الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَقَاصِدُ المُبَشِّرِينَ وَآمالُهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ:
لا تكتفي إرساليات التبشير بالنظاميات والأوضاع التي أخرجتها إلى حيز الفعل بمزيد الدقة والنشاط وإجهادها النفس لتوحيد أصولها وأوجهها بل هي تعد المعدات لتوسيع دائرة أعمالها ريثما تشن الغارة على الأراضي الإسلامية المقفلة في وجهها أو تتحفز لمنازعة الإسلام على البلاد التي ترسخ قدمه فيها.
وقد ظهر في عالم المطبوعات مؤلفان يتعلقان بالغارات التبشيرية في المستقبل والحظ الذي سيكون للشبيبة المتنورة فيه: أحدهما القسيس زويمر الذي يوجه
تأليفه إلى الطلبة ويذكر لهم الأقاليم الخالية من المبشرين، والآخر بقلم المستر (غوردنر) السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين بخصوص الأعمال التبشيرية في أفريقيا الجنوبية، وقد كانت فكرة هذين المؤلفين منطبقة على قرار مؤتمر (إدنبرج) التبشيري الذي جاء فيه: إن القسم الأعظم من العالم الإسلامي خال من التبشير المسيحي وأشير إلى الأقاليم الإسلامية الخالية من التبشير في أفريقيا وآسيا وإلى ضرورة اكتساحها.
وقد أشار (زويمر) في القسم الأول من كتابه إلى البلاد الإسلامية الخالية من المُبَشِّرِينَ مثل أفغانستان وعدد سكانها 4 ملايين مسلم والعشرين مليونًا من المسلمين القاطنين في بخارى وخيوه وتركستان الروسية وكلها لا يوجد فيها مبشر بروتستانتي واحد.
وهناك بلاد أخرى لا تخلو من المُبَشِّرِينَ إلا أن
مجهوداتهم غير كافية لقضاء لبانتهم. قال: إن أهالي تركستان الصينية يظهرون مزيد الحفاوة بالمُبَشِّرِينَ وهم أقل تعصبًا من سكان البلاد الإسلامية الأخرى، ولفت الأنظار إلى أنه لا يشغل الطريق التي تصل بين الهند والتركستان الروسية وتجتاز جبل (قره قروم) إلا بعض مبشرين متنقلين من جمعية التوراة التبشيرية مع أن هذه السكة يمر بها المسلمون الصينيون الذين يتوجهون من مكة لأداء فريضة الحج. أما الوثنيون في سيبيريا فإنهم يميلون بسهولة إلى اعتناق الدين الإسلامي ولا يوجد بين مسلمي الهند الصينية الفرنساوية الذين يبلغون 232.000 إرسالية تبشيرية بروتستانية واحدة.
ثم جاء بعد ذلك ذكر البلاد العربية فقال:
إن جزيرة العرب التي هي مهد الإسلام لم تزل نذير خطر للمسيحية. أما المُبَشِّرُونَ القاطنون حول عدن
والشاطئ الشرقي منها فلا يشغلون إلا أربع نقط تبشيرية ووجودهم لم يمنع جزيرة سقطرة التي كانت في سالف أيامها مسيحية أن تصبح إسلامية محضة.
والمؤلف يعلل النفس بأن السكة الحديدية الحجازية التي تربط دمشق بمكة والمدينة ستمهد للمبشرين سبيل نشر الإنجيل باللغة العربية التي هي أكثر اللغات الإسلامية انتشارًا. والقسم الوحيد من البلاد العربية التي تتمخض به حركة تبشيرية واقعية هو القسم الواقع بين ولايتي بغداد والبصرة إذ توجد فيه محطتان مهمتان للتبشير وثلاث محطات مساعدة لها.
وقبل أن ينتهي المؤلف من البحث في القارة الآسيوية أشار إلى جزر ماليزيا وتساءل عما إذا كانت هذه الجزر تبقى في قبضة الإسلام أم لا؟ وقال: إنه دخل في حظيرة المسيحية 47.729شخصًا من البتاكس القاطنين في غرب
(صومترا) إلا أن الإسلام يتوطد في جزيرة بورنيو ويتوغل في كل الجزر الأخرى عدا (بالي) وينتشر في قسم من (لمبوك)، والمُبَشِّرُونَ كثيرون في سنغافورة وفي الممالك الملازمة المستقلة، إلا أنهم يتحاشون التحكك بالإسلام مع أنهم لا يلاقون أمامهم الصعاب التي يلاقيها المُبَشِّرُونَ المنتشرون في البلاد العربية الفارسية.
والمُبَشِّرُونَ في الصين والهند قليلون جِدًّا ولا يهتمون بالمسلمين.
ثم انتقل (زويمر) إلى قارة أفريقيا فقال: إنه يوجد في أواسط أفريقيا مجال فسيح للتبشير وأقاليم واسعة الأرجاء واقعة على مسافة مائة ميل من الشاطئ يربو عدد سكانها على الخمسين مليونًا لم تنتشر فيها الآيات الإنجيلية، والإسلام يتقدم وينتشر بهدوء ونظام في أفريقيا ونيجيريا بين القبائل الوثنية. لأن الحكومة الإنكليزية تمنع تبشير
المسلمين! وتحظر على المُبَشِّرِينَ المسيحيين ولوج الأقاليم التي يتوغل فيها الإسلام!
أما طرابلس الغرب وتونس والجزائر فليس فيهن سوى أربع محطات تبشيرية!
وقد خص (زويمر) القسم الثاني من مؤلفه بالبحث في الأمور الاجتماعية التي تتعلق بالأعمال التبشيرية فقال: إن أكبر حجة كان المُبَشِّرُونَ يدعمون بها أعمالهم التبشيرية منذ مائة سنة كانت لاهوتية دينية محضة، أما الآن فقد أصبحت أعمالهم مشفوعة بأسباب اجتماعية. وكان ينظر في سابق الأيام إلى المُبَشِّرِينَ نظر قوم يشنون حربًا صليبية ترمي إلى التنصير فقط فتحولت الأفكار وصارت الأعمال التبشيرية تشف عن فكرة الإصلاح الاجتماعي وعن رفع شأن الشعوب غير المسيحية لأن احتلال الأقاليم الخالية من المُبَشِّرِينَ ناشئ عن أحوال هذه البلاد الاجتماعية
المحرومة من يسوع المسيح والتي هي بالتالي خالية من كل بارقة أمل.
وأتى القسيس (زويمر) على ذكر الأوصاب الاجتماعية التي تلم بالشعوب الإسلامية وأشار إلى المتاجرة بالرقيق والقسوة الملازمة لهذه التجارة، وقال: إنها ليست في خبر كان بل ما زالت منتشرة في البلاد العربية والأفريقية حيث توجد أسواق لهذا الغرض تحميها الشرائع الإسلامية القرآنية بالرغم من الأوروبيين.
ثم ذكر بعد ذلك أسباب الانحطاط الاقتصادي في شبه جزيرة العرب ومنغوليا وأفغانستان والغزوات والغارات التي يشتعل لظاها بين القبائل العربية في الصومال وأفريقيا الوثنية والفقر المدقع المنتشر في بعض الجهات وقال: إن تمادي الاعتقاد بالتمائم وتأثيرها يؤخر أحوال الشعوب الإسلامية ويزيدها شقاء.
وختم هذا الباب من كتابه بقوله: إن الخطة الفاسدة الخطرة التي تفضي ببث مبادئ المدنية مباشرة ثم نشر المسيحية ثانيًا عقيمة لا فائدة ترجى منها لأن إدخال الحضارة والمدنية قبل إدخال المسيحية لا تحمد مغبته بل تنجم عنه مساوئ كثيرة تفوق المساوئ التي كانت قبلاً. وأشار في القسم الأخير إلى المزايا والسجايا العقلية التي يجب على المُبَشِّرِينَ أن يتذرعوا بها، وقال: إن المشايخ والرؤساء الروحيين في (بلوشستان) وأفغانستان غير قائمين بوظائفهم وهم على شاكلة الرؤساء الروحيين المنتمين للأديان غير المسيحية.
ثم بين أهمية الأقاليم الخالية من المُبَشِّرِينَ وأفاض في شرح الوسائل للتحكك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح وتناقش طويلاً في الخطط التي يجدر اتباعها. واستنهض همة المُبَشِّرِينَ بخطاب وجيز اختتم به كتابه الذي سماه " مجد المحال ".
أما كتاب المستر (غردنر) فيقع في 212 صفحة مُزَيَّنًا بصور شمسية للمساجد والمعاهد الإسلامية المنتشرة في جنوب أفريقيا ومدغشقر وضعها السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين عَمْدًا ليلفت الأنظار إلى التقدم السريع الذي يتمخض به الإسلام في هذه الأقاليم نَظَرًا لأمور سياسية واقتصادية وهذا السفر أشبه باستصراخ وإعلان حرب يحوي كيفية وأدوار النزال الذي ستدور رحاه بين الإسلام وحاملي لواء التنصير في أفريقيا الجنوبية.
وقد تساءل المؤلف عن إمكان تنصير سكان البلاد الأصليين وانتقد أقوال الدكتور (رهربك) القائل: إنه يتعذر على الوطني أن يتأثر بنفوذ المسيحية، هذه العقيدة الخاصة بالأجناس الراقية واستصوب أن يعتبروا في بادئ الأمر داخلين تحت حماية المسيحية! وأتى على براهين تنافي أقوال الدكتور وأشار إلى المنصرين في كوريا وأواسط أفريقيا وقال: إنه في الإمكان تنصير الوطنيين ببث
مبادئ المذهب البروتستانتي. ثم قال: إن أفريقيا الجنوبية تتمخض بحركة دينية فيخلق بالمُبَشِّرِينَ أن يسرعوا بأعمالهم ويبذلوا قصارى جهدهم في هذا الأمر إذا كانوا لا يودون أن ينتشر الإسلام في هذه البلاد وترسخ أقدامه.
وأشار إلى قول (هرتزل) الذي أفاض في مزايا ومحاسن السكة الحديدية التي تربط القاهرة ببلاد الكاب وقال: غير أن هذا الخط الحديدي يجعل القاهرة مَحَجًّا للمسلمين المنتشرين من جنوب أفريقيا إلى شمالها فيجدر نشر التبشير حينئذ من الكاب إلى القاهرة.
ويقول: إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن تنشر الطلبة المتخرجين فيها في جنوب أفريقيا اتباعًا لقرار مؤتمر التبشير العام، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في كل أفريقيا.
وأشار إلى جمعية النهضة السياسية الأفريقية التي يرأسها الدكتور عبد الرحمن وهذه الجمعية تضم إليها كثيرًا من الأجناس والعناصر وهي برهان على النهضة التي دبت
روحها بين الوطنيين ولهذه الجمعية جريدة هي لسان حالها تنشر بالإنكليزية والهولندية وهي تبحث في صوالح الوطنيين وتحمل الحملات الشديدة في بعض الأوقات على الكنيسة الهولندية وعلى الحكومة. وقد قالت منذ مدة لقد أزف الوقت الذي يجدر بالوطنيين أن يقولوا للجنس الأبيض إن الدين المسيحي الذي تفتخرون به يباين وينافي تعاليم المسيح. وتهتم هذه الجريدة بنفخ روح النشاط بين السود لتستميلهم إلى اقتناء العقارات والاعتماد على أنفسهم، فعلى المُبَشِّرِينَ أن يحولوا أنظارهم نحو هذه الأعمال والحركات السياسية والاقتصادية. وقد أفاض صاحب التأليف في وصف فرق إرساليات التبشير المنتشرة في أفريقيا الجنوبية وكيفية اتفاقها وأصول تعاليمها والوسائل التي يجدر اتخاذها للم شعث إرساليات التبشير وجعلها كتلة واحدة أمام البحر الإسلامي الطامي.
وقال: إن حظ هذه البلاد من المُبَشِّرِينَ أكثر بكثير
من حظ البلاد الأخرى لأن نصف المُبَشِّرِينَ الذين وطئوا أفريقيا للتبشير بين المائة والخمسين مليونًا من الوثنيين موجودون في أفريقيا الجنوبية ليبشروا بين ظهراني ستة ملايين من السكان فيكون حظ كل مبشر 1.300 من الوطنيين بينما حظ المبشر في الجهات الأخرى يبلغ 21.400 وطني.
واختتم كتابه بذكر أسماء جمعيات التبشير ولجانها وما أسسته من المعاهد.
- تم -