المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلا في الجنوب ولذلك أصبح القيام بهذا الأمر واجبًا على - الغارة على العالم الإسلامي

[ألفريد لوشاتليه]

فهرس الكتاب

- ‌الغارة على العالم الإسلامي

- ‌[مقدمة الطبعة الأولى]:

- ‌تَوْطِئَةُ مِنَ " المُؤَيِّدِ

- ‌مُقَدِّمَةُ المُسْيُو شَاتِلِيهْ عَنْ إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ:

- ‌تَارِيخُ التَّبْشِيرِ:

- ‌أَفْرِيقْيَا:

- ‌آسْيَا الغَرْبِيَّةِ:

- ‌الهند

- ‌جَزَائِرُ المَلَايُو:

- ‌الصِّينُ:

- ‌مُؤَتَمَرُ القَاهِرَةَ التَّبْشِيرِيُّ عَامَ 1906 م:

- ‌وَسَائِلٌ لِتَبْشِيرِ المُسْلِمِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ الطِبِّيَّةِ:

- ‌الأَعْمَالُ النِّسَائِيَّةُ فِي التَّبْشِيرِ:

- ‌المُتَنَصِّرُونَ وَالمُرْتَدُّونَ: ٍٍ

- ‌شُرُوطُ التَّعْمِيدِ:

- ‌كَيْفَ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ

- ‌مَوْضُوعَاتٌ تَبْشِيرِيَّةٌ:

- ‌العَالَمُ الإِسْلَامِيُّ اليَوْمَ:

- ‌الإِسْلَامُ فِي مِصْرَ:

- ‌الإِسْلَامُ وَإِرْسَالِيَاتِ الهِنْدِ:

- ‌بِلَادُ التُّرْكِ العُثْمَانِيَّةِ:

- ‌سُورِيَا وَفِلِسْطِينَ:

- ‌الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ:

- ‌فَارِسْ:

- ‌صُومَطْرَا:

- ‌جَاوَا:

- ‌مُؤْتَمَرُ إِدِنْبَرْجْ سَنَةَ 1910:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الإِنْكِلِيزِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ السَّوِيسْرِيَّةِ:

- ‌نَتَائِجُ مُؤْتَمَرِ إِدِنْبَرْجْ:

- ‌المُؤْتَمَرُ الاِسْتِعْمَارِيُّ:

- ‌مُؤْتَمَرُ لَكْنُو سَنَةَ 1911:

- ‌مُقَدِّمَةُ المَجَلَّةِ الفِرَنْسِيَّةِ:

- ‌بَرْنَامَجُ المُؤْتَمَرِ وَتَرْتِيبُهُ:

- ‌خُطْبَةُ الرَّئِيسِ الاِفْتِتَاحِيَّةِ:

- ‌الإِحْصَاءَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ وَالفِكْرِيَّةُ:

- ‌خِطَّةُ الكَنَائِسِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌أَعْمَالُ اللِّجَانِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌الجَامِعَةُ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةُ:

- ‌الجَلْسَةُ النِّهَائِيَّةُ:

- ‌التَّنْظِيمُ المَادِّيُّ لإِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ:

- ‌مَقَاصِدُ المُبَشِّرِينَ وَآمالُهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ:

- ‌مُلْحَقٌ:

- ‌نَجْوَى إِلَى القُرَّاءِ:

- ‌جَوَابُ " المُؤَيِّدِ " عَلَى مَقَالَةِ مَجَلَّةِ " العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌كَلِمَةٌ فِي هَذَا الكِتَابِ:

الفصل: إلا في الجنوب ولذلك أصبح القيام بهذا الأمر واجبًا على

إلا في الجنوب ولذلك أصبح القيام بهذا الأمر واجبًا على المُبَشِّرِينَ كي تعلو النصرانية على الإسلام. وقد صار ينبغي لإرساليات التبشير أن تتحكك بالمسلمين وتتسلح بالمعدات الكافية لقتالهم وأن لا تخشى ذلك كما كانت تفعل حتى الآن. وينبغي لهم أن لا تكون أعمالهم لاهوتية فقط بل أن يطرقوا أبواب الطب والصناعة وكل الأعمال التي يتفوق فيها الأوروبي على الشرقي.

‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةُ:

ومن المسائل التي عقد مؤتمر لكنو للبحث فيها الانقلابات السياسية في ممالك الإسلام فابتدأوا بالبلاد العثمانية وتقدمت ثلاثة تقارير عن الحالة السياسية في البلاد العثمانية:

الأول من الأستاذ (استورد كروفورد) عن الانقلابات العثمانية، والثاني من القسيس (ينغ) عن

ص: 174

الانقلابات السياسية في جزيرة العرب، والثالث من القسيس (تْرُوبْرِيدْجْ) عن النظام الجديد والنظام القديم في السلطنة العثمانية مع ملاحظة موقف إرساليات التبشير في كل ذلك.

تساءل (استورد كروفورد) في أول تقريره عن الموقف الذي يجب أن تكون فيه إرساليات التبشير المسيحية تجاه قوات الإسلام الجديدة بعد الانقلابات العثمانية. ثم قال: إن الأمة العثمانية بحصولها على بعض الحقوق الوطنية العصرية قد أخذت تتدرج في مدارج نهضة عظيمة وتظهر إحساسًا وطنيًا جديدًا أمام المسؤولية الديمقراطية. وهذا الأمر لا يقتصر على الرعايا المسلمين بل يشترك معهم فيه العثمانيون من غير المسلمين وهؤلاء قد بدأوا ينصرفون عن فكرة الاستعانة بالدول الأجنبية.

وحدث بين المسلمين والنصارى تقارب محسوس بالرغم من حدوث بعض حوادث مزعجة إلا أن الإسلام قد ظهر في

ص: 175

قالب جديد وذلك لأن الانقلاب الذي تمخضت به الأمة العثمانية إنما كان إسلاميًا بل إن فكرة الدفاع عن الإسلام هي التي أعانت على حدوث الانقلاب.

وعلى هذا فواجب المُبَشِّرِينَ مزدوج أمام هذا المزيج الغريب، المتكون من الرغبة في الارتقاء والتمسك بالتقهقر، وبهذا الواجب المزدوج يمكن لهم أن يعينوا مركزهم إزاء المسلمين العثمانيين أما الواجب الأول فهو إظهار المجاملة للقوة الجديدة التي انتبهت بالعثمانيين بعد انعدامها بالرغم من أن الشعور الإسلامي الحقيقي يعرقل سيرها.

وبهذه المجاملة يمكن تنشيط المسلمين لاقتباس الأوضاع الجديدة وترقيتها على وجه يشبه الأوضاع التي تباهي النصرانية بها. ولم يسبق لنا أننا رأينا الإسلام لَيِّنًا وَمُلَائِمًا إلى حد تقدير المبادئ النصرانية بقدرها. وهذه فرصة ثمينة ينبغي لنا انتهازها للتحكك بالعالم الإسلامي وهدايته إلى الإنجيل الذي هو أرقى وحي هداه الشرق

ص: 176

للغرب. وما علينا إلا أن نستصرخ المسلمين ليستردوا إليهم بضاعتهم الطبيعية فيطبقوا مبادئها على أعمالهم الضرورية من اجتماعية وقومية ويفسروها بأنفسهم على ما يوافق هواهم، ووقتنا أضيق من أن يتسع للطعن على عقائدهم. وإذا ثبتنا على تلك الطريقة الفاسدة في إظهار المسيحية بمظهرها أيام الحروب الصليبية فإنما نكون قد خُنَّا المسيح الفاتح.

أما الواجب الثاني فهو الصبر الذي يعرفه من عرف حكمة الإنجيل في النمو التدريجي وهي تبتدئ بالعشب ثم بالسنبلة ثم يتبعها انتظار طويل ريثما ينضج الحَبُّ، إلا أن النمو الأخلاقي طويل العهد، خصوصًا إذا كان متعلقًا بأمة.

ثم قال: إن المسلمين يقتبسون من حيث لا يشعرون شطرًا من المدنية النصرانية ويدخلونه في ارتقائهم الاجتماعي، وما دامت الشعوب الإسلامية تتدرج إلى غايات ونزعات ذات علاقة بالإنجيل فإن الاستعداد لاقتباس النصرانية يتولد فيها على غير قصد منها.

ص: 177

وقد علقت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنساوية على هذا القول بأنها تكتفي في بيان أهمية ما يقوله (استورد كروفورد) بتذكير القراء بالجملة التي اتخذتها جمعية الطلاب المتطوعين للتبشير شعارًا لها منذ سنة 1905 وهي: تنصير العالم قاطبة في هذا العصر. فإن في هذا الشعار ما يدل على أن أقوال المُبَشِّرِينَ تتدرج نحو الحقيقة.

أما تقرير القسيس (ينغ) عن الانقلابات السياسية في جزيرة العرب فلم تذكر منه مجلة " العالم الإسلامي " الفرنساوية إلا ما يتعلق بحالة المُبَشِّرِينَ ومما قاله صاحب التقرير إن اليمن وسائر بلاد العرب يوجد فيها دائمًا متعصبون يرون أن في المساواة بين المسلمين والنصارى ضررًا وقضاء على الإسلام ولكن علماء الإسلام المتنورين يقولون إن الشريعة الإسلامية تأمر بالمساواة ثم هم من الوجه الشخصية لا تمكنهم الموافقة على أن المسيحي يساوي نصف المسلم وإن

ص: 178

كان المسيحيون مساوين للمسلمين في الحقوق السياسية والشرعية. وهو يرجو أن يكون إنشاء الطرق والسكك الحديدية وتشييد المدارس أبوابًا ومنافذ بين المسلمين والنصرانية.

وختم تقريره بقوله: إنه قد أزف الوقت لارتقاء العالم، وسيدخل الإسلام في شكل جديد من الحياة والعقيدة، ولكن هذا الإسلام الجديد سينزوي في النهاية ويتلاشى بالنصرانية.

وبعد أن فرغ الخطيبان السابقان من تلاوة تقريريهما قام بعدهما القسيس (تروبريدج) فألقى على مسامع زملائه تقريره عن النظامين الجديد والقديم في السلطة العثمانية فقال:

إن المُبَشِّرِينَ كانوا منذ ابتداء أعمالهم التبشيرية قبل 80 سنة مظهرًا لتسامح الحكومة العثمانية كما هو شأنها مع الرعايا الأجانب الذين تحميهم الامتيازات الأجنبية أما المُتَنَصَّرونَ الوطنيون فهم على نقيض ذلك لأنهم كانوا دائمًا عرضة للسجن والطرد كما أن المُبَشِّرِينَ من وجه آخر كانوا

ص: 179

يلاقون الصعاب والعقبات في سبيل تشييد المدارس والكنائس ونشر المطبوعات.

ثم أشار بعد ذلك إلى ملخص البند العاشر من القانون الأساسي الذي يحظر خرق حرية الأفراد أو القبض على أي شخص ومعاقبته بلا مسوغ منصوص عليه في الأحكام الشرعية الإسلامية والنظامات القانونية. ثم قال: ومع ذلك يتعذر الوقوف على حقيقة خطة الحكومة بالاستناد على أقوال الكثيرين التي ترمي على عواهنها بل إن ذلك يتطلب التنقيب والاختبار الشخصي، ولذلك قسم الخطيب الكلام على أعمال المُبَشِّرِينَ بالنسبة إلى موضوعها ليسهل الوقوف على موقف الحكومة إزاء كل منها.

فقال عن الأعمال المدرسية: إن في استطاعة المسلمين التردد على مدارس وكليات التبشير، وبين جدران الكلية الإنجيلية في بيروت (1) 104 من المسلمين وفي كلية الآستانة

(1) هي الجامعة الأمريكية وكانت تسمى (الكلية السورية الإنجيلية) ويرمزون لها بهذه الحروف S.P.C.

ص: 180

50 وفي كلية المُبَشِّرِينَ في كدك باشا في الآستانة أيضا 80 ومنذ بضع سنين صدر إذن خفي بجواز التردد على الكلية الأولى والثانية.

وانتقل إلى قسم التأليف فقال: كان طبع كتب التبشير مُبَاحًا في تركيا منذ مدة طويلة إلا أن مهمة بائعي الكتب المتنقلين كانت محفوفة بأنواع الصعوبات، فأصبح الآن بيع الكتب التبشيرية مُبَاحًا بسبب حرية النشر التي عقبت الدستور، فبيع في السنة الماضية للمسلمين ما يزيد على 9000 نسخة من هذه الكتب وليس هناك صعوبات تقوم في سبيل بيع الكتب المختصة بانتشار التبشير ولكن يجب على المؤلفين عدم الخوض في غمار المناقشات الدينية لأن الحكومة الحاضرة لا تسمح البتة بنشر الكتب التي على شاكلة مؤلفات (فندر).

وقال عن الأعمال الطبية والخيرية: إنها منتشرة جِدًّا في

ص: 181

البلاد العثمانية، ومما يجدر ذكره أن القسيس (بيت) التابع لإرسالية التبشير في الآستانة عين رئيسًا للجنة الإسعاف الخيرية التي تأسست تحت رعاية السلطان عقب مذابح أدنة. والتبشير الديني جار بلا صعوبة في المستشفيات التي يدير أعمالها المبشرون.

ثم قال عن الأعمال النسائية: إن الحكومة سمحت عقب إعلان القانون الأساسي لخمس فتيات عثمانيات مسلمات أن يتعلمن في كلية البنات الأمريكية ليتهيأن لإدارة الأمور في مدارس الحكومة للبنات كما أن عَدَدًا قليلاً من البنات المسلمات في الولايات يترددن على مدارس إرساليات التبشير. أما الحكومة فتظهر الاحتفاظ التام بحالة تربية المرأة المسلمة وتحظر على النساء التردد على المجتمعات العمومية.

وقال عن أعمال التنصير: إن الحكومة العثمانية

ص: 182

تتدخل ولو من طرف خفي عندما يتصل بها خبر اعتناق مسلم للدين المسيحي فتزجه في السجن لأي سبب كان أو تبعده سِرًّا عن وطنه جزاء ارتداده. وكان الإعدام من قبل عقابًا للارتداد عن الإسلام ولم يزل المرتد في أيامنا هذه عرضة للعذاب الأليم. ومما لا مرية فيه أن الموظفين المتنورين يمجون هذه الأعمال. أما التبشير الإنجيلي في الشوارع والأسواق فمحظور. وقد دخل التسامح في شكل جديد عقب قبول اندماج المسيحيين في الجندية لأن ارتداد المسلم عن دينه كان يعتبر خيانة ووسيلة للتخلص من الخدمة العسكرية. أما الآن فأصبحت مسألة اعتناق الدين المسيحي دينية محضة.

ثم قال صاحب التقرير: إنه يتعذر إدراك ما يخبئه لنا المستقبل لأن بوادر الأحوال تدلنا على أن الحكومة العثمانية لا ترغب في منح الحرية الدينية الحقيقية لأن الدين الإسلامي هو دين الحكومة الرسمي ولم يخرج القانون

ص: 183

الأساسي إلى حيز الفعل إلا بقدر انطباقه على الشرائع والتقاليد الإسلامية، ومهما يكن من الأمر فإن إرساليات التبشير لا تشكو ضيمًا بعد أن أسفر التحقيق الذي أجري في إرساليات التبشير في الآستانة وسلانيك ووان ومرعش وعين تاب عن أن خطة الحكومة الحاضرة موجبة لاستنهاض هِمَّةَ المُبَشِّرِينَ.

وبعد أن انتهى البحث عن الحالة في السلطنة العثمانية انتقل المؤتمر إلى البحث في الانقلابات السياسية في فارس فألقى القسيس (إِسْلِسْتِينْ) الذي مضي عليه 23 سنة في هذه البلاد تقريره في هذا الموضوع فوصف الحالة الحاضرة السياسية والحركة الاجتماعية في فارس وقال: إن عصر الحرية الدينية سيزيد في عدد البابيين أو البهائيين، وأنه يوجد ألوف من الفارسيين ينبذون الإسلام ويندمجون في بعض المذاهب أو يظلون بلا عقيدة دينية فظهر على أثر

ص: 184

ذلك توتر في العقائد الدينية الإسلامية في كل أقاليم فارس وهذه الأمور حملت صاحب التقرير على القول بأن الإسلام ينحط في البلاد الفارسية وقال: إن أعمال التبشير في هذه البلاد توجب مزيد الحيطة والتستر نَظَرًا للأحوال الخاصة التي تمتاز بها فارس وهو يشير على المُبَشِّرِينَ ببذل قصارى الجهد للإقناع واستجلاب القلوب إلا أنه يحذرهم من السب في الإسلام أو ذكر انحطاطه من حيث أصوله الدينية، خصوصًا وأن موقف الفارسيين تجاه المُبَشِّرِينَ هو موقف حسن في الغالب إذ كثيرون منهم يرغبون في تربية أولادهم في مدارس المُبَشِّرِينَ مع علمهم أنهم يتعلمون الإنجيل لكن هذه الرغبة لا تدل على أنهم يودون اعتناق المسيحية بل إن تشوقهم إلى التعليم صادر عن علمهم أنه هو الدواء الناجع لاتقاء الصعاب التي تتخبط فيها فارس الآن فهم لا يرغبون في المسيحية بل جل ما يتوخونه هو اقتباس مبادئ الحضارة العصرية.

ص: 185

وبعد أن فرغ المؤتمر من الخوض في الانقلابات في فارس انتقل إلى أقاليم آسيا الوسطى التي لم تصل إليها إرساليات التبشير مثل الأفغانستان والتركستان الصينية والروسية والأقاليم الروسية الآسيوية فتلا تقرير الكولونيل (ج. ونجت) الذي يشير إلى بعض الأعمال التي بوشرت في آسيا الوسطى. فاتضح منه أنه تعذر على المُبَشِّرِينَ الإنكليز اجتياز الحدود الهندية للدخول في آسيا الوسطى بسبب العراقيل التي توجدها الحكومة الإنكليزية مَنْعًا لهم من اجتياز هذه الحدود. لكن سبقها مبشرون آخرون إلى هذه البلاد إذ هبطت إرسالية تبشير أسوجية بروتستانية مدينة (كاشغر) و (يركند) وتأسست إرسالية تبشيرية مجرية في (له) وعرج مبشرون بلجيكيون كاثوليك إلى (خولجة) وتوجد إرسالية تبشيرية طبية دانمركية في (هوتي مردان) تقوم بها النساء ووظيفتها التبشير بين النساء المسلمات وهي على أهبة الهبوط إلى (كابل) ومما لا شك فيه أن النساء اللواتي يتعاطين الطب يلاقين مزيد الحفاوة لأن المسلمين لا يهتمون

ص: 186

بأعمال النساء المبشرات ولا يضمرون لهن سُوءًا ولكن يعتور أعمال المُبَشِّرِينَ في هذه البلاد صعوبات ويمكننا أن نعرف موقف حكومة الأفغان الرسمي بمراجعتنا نبذة من خطاب ألقاه أمير الأفغان على مسامع الطلبة المسلمين في مدرسة لاهور. إذ قال لهم: «لا خوف عليكم من أن الدين المسيحي أو أي دين آخر ينتزع منكم العقيدة الإسلامية عقب اقتباسكم التعليم الغربي، ولكن ينبغي لكم أن تقوموا قبل كل شيء باقتباس العقيدة الإسلامية وأنتم في مقتبل عمركم» واتضح بعد ذلك أن المبشر (هوغبرغ) التابع لإرسالية التبشير الأسوجية الذي أخذ يبشر بين المسلمين في التركستان الروسية اضطر أن يفر من مقاومة الحكومة الروسية له إلى (كاشغر) حيث لقي مزيد من التسامح من الحكومة الصينية.

وقرئ بعد ذلك تقرير المس (جي فون ماير) المبشرة في (تفليس) وهو يحوي أمورًا تاريخية تتعلق بالتبشير

ص: 187

بين المسلمين القاطنين في روسيا. والقسم الأول من هذا التقرير يتعلق بتاريخ تنصير تاتار قازان أفواجًا وإلى المساعي التي بذلها المبشر الأرثوذكسي (إيلمنسكي) لتنصير المسلمين وجعلهم روسيي النزعة، وقد لاقى ما لاقاه من المقاومة في هذا السبيل نظرًا لشدة نفوذ التاتار وتسيطرهم على الشعوب غير النصرانية في روسيا. وتقول صاحبة التقرير إنه مهما كانت درجة مساعي المُبَشِّرِينَ الأرثوذكس فإنها لا تعادل ما يبذله المُبَشِّرُونَ البروتستنت في هذا السبيل. وقد تأسست جمعية التبشير الأرثوذكسي سنة 1870 وهي منتشرة في أكثر الأقاليم الروسية وسيببريا ومركزها في (موسكو) وكلفت حتى الآن ما يربو على خمسة ملايين ريالاً وهي تدبر أعمال 700 مدرسة يتعلم فيها 19.000 تلميذًا وتنصر بواسطتها 44 مسلمًا سنة 1908 وبلغ ما نصرته للآن 1670 مسلمًا. وأخذ التبشير ينتشر في ولاية (توبولسك) بواسطة جمعية التبشير

ص: 188

المركزية المخالفة للإسلام وهي جمعية أرثوذكسية. وتوجد جمعيات تبشير أرثوذكسية كثيرة في ولايات (فولغا) تتضافرن جميعهن في أمر التبشير ويؤسسن المدارس لتعليم أولاد التاتار والتشوفاش. قالت صاحبة التقرير: ولكن الأعمال التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ الروس بين التاتار عقيمة لأن التتار متعصبون متمسكون بدينهم وهم أنفسهم مبشرون نشيطون. ثم أشارت إلى جمعية التبشير الكنسية الروسية في القديم وأنها تقوم بعمل مزدوج فتعلم المُبَشِّرِينَ في مدارس تعلم فيها اللغة التركية والعربية. ولها أيضًا مبشر يتنقل من محل إلى آخر فيتنصر على يده كل سنة أربعة أو خمسة من المسلمين. وللمبشرين الروس إرساليات تبشير أخرى منتشرة في الولايات الروسية الأوروبية وبعضها طبية. ولكن مهمة المُبَشِّرِينَ تزداد حيثما وجدت قبائل القرغز والباشكير والتركمان على كثب من التاتار لأن هذه القبائل

ص: 189

تقع تحت نفوذها وهناك يستفحل النزاع بين المُبَشِّرِينَ المسيحيين والتاتار.

انتقلت بعد ذلك صاحبة التقرير إلى ذكر الأعمال التي تقوم بها إرساليات التبشير البروتستانتية فاعترفت بعدم اهتمام الكنائس البروتستانتية الروسية بتبشير العشرين مليونًا من المسلمين والخمسة الملايين من الوثنيين القاطنين في روسيا لأنها لم تقم للآن بعمل يذكر. وقالت: إن كنائس بروتستانية أخرى قامت بهذه المهمة ولها مبشرون في تركستان وبين قبائل القرغز. وأهم إرساليات التبشير التي تسعى لتنصير المسلمين في كل أقطار روسيا هي إرسالية التبشير الأسوجية التي لها مركز عام في تفليس وفروع للتبشير في بخارى وأورنبرغ وسمرقند وكاشغر.

وبما أن الحكومة الروسية لم تسمح لهذه الإرساليات بالتعليم ولا بالتطبيب فهي تكتفي بتوزيع الكتب التبشيرية

ص: 190

بالفارسي والتركي وبلغ عدد الذين تنصروا بواسطتها 14 شخصًا. أما إرساليات التبشير في بخارى وسمرقند فاضطرت إلى توقيف أعمالها عقب الاضطرابات التي طرأت. وهذه الإرساليات تجد صعوبات شديدة لدى الباشكيريين ولم تحصل على نتائج صريحة. وتقوم جمعية التوراة الإنكليزية والأجنبية بنشر نسخ الإنجيل في كل البلاد الروسية، ولها مركزان، واحد لروسيا الأوروبية والتركستان والآخر لسيبيريا وهما يقومان بنشر الأناجيل بعشر لغات إسلامية ويظهر أن عدد الأناجيل التي تباع للمسلمين ازداد عن ذي قبل.

وختمت صاحبة التقرير كلامها بالإشارة إلى بعض إرساليات تبشير صغيرة منتشرة في الأقاليم التي يقطنها المسلمون.

ص: 191

وتليت بعد تقرير المس (جني فون ماير) الطويل ثلاثة تقارير أولها للقسيس (ويلسون) عن أحوال الهند، والثاني للقسيس (جُونْ تَكْلْ) عن تقدم الإسلام في الهند، والثالث للقسيس (وَيتْيْرخت) عن حركات الإصلاح في الهند. وقد جاء في التقرير الأول للقسيس (ويلسون) أن الحركة العصرية التي تتمخض بها الأرجاء الهندية لم تأت بثمرة للآن ولم تظهر إلا بشكل أفكار وميول ونزعات. وليتسنى الوقوف على ما يكون من تأثير هذه الحركة على أعمال التنصير يجدر الانتظار ريثما تتحقق مآرب حاملي لواء الإصلاح في الهند.

وليس هناك داع للاستغراب أو الفشل إذا أظهر المسلمون عدم إقبال على اقتباس المبادئ الإنجيلية لأن الاهتمام بالحياة العقلية والسياسية الحديثة يدعو إلى تعليق الآمال بالنهضة التي ترفع شأن الإسلام فلا يبقى ثمة مجال في نفوس المسلمين للتفكير في أمور أخرى. لكن صاحب التقرير لا يشك

ص: 192

في أن التربية الغربية هي من قبيل قوة تنحل بها عُرَى الروابط الإسلامية. وقد قال بعد ذلك: «إن مطالعة التاريخ المجرد من المحاباة والغرض، تميط اللئام عن حقيقة مصادر الإسلام لأن العقل الذي اعتاد التنقيب العلمي لا يقبل الاعتقاد عفواً وبلا روية بالعقائد التقليدية» . وهو يعتقد أن انتشار التعليم يساعد على تبديد الخرافات القديمة بخصوص المسيحية. واختتم القسيس (ويلسون) تقريره مؤملاً بالحصول على نتائج حسنة في المستقبل.

وتلاه القسيس (جون تكل) فاستهل تقريره بإلقاء نبذة عن تاريخ انتشار الإسلام في الأقاليم الهندية، وقال:«إن الإسلام آخذ في الازدياد وإن تكن المجهودات التي تبذل في سبيل انتشاره تكاد تكون في حكم العدم» .

وأشار إلى مقاطعة البنغال فقال: «إن عدد المسلمين فيها بلغ سنة 1871 ستة عشر مليوناً ونصف مليون وكان

ص: 193

الوثنيون 17 مليونًا ثم اتضح من إحصاء سنة 1901 أن المسلمين في هذه المقاطعة صاروا 19 مليونًا ونصف مليون والوثنيون 18 مليونًا». ثم تساءل عن أسباب نمو المسلمين، وأجاب إنه لا يمكن أن ينسب هذا النمو إلى تعدد الزوجات لأن 29 في المائة فقط من مسلمي البنغال متزوجون بأكثر من واحدة كما أنه لا يمكن القول إن هذه الأسباب ناشئة في أكثر الأوقات عن التثبت بصحة العقيدة الإسلامية لأنه اتضح له من التحقيق الذي قام به للوقوف على الأسباب التي حملت 40 شخصًا على اعتناق الدين الإسلامي في أوقات متفاوتة أن 23 منهم اعتنقوا الإسلام لأسباب ناشئة عن العواطف، وسبعة منهم لارتباك في أحوالهم والباقون أسلموا لأسباب مختلفة. وقد أسفر التحقيق الذي قام به مُبَشِّرُونَ آخَرُونَ عن نتيجة واحدة من حيث نسبة الأسباب، وقال: «إن الوقوف على أسباب نمو الإسلام يمهد للحصول على وسائل توقيف تياره ولذلك فقد ذكر

ص: 194

لأعضاء المؤتمر بعض اقتراحات تتعلق بالاحتياطات التي يجدر بالمُبَشِّرِينَ اتخاذها وأهمها ضرورة زيادة القوات التبشيرية الاختصاصية». وأيد اقتراحه بقوله: «إن ثلث مسلمي الهند الذين بلغوا في إحصاء سنة 1901 اثنين وستين مليونًا ونصف قاطن في مقاطعة البنغال، ومع ذلك فلا يوجد في هذه البلاد مبشرون اختصوا بتبشير المسلمين» .

وانبرى بعد ذلك القسيس (ويتبرخت) فتلا تقريره ومما قاله إنه يجدر بالمُبَشِّرِينَ إظهار مزيد اللياقة عندما يتحككون بالمسلمين المتنورين وأن ظهور بعض الجهال بمظهر العظمة والغطرسة قد زال الآن وحل محله احترام حسنات المدنية المسيحية وأعمال الدين المسيحي الخيرية. ثم أوصى المُبَشِّرِينَ بالتواضع وقال لهم: «إذا كان المسلم يبالغ في سؤدد ومجد وحضارة بغداد وقرطبة ودرجة ترقي أفكار علماء العرب فلنذكر نحن أيضًا أن

ص: 195

هذا التاريخ يحوي صحائف مجيدة ولنتذكر أيضًا أنه وإن يكن الإسلام بقي دين الشعوب التي هي دوننا في المدنية فإن أنصاره نجحوا أكثر من المسيحيين بإزالة الحواجز التي تفصل بين الأجناس».

ثم جاء بعد ذلك دور المستر (رودس) التابع لجمعية التبشير في الصين الداخلية وهي الجمعية الوحيدة التي توغلت في الصين وبعد أن تكلم عن نسبة المسلمين العددية وأحوالهم الاجتماعية والسياسية تكلم عن أعمال التنصير التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ فقال: إن أعمال المُبَشِّرِينَ كانت حتى الآن في زوايا الإهمال إلا أن المجهودات التي بذلها هؤلاء تكللت بالنجاح وأبادت خرافات كثيرة فتوطدت العلاقات بينهم وبين المسلمين واعتنق بعض المسلمين الدين المسيحي وهم منهمكون إلى الآن بنشر الإنجيل ولكن لم يبلغ مسامعه أن عالمًا مسلمًا اعتنق الدين المسيحي، ثم

ص: 196

أشار بعد ذلك إلى العقبات التي يلقاها المُبَشِّرُونَ في الصين وأهمها ضرورة وجود لغتين للمبشرين: اللغة الصينية التي تستعمل مع العامة واللغة العربية لأجل العلماء والطلبة، ويوجد هناك عقبة أخرى وهي صعوبة وجود كلمة في اللغة الصينية للدلالة على اسم الجلالة. واختتم تقريره بلفت أنظار المُبَشِّرِينَ إلى الصين وقال: إن النصر ليس حليف الإسلام في الصين إلا أن العلماء المسلمين ينكفئون على هذه البلاد من الهند وجزيرة العرب وبلاد الدولة العثمانية لأجل توطيد أركانه هناك، وحض الخطيب أعضاء المؤتمر على تعزيز عدد المُبَشِّرِينَ الواقفين على اللغة العربية وإرسال نساء مبشرات للقيام بالتبشير الطبي وسط النساء الصينيات وطلب تأسيس إرساليات طبية ومستشفيات.

ثم ألقى على مسامع المُبَشِّرِينَ سؤالاً يتعلق بمسلك الحكومات نحو المُبَشِّرِينَ ويتضمن البحث عن أحوال المسلمين الموجودين تحت سيطرة المسيحيين أو الذين تحت

ص: 197

حكم الوثنيين، وقد اتضح من الخوض في هذا الموضوع أن هولندة هي الحكومة الوحيدة التي تروج أعمال المُبَشِّرِينَ وتستحق رضاهم عليها. ويظهر أن ألمانيا أخذت تقتدي بها منذ مدة قريبة.

أما إنكلترا فهي هدف لانتقاد المُبَشِّرِينَ لأنهم يزعمون أن المسلمين في مصر يهتضمون حقوق الأقباط!!! لأن تعليم الدين الإسلامي جبري في المدارس المصرية والحكومة المصرية هي التي تنفق عليه. أما التعليم الديني للتلاميذ الأقباط فاختياري ويتكفل بنفقته المجلس الملي القبطي.

وأما في السودان فأعمال المُبَشِّرِينَ معرقلة حتى أن كلية غوردون التي أسستها الأمة البريطانية (1) أصبحت

(1) يتجاهل هذا الخطيب المتعصب أن كلية غوردون مدرسة حكومية تنفق عليها حكومة السودان من ميزانية بلاد أهلها مسلمون. فهل كان يريد أن تأخذ حكومة السودان من المسلمين أموالهم على تعليم أبنائهم تعليمًا نصرانيًا. ومع ذلك فحكومة السودان تساعد دعاة النصرانية إلى أقصى حد.

ص: 198

مدرسة إسلامية محضة. والحكومة الإنكليزية في نظر المُبَشِّرِينَ ملومة على انتهاجها خطة الحياد وشدها أزر المدارس الإسلامية في مقاطعة (سييرا ليونه).

كما أن ذوي الأمر من الانكليز في نيجيريا لا يحسنون معاملة إرساليات التبشير المسيحية ولا يسمحون لهم بفتح المدارس العصرية بكل حرية بينما هم يعضدون المدارس التي تعلم القرآن.

وأما الحكومة الفرنساوية فتسلك خطة الحذر التي تنطوي على الود والإخلاص نحو المُبَشِّرِينَ لأن علاقاتها مع المُبَشِّرِينَ في مدغشقر لم تتحسن وإن تكن تسمح للمبشرين بارتياد الجزائر وتونس بدون تعضيد، ويخشى أن تحظر عليهم التجول في الصحراء والنيجر وأقاليم بحيرة تشاد وواداي.

وقد لام المُبَشِّرُونَ الحكومة الروسية لتباين أعمالها

ص: 199

فقد يتفق في بعض الأوقات أنها تروج أعمال المسلمين التي تضر بالمسيحيين التابعين للكنيسة الرسمية الروسية.

أما خطة الحكومات الوثنية نحو المُبَشِّرِينَ فتختلف باختلاف طباع ومزايا الحاكم الوثني. وقد قال المبشرون: إنه مهما بلغ طيش الحاكم الوثني وهمجيته ودرجة اضطهاده فهي لا تبلغ درجة الاضطهادات والأعمال الهائلة التي تخللت تاريخ الإسلام! وهم يفضلون أن يكونوا مرتبطين بعلاقات مع الوثنيين المستقلين لأنه مهما كانت فائدة حلول الحكومة الغربية محل الحكومة الوثنية فإنها تروج تيار الإسلام وتكون مجلبة للعراقيل في وجه المُبَشِّرِينَ من حيث الأعمال التي يقوم هؤلاء بها تجاه المعضلة الإسلامية.

وقال المبشر (وَطْسُونْ): إن الواجب الضروري يقضي على المُبَشِّرِينَ بالاهتمام بأمر البلاد الوثنية التي يتهددها الإسلام.

ص: 200