الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ مُجَاهِد كَمَا ذكره البخارى: لَا ينَال الْعلم مستحى وَلَا متكبر، وَقَالَ سُفْيَان ووكيع:" لَا يكون الرجل من أهل الحَدِيث حَتَّى يكْتب "، وَلَفظ وَكِيع:" لَا يكون عَالما حَتَّى يَأْخُذ " ثمَّ اتفقَا " عَمَّن هُوَ فَوْقه وَعَمن هُوَ دونه وَعَمن هُوَ مثله "، وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم:[يرجونه] أى من اتّصف بِهَذَا الْوَصْف يُرْجَى لَهُ أَن يكون مُحدثا، وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يكْتب عَمَّن هُوَ دونه فَيُقَال لَهُ: فَيَقُول: " لَعَلَّ الْكَلِمَة الَّتِي فِيهَا نجاتى لم تقع لى، والفائدة ضَالَّة الْمُؤمن أَيْنَمَا وجدهَا التقطها "، [والنبالة] الْفضل والحذق بِالْأَمر، قَالَ فى " الصِّحَاح ":" وَقد نبل بِالضَّمِّ فَهُوَ ينبل "[/ 34] .
كِتَابَة الحَدِيث وَضَبطه
(35 - (ص) وليحرص فى الضَّبْط كل الضَّبْط
…
وليعتنى بشكله والنقط)
(36 - لَو لم يكن لِلْخَطِّ فى إعجامه
…
إِلَّا سَلامَة من استعجامه)
(37 - لَا سِيمَا مشتبه الأسامى
…
فَإِنَّهَا لم تَكُ فى الأفهام)
(ش) : أى وليحرص الطَّالِب إِذا كتب الحَدِيث على صرف الهمة فى ضَبطه، وتحقيقه شكلا ونقطا وإيضاحا من غير مشاق وَلَا تَعْلِيق بِحَيْثُ يُؤمن اللّبْس مَعَه، [فَلَو لم يكن فى إعجام الْخط] وَهُوَ نقطه وَضَبطه [إِلَّا السَّلامَة من استعجامه] وَهُوَ التباسه بِحَيْثُ لَا يقدر كل أحد على قِرَاءَته، ثمَّ قيل: إِنَّمَا يشكل الْمُشكل وَلَا يشْتَغل بتقييد الْوَاضِح فقد كرهه بعض الْعلمَاء، لَكِن قَالَ القَاضِي عِيَاض:" الصَّوَاب أَن يشكل الْجَمِيع لأجل الْمُبْتَدِئ، وَغير المعرب " وَقد وَقع الْخلاف فى مسَائِل مرتبَة على الْإِعْرَاب كَحَدِيث " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه " بِرَفْع ذَكَاة ونصبه وَكَذَا " لَا نورث مَا تركنَا
صَدَقَة " وَهَذَا هُوَ اللَّائِق فى زمننا بل الذى أرَاهُ الْآن الِاقْتِصَار على رِوَايَة وَاحِدَة، لَا كَمَا يَفْعَله من يحصل " البخارى " مثلا من نُسْخَة الْحَافِظ: " اليونينى " لما يحصل بِسَبَب ذَلِك من الْخَلْط الْفَاحِش الذى سَببه عدم التَّمْيِيز، وينبغى أَن يكون اعتناؤه بضبطه الملتبس من الْأَسْمَاء أَكثر؛ لِأَنَّهُ نقل مَحْض، وَلَا مدْخل للأفهام فِيهِ مثل: " يربد " بِضَم الْمُوَحدَة فَإِنَّهُ شَبيه ب " يزِيد " وَلذَلِك قَالَ بَعضهم: أولى الْأَشْيَاء بالضبط أَسمَاء النَّاس؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قبله [/ 35] شَيْء يدل عَلَيْهِ، وَلَا بعده شَيْء يدل عَلَيْهِ، وَلَا مدْخل للْقِيَاس فِيهِ.
(38 - (ص) ودارة بعد الحَدِيث يفصل
…
بَينهمَا، وَالْوسط مِنْهَا يغْفل)
(39 - فَعِنْدَ عرض وَسطهَا يعلم
…
وليحذر اصْطِلَاح من لَا يفهم)
(ش) : أى وَيجْعَل بعد كل حَدِيث [دارة] أى: حَلقَة يفصل بهَا بَين الْحَدِيثين، فقد فعل ذَلِك جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم الإِمَام أَحْمد، وَابْن جرير، وَاسْتحبَّ الْخَطِيب أَن يكون [غفلا] أى مُهْملَة من نقطة تداخلها وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله:[وَالْوسط مِنْهَا يغْفل] أى: يخليه، فَإِذا عَارض أعلم بنقطه وَسطهَا ليَكُون إِشَارَة إِلَى الْغَرَض، وليحذر أَن
يصطلحه لنَفسِهِ فِيمَا يعتني بِهِ من جمع الرِّوَايَات واختلافها رمزا لَا يفهمهُ غَيره من النَّاس، إِلَّا أَن يبين مُرَاده إِمَّا بِأول الْكتاب وَآخره أَو نَحْو ذَلِك.
(40 - (ص) وَإِن أَتَى اسْم الله أَو صفته
…
وَخيف لبس كرهت كتبته)
(41 - أول سطر، وليحافظن على
…
كتب الصَّلَاة وَالسَّلَام أكملا)
(ش) : أى لَا يكْتب فى مثل عبد الله ابْن فلَان: عبد فى أول سطر وَاسم الله تَعَالَى مَعَ ابْن فلَان أول الْأُخَر، وَكَذَا يتَجَنَّب فى ذَلِك مثل عبد الْقَادِر، وَنَحْوه من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّاظِم بقوله:[أَو صفته] فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالصّفةِ هُنَا الْمُشْتَقّ لَا الْمَعْنى الْقَائِم بِالذَّاتِ، لعدم وجود مِثَال لَهُ، ويتجنب أَيْضا فى مثل رَسُول الله وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَقع فِيهِ لبس، فَإِن ذَلِك يكره. وليحافظ الطَّالِب على كِتَابَة الصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] كلما كتبه [/ 36] بِدُونِ رمز كَمَا يَفْعَله الكسالى، وَلَا يسأم من تكراره سَوَاء كَانَ ثَابتا فى الأَصْل أم لَا، وَلَكِن فِيمَا إِذا لم يكن ثَابتا الْإِشَارَة بِمَا تشعر بذلك أخذا من قَول ابْن دَقِيق الْعِيد فى نَظِيره، وَمن أغفل الصَّلَاة وَالسَّلَام حرم حظا عَظِيما، ويروى عَنهُ [صلى الله عليه وسلم] أَنه قَالَ:" من صلى على فى كتاب لم تزل الْمَلَائِكَة تصلى عَلَيْهِ مَا دَامَ اسمى فى ذَلِك الْكتاب " وَيسْتَحب التَّلَفُّظ بهَا مَعَ ذَلِك، وَعدم الِاقْتِصَار على الصَّلَاة دون السَّلَام
كَمَا سلف فى الْخطْبَة، ولمسألتى الِاقْتِصَار وَالرَّمْز أَشَارَ بقوله:[أكملا] وَكَذَا ينبغى اسْم الله عز وجل أَن يتبعهُ بالتعظيم كعز وَجل وَنَحْو ذَلِك، وَكَذَا أَلا يغْفل الترضى والترحم على الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء.
(42 - (ص) وَبعد أَن يكْتب فليقابل
…
قبل، وَإِلَّا فارم فى الْمَزَابِل)
(ش) : أى وَبعد فرَاغ الطَّالِب من الْكِتَابَة: عَلَيْهِ مُقَابلَة كِتَابه بِأَصْل شَيْخه، أَو بِأَصْل أصل شَيْخه الْمُقَابل بِهِ أصل شَيْخه، أَو بفرع مُقَابل بِأَصْل السماع الْمُقَابلَة الْمَشْرُوطَة، وَأفضل الْمُقَابلَة أَن يُعَارض كِتَابه بِنَفسِهِ مَعَ شَيْخه حَال السماع، وَقيل أفضلهَا: مُقَابلَته مَعَ نَفسه وَالْأول أولى، وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّاظِم من قَول الْقَائِل: اكْتُبْ وَلَا تقَابل وارم فى الْمَزَابِل قد روينَاهُ عَن وَأحسن النَّاظِم فى سِيَاقه بِصِيغَة التمريض، فَإِن هَذَا وَإِن علم عدم إِرَادَة فعله إِنَّمَا أُرِيد بِهِ وبشبهه كالذى روى عَن الأوزاعى وَيحيى بن أَبى كثير أَنَّهُمَا قَالَا:(مثل الذى يكْتب وَلَا يُعَارض مثل الذى يدْخل [/ 37] الْخَلَاء وَلَا يستنجى)
للتحريض على عدم ترك الْمُقَابلَة لَكِن فِيهِ مُبَالغَة فى اللَّفْظ وَأحسن مِنْهُ قَول الْأَخْفَش: إِذا نسخ الْكتاب وَلم يُقَابل ثمَّ نسخ وَلم يُعَارض خرج أعجميا.
(43 - (ص) وليعن بالتصحيح والتضبيب
…
وَلحق يكْتب بالترتيب)
(ش) : أى وليعتن الطَّالِب بالتصحيح والتضبيب فَإِن ذَلِك من شَأْن المتقنين. فالتصحيح كِتَابَة: صَحَّ على كَلَام صَحَّ رِوَايَة وَمعنى، لكَونه عرضة للشَّكّ وَالْخلاف.
[والتضبيب] وَقد يُسمى التمريض: أَن يمد خطا أَوله كرأس الصَّاد وَلَا يلصق بالمدود عَلَيْهِ على ثَابت نقلا فَاسد لفظا أَو معنى، أَو ضَعِيف، أَو نَاقص. وَمن النَّاقِص مَوضِع الْإِرْسَال أَو الِانْقِطَاع، وَرُبمَا اقْتصر بَعضهم على الصَّاد فى عَلامَة التَّصْحِيح، فاشبهت [الضبة] وَيُوجد فى بعض الْأُصُول الْقَدِيمَة فى إِسْنَاد فِيهِ جمَاعَة عطف بَعضهم على بعض عَلامَة تشبه الضبة بَين أسمائهم وَلَيْسَت ضبة بل كَأَنَّهَا عَلامَة الِاتِّصَال وَقَوله:
[وَلحق يكْتب بالترتيب] هَذِه مَسْأَلَة اللحق لما يجده الطَّالِب فى كِتَابه من غلط، وَصفَة كِتَابَته: أَن يخط عِنْد مَوضِع سُقُوطه خطا صاعدا قَلِيلا مَعْطُوفًا بَين السطرين عطفة يسيرَة إِلَى جِهَة اللحق. وَقيل يمد العطفة إِلَى أول اللحق ثمَّ يكْتب اللحق قبالة العطفة فى الْحَاشِيَة من جِهَة الْيَمين إِلَّا أَن يكون السقط آخر السطر فَمن جِهَة الشمَال، ويكتبه فى كليهمَا صاعدا إِلَى أَعلَى الورقة لَا إِلَى أَسْفَلهَا لاحْتِمَال سقط آخر بعده فَإِن [/ 38] زَاد اللحق على سطر ابْتَدَأَ سطوره من أَعلَى الطرة المجانب لَهُ إِلَى أَسْفَل، بِحَيْثُ تنتهى سطوره إِلَى أصل الْكتاب إِن كَانَ التَّخْرِيج فى جِهَة الْيَمين وَإِن كَانَ فى الشمَال ابْتَدَأَ سطوره من جَانب أصل الْكتاب بِحَيْثُ تنتهى سطوره إِلَى جِهَة طَرِيق الورقة، وَإِن اتّفق انْتِهَاء الْهَامِش قبل فرَاغ السقط اسْتَعَانَ بِأَعْلَى الوقة من كلا الْجِهَتَيْنِ، وكل مِمَّا تقدم إِن لم يضق الْمحل، إِمَّا بلحق قبله فى السطر، أَو قريب مِنْهُ، وَإِمَّا بِعَدَمِ سلوك كَاتب النُّسْخَة صِيغ جلّ الْمُتَقَدِّمين فى عرض الطره من الْجَانِبَيْنِ مَعًا بِحَيْثُ لَا يخْشَى من الْكِتَابَة فِيهِ من التَّكْلِيف لرؤية الْمَكْتُوب بالتجليد، فَإِن عرض شَيْء من ذَلِك اجْتهد فِيمَا يكون طَرِيقا للْبَيَان وَزَوَال
الالتباس، ثمَّ يكْتب فى انْتِهَاء اللحق صَحَّ، وَقيل: يكْتب مَعهَا رَجَعَ، وَقيل: الْكَلِمَة الْمُتَّصِلَة بِهِ، وَلَيْسَ بمرضى لِأَنَّهُ تَطْوِيل موهم.
(44 - (ص) والحك والمحو وَالْأولَى الضَّرْب
…
وَفِيه تَفْصِيل لنا أحب)
(ش) أى وليعتن الطَّالِب إِذا وَقع فى الْكتاب مَا لَيْسَ مِنْهُ بإزالته بالحك وَيُسمى أَيْضا: كشطا وبسرا، [بالمحو] وَهُوَ الْإِزَالَة بِدُونِ سلخ [أَو بِالضَّرْبِ] وَهُوَ أولاها فقد كره الحك، والمحو أهل الْعلم لاحْتِمَال التَّغْيِير، وَرُبمَا أفسد الورقة وَمَا ينفذ إِلَيْهِ والمحو غَالِبا مسود للقرطاس، لَكِن النَّاظِم لَا يرى أَن الضَّرْب أولى مُطلقًا بل يفصل بَين مَا يتَحَقَّق كَونه غَلطا سبق الْعلم بِهِ فَيكون الكشط أولى: لِئَلَّا يُوهم بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ أَن لَهُ أصلا وَإِلَّا فالضرب، وَإِلَى [/ 39] هَذَا أَشَارَ بقوله:[وَفِيه تَفْصِيل لنا أحب] ثمَّ إِذا أزاله بِالضَّرْبِ، فَاخْتلف فى كيفيته، فَقيل: يخط فَوْقه خطا بَينا مختلطا بِهِ وبتركه يُمكن الْقِرَاءَة، وَيُسمى الشق، وَقيل: لَا يخلطه بالمكتوب، بل يكون فَوْقه مَعْطُوفًا على أَوله وَآخره، وَقيل: يحوق أَوله وَآخره، وَرُبمَا يحوق على أول كل سطر وَآخره، وَقيل يكْتب " لَا " فى أَوله و " إِلَى " فى آخِره، وَإِن كَانَ الضَّرْب على مُكَرر فَقيل: على الثانى، وَقيل: ينتقى أحسنهما وأبينهما صُورَة وَفصل القاضى عِيَاض فَقَالَ: إِن كَانَ فى أول سطر ضرب على الثانى، أَو فى آخِره فعلى الأول؛ صِيَانة لأوّل الأسطر وَآخِرهَا أَو فى آخر سطر وَأول آخر، ضرب على آخر السطر؛ صِيَانة لأوله فَإِن تكَرر الْمُضَاف، أَو الْمُضَاف إِلَيْهِ، أَو الْمَوْصُوف، أَو الصّفة، روعى اتصالهما.