المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنظيم المادي لإرساليات التبشير: - الغارة على العالم الإسلامي

[ألفريد لوشاتليه]

فهرس الكتاب

- ‌الغارة على العالم الإسلامي

- ‌[مقدمة الطبعة الأولى]:

- ‌تَوْطِئَةُ مِنَ " المُؤَيِّدِ

- ‌مُقَدِّمَةُ المُسْيُو شَاتِلِيهْ عَنْ إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ:

- ‌تَارِيخُ التَّبْشِيرِ:

- ‌أَفْرِيقْيَا:

- ‌آسْيَا الغَرْبِيَّةِ:

- ‌الهند

- ‌جَزَائِرُ المَلَايُو:

- ‌الصِّينُ:

- ‌مُؤَتَمَرُ القَاهِرَةَ التَّبْشِيرِيُّ عَامَ 1906 م:

- ‌وَسَائِلٌ لِتَبْشِيرِ المُسْلِمِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ الطِبِّيَّةِ:

- ‌الأَعْمَالُ النِّسَائِيَّةُ فِي التَّبْشِيرِ:

- ‌المُتَنَصِّرُونَ وَالمُرْتَدُّونَ: ٍٍ

- ‌شُرُوطُ التَّعْمِيدِ:

- ‌كَيْفَ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ

- ‌مَوْضُوعَاتٌ تَبْشِيرِيَّةٌ:

- ‌العَالَمُ الإِسْلَامِيُّ اليَوْمَ:

- ‌الإِسْلَامُ فِي مِصْرَ:

- ‌الإِسْلَامُ وَإِرْسَالِيَاتِ الهِنْدِ:

- ‌بِلَادُ التُّرْكِ العُثْمَانِيَّةِ:

- ‌سُورِيَا وَفِلِسْطِينَ:

- ‌الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ:

- ‌فَارِسْ:

- ‌صُومَطْرَا:

- ‌جَاوَا:

- ‌مُؤْتَمَرُ إِدِنْبَرْجْ سَنَةَ 1910:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الإِنْكِلِيزِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ السَّوِيسْرِيَّةِ:

- ‌نَتَائِجُ مُؤْتَمَرِ إِدِنْبَرْجْ:

- ‌المُؤْتَمَرُ الاِسْتِعْمَارِيُّ:

- ‌مُؤْتَمَرُ لَكْنُو سَنَةَ 1911:

- ‌مُقَدِّمَةُ المَجَلَّةِ الفِرَنْسِيَّةِ:

- ‌بَرْنَامَجُ المُؤْتَمَرِ وَتَرْتِيبُهُ:

- ‌خُطْبَةُ الرَّئِيسِ الاِفْتِتَاحِيَّةِ:

- ‌الإِحْصَاءَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ وَالفِكْرِيَّةُ:

- ‌خِطَّةُ الكَنَائِسِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌أَعْمَالُ اللِّجَانِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌الجَامِعَةُ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةُ:

- ‌الجَلْسَةُ النِّهَائِيَّةُ:

- ‌التَّنْظِيمُ المَادِّيُّ لإِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ:

- ‌مَقَاصِدُ المُبَشِّرِينَ وَآمالُهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ:

- ‌مُلْحَقٌ:

- ‌نَجْوَى إِلَى القُرَّاءِ:

- ‌جَوَابُ " المُؤَيِّدِ " عَلَى مَقَالَةِ مَجَلَّةِ " العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌كَلِمَةٌ فِي هَذَا الكِتَابِ:

الفصل: ‌التنظيم المادي لإرساليات التبشير:

‌التَّنْظِيمُ المَادِّيُّ لإِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ:

انتقلت بعد ذلك مجلة " العالم الإسلامي " إلى البحث في التنظيم المادي لإرساليات التبشير البروتستانتية الأمريكية والإنكليزية والألمانية فاستهلت بحثها بوصف جمعية التبشير والكنيسة الإنكليزية وقالت: إن هذه الجمعية أهم جمعية بروتستانية.

وقد مضى على تأسيسها 110 سنين ويدير أعمالها (145) أسقفًا ينوبون عن الرئيس وهو أسقف كنتربوري الإنكليزي، وقد كانت إيراداتها سنة 1799 خمسة وعشرين ألف فرنك فبلغت سنة 1910 عشرة ملايين من

ص: 205

الفرنكات وهذا غير المبالغ الهامة التي ترد عليها وتصرفها في سبيل التبشير من غير تدوين في سجلات صندوق الجمعية.

ومن مراجعة التقارير التي نشرتها هذه الجمعية سنة 1906 اتضح لنا أن مجموع الاكتتابات والإيرادات التي وردت على الجمعية في هذه السنة من البلاد الإنكليزية فقط 228.529 جنيهًا وبلغت الإيرادات الأخرى 100 ألف جنيه وهي مؤلفة من الاكتتابات التي ترد إليها من البلاد الأجنبية ومن المبالغ التي يجمعها المبشرون. ولها فروع عديدة لجمع النقود لا تقع تحت حصر.

ولإدارة هذه الجمعية أهمية كبرى تظهر لنا من مراجعة النفقات التي تتكبدها وهي التي أنفقت سنة 1906 مبلغ 16.584 جنيهًا في سبيل إدارة أمورها ومبلغ 27.584 جنيهًا في سبيل تحصيل الاكتتابات والإيرادات. وقد

ص: 206

كانت إيرادات هذه الجمعية في السنة الماضية 403.615 جنيهًا ونفقاتها 394.113 جنيهًا. وبلغ ما أنفق على الأعمال التبشيرية 325.000 جنيه منها 35.000 جنيه صرفت للمبشرين الموجودين في غير البلاد الإسلامية. فيكون مجموع ما تنفقه هذه الجمعية كل سنة للتحكك بالإسلام 7.500.000 من الفرنكات وهي موزعة كما يأتي: 21.521 جنيهًا لأفريقيا الشرقية و33.048 جنيهًا لأفريقيا الغربية و6.234 جنيهًا للتبشير في القطر المصري و82.247 جنيهًا للبلاد العربية والعثمانية والفارسية و122.846 جنيهًا للهند و51.611 للصين.

وقد قالت هذه الجمعية في تقريرها عن سنة 1911 إن أعمال التبشير في البلاد الإسلامية ما زالت صعبة وعرضة للنفقات الجسيمة إلا أن نتائج أعمالها أخذت تظهر للعيان. وقالت: إن نطاق الأعمال التبشيرية اتسع عن ذي قبل في فارس.

ص: 207

أما في مصر فكل المجهودات تبذل في نشر التبشير وتوسيع نطاق التعليم في الأرياف وقد كان من شأن السكة الحديدية التي أخذت تجوب شمال نيجيريا أنها مهدت لمبشري هذه الجمعية سبيل تأسيس مراكز تبشيرية في الأمكنة الإسلامية. والإسلام يندفع نحو اقتباس المدنية العصرية وهذه النهضة التي يتمخض بها المسلمون تدعو إلى تنافس حقيقي بينهم وبين المُبَشِّرِينَ للاستيلاء على المراكز التي يتوخونها، وقد ظهرت هذه النهضة أيضًا في أفريقيا الشرقية الألمانية حيث صارت السكة الحديدية منهمكة بنقل بضائع المسلمين إلى أحشاء البلاد.

وكذلك الحال في السودان المصري الذي ظهرت فيه حركة إسلامية حقيقية تطرقت إلى داخل البلاد، وتوجد أيضًا في نيجيريا الشمالية بعض أقاليم وثنية على حدود بلاد إسلامية كبيرة وهذه الأقاليم أصبحت عرضة لبحر الإسلام الطامي.

ص: 208

أما في نيجيريا الجنوبية فينتظر حدوث نزاع بين المسلمين والمُبَشِّرِينَ من يوم إلى آخر، ويتفوق المسلمون في أكثر هذه الأقاليم على إرساليات التبشير في المال والنفوذ وبينما كان مسيحيو مدينة (أبايوكوتا) يخصصون مبلغ 75.000 فرنك لأجل بناء مدرسة كان مسلمو مدينة (لاغوس) يخصصون 250.000 فرنك لبناء مسجد جديد.

وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير في مقاطعة (سييره ليونا) يرجع عهدها إلى سنة 1804 فيها 63 مدرسة و39 معهدًا يتعلم فيها 4500 طالب والمسلمون في هذه المقاطعة كثيرون وأغلبهم في داخل البلاد.

وقد كان لمبشري هذه الجمعية القدح المعلى في توسيع نطاق المستعمرات الإنكليزية بأواسط أفريقيا وغربها، لأن المُبَشِّرِينَ كانوا يستعينون بالزنوج المُتَنَصِّرِينَ في ارتياد

ص: 209

البلاد وتأسيس مراكز التبشير وتوطيد النفوذ الإنكليزي. وكذلك هي إرساليات التبشير في (لاغوس) و (أبايوكوتا) و (أبادان) و (لوكوجه).

وحاصل القول إن لهذه الجمعية في هذه الجهات ثلاث أسقفيات وهي في (يوروبا) ونيجيريا الجنوبية ونيجيريا الشمالية وفي المقاطعة الأخيرة يجد المُبَشِّرُونَ أنهم في بلاد إسلامية محضة وفي المقاطعة الأولى والثانية لا يوجد من المسلمين إلا التجار وأصحاب القوافل كما هي الحال في لاغوس: والمعاهد والمدارس التي للجمعية في نيجيريا الشمالية قليلة بالنسبة لغيرها للسبب الذي ذكرناه وهو كثرة وجود المسلمين فيها.

وتقول الجمعية في تقريرها: إن تقدم المسلمين في مقاطعة (يوروبا) موجب للقلق الشديد، ومما يدل عليه أنهم خصصوا 250.000 فرنك لتشييد مسجد في

ص: 210

(أبايوكوتا).

كما أن الإسلام ينتشر انتشارًا هائلاً في مقاطعة (إيجابو) التي كانت سنة 1892 وثنية محضة فأصبحت لا تخلو قرية من قراها من مسجد حتى إن مدينة (إيجابواود) لا يكاد يخلو شارع من مسجد للمسلمين، وقد توطد نفوذ الإسلام في (أود).

والمسلمون أحرزوا في المدة الأخيرة حقوقهم المدنية ونالوا الحرية التامة في إقامة الصلاة وشعائر الدين الإسلامي مع أن ملك هذه البلاد كان لا يطيق ذكر المسلمين وكذلك يزداد عدد المساجد في (يوروبا) الغربية التي تؤسس بجانبها المدارس العديدة لتعليم اللغة العربية. ورغمًا عن كون الأهالي في بعض الجهات مثل مقاطعة (أيبوس) يبتعدون عن الإسلام فإن نطاق الإسلام آخذ بالاتساع، ففي (كتسا) مثلاً الواقعة في نيجيريا الشمالية لا تجد محلاً خاليًا من المعلمين المسلمين وآية ذلك أن المسلمين يهبطون على القرى الوثنية ويتحككون بهم ولا يمضي ردح من

ص: 211

الزمن حتى يستعمل الوثنيون الأسماء الإسلامية ويجعلون الآثار الدينية التي يحملها المسلمون ثم يتدرجون في الإسلام.

والأمر الذي أوجب انتشار الإسلام في (كوتا) هو الازدواج الذي يحصل بين المسلمين والوثنيين، أما في (بوشي) ففضل انتشار الإسلام عائد إلى التجار (الهوسيين) الذين ينشرون الإسلام ويبيعون بضاعتهم في آن واحد. وقد استفحل أمر المشكلة الإسلامية في أعين مبشري الجمعية في مقاطعة (يوروبا) لدرجة أن المبشرين هناك يطلبون الذهاب للتبشير بين قبائل (بريبري) الوثنية القاطنة في (بورنو) والتي يتراوح بين المليون والمليونين من النفوس.

وقد قال القسيس (أوغنيبي) في تقريره عن (يوروبا): إنه أراد التحكك ببعض مسلمي (ايلورن) فطلب منه بعضهم تأسيس مدارس وقال له آخرون: إنهم يأسفون لعدم تمكنهم من

ص: 212

قطع رأسه. وقد ظهر للمبشرين أن نفوذ العناصر الفولانية والبولانية الإسلامية منتشر حتى في الأقاليم الوثنية المحضة.

* * *

استمرت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسوية في تلخيص الكلام على جمعية التبشير الكنسية فأشارت إلى ما جاء بنصوص أعمال مبشري هذه الجمعية في إفريقيا الشرقية.

وقد كان الدكتور (كريف) أول من دخل هذه الديار وذلك أنه طرد من بلاد الحبشة سنة 1844 فهبط إلى ممباسة، ثم تبعه مبشرون آخرون أخذوا يطوفون عرض البلاد فاتسعت أعمالهم على الشواطئ منذ سنة 1874 وكانوا يؤسسون قرى يقطنها الأرقاء المعتوقون وشملت أعمالهم التبشيرية أفريقيا الألمانية وبلاد (أوغندا) ثم أسسوا بعد ذلك إرساليتي تبشير: واحدة على مقربة من جبال (كليمانا جارو) وأخرى في سفح جبل (كانيا) ويبلغ عدد معاهدهم التبشيرية في أفريقيا الشرقية

ص: 213

الإنكليزية فقط 22 ولهم 21 معهدًا علميًا يتعلم بين جدرانها 1072 تلميذًا وتبلغ الإيرادات التي يتناولوها من المُبَشِّرِينَ 70 ألف فرنك. والمُبَشِّرُونَ القاطنون في (ممباسة) وفي (مزيزيمة) يجدون أنفسهم في بلاد إسلامية محضة كما أن المسلمين مسيطرون على كل ولاية (السيدية) وتوجد في الجهة الشمالية من هذه البلاد إرسالية تبشير في (جيلوري) التابعة لبلدة (مالندة) واقعة على مقربة من معهد عربي إسلامي قديم العهد. ويرى مبشرو هذه الجهات أن الإسلام ينتشر في الداخل بين صفوف القبائل الوثنية المدمنة شرب الخمر. وأخذ يتطرق إلى الوثنيين المنتمين إلى قبائل (وادا بيدة) رغمًا عما تمتاز به هذه القبائل من كثرة السحرة والدجالين بينها. ويوجد كثير من وثنيي (واديغو) ينقادون للإسلام بسهولة، ولتجار الساحل المسلمين قرى بنوا فيها مساجد حتى في جوف بلاد (كبارة) الواقعة في سفح جبل (كانيا) على مقربة

ص: 214

من المبشرين. وقد أصبحت الحال موجبة للروية والتفكير لدرجة أن السير (بارسي خيروار) حاكم أفريقيا الشرقية الإنكليزية صرح في المؤتمر الذي أقامه المُبَشِّرُونَ على ظهر الباخرة (غالف) في البحر الأحمر أنه يجب على الحكومة وعلى المُبَشِّرِينَ أن يشتركوا في العمل ضد الإسلام.

وقد جاء في تقرير جمعية التبشير أن المسلمين ليسوا إلا قسمًا من أهالي هذه المقاطعة إلا أنهم يؤلفون العنصر التجاري العامل الذي ينتقل من جهة إلى أخرى، ولذلك فإن المُبَشِّرِينَ يوجهون مجهوداتهم لتأليف كتب بالرطانة الساحلية. وَعَدَا بعض الكتب الدينية التبشيرية التي نشرت بهذه الرطانة فإن المُبَشِّرِينَ ينشرون مجلة شهرية يبلغ عدد قرائها 200. ويعلق مبشرو هذه الجمعية أهمية على انتشار الإسلام في أفريقيا الشرقية الألمانية، وقد قالت المبشرة المس (فورسيت) إنها كانت تجد مساجد صغيرة حيثما مرت، وفي بعض الأوقات كانت ترى المساجد بشكل أكواخ صغيرة إلا أن هذه الأكواخ بمثابة مراكز للتبشير

ص: 215

الإسلامي وأشار أحد المُبَشِّرِينَ إلى المجهودات التي يبذلها المُبَشِّرُونَ لأجل انتشار الإسلام. وذكر آخر أن اثنين وثنيين متنصرين اعتنقا الإسلام.

ويرى المُبَشِّرُونَ أن الخصم الوحيد لهم في هذه الجهات هو المسلم. ويرون أن بعض المسلمين الذين وزعت عليهم كتب تبشيرية مكتوبة بالرطانة الساحلية طفقوا يشترون التوراة والإنجيل وقالوا إن امرأة مسلمة في ممباسة عني المُبَشِّرُونَ بمعالجتها فاعتنقت النصرانية.

ويرجع عهد دخول المُبَشِّرِينَ إلى مقاطعة (أوغندا) إلى سنة 1875 عندما صرح (متيسه) ملك هذه البلاد بارتياحه إلى اقتباس التربية الأوروبية وما ذاع خبر هذا التصريح الذِي فَاهَ بِهِ حتى تبرع اثنان رَغِبَا بإخفاء اسميهما بمبلغ 125 ألف فرنك ريثما يتسنى لجمعية التبشير إنفاذ إرسالية تبشير، وفي الواقع تحركت الإرسالية سنة 1876 ولكنها هوجمت في الطريق وفقدت البعض من المبشرين. ثم بقيت في (أوغندا) وتبعتها إرسالية تبشير كاثوليكية.

ص: 216

وقد أخذت الإرساليتان بتوسيع أعمالها بعد موت (متيسه) دون حصول أدنى منافسة بينهما ترجع فائدتها إلى المسلمين، إلا أن (موانغا) الذي تقلد الملك بعد (متيسه) كان ارتياحه قليلاً لأعمال المبشرين، ولذلك أصبح المسيحيون الوطنيون عرضة للاضطهادات الشديدة. لكن ما عتم أن خلع (موانغا) فأصبح المسلمون أصحاب الحول والطول في البلاد وطردوا المُبَشِّرِينَ من كاثوليك وبروتستانت في سنة 1888.

وما مضت سنة واحدة حتى أعيد (موانغا) إلى منصبه بفضل رعاياه المسيحيين فوافق سنة 1890 على رفع العلم الإنكليزي لشركة أفريقيا الشرقية البريطانية أي قبل أن تعلن الحماية البريطانية على بلاده بأربع سنوات.

وفي سنة 1896 بارح (موانغا) بلاده فخلفه ابنه (شوا) الذِي تَعَمَّدَ وَسُمِّيَ (داود) رغمًا عن ثورة قامت بها الجيوش السودانية.

ص: 217

ومن ذلك الحين توطدت أحوال مقاطعة (أوغندا) السياسية، ويوجد عدا الأهالي المسلمين في هذه المقاطعة كثير من التجار الهنود والعرب والسوريين الذين يؤلفون كمية وافرة من المسلمين. ثم جاء في تقرير الجمعية أن اثنين من المسلمين اعتنقا النصرانية في (أوغندا) بعد أن عنى المُبَشِّرُونَ بمعالجتهما.

ويشعر المُبَشِّرُونَ بالصعوبات التي يثيرها زعيم مسلم في (كبيرا) الواقعة شرقي (أوغندا) حيث الإسلام ينمو ويتقدم سَرِيعًا. وحاصل القول إن للمبشرين في هذه المقاطعة 1010 معاهد أو محطات للتبشير و147 مدرسة يتعلم بين جدرانها 47.424 تلميذًا ويبلغ ما يتناولونه من الإيرادات 500 ألف فرنك. وتقدر ميزانية مبشري هذه المقاطعة بمليون فرنك. وهذا المبلغ الجسيم يؤيد وجود 1010 معاهد.

ص: 218

وقد كان للمنافسة التي حصلت ضد المُبَشِّرِينَ الكاثوليك شأن كبير في توسيع نطاق التبشير أكثر بكثير من فكرة مناوأة الإسلام ومناضلته. وعلى كل فسيرى الإسلام نفسه أمام قوة التربية والحضارة الإنكليزية التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ الإنجيليون.

وجاء بعد ذلك في التقرير ذكر إرساليات التبشير في مصر والسودان التي يرجع عهد تأسيسها إلى سنة 1815 عقب حروب نابليون حيث هبطت إرسالية التبشير على جزيرة مالطة وأخذ نطاقها يمتد وينتشر حتى بلغ مصر والحبشة واليونان وبلاد الدولة العثمانية وفلسطين. ومن شأن هذه الإرساليات إرجاع كنائس الشرق سيرتها الأولى وتنصير المسلمين.

لكن بالرغم مما يبذله المُبَشِّرُونَ من الغيرة في هذه البلاد الإسلامية لم تتكلل أعمالهم بالنجاح حتى أنهم

ص: 219

أقفلوا مدرسة التبشير في القاهرة سنة 1862 بعد أن تخرج فيها بعض المبشرين. ثم تأسست إرسالية تبشيرية في مصر انتقلت إلى القدس عقب الاحتلال الإنكليزي للقطر المصري وعززت سنة 1889 بإرسالية تبشيرية طبية.

ولجمعية التبشير الإنكليزية في مصر ستة معاهد للتبشير فيها كثير من النساء المبشرات ولها مدرسة تبشيرية ومدرسة داخلية ومدرستان للبنات في القاهرة، ومدرسة عالية في حلوان ولهذه الجمعية مكتبة هامة في القاهرة. ويقوم مبشروها بنشر مجلة " الشرق والغرب " وتبلغ ميزانيتهم في القطر المصري 160 ألف فرنك. أما الإيرادات التي يتلقاها المُبَشِّرُونَ من الوطنيين فلا تكاد تبلغ 450 فرنكًا. وهذه الجمعية لا تعتبر إرسالياتها التبشيرية في مصر إنها أهم ما لديها كما يتضح من تقريرها السنوي وقد كانت سنة 1910

ص: 220

مهددة بصعوبات وعقبات إذ حملت الصحف الإسلامية في هذه السنة حملة شعواء على المُبَشِّرِينَ عُمُومًا. وقد كانت الصحف الوطنية خصوصًا تمتاز بما كانت تصب عليهم من كلمات السب والشتم وكان الشيخ سكندا (كذا) وامرأته عرضة للاضطهادات الأليمة. وهذه المعاملة لم تمنع بائعة كتب مسلمة متنصرة أن تقوم بواجباتها بمزيد الغيرة والنشاط والأعمال الطبية مستمرة في النمو إلا أنها لا تأتي بفائدة من الوجهة الدينية لأنه لا يكاد الطبيب يظهر بمظهر المبشر حتى تعلو حوله الاعتراضات كما كان شأن الدكتور (هربور) التابع لإرسالية تبشير النيل. وقد قام إمام جامع (حامول) حيث كان مكث الدكتور ستة أشهر فحث الأهالي على عدم حضور مذاكرة هذا الدكتور الذي استطاع مع ذلك إبراز بعض مناظر بالفانوس السحري في قرية (ستريس) وأسس فيها مدرسة صغيرة لتعليم التوراة. وللجمعية أيضًا مدرسة في منوف وأخرى في شبرازنجي

ص: 221

بقرب منوف بين سكان كلهم مسلمون.

وقد رصدت الجمعية بعض أموال لإقامة ذكرى (غردون) عقب موته في الخرطوم. وهذه الأموال مكنت الجمعية بعد فشل الخليفة من تأسيس إرساليات تبشير في أم درمان والخرطوم وعطبرة ومليك وفي أواسط السودان مع مدارس بنات، ولها أيضًا ثلاث مدارس للبنات في السودان الشمالية. وأحوال مدرسة (عطبرة) سائرة من حسن إلى أحسن لأنه أصبح في استطاعة المُبَشِّرِينَ في عطبرة أن يطلبوا من التلاميذ الصغار المسلمين أن يصلوا معهم صلاة الصبح. وهم يطلبون أيضًا مثل هذا الطلب من المرضى المسلمين في مستشفى أم درمان.

واختتمت الجمعية نبذة تقريرها عن هذه الجهة قائلة: إن على أثر موت (ليوبولد الثاني) ملك بلجيكا أرسلت

ص: 222

الحكومة 500 جندي مسلم إلى مقاطعة اللادو فانتشر هؤلاء الجنود في البلاد وأخذوا يفتحون المدارس الإسلامية وسط القبائل الوثنية. وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير عديدة في فلسطين أخذت تنتشر في هذه البلاد منذ سنة 1851 وتفضل الجمعية إرسال مبشرات غير متزوجات لأن لهن تأثيرًا على النساء المسلمات، ولها مدرسة ومعهد للتبشير في بغداد والموصل.

ويرجع عهد التبشير في بلاد فارس إلى سنة 1811 وسنة 1834 حيث ابتدأ المُبَشِّرُونَ الأمريكيون بالتبشير بين النسطوريين ثم بين المسلمين، وقد اتضح للمبشر (بروس) سنة 1869 أن المسلمين في أصفهان يميلون إلى المجادلات الدينية فجاء إلى (جولفة) ومكث فيها حيث فتح مدارس، ثم شدت أزره جمعية التبشير الكنسية الإنكليزية واتسع بذلك نطاق التبشير إذ أسست مدارس

ص: 223

ومستشفيات ضمنها مستشفى للبنات. وفتحت مدرسة داخلية للبنات في أصفهان.

وقد قالت الجمعية إن الثورة الفارسية مهدت السبل للحصول على حرية الأديان، إلا أن نفوذ العلماء لم يزل ثابتًا والفوضى منتشرة في عرض البلاد حيث بدأت الأشرار والسلابون على قطع طرق المواصلات.

وأوسعت جمعية التبشير الكنسية مَكَانًا من تقريرها لمقدمة صغيرة استهلت بها أقوالها عن البلاد الإسلامية، وذكرت فيها مزايا الدين الإسلامي من حيث الاعتقاد بوحدانية الله تعالى، ثم بحثت في هذه الوحدانية فقالت: إنها تحتك من بعض الأوجه بمذهب اللاأدرية ومن وجه آخر بمذهب وحدة الوجود القائل إن الله والكون واحد! وتقرب أيضًا من مذهب تعدد الآلهة والشرك! حتى إن لهذه العقيدة صلة بالمذهب الحيوي القائل بوجود روح في

ص: 224

نفس الحيوان ووجود عامل حي في النبات والجماد وأن هذا هو علة الأعمال الحيوية ولا تأثير للقوى الكيماوية أو المادية، وتقول أيضًا إنه يجب أن ينكر على الإسلام سماحه لكل مسلم أن يعمل ما شاء لأنه سيكون في آخر الأمر مظهرًا للرحمة الإلهية. وقالت: إن في الإسلام عيبًا فاحشًا وهو حطه من شأن المرأة! ودعمت ما عزته إلى الإسلام بذكر نبذة جاء فيها أن امرأتين فارسيتين سميتا ابنتيهما الأولى (غير مطلوبة) والثانية (كفى بنات). ثم انتقلت الجمعية في مقدمتها إلى التساؤل عما إذا كان في الإمكان حمل المسلمين على الدخول في حظيرة المسيح. وافتتحت بابًا خاصًا أتت فيه على صنوف المجاملة التي تظهرها الحكومة الإنكليزية نحو المسلمين وهي لا تنكر أن موقف الحكومة الإنكليزية دقيق نظرًا لكثرة المسلمين الموجودين تحت سيطرتها إلا أنها تنكر على بريطانيا إهمالها مجهودات المُبَشِّرِينَ في القطر المصري والسودان

ص: 225

ونيجيريا وجعلها يوم الجمعة في دوائر الحكومة المصرية يوم بطالة لدرجة أن ذهاب الأقباط المستخدمين في الحكومة في الأرياف للكنيسة يوم الأحد منوط بإرادة رؤسائهم المسلمين.

ثم انتقلت الجمعية في تقريرها إلى ذكر أعمالها في الأقطار الهندية، وقد اتضح أنها ليست منتشرة في عرض البلاد وطولها كما يجب رغمًا عن الألفي المحطة التبشيرية التي فيها والألف المدرسة التي يدرس بين جدرانها 65 ألف تلميذ وتبلغ ميزانيتها في هذه البلاد 4 ملايين من الفرنكات منها 500 ألف فرنك تأخذها من الإيرادات المحلية، وقالت إن أعمالها وأغراضها تختلف في هذه البلاد بحسب الأقاليم، ولها إرساليات عديدة في مقاطعة البنغال وأشغال مبشريها ليست مقتصرة على التبشير بين المسلمين، وقد يتفادى حدوث مشاكل بينهم وبين المسلمين كما هو الأمر في (بيحار) حيث قام مشايخ القرى واعترضوا على المُبَشِّرِينَ لكن هذه الأعمال لم تحل دون انتشار التوراة باللغة الأوردية ولها أيضًا معاهد وإرساليات تبشيرية في ولايتي (أوده) و (أكرا) وتقول: إن

ص: 226

أول نائب قام بأعباء التبشير في هذه الأرجاء هو رجل هندي الأصل متنصر اسمه عبد المسيح ثم انكفأ بعد ذلك مبشروها على هذه المقاطعة، ولها معاهد ومدارس في (أكرا) و (الله أباد) ويدرس في مدارسها كثير من المسلمين. ويتفق تنصير بعض أفرادها من وقت إلى آخر إلا أنها رَغْمًا من فتحها بعض مدارس بطلب من المسلمين ومساعدتهم فإن (أريا سماج) توفق إلى إقفال عشر مدارس كانت في (أزمغار) لكن هذا الأمر لم يكن ليثبط هِمَمَ المُبَشِّرِينَ بل هم دائبون على أعمالهم التبشيرية التي تأتي من وقت إلى آخر ببعض الفوائد واضعين نصب أعينهم نشر تعاليمهم وأفكارهم وجل ما يطلبونه مباشرة من الوطنيين أن يدققوا النظر في الدين المسيحي وتعاليمه. وهم ينشرون تعاليمهم التبشيرية بتلاوة التوراة في القرى وإلقاء المذاكرات في المدن وينشرون المطبوعات حتى إن أهم الأشخاص في الكلية الإسلامية في (أكرا) يطالعون التوراة المكتوبة بالعربي.

ص: 227

وقد توفقت اللجنة التبشيرية الكنسية إلى نشر بعض مؤلفات باللغة الأوردية وبحث طويل باسم " الهند والإسلام " وللجمعية إرساليات تبشير في (جابالبار) تهتم بالأمور الإسلامية ولها مدرسة عالية يتردد إليها المسلمون، وإرسالياتها التبشيرية منتشرة في كل مدن (بنجاب) وتبلغ ميزانيتها في هذه الولاية 750 ألف فرنك يضاف إليها مبلغ 50 ألف فرنك إيرادات مدارسها. وحركة أعمالها التبشيرية في هذه البلاد أحسن منها في غيرها نظرًا لما تلقاه من المساعدة والمجاملة من المستر (لورنس) أو السير (منفوماري) أو الكولونيل (مارتين) عندما تقلدوا زمام الأمور في هذه الولاية وقد اتسع نطاق التبشير من حيث التدريس والتطبيب ونشر المطبوعات والمدارس الصناعية وترجمة الكتب التبشيرية إلى اللغة الأوردية والسندية، وقالت إن أسقف (لاهور) عين المحترم إحسان الله أرشمندريتًا على دهلي، ولمدرسة

ص: 228

لاهور التبشيرية قسم صناعي ويدير أعمال مدرسة (بهاولبور) الواقعة في أحد أقاليم بنجاب الإسلامية المحضة مدير وطني وليست أعمال التبشير في كشمير ماشية كما يرام لأن المسلم الذي يتنصر يقع في حيص بيص ويصبح عرضة للتعصب والامتهان. وقد اضطر المُبَشِّرُونَ إلى إقفال مدرستهم التبشيرية في بلوشستان وتقول الجمعية في آخر تقريرها إن الإسلام يقاوم الأعمال التي توجه ضده من حيث أنه عقيدة ودين، أما من جهة حركة الحضارة والمدنية فلا شك أن أعمال مبشري جمعية التبشير الكنسية جارية على محور النشاط والتقدم.

وجاء بعد ذلك ذكر الهند الغربية فقالت الجمعية: إن هذه البلاد من الأقاليم التي اتسع فيها الاهتمام بالتبشير بين المسلمين إذ يلقي مبشروها محاضرات باللغة الإنكليزية على المسلمين الذين اقتبسوا العلوم الأوروبية ويحتدم

ص: 229

بخلالها الجدال على الأمور الدينية. كما أن المتنصر المولوي أحمد مسيح يلقي محاضرات تبشيرية في (بومباي) وتتبادل المناقشات الدينية في (أورنك آباد) باللغة الهندية ويقوم بعض المُبَشِّرِينَ بالتبشير في المحطات مثل محطة (سمند) وهي نقطة مهمة تلتقي فيها قطارات عديدة وتظهر الجمعية ارتياحها إلى علاقة المسلمين بالمُبَشِّرِينَ في هذه المقاطعة وإلى رواج مطبوعاتها التبشيرية. وللجمعية أيضًا معاهد تبشيرية في الهند المتوسطة في مثل مدينتي مدراس وحيدر آباد اختصت بالشؤون الإسلامية ليس إلا.

وقد ابتدأت الجمعية بإرسال مبشريها منذ سنة1817 إلى جزيرة سيلان التي اتسعت أعمالهم فيها ولهم أكثر من 200 معهد و326 مدرسة يدرس فيها 23 ألف تلميذ وجل ما يصبو إليه المُبَشِّرُونَ هو التحكك بالمسلمين خصوصًا القاطنين منهم في مقاطعة (كندي) وما جاورها لأن هؤلاء الأهالي يتظاهرون بالعداء للمبشرين ولا يدعون

ص: 230

أولادهم يذهبون إلا إلى المدارس الخاصة التي أسسوها لأنفسهم.

ولم تذكر الجمعية شيئًا عن المسلمين في الصين إلا أن مبشريها بلا شك يعلقون على المسألة الإسلامية أهمية كما يتضح من مؤلف القسيس (مارشال برومهال) بخصوص الإسلام في الصين، ولهذه الجمعية في بلاد الصين 300 مدرسة ويبلغ ميزانية مبشريها 1.300.000 فرنك.

أما جمعية تبشير التوراة الطبية فتختص بالتبشير بين النساء المسلمات والهنديات ويقوم مبشروها ومبشراتها بأكثر من 6000 زيارة في البيوت وتعنى بتعليم 6000 شخص وتعالج 32 ألف امرأة وحسب هذه الجمعية أن تظهر احتياجها لتمطر عليها الدراهم من كل حدب.

* * *

انتقلت بعد ذلك المجلة إلى الخوض في إرساليات

ص: 231

التبشير الأمريكية فاستهلت البحث بالجمعية التبشيرية الأمريكية التي يرجع عهدها إلى سنة 1810 وقد اتسعت أعمال هذه الجمعية اتساعًا هائلاً حتى إنه بلغ عدد اللجان التي شكلتها من الوطنيين في مناطق التبشير 568 اشترك فيها 73 ألف وطني يدفعون إلى هذه الجمعية مبلغ 1.600.000 فرنك للقيام بنفقات الكنائس والمعاهد وتربية أولادهم ويبلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون في مدارسها 70.000 تلميذ، كما أن لديها كثيرًا من النساء المبشرات يزداد عددهن من يوم إلى آخر. ومن جملة المبادىء والأصول التي يروجها مبشرو هذه الجمعية أنهم عندما يهبطون إحدى المدن لأجل التبشير يتركون الحرية التامة للذين يدخلون في مذهبهم في تأسيس وتشكيل كنائس خاصة يدير الوطنيون أعمالها حتى يتسنى للوطنيين الاستقلال في أعمالهم إذا اتفق أن المُبَشِّرِينَ طردوا من البلاد، وازداد عدد المدارس العالية والابتدائية في بلاد الدولة العثمانية والهند.

ص: 232

ويهتم ذوو الشأن في هذه الجمعية بإيجاد مبلغ مليوني دولار ترصد إيراداتها لسد نفقات مدارس التعليم ومدارس التبشير. وتهتم هذه الجمعية في أمر التبشير في البلاد العثمانية خصوصًا سوريا وفلسطين لأنها لا ترغب في ترك البلاد التي كانت مهبطًا للتوراة تحت سيطرة الإسلام.

إن الكنائس المسيحية الشرقية الخاملة في هذه البلاد لها أربعة فروع: الأول في البلاد الأوروبية العثمانية ومركزها (سافوكو) في بلغاريا، والثاني في آسيا الصغرى ومركزه (الآستانة)، والثالث في سوريا وله مركزان في (مرعش) و (عينتاب)، والرابع في الكردستان ومركزه (خربوط) وجل ما يتوخاه مبشرو هذه الجمعية استمالة الكنائس الشرقية وتنصير المسلمين بالتدريج وبالوسائط الفكرية والتعليمية، لأنهم يعلمون يقينًا أنه يتعذر تنصيرهم مباشرة.

ص: 233

وأشارت هذه المجلة إلى التعضيد الذي يلاقيه المُبَشِّرُونَ الأمريكيون من أغنياء أمتهم ومتمولي بلادهم الذين يمدونهم بالأموال الطائلة، ثم أتت على ذكر حادثة حصلت إبان انعقاد المؤتمر التبشيري المختلط في (روشستر) إذ انبرى المستر (ألفريد ميرلنغ) الصيرفي والمثري الشهير في نيويورك وتقدم إلى الحاضرين قائلاً: «إن لدي أمرًا أريد أن أبسطه عليكم وهو أننا أصدقاء قديمون اجتمعنا هنا ورأينا أننا كنا في ضلالة لأن السعي الوحيد وراء اقتناء الأصفر الرنان الذي لا يأتي بفائدة أدبية ولذلك يجب أن نعمل مجهوداتنا للتأثير على رجال الكنيسة وعلى الأغنياء الذين يتمتع كل منهم بشيء عن ثروة البلاد التي تربو على 107 مليارات ريثما يستعملوا ثروتهم لأغراض سامية نبيلة لأن العالم كله في حاجة شديدة ليسوع المسيح. ولذا فإننا نقول للقائمين بأعمال لجان التبشير سندر عليكم أموالنا بمزيد من الدقة فهل لكم أن تنضموا إلينا وأنتم في شرخ الشباب؟

ص: 234

ضحوا حياتكم نظير ما نبذله لكم من الأموال، لأننا نحن الآن في سن الشيخوخة وأصبحت أيامنا معدودة، هل لكم أن تقفوا حياتكم على خدمة يسوع المسيح؟ نحن نريد جمعية تبشيرية لا يعطلها على أعمالها غير الموت ولنبرم إذن هذا العقد بيننا».

ثم اجتمع متمولو أمريكا وأغنياؤها لأول مرة سنة 1906 بدعوة من أحد أغنياء التجار في واشنطن وهو الذي انبهر بما قام به شبان التبشير في مؤتمرهم في (ناشغيل) سنة 1906 فقرر هؤلاء المتمولون تأليف لجنة منهم للمذاكرة مع رؤساء كل إرساليات التبشير الأمريكية في الأمور الآتية:

1 -

بذل المجهودات لأجل تربية المُبَشِّرِينَ العلمانيين.

2 -

البحث وإعمال الفكرة لرسم خطة تنصير العالم قاطبة في مدة 25 سنة.

ص: 235

3 -

تشكيل لجنة هامة مؤلفة من 60 عُضْوًا أو أكثر بأقرب ما يمكن لكي تتعهد وتزور مراكز إرساليات التبشير وتعمل التقارير عنها.

وقد كان من نتيجة هذا الاجتماع الذي أقامه المتمولون الأمريكيون رواج فكرة التبشير وتأسيس لجان لهذا الغرض في كل أرجاء الولايات المتحدة، وصار يرجع أمرها إلى لجنة مركزية مؤلفة من مائة شخص منتشرين في الولايات المتحدة وبلاد كندا. ثم أقيمت اجتماعات صغيرة في 101 مدينة من أمهات مدن الولايات المتحدة، وكذا عقد على أثرها مؤتمر تبشيري وطني في كندا، ومؤتمر آخر في شيكاغو.

وهذه المجتمعات والمؤتمرات تقام في أفخم الفنادق فتعمل لها الولائم إبان انعقادها ويحضرها رهط من المثرين الأمريكيين ويستعين كبار المُبَشِّرِينَ بتلاوة الإحصائيات

ص: 236

والتقريرات المالية ليتسنى لهم استمالة الأغنياء واستنداء أكفهم، ومن ذلك أن رئيس حركة التبشير العلماني تلا الإحصاء الآتي فقال: لو فرضنا أن عشرة ملايين من المسيحيين تعهد كل واحد منهم أن يدفع عشرة ريالات في السنة في سبيل التبشير، وتعهد مليون من الأغنياء بأن يدفع كل واحد منهم 200 ريال في السنة لهذا الغرض، لكانت هذه المبالغ تسد نفقات كل جمعيات إرساليات التبشير، ثم لو رأى البروتستانتت الأمريكيون أن من الواجب عليهم أن ينصروا مائة مليون من غير المسيحيين لاحتاجوا إلى 4.000 مبشر و20.000 شخص من الوطنيين لمساعدتهم، هذا إذا فرضنا أن كل 25 ألفًا من غير المسيحيين يفتقروا إلى مبشر أمريكي واحد وخمسة من الوطنيين لمساعدته. وكل ما يتطلبه هؤلاء المُبَشِّرُونَ من النفقات يقدر بأربعة وعشرين مليون ريال، أعني يمكن الحصول عليه إذا اكتتب كل شخص من التابعين للكنيسة بمبلغ سنوي لا

ص: 237

يتجاوز عشرين ريالاً. وقد اعترض أحد المُبَشِّرِينَ الألمانيين على الوسائل التي يستعين بها المُبَشِّرُونَ الأمريكيون، فلم يحفلوا باعتراضه بل أيدوا أعمالهم وبرهنوا على أن هذه الوسائل عززت إيراداتهم التي زادت سنة 1909 ما يقرب من ثلاثة ملايين ريال.

وقد حذت إرساليات التبشير النسائية حذوهم وطافت البلاد تستدر الأموال وأقامت الحفلات الشائقة وتتوخى هذه الإرساليات النسائية تحسين أحوال المرأة الشرقية والتحبب إليها. وقد كانت من نتيجة الأعمال التي قامت بها أن إيرادات هذه الجمعيات تعززت بمبلغ مليون ريال أمريكي.

وقد أقام المُبَشِّرُونَ معرضًا عامًا لإرساليات التبشير في (بوسطن) في باحة الماكنات الواسعة افتتحه المستر (تفت) رئيس الجمهورية في شهر أبريل سنة 1911، واشترك في ترتيب هذا المعرض 400 رئيس من رؤساء إرساليات التبشير

ص: 238

فعرضت فيه نماذج محصولات البلاد التي يرتادها المُبَشِّرُونَ مع صور محطات التبشير المنتشرة وصور متحركة تمثل أعمال المبشرين، وحاصل القول أنهم جمعوا في المعرض ملاهي عديدة وجعلوا أجرة الدخول نصف ريال أمريكي وأخذت بلدان أخرى أيضًا تعد المعدات لفتح معارض تبشيرية.

* * *

ثم جاء بعد ذلك ذكر إرساليات التبشير الألمانية التي امتازت فيها جمعية إرساليات التبشير الشرقية الألمانية، وقد كانت هذه الجمعية التبشيرية جمعية صغيرة للصلاة والتوسل من أجل تأسيس إرساليات تبشير في المشرق وذلك عقب مذابح الأرمن سنة 1895 أسسها القسيس (لبسيوس) ثم دخلت هذه الجمعية في دورها العملي إذ نشر مؤسسها منشورًا حماسيًا قال فيه:

«إن الشرق يدعو الغرب لشد أزره فجعل ما نتوخاه أن نحرر الشرق بواسطة السيد المسيح ونخلص الكنائس

ص: 239

المسيحية من ظلم الإسلام، ونفتح طريقًا للسيد المسيح لإرجاع هذه الكنائس سيرتها الأولى، هلموا إلى قلب العالم الإسلامي، لنحرر فوز الصليب على الهلال».

وطفق بعد ذلك القسيس (لبسيوس) يطوف في بلاد الأناضول وسوريا وينشر تقاريره عن حقيقة حال الأرمن، وتشكلت لجان ألمانية لمساعدتهم وأسس هو بعض محطات تبشيرية وانتهز فرصة انتصار اليابانيين في حربهم الأخيرة وذهب إلى روسيا لأجل تنصير الروسيين الذين يكرعون من المياه القذرة في الكنيسة الروسية، وقد قال هذا القسيس:«إن الاهتمام في صيانة الكنيسة الشرقية لا يكفي للنهوض بالشرق بل يجب مناضلة ومناوأة الإسلام عدو المسيحيين الشرقيين القديم» .

وعلى أثر ذلك تحولت جمعية إسعافات الأرمن إلى جمعية التبشير الألمانية في سنة 1900 وقال (لبسيوس)

ص: 240

إنه لا يكفي المناضلة والمناوأة، بل يجب شحذ السلاح.

قد أدرك مبشرو هذه الجمعية مغزى أقوال رئيسهم وفهموا أن مناضلة الإسلام بصورة جدية حقيقية تفتقر إلى الوقوف عليه تمامًا ولذلك باشروا طبع المؤلفات المتعلقة بالإسلام وأصوله ونشرها بين العالم المسيحي ورأوا من الواجب الاقتداء بإرساليات التبشير الأخرى وذلك بترجمة الكتب الدينية إلى اللغات الإسلامية وتأسيس مدارس للمبشرين واتخاذ التدابير لصيانة المسلمين المُتَنَصِّرِينَ من تعدي بني جلدتهم، وقد تمكنت هذه الجمعية من إخراج خطتها إلى حيز الفعل بفضل القسيس المولا (أفتارنيان)(1) الذي اعتنق النصرانية بعد أن قرأ الإنجيل ثم قام بالتبشير في البلاد البلغارية، وأنشأ مجلة أخرى سماها " كونش " أي الشمس ويعني بهذا الاسم أنه

(1) انظر الصفحة 162.

ص: 241

يرغب في بث الأفكار الدينية المسيحية بين المسلمين وقد انتشرت هذه المجلة في البلاد العثمانية والبلغارية وكانت تلاقي في بعض الأوقات معارضات شديدة.

ومما قاله رئيس إرساليات التبشير الألمانية في تقريره عن أعمالها: إن نار الكفاح بين الصليب والهلال لا تتأجج في البلاد النائية ولا في مستعمراتنا في آسيا أوأفريقيا، بل ستكون في المراكز التي يستمد الإسلام منها قوته وينتشر سواء أكان في أفريقيا أم في آسيا، وبما أن كل الشعوب الإسلامية تولي وجوهها نحو الآستانة عاصمة الخلافة فإن كل المجهودات التي نبذلها لا تأتي بفائدة إذا لم نتوصل إلى قضاء لبانتنا فيها. ويجب أن يكون جل ما تتوخاه جمعية إرساليات التبشير الألمانية هو بذل مجهوداتها نحو هذه العاصمة وهي قلب العالم الإسلامي.

وقد نشرت مجلة " الشرق المسيحي والتبشير الإسلامي " الألمانية التي هي لسان حال جمعية إرساليات التبشير الألمانية مقالة بخصوص تعيين الدكتور (ريتشر) رئيسًا

ص: 242

لهذه الجمعية ومما قالته: إن أهمية أعمال التبشير بين المسلمين تزداد يومًا بعد يوم وتستغرق أكثر مجهودات ووسائل المُبَشِّرِينَ الألمانيين حتى إن الجمعية اضطرت عقب تأسيس المدرسة التبشيرية لدرس الإسلام وأصوله ومبادئه في (بوتسدام) أن تترك الحرية التامة لرئيسها ريثما يتخصص للتبشير بين المسلمين.

وقد فتحت هذه المدرسة سنة 1909 والقصد منها تربية المُبَشِّرِينَ واطلاعهم على الأمور الإسلامية والمؤلفات الدينية لأنه رغمًا من اطلاع المستشرقين الألمانيين وطول باعهم في المؤلفات الإسلامية فإن التعليم والعقائد التي تلقى في المساجد والمعاهد الإسلامية لم تزل خافية علينا. وقد نفح الله الجمعية التبشيرية بأستاذين علامتين اعتنقا الدين المسيحي يقومان بالتدريس في المدرسة وهما بمثابة سيل طام صب على الدين المسيحي الحي، القوتين الإسلاميتين اللتين هما الشريعة والصوفية واسم الأستاذ الأول المدرس نسيمي

ص: 243

أفندي الذي ينتمي إلى عائلة إسلامية عريقة سبق لأحد أعضائها أن تقلد منصب المشيخة الإسلامية، واسم الثاني الشيخ أحمد الكشاف شيخ طريقة صوفية.

وانضم إليها القسيس (أفتارنيان) الآنف الذكر الذي كان اسمه المُلَاّ محمد شكري أفندي وهؤلاء الثلاثة يدرسون التفسير والتعاليم الصوفية واللغة العربية والفارسية والتركية ودروسًا تاريخية دينية إسلامية لتلاميذ مدرسة (بوتسدام) وتبلغ ميزانية جمعية التبشير الألمانية 186 ألف مارك.

ص: 244