الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسِخ والمنسوخ
(204 - (ص) وناسخ الْمَنْسُوخ الحَدِيث
…
يعرفهُ الْمُجْتَهد الرسوخ)
(ش) : [النَّاسِخ والمنسوخ] فن جليل مُهِمّ صَعب، حَتَّى قَالَ الزهرى: إِنَّه أعيى الْفُقَهَاء، وأعجزهم، وَكتابه أَدخل بعض الْمُحدثين فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم [يعرفهُ [/ 154] الْمُجْتَهد الرسوخ] يعْنى الراسخ وَقد كَانَ للشافعى - رَحمَه الله تَعَالَى - لَهُ فِيهِ الْيَد الطُّولى بِحَيْثُ قَالَ أَحْمد رحمه الله: مَا علمنَا الْمُجْمل من الْمُفَسّر، وَلَا نَاسخ الحَدِيث من منسوخه، حَتَّى جالسناه وصنف فِيهِ ابْن أَبى دَاوُد، وَابْن الجوزى، والحازمى، وَهُوَ أوسعها، وَقد قرأته بعلو.
(205 - والنسخ مَا يرفع مَا حكما قدما
…
بمتأخر كَمثل احتجما)
[النّسخ] لُغَة: الْإِزَالَة، أَو التَّحْوِيل من حَال إِلَى حَال، وَأما فى الِاصْطِلَاح فَفِيهِ عِبَارَات اقْتصر النَّاظِم مِنْهَا على أَنه: رفع حكم مُتَقَدم بمتأخر، وَنَحْوه قَوْله فى بعض تعاليقه: إِنَّه حكم شرعى، بِدَلِيل شرعى، مُتَأَخّر عَنهُ، وَقَالَ: إِنَّه أَجود مَا قيل فِيهِ، احْتَرز [بِالرَّفْع] بَيَان عَن مُجمل، وبالحكم عَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة، وبالمقدم عَن التَّخْصِيص الْمُتَّصِل بالتكليف كالاستثناء وَنَحْوه.
ثمَّ إِن المُرَاد بِرَفْع الحكم، قطع تعلقه بالمكلفين، وَإِلَّا فَالْحكم قديم، لَا يرْتَفع، وَلِهَذَا قَالَ شَيخنَا: هُوَ رفع تَعْلِيق حكم إِلَى آخِره، والناسخ مَا دلّ على الرّفْع الْمَذْكُور، تَسْمِيَته نَاسِخا مجَاز، لِأَن النَّاسِخ فى الْحَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم بقوله:[كَمثل احتجما] إِلَى مِثَال لذَلِك وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس - رضى الله عَنْهُمَا: " أَن النبى [صلى الله عليه وسلم]
احْتجم وَهُوَ صَائِم " قَالَ الشافعى: قد بَين أَنه نَاسخ لحَدِيث شَدَّاد ابْن أَوْس وَغَيره: " أفطر الحاجم والمحجوم " لكَونه مُتَأَخِّرًا عَنهُ، فَإِنَّهُ كَانَ فى حجَّة الْوَدَاع سنة عشر، وَالْآخر كَانَ زمن الْفَتْح سنة ثَمَان وَشَدَّاد رضى الله عَنهُ مَعَه حَيْثُ رأى رجلا يحتجم فى رَمَضَان، واستفيد من التَّمْثِيل بِهَذَا أَن النّسخ يعرف بالتاريخ، وَهُوَ كذالك، وَالطَّرِيق لمعرفته.
إِمَّا تنصيص الشَّارِع وَهُوَ أصرحهَا كَحَدِيث بُرَيْدَة رضى الله عَنهُ فى صَحِيح مُسلم " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة " أَو يجْزم الصحابى بِأَنَّهُ مُتَأَخّر كَقَوْل جَابر رضى الله عَنهُ " كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ترك الْوضُوء من مَا مست النَّار " أَو بِالْإِجْمَاع على تَأَخره، وَقيل: أَنه أَعْلَاهَا لإِفَادَة الْإِجْمَاع بِالْعلمِ وَلَا أثر لتأخير إِسْلَام الراوى لاحْتِمَال أَن يكون سَمعه من صحابى آخر قدم من الْمُتَقَدّم الْمَذْكُور أَو مثله فَأرْسلهُ، لَكِن إِن وَقع التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ لَهُ من النبى [صلى الله عليه وسلم] فَيتَّجه أَن يكون نَاسِخا بِشَرْط أَن يكون لم يتَحَمَّل عَن النبى [صلى الله عليه وسلم] قبل إِسْلَامه.
وَأما الْإِجْمَاع على الْعَمَل بمضمون خبر فَلَيْسَ بناسخ بل دَال على وجوده، و [مَا] فى الْبَيْت إِمَّا مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة.
(206 - (ص) مُخْتَلف الحَدِيث معنى مِنْهُ مَا
…
يُمكن أَن يجمع مَا بَينهمَا)
(207 - كَمثل لَا عدوى من المجذوم فر
…
وَمرض على مصح فَاعْتبر)
(208 - وَمِنْه مَا لَا يُمكن الْجمع فَإِن
…
لم يظْهر النّسخ وَإِلَّا رجحن)
(ش) : هُوَ فن مُهِمّ، يضْطَر إِلَيْهِ جَمِيع الطوائف من الْعلمَاء، وَإِنَّمَا تكفل بِالْقيامِ بِهِ الْأَئِمَّة من أهل الحَدِيث، وَالْفِقْه وَالْأُصُول الغواصون على الْمعَانى، وَقد [/ 156] تكلم الشافعى رحمه الله فى جُزْء من آخر " الْأُم " على جمل مِنْهُ، يُنَبه الْعَارِف على طَريقَة. سمعته وقرأته أَيْضا، ثمَّ صنف فِيهِ ابْن قُتَيْبَة، وَكَذَا للطحاوى فِيهِ تأليف حافل، قَابل للتلخيص فى آخَرين.
وَحَقِيقَته أَن يُوجد حديثان متضادان فى الْمَعْنى بِحَسب الظَّاهِر، فَيجمع بَينهمَا بِمَا ينفى التضاد بَينهمَا، كَحَدِيث:" لَا عدوى وَلَا طيرة " مَعَ حَدِيث: فر من المجذوم فرارك من الْأسد " وَحَدِيث: " لَا يُورد ممرض على مصح "
فَإِن ظاهرهما التضاد، لَكِن قد جمع بَينهمَا بِأَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدى بطبعها، وَلَكِن الله تَعَالَى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض للصحيح سَببا لإعداء بِهِ، بِمَ قد يخْتَلف ذَلِك عَن سَببه، كَمَا فى سَائِر الْأَسْبَاب، ففى الأول نفى مَا يَعْتَقِدهُ الْجَاهِل من كَونه يعدى بالطبع، وَلِهَذَا قَالَ " فَمن أعدى الأول "، وفى الثانى أعلم بِأَن الله تَعَالَى جعل ذَلِك سَببا لذَلِك، وحذر من الضَّرَر الذى يغلب وجوده، عِنْد وجوده، بِفعل الله تَعَالَى، وَهَذَا أى إِمْكَان الْجمع هُوَ أحد الْقسمَيْنِ الْمشَار إِلَيْهِمَا.
وَمن جمع الْأَحَادِيث الْمُتَقَدّمَة لم يشكل عَلَيْهِ شئ من ذَلِك، وَلِهَذَا كَانَ ابْن جزيمة يَقُول: لَا أعرف حديثين صَحِيحَيْنِ متضادين، فَمن كَانَ عِنْده فليأتنى لأولف بَينهمَا.
وَالْقسم الثانى: مَا لَا يُمكن الْجمع فَإِن علمنَا نَاسِخا قدمْنَاهُ، وَإِلَّا عَملنَا بالراجح مِنْهُمَا، ووجوه التَّرْجِيح تزيد على الْمِائَة، كالترجيح بِكَثْرَة الروَاة، أَو بصفاتهم، وَإِن لم يظْهر للمجتهد مَحل التَّرْجِيح، توقف حَتَّى يظْهر، وَقيل: يهجم فيفتى بِوَاحِد مِنْهَا، أَو يُفْتى بِوَاحِد مِنْهَا فى وَقت، كَمَا يفعل [/ 157] الإِمَام أَحْمد مِمَّا شهد رِوَايَات أَصْحَابه، وَأما الثَّانِيَة زَائِدَة بِخِلَاف مَا قبلهَا، وَمَا بعْدهَا فموصولة.