الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُتَوَاتر
(105 - (ص) فالمتواتر الذى يرويهِ
…
من يحصل الْعلم بِمَا يبديه)
(106 - مثل حَدِيث من على كذبا
…
وَرفع الأيدى فى الصَّلَاة كتبا)
(ش) : هَذَا شُرُوع مِنْهُ فى بَيَان مَا أجمله أَولا؛ فأوله [الْمُتَوَاتر]، سمى بذلك: من تَوَاتر الرِّجَال إِذا جَاءُوا وَاحِدًا بعد وَاحِد بَينهمَا فَتْرَة. وَهُوَ: مَا أخبر بِهِ جمَاعَة يُفِيد خبرهم لذاته الْعلم؛ لِاسْتِحَالَة تواطؤهم على الْكَذِب من غير تعْيين عدد على الصَّحِيح، فَقَوله: فى تَعْرِيفه [من]- وَإِن تنَاول الْوَاحِد فَمَا بعده - مخصصة، وبالتقييد بِذَاتِهِ خرج الْخَبَر المحتف بالقرائن كَمَا أشعر بِهِ قَوْله [يبديه]، وللعمل بِهِ شَرْطَانِ: استنادهم إِلَى الْحس وَهُوَ: الْمُشَاهدَة، أَو السماع، واستواء الطَّرفَيْنِ، وَمَا بَينهمَا فى اسْتِحَالَة التواطئ وَشرط بَعضهم شُرُوطًا ضَعِيفَة مثل: إِسْلَام المخبرين، وعدالتهم، وَخُرُوج عَددهمْ عَن الإحصاء، وَاخْتِلَاف أوطانهم، وَعين بَعضهم عددا؛ محصورا؛ فعلى الصَّحِيح يكون خبر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة مثلا، أَو باقى الْعشْرَة، أَو نَحْو ذَلِك من أَعْيَان الصَّحَابَة؛ متوترا لِأَن النَّفس تطمئِن إِلَى خبرهم، وَيحصل لنا الْعلم الضَّرُورِيّ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: الْعدَد على قسمَيْنِ: كَامِل، وَهُوَ: أقل عدد يُورث الْعلم، وزائد: يحصل الْعلم بِبَعْضِه، وَيَقَع الزَّائِد فضلَة، وبالشرطين الْمَذْكُورين تخرج أَخْبَار النَّصَارَى عَن صلب عِيسَى عليه السلام، وَالْيَهُود على مُوسَى عليه السلام [/ 85] : إِنَّه كذب على كل نَاسخ لشريعته، وَقَول الشِّيعَة: بِالنَّصِّ على إِمَامَة على، لِأَن الْإِخْبَار بالصلب كَانَ مُسْتَنده الظَّن أَولا ثمَّ نقل متواترا، وَكَذَا الباقى: وضع آحادا، ثمَّ نقل متواترا، وَقد يكون التَّوَاتُر فِيمَا قيل نسبيا؛ فيتواتر الْخَبَر عِنْد قوم دون آخَرين، كَمَا يَصح الْخَبَر عِنْد بعض دون آخَرين، ثمَّ مثل النَّاظِم للمتواتر بحديثين كتبا فى أَمْثِلَة:
أَحدهمَا: " من كذب على مُتَعَمدا "، وَقد نقل النووى:" أَنه جَاءَ عَن مِائَتَيْنِ من الصَّحَابَة " قلت: وَمِنْهُم الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ فَمن " الصِّحَاح " على، وَالزُّبَيْر، وَمن الحسان: طَلْحَة، وَسعد، وَسَعِيد، وأبى عُبَيْدَة، وَمن الضَّعِيف المتماسك: طَرِيق عُثْمَان، وبقيتها ضَعِيف، أَو سَاقِط.
ثَانِيهمَا: حَدِيث " رفع الْيَدَيْنِ فى الصَّلَاة " وَقد تتبع طرقه الْحَافِظ الذهبى فبلغت نيفا عَن أَرْبَعِينَ صحابيا، وَكَذَا أَفَادَ شَيخنَا أَن من أمثلته حَدِيث " من بنى لله مَسْجِدا "، و " الْمسْح على الْخُفَّيْنِ "، و " الشَّفَاعَة " و " الْحَوْض "، و " رُؤْيَة الله تَعَالَى فى الْآخِرَة "، و " الْأَئِمَّة من قُرَيْش "، وَذكر غَيره من أمثلته حَدِيث " أنزل
الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف "، و " غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء " وَغير ذَلِك على أَن ابْن الصّلاح قَالَ: " إِن مِثَال الْمُتَوَاتر على التَّفْسِير الْمُتَقَدّم يعز وجوده إِلَّا أَن يدعى ذَلِك فى حَدِيث: " من كذب على " لَكِن قد نازعه شَيخنَا وَقَالَ: " إِن مَا ادَّعَاهُ من الْعِزَّة مَمْنُوع، وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيره من الْعَدَم. . قَالَ /: لِأَن ذَلِك [/ 86] نَشأ من قلَّة اطلَاع على كَثْرَة الطّرق، وأحوال الرِّجَال، وصفاتهم الْمُقْتَضِيَة لأبعاد الْعَادة أَن يتواطئوا على كذب وَيحصل مِنْهُم اتِّفَاقًا قَالَ: وَمن أحسن مَا يُقرر بِهِ كَون الْمُتَوَاتر مَوْجُودا وجود كَثْرَة فى الْأَحَادِيث إِن الْكتب الْمَشْهُورَة المتداولة بأيدى أهل الْعلم شرقا وغربا الْمَقْطُوع عِنْدهم بِصِحَّة نسبتها إِلَى مصنفيها، إِذا اجْتمعت على إِخْرَاج حَدِيث، وتعددت طرقه تعددا تحيل الْعَادة تواطئهم على الْكَذِب إِلَى آخر الشُّرُوط؛ أَفَادَ الْعلم اليقينى بِصِحَّتِهِ إِلَى قَائِله وَمثل ذَلِك فى الْكتب الْمَشْهُورَة كثيرا " إِذا علم هَذَا: فَإِنَّمَا لم يفرد ابْن الصّلاح للتواتر نوعا خَاصّا: لِأَنَّهُ لَيْسَ من مبَاحث الْإِسْنَاد لِأَن مباحثه تتَعَلَّق بِصِفَات الرِّجَال، وصيغ أدائهم، هَل هُوَ صَحِيح فَيعْمل بِهِ؟ أَو ضَعِيف فَيتْرك وَكَذَا قَالَ النَّاظِم.
إِن عدم اعتناء أهل الحَدِيث بتتبع هَذَا النَّوْع لاكتفائهم بِالصَّحِيحِ الْمجمع عَلَيْهِ عِنْدهم المتلقى بِالْقبُولِ كَمَا سيأتى فى الذى بعده إِن شَاءَ الله تَعَالَى.