المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نجوى إلى القراء: - الغارة على العالم الإسلامي

[ألفريد لوشاتليه]

فهرس الكتاب

- ‌الغارة على العالم الإسلامي

- ‌[مقدمة الطبعة الأولى]:

- ‌تَوْطِئَةُ مِنَ " المُؤَيِّدِ

- ‌مُقَدِّمَةُ المُسْيُو شَاتِلِيهْ عَنْ إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ:

- ‌تَارِيخُ التَّبْشِيرِ:

- ‌أَفْرِيقْيَا:

- ‌آسْيَا الغَرْبِيَّةِ:

- ‌الهند

- ‌جَزَائِرُ المَلَايُو:

- ‌الصِّينُ:

- ‌مُؤَتَمَرُ القَاهِرَةَ التَّبْشِيرِيُّ عَامَ 1906 م:

- ‌وَسَائِلٌ لِتَبْشِيرِ المُسْلِمِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ الطِبِّيَّةِ:

- ‌الأَعْمَالُ النِّسَائِيَّةُ فِي التَّبْشِيرِ:

- ‌المُتَنَصِّرُونَ وَالمُرْتَدُّونَ: ٍٍ

- ‌شُرُوطُ التَّعْمِيدِ:

- ‌كَيْفَ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ

- ‌مَوْضُوعَاتٌ تَبْشِيرِيَّةٌ:

- ‌العَالَمُ الإِسْلَامِيُّ اليَوْمَ:

- ‌الإِسْلَامُ فِي مِصْرَ:

- ‌الإِسْلَامُ وَإِرْسَالِيَاتِ الهِنْدِ:

- ‌بِلَادُ التُّرْكِ العُثْمَانِيَّةِ:

- ‌سُورِيَا وَفِلِسْطِينَ:

- ‌الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ:

- ‌فَارِسْ:

- ‌صُومَطْرَا:

- ‌جَاوَا:

- ‌مُؤْتَمَرُ إِدِنْبَرْجْ سَنَةَ 1910:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الإِنْكِلِيزِيَّةِ:

- ‌أَقْوَالُ المَجَلَّةِ السَّوِيسْرِيَّةِ:

- ‌نَتَائِجُ مُؤْتَمَرِ إِدِنْبَرْجْ:

- ‌المُؤْتَمَرُ الاِسْتِعْمَارِيُّ:

- ‌مُؤْتَمَرُ لَكْنُو سَنَةَ 1911:

- ‌مُقَدِّمَةُ المَجَلَّةِ الفِرَنْسِيَّةِ:

- ‌بَرْنَامَجُ المُؤْتَمَرِ وَتَرْتِيبُهُ:

- ‌خُطْبَةُ الرَّئِيسِ الاِفْتِتَاحِيَّةِ:

- ‌الإِحْصَاءَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ وَالفِكْرِيَّةُ:

- ‌خِطَّةُ الكَنَائِسِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌أَعْمَالُ اللِّجَانِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ:

- ‌الجَامِعَةُ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الاِنْقِلَابَاتُ السِّيَاسِيَّةُ:

- ‌الجَلْسَةُ النِّهَائِيَّةُ:

- ‌التَّنْظِيمُ المَادِّيُّ لإِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ:

- ‌مَقَاصِدُ المُبَشِّرِينَ وَآمالُهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ:

- ‌مُلْحَقٌ:

- ‌نَجْوَى إِلَى القُرَّاءِ:

- ‌جَوَابُ " المُؤَيِّدِ " عَلَى مَقَالَةِ مَجَلَّةِ " العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌كَلِمَةٌ فِي هَذَا الكِتَابِ:

الفصل: ‌نجوى إلى القراء:

‌نَجْوَى إِلَى القُرَّاءِ:

بمناسبة مقالات " الغارة على العالم الإسلامي "

افتتاحية العدد 6663 من " المؤيد " الصادر يوم الجمعة 9 جمادى الأولى 1330 هـ (1).

أخبرني في الأمس زميل لي في قلم التحرير أن فريقًا من الناس ساءهم أن ينشر " المؤيد " مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " بدون أن يعلق عليها، وأن بعضهم يرى عدم تعليق الصحف العربية على المقالات التي ترد عليها من الخارج أو التي تترجم فيها عن اللغات يعد موافقة من هذه الصحف على ما تضمنته تلك المقالات.

(1) 26 أبريل 1912.

ص: 258

وسواء أصاب هذا البعض فيما يرى أو أخطأ فإن تطبيق ذلك على مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " التي تترجم في " المؤيد " هو من قبيل وضع الشيء في غير محله، لأن " المؤيد " لما بدأ بنشر هذه المقالات مهد لها بتوطئة أبان فيها عن قصده من نشرها، وذكر لقرائه شَيْئًا عن المجلة التي كتبت تلك المقالات، والجمعية التي تنشر المجلة نفسها، وحالتيهما قبل حوادث مراكش وفارس وطرابلس الغرب وبعدها.

ذلك غاية ما كان يقال توطئة لنشرها في " المؤيد ". وأما التعليق عليها بكلمة اعتبار بما ورد فيها فذلك ما لا يحسن إيراده إلا بعد إتمام نشر المقالات ليكون القول فيها أشمل والكلام عليها أعم. على أن مجرد نشر هذه المقالات كان كافيًا في تنبيه القراء إلى مكان العبرة منها والتوسل إلى مقابلتها بمثل

ص: 259

الوسائل الواردة فيها، لأنها ليست من المباحث العلمية أو الجدلية التي تقتضي رَدًّا ومناقشة، ولو كانت كذلك لكان رجال الدين وكتاب المجلات الدينية أولى بمناقشتها والرد عليها بل هي تاريخ وأنباء عن أعمال جرت من قبل وتجري الآن وستجرى من بعد، والأعمال لا تناقش إلا بأعمال مثلها. وكنا نظن أنه لا تنشر بضع مقالات منها حتى يذهب أهل الغيرة لزيارة مدرسة " دار الدعوة والإرشاد " التي هي بنت شهرًا أو شهرين وفيها المصري والمراكشي والجاوي والقفقاسي فيطلعوا على مبلغ نجاحها ويتطوعوا في تعضيدها وتثبيتها ويمدوها بالرأي والمال وكل ما يعد قوة، ليتسع نطاقها ويكمل نقصها.

ومن الغريب أنه بينما ينتقد علينا بعض قرائنا الاقتصار على نشر هذه المقالات من غير تعليق عليها ولو كان وقت التعليق لم يحن بعد نرى بعض الجرائد الإفرنجية المتعصبة في القطر المصري تتقول علينا بعض الأقاويل وتنسب

ص: 260

إلينا ما لم يصدر منا وتزعم أننا نعلق على هذه المقالات بما يثير الضغائن، مع أننا لم نعلق بعد شيئًا بهذه المناسبة، فمن ذلك أن جريدة "لا بورص إجبسيان" (*) التي تصدر في الإسكندرية كتبت مقالة قالت فيها:«إن " المؤيد " يترجم مقالات مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسية، ويلحقها بتعليقات شخصية يصوغها بقلم تظهر به كأنها لا غبار عليها، والذي يعرف مبدأ " المؤيد " وسجية قرائه يرى أنه إنما يتخذ من هذه المقالات وسيلة لتغذيتهم بالضغائن» .

فما قاله " المؤيد ": أن الغربي يجيء إلى هذه البلاد بوسيلة الاتجار ودعوى نشر حسنات الحضارة الكاذبة، مع أنه في الحقيقة لا يقصد غير مناوأة الإسلام الذي فشلت الحروب الصليبية في مناوأته.

هذا بعض ما قالته " لا بورص إيجبسيان "(*) فهي كذبت علينا أولاً بأننا نعلق على هذه المقالات بتعليقات شخصية، وافترت علينا ثانيًا بأن عزت إلينا قولاً ليس

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) La bourse Egyptiènne.

ص: 261

لنا، بل هو لرجل أوروبي مبشر، ولو أن كاتب مقالة " البورص " - أو الذي يترجم له عن " المؤيد " - يعرف العربية التي هي لغة البلاد لكان أدرك أن المقالات برمتها ملخصة عن مجلة " العالم الإسلامي "، وتلك الجملة نفسها نقلتها هذه المجلة عن كتاب " ملخص تاريخ التبشير " الذي ألفه المستر (أدوين بلس) ونص الجملة هو قوله:

«أن ريمون لول الإسباني هو أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها» (1).

وكأنما " البورص إجبسيان " السكندرية لم يكفها ذلك حتى زادت عليه لومها للصحف الإسلامية لأنها تترجم لقرائها المسلمين ما تكتبه الصحف الأوروبية عنهم وعن حالهم ومستقبلهم حتى لو اقتصرت صحفنا على الترجمة فقط. ووجهت " البورص " انتقادها إلى صاحب السعادة

(1) انظر صفحة 17.

ص: 262

السيد علي يوسف وإلى المرحوم مصطفى كامل باشا لأنهما كانا يفعلان ذلك.

واتهمت صحفنا أيضًا بأنها تعنون هذه المقالات بعناوين ذات شأن، وقالت: إن عنوان " الغارة على العالم الإسلامي " من هذا القبيل. على أن " البورص " لو راجعت الأصل الفرنسي أو لو قرأت توطئة " المؤيد " لكانت تعلم أن العنوان العربي هو ترجمة العنوان الفرنسي وكل ما فعله " المؤيد " هو أنه أطلع قراءه على أعمال تجري في بلادهم وهي ذات علاقة بهم. وَلَمْ يُحَدِّثْ القراء بهذه الأعمال من عنده مباشرة بل نقلها لهم عن مصادرها الأصلية.

وبعد، فإن إغفال ترجمة هذه المقالات لا يحق لشرقي ولا لإفرنجي أن يطالبنا به ما دام متعلقًا بنا وبأمتنا وبلادنا مباشرة، وإذا كان من الجائز لمجلة فرنسية أن تنشر ذلك، فمن الواجب على جريدة عربية أن تترجمه.

هذه الحقيقة قد أدركها الكثيرون في مصر وفي غير

ص: 263

حول " الغارة على العالم الإسلامي ":

افتتاحية العدد 6768 من " المؤيد " الصادر يوم الأربعاء 15 رمضان 1330 هـ.

جاءنا العدد الأخير من " مجلة العالم الإسلامي " الفرنسية وفيه انتقاد علينا وعلى جرائد ومجلات إسلامية أخرى، وهذه ترجمة الانتقاد:

هل تتكرم رصيفاتنا: " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " وصحف إسلامية أخرى أن توضح لنا جنسية وأصل المحرر الأوروبي الذي أتى بالأقوال التي عَزَتْهَا هذه الصحف إلى مجلة " العالم الإسلامي "؟

لقد كتبت جريدة " المؤيد " في 8 أبريل سنة 1912 تقول (1):

(1) انظر ص 7.

ص: 265

«في فرنسا (لجنة Comité) اسمها الإرسالية العلمية المغربية مؤلفة من المستشرقين درسوا الكتب الإسلامية والعادات الشرقية واللغة العربية وغيرها من لغات المسلمين، خدمة لجامعات فرنسا السياسية والدينية والاقتصادية» . اهـ.

ولكن من الخطأ الواضح أن يقال عن الإرسالية العلمية المراكشية أنها (لجنة Comité) وإذا كان العلامة مدير " المؤيد " يتتبع الكتب فلا يصعب عليه أن يقف على أصل ما جاء به خصوصًا وأن هذه الإرسالية العلمية لا تشبه اللجنة بوجه من الوجوه وليس من الصواب أن يقال عنها: إن لها مقاصد سياسية أو دينية أو اقتصادية، وكل ما في الأمر أن عملها نتيجة مساعي بعض الخاصة، وترجع هذه المساعي إلى سنة 1889 - 1895 وقد أعطيت الإرسالية منذ ذلك الحين مبلغًا صغيرًا من المال لإدارة شؤونها، أما الآراء التي تنشرها هذه الإرسالية فهي خاصة بها ولا شأن

ص: 266

للحكومة فيها وعلى هذا فإن ما قالته جريدة " المؤيد " بهذا الشأن مخالف للواقع.

وتقول جريدة " المؤيد "(1): إن هذه اللجنة أخذت قبل خمس سنوات تنشر في باريس مجلة كبرى مصورة تصدر في كل شهر اسمها مجلة " العالم الإسلامي "(*) ولقد كانت هذه المجلة قبل الآن ظاهرة بمظهر علمي تكون الغايات السياسية فيها بالدرجة الثانية إلى أن تم لفرنسا احتلال مراكش أولاً ثم دخلت فارس في طورها الأخير وحل بعد ذلك ما حل بطرابلس فظهرت هذه المجلة كغيرها بمظهرها الحقيقي الذي تكون فيه الدروس العلمية واسطة لغايات سياسية ودينية. اهـ.

وقد حذت مجلة " المنار " الدينية التي تصدر في مصر حذو جريدة " المؤيد " فقالت في الصفحة 259 من المجلد الخامس

(1) انظر ص 7.

(*) Le Monde Musulman

ص: 267

عشر ما يلي: «وبعد احتلال مراكش ودخول بلاد فارس تحت النفوذ الروسي الإنكليزي واعتداء إيطاليا على طرابلس الغرب ظهرت - أي مجلة " العالم الإسلامي " - بمظهر جديد تجلت فيه خطتها من التوسل بالعلم إلى المقاصد السياسية والدينية» . اهـ.

والقول بأن لمجلة " العالم الإسلامي " غاية دينية من شأنه أن يبعث السرور والفرح في قلوب قرائها الأوروبيين الذين لا يدركون وجود هذه الغاية إلا بتفسير وتأويل.

اهتمت جريدة " المؤيد " ومجلة " المنار " وغيرهما اهتمامًا زائدًا بعدد مجلتنا الذي صدر في نوفمبر الماضي خاصًا بموضوع (الغارة على العالم الإسلامي) وقامت بترجمة فصوله مواظبة على ذلك، خصوصًا

" المؤيد " الذي يصدر بها أعداده بعناية تستوجب إعجابنا واحترامنا، فليتكرم بقبول شكر المجلة له على ذلك. ولكن " المؤيد " لم يختتم

ص: 268

توطئته المنشورة في عدد 8 إبريل (1) بدون تبرم بل قد قال في آخرها: إن المقاصد تتبين مع انكشاف الحوادث.

إن نشر ترجمة هذه المقالات قد بعث لأول مرة الدهشة في قلوب الجميع كما يتضح مما قالته جريدة " الاتحاد العثماني " وهي جريدة مهمة تنشر في بيروت تحت رعاية جمعية الاتحاد والترقي (2) وذلك أن بعض الصحف العربية ندد بلهجة شديدة على ترجمة مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " وقال: إن من الغبن نشر كلمة الغارة على صفحات جريدة إسلامية، فردت عليه جريدة " الاتحاد العثماني " قائلة:

«إننا رأينا السكوت عن نشر هذه المقالة غِشًّا لا يجيزه لنا الدين ولا الوطنية بوجه من الوجوه، فإشفاقًا على عواطف القراء الذين ما اعتادوا حتى اليوم سماع أمثال هذه النغمات المدهشة رأينا أن يكون نشرها مدعاة لتفكر

(1) ص 7.

(2)

هذا القول لا يصح على إطلاقه.

ص: 269

عقلاء المسلمين وتدبرهم في ملاقاة هذا الخطر المحدق بهم، وأن لا يكون حظ هذا الفصل الإغفال والاستهانة بل القيام بما يأمر به الدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم وضع أبناء المسلمين في المدارس الأجنبية إلا بعد أن يتمكنوا من دينهم ولغتهم ووطنيتهم».

ومجلة " المنار " نشرت مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " بالعنوان الذي وضعه " المؤيد " وفي 26 أبريل عاد " المؤيد " إلى التعليق على هذه المقالات متأثرًا من استياء القراء بسبب نشرها.

وهذا ملخص الانتقادات والإيضاحات الواردة في مقالة " المؤيد " يوم 26 أبريل:

1 -

أن بعض المسلمين يعد نشر هذه المقالات من قبيل الموافقة على ما جاء فيها.

ص: 270

2 -

والجواب على هذا القول أنه من قبيل وضع الشيء في غير محله، لأن " المؤيد " لما بدأ بنشر هذه المقالات مهد لها بتوطئة أبان فيها عن قصده من نشرها، وذكر لقرائه شيئًا عن المجلة التي كتبت تلك المقالات، والجمعية التي تنشر المجلة نفسها، وحالتيهما قبل حوادث مراكش وفارس وطرابلس الغرب وبعدها.

3 -

ليست هذه المقالات من المباحث العلمية أو الجدلية التي تقتضي رَدًّا ومناقشة بل هي تاريخ وأنباء. وكنا نظن أنها ستدفع أهل الغيرة لزيارة مدرسة دار الدعوة والإرشاد التي فيها المصري والمراكشي والجاوي والقفقاسي. اهـ.

وهنا نكرر القول بأن إسناد غاية سياسية أو اقتصادية أو دينية إلى مجلة " العالم الإسلامي " هو أمر وهمي تمامًا وبعيد عن الصواب بُعْدَ الإرسالية العلمية المراكشية

ص: 271

عن شكل لجنة Comité .

أما ما استنتجته " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " مما هو متعلق بالإسلام فهو مهم في بابه وكنا نحب أن نقول: إنها جاءت في أوانها لولا أن هذا القول متعذر علينا، إذ أن العالم الإسلامي ليس مُهَدَّدًا فقط بالغارة والفتح بل هو قد أغير عليه وافتتح وأصبح مغلوبًا على أمره، تلك عاقبة غلطات وهفوات الذين تولوا مهمة إنقاذه فتدهوروا به في هاوية الهلاك وأعينهم في سِنَةٍ وَنَوْمٍ.

كانت مكانة الخلافة الإسلامية مشرفة على السقوط في كل الجهات ثم حدث الانقلاب العثماني فخيل إلى الناس أن الخلافة قد عادت سيرتها الأولى عقب استظهار الحرية على الحكومة الحميدية وكان في استطاعة المسلمين يومئذ أن يبذلوا جهدهم لإحياء حضارة إسلامية مستقلة وقد كانت أوروبا الحرة في ذلك الحين تشد أزرهم ولكن الذين أنقذوا

ص: 272

الدولة العثمانية من ربقة الاستبداد وهتفوا بمبدأ المساواة هم الذين أرهقوا الولايات بعد ذلك باستبدادهم الذي فاقوا فيه الاستبداد الحميدى، فنصبت المشانق في دمشق وسفكت الدماء في آسيا الصغرى واندلع لهيب الثورات في ألبانيا، وبموجب سُنَّةِ الكَوْنِ التي تربط الأسباب بمسبباتها سلخت النمسا ولايتي البوسنة والهرسك عن السلطنة في مقابل 53 مليونًا من الفرنكات لم يبق سوى أن نعرف من الذي تناول هذه المبالغ وفي سنة 1911 أنجزت أركان حربية النمسا خريطة بلاد الأرناؤوط.

ثم حدثت بعد ذلك إغارة إيطاليا على طرابلس الغرب فلم تلق فيها مقاومة ولم تسفر هذه الحادثة إلا عن طلب الإعانات في الصحف، وتبعها حادث استيلاء الإيطاليين أيضًا على جزر الأرخبيل وتقسيم الأملاك العثمانية في أوروبا. والظاهر أن الجيش العثماني المنظم والقوي أصبح لا وظيفة له إلا المباهاة بشكله بدون أن

ص: 273

يعمل عملاً وهو من هذه الوجهة مثل سفن الأسطول العثماني التي اشتريت بأثمان باهظة لكي تكون ساكنة غير متحركة.

وأوروبا تركت هذه الحوادث تجري على مرأى من العرب والترك الأرناؤوط والروم والأكراد والسوريين وكل هؤلاء يميلون إلى الحكم الأجنبي أكثر مما يميلون إلى الاتفاق والائتلاف، وليس بين المشتغلين اليوم بالسياسة من العرب والأتراك من يجهل الاستعدادات العامة التي تجري لأجل التقسيم النهائي.

وليس بين الدول الأوروبية العظمى غير الدولة الفرنسية ابتعدت عن هذا التقسيم لأنها لا ترغب أن يكون لها حظ فيه! وهي سوف لا تحصل على شيء! أما الدول الأخرى فدائبة على المساومة والتدقيق في الحساب وهذا الأمر صار غير مجهول البتة وأما الأمل ببقاء الدولة العثمانية فمتوقف على اتفاق عناصرها ولا ترى بين

ص: 274

أصدقاء الإسلام من يقوم فيرفع صوته مُحَذِّرًا من الخطر إلا وتقوم الجريدة العربية الكبرى في القاهرة والجريدة السورية ومجلة العلماء الدينية فيقلن: يا للفظاعة! فأين هي الفظاعة؟ هل هي في التحذير والتنبيه أم في العناد والإصرار على عدم التفكير؟

والآن من هم المدافعون الحقيقيون عن الحضارة الإسلامية؟ هل هم هؤلاء الفقراء كالمراكشيين والطرابلسيين الذين يضحون أنفسهم لأجل باشوات وقواد فاسدين ومرتشين ومشايخ ملئت بطونهم! أم هم نخبة المتعلمين في الجزائر وتونس والقطر المصري وسوريا وتركيا وفارس المنكودة الحظ والبلاد الهندية وجزائر السند الذين هم في مصاف الأوربيين محترمو الأفكار والنزعات؟

في يوم 28 أبريل الماضي قام كاظم بك والي سلانيك يومئذ فتكهن في أمر الحركة السياسية التي تتمخض بها

ص: 275

الجيوش العثمانية في الولايات المقدونية وألقى خطابًا رنانًا بين جدران مسجد القاسمية عقب صلاة الجمعة فأتى على بيان القوات الإسلامية في الصين والهند وأفغانستان وتركستان وطرابلس الغرب ومراكش، وبحث في أسباب الفشل الذي لحق بها. ثم ختم خطابه بشرح برنامج سياسي إسلامي أوسع من برنامج جمعية الاتحاد والترقي ويختلف عنه، حض فيه على توسيع التعليم والتربية بين العنصر العربي المسلم، فهل كانت غاية كاظم بك دينية أو اقتصادية؟

جريدة " المؤيد " ومجلة " المنار " وجريدة " الاتحاد العثماني " ينكرون على مجلة " العالم الإسلامي " أنها بينت للمسلمين كيف أن القوات الأوروبية المختلفة تتهافت لاستدراج الشعوب الإسلامية وإدخالها في طرق أخلاقية واجتماعية وسياسية جديدة، ولو كانت هذه الصحف مدركة سير الأمور التي لا مبدل لها لكانت تشكر مجلتنا على صنيعها، ولما كانت

ص: 276

لتقول: «لترجع إلى التعليم العربي القديم ونكتفي بتغييره سطحيًا» بل كانت تقول: لنفتح مدرسة الغد وهي الكفيلة بخلاصنا، المؤسسة على حضارة إسلامية عصرية.

والآن قد وصلنا إلى النقطة التي تتميز بها أراؤنا عن أراء رصفائنا العرب: أولئك مقاصدهم مقتصرة على توطيد استقلال الإسلام والهتاف به مع التأكد من عدم الحصول على هذا الاستقلال، بل مع التأكد من فقده. ونحن نود أن نراهم وطدوا أركان هذا الاستقلال بانتهاج طرق الترقي والفلاح المفتوحة أمام مستقبل الإسلام، ولكنهم يضعون الجامعة الشبيهة بالقديمة التي أسسها السيد رشيد رضا في مستوى الجامعة العصرية التي يدير شؤونها البرنس فؤاد باشا. إنهم لو أعملوا الفكر والروية لمعرفة الصعاب الحقيقية التي تعترض رسوخ الإنكليز في مصر لاتضح لهم - وهم في القاهرة - أنها ليست منوطة بالوطنية الدينية أو الوطنية

ص: 277

السياسية بل النهضة الاجتماعية الكاملة ولا يمكن للمصري المسلم أن يخرج من تحت السلطة البريطانية بتوطيد أركان دينه، بل بإنهاض الفرد المسلم المتنور إلى مستوى الفرد المسيحي المتنور.

وبعد، فإذا كان يدور في خلد " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " أن يتلافوا الغارة التي شنت على العالم الإسلامي، فالطريقة بسيطة وهي أن يقولوا لقرائهم: لنخرج من عزلتنا ولنقابل الحقيقة الواقعة وَجْهًا لِوَجْهٍ.

ص: 278