال الحاضرة سواء في ذلك الوجهة التبشيرية والوجهة الفكرية ووجهة السلطة السياسية.
وقام بعده الأستاذ (باكر) العضو في مجلس المستعمرات في همبورج فتوسع في الكلام على الحكومة وإرساليات التبشير وعلاقاتهما بالسياسة الإسلامية، وأبان عن الفارق الذي يفصل مصالح الاستعمار ومقاصده عن إرساليات التبشير. وقال: إن من الخطأ تطبيق
الآراء والأقوال المتعلقة بالتبشير على أمور الحكومة. فرد عليه (أكسنفلد) وقال: إن الأستاذ (باكر) لم يدرك المقصد الذي أراده المبشرون، والخطر الإسلامي صار أمره معروفًا عند الجميع وعند الأستاذ (باكر) أيضًا ونحن المُبَشِّرُونَ لم نقصد أَبَدًا أن نجعل مصالح الحكومة كمصالح الكنيسة. ووافق (أكسنفلد) الأستاذ (باكر) على نقط متعددة، وقال:«إن الحكومة لا بد لها من القيام بتربية الوطنيين المسلمين في المدارس العلمانية ما دام هؤلاء المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية ونحن نعترف بهذه الحقيقة بالرغم من اعتقادنا بأن المدارس العلمانية تزيد الإسلام نموًا وارتقاء. وإذا نحن طالبنا الحكومة بتقدير مقاصدنا ومصالحنا فيجب علينا بداهة أن ندرك أهمية هذه المعضلة من حيث واجبات الحكومة ومصالحها أيضًا» .
وأشار (أكسنفلد) إلى قرار المؤتمر الاستعماري الذي وافق عليه عقب خطاب " الاستصراخ لشن الغارة على
العالم الإسلامي" الذي ألقاه (أكسنفلد) نفسه، يضم إلى ذلك الخطاب المعتدل الذي ألقاه الأستاذ (باكر) وحسبه (أكسنفلد) مَدْحًا وثناء على الإسلام.
أما قرار المؤتمر الاستعماري الذي وفق فيه بين خطابي (أكسنفلد) و (باكر) فقد جاء فيه:
إن ارتقاء الإسلام يهدد نمو مستعمراتنا بخطر عظيم ولذلك فإن المؤتمر الاستعماري ينصح للحكومة زيادة الإشراف والمراقبة على أدوار هذه الحركة. والمؤتمر الاستعماري - مع اعترافه بضرورة المحافظة على خطة الحياد تمامًا في الشؤون الدينية - يشير على الذين في أيديهم زمام المستعمرات أن يقاوموا كل عمل من شأنه توسع نطاق الإسلام وأن يزيلوا العراقيل من طريق انتشار النصرانية وأن ينتفعوا من أعمال إرساليات التبشير التي تبث مبادئ المدنية خصوصًا بخدماتهم التهذيبية والطبية. ومن رأي المؤتمر أن الخطر الإسلامي يدعو إلى ضرورة انتباه المسيحية الألمانية لاتخاذ التدابير - من
غير تسويف - في كل الأرجاء التي لم يصل إليها الإسلام بعد. هذا ما جاء في مقالة المجلة السويسرية.
ونشرت مجلة " العالم الإسلامي " الإنكليزية بعض جمل من خطاب الأستاذ (باكر) الذي ألقاه في المؤتمر الاستعماري الألماني، ومن هذه الجمل قوله: «إن السياسة التي ينبغي الجري عليها في معاملة المسلمين تحتم علينا وضع خطة جديدة في مجرى سياسة حكومتنا.
والمُبَشِّرُونَ هم الذين اختصوا وحدهم بالاهتمام في أمر الإسلام والبحث في شؤونه في كل مستعمراتنا الألمانية إلى هذه الأيام الأخيرة. وأنا لا أرى أن تظل الحالة على ما هي عليه، بل من رأيي أن تنتقل أزمة السياسة الإسلامية منذ الآن وبعد الآن إلى يد الحكومة في كل مستعمراتنا، ويجب على حكومتنا في هذه الخطة الجديدة التي أشير إليها أن تستعين بالوجهة
الوطنية لا بالوجهة الدينية كما تتوصل إلى مقاصدها. وعندئذٍ يتسنى لها أن تعلم حق العلم أن الإسلام وإن يكن عَدُوًّا للنصرانية إلا أنه مستعد للارتقاء والتقدم في سبيل المدنية الحاضرة».
وقال بعد ذلك: «يجب على إدارة المستعمرات أن تستعين بالإسلام على تربية الوطنيين كما تفعل فرنسا وإنكلترا وهولندا: وينبغي للحكومة أن تقف على الحياد التام في المسائل الدينية.
وأنا أقترح على حكومتنا أن تضع خطة موطدة الأركان في الأمور الآتية:
- الأول: في الخطة العامة للنظام الإداري والديني.
- الثاني: في علاقة الشرع الإسلامي بالقوانين الأوروبية.
- الثالث: في نظام التعليم. ومن الضروري أن
تدرس الحكومة الدين الإسلامي وأن تُعْنَى به أشد العناية بواسطة أشخاص تختصهم بتوفية هذا العمل حقه».