المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَجْنَبِيٍّ. (وَحَيْثُمَا يُطْلِقْ) بِزِيَادَةٍ مَا بِأَنْ لَمْ يُضِفْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - جـ ٤

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الْوَصَايَا)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ)

- ‌(فَرْعٌ)الْوِصَايَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ

- ‌(بَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ)

- ‌ بَيَانِ الْغَنِيمَةِ وَتَخْمِيسِهَا

- ‌(بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ)

- ‌ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَكَافِرٍ

- ‌(بَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْعَقْدِ) لِلنِّكَاحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ

- ‌[الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِفِي النِّكَاحِ]

- ‌ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاح وَأَحْكَامٍ أُخَرَ]

- ‌(بَابُ الصَّدَاقِ)

- ‌ بَيَانِ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ

- ‌ حُكْمَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ) .وَالنُّشُوزُ

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌[فَرْعٌ خَالَعَهَا بِمَا فِي كَفِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ]

- ‌(بَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَرْعٌ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ وَلَهُ زَوْجَاتٌ وَإِمَاءٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرَّجْعَةِ]

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌[أَرْكَان الْإِيلَاءِ]

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌(بَابُ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَدِ)

- ‌(فَرْعٌ)زَنَتْ الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّتِهَا وَهِيَ بِكْرٌ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌(بَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[بَابُ النَّفَقَة]

- ‌[أَسْبَابُ وُجُوبِ النَّفَقَة]

- ‌(بَابُ الْحَضَانَةِ)

- ‌[فَرْعٌ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِ الْوَلَدِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ]

- ‌[فَرْعٌ دَفَعَ إلَيْهِ طَعَامًا ثُمَّ أَرَادَ إبْدَالَهُ فِي نَفَقَة مِلْك الْيَمِين]

- ‌[فَرْعٌ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضِرْ فَرْعَ أَيْ وَلَدَ مَوَاشِيهِ]

الفصل: أَجْنَبِيٍّ. (وَحَيْثُمَا يُطْلِقْ) بِزِيَادَةٍ مَا بِأَنْ لَمْ يُضِفْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ

أَجْنَبِيٍّ.

(وَحَيْثُمَا يُطْلِقْ) بِزِيَادَةٍ مَا بِأَنْ لَمْ يُضِفْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَيْ: وَقَدْ نَوَاهَا فَيَجِبُ (عَلَى الْمَرْأَةِ مَا سَمَّتْ) إنْ سَمَّتْ شَيْئًا، وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَا زَادَ) (الْوَكِيلُ) عَلَى مُسَمَّاهَا أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ حِينَئِذٍ (غَرِمَا) أَيْ: غَرِمَهُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ مُمْكِنٌ، فَكَأَنَّهُ افْتَدَاهَا بِمُسَمَّاهَا أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَضَافَ مُسَمَّاهَا أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ إلَيْهَا، وَمَا زَادَهُ إلَيْهِ، فَلَوْ طَالَبَ الزَّوْجُ الْوَكِيلَ بِالْجَمِيعِ وَأَخَذَهُ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا سَمَّتْ أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ خَالَفَ الْوَكِيلُ فِي الْجِنْسِ كَأَنْ قَالَتْ: خَالِعْنِي بِدَرَاهِمَ فَخَالَعَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِثَوْبٍ بَانَتْ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ إنْ أَضَافَ الْخُلْعَ إلَى مَالِهَا وَلَمْ يَقُلْ: وَأَنَا ضَامِنٌ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَالَ: وَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ لَمْ يُضِفْ إلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِبَدَلِ مَا سَمَّتْ، ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

(بَابُ الطَّلَاقِ)

هُوَ لُغَةً: حِلُّ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقُ وَشَرْعًا: حِلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَعَرَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ: تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ، فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالسُّنَّةُ كَقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

ــ

[حاشية العبادي]

وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ التَّسْوِيَةَ فِي مُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ، فَكَلَامُ النَّظْمِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَأَيْضًا فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ضَمَانِ الْوَكِيلِ مُطَالَبَتَهُ بِمَا لَزِمَ الْمَرْأَةَ لَا بِمَا سَمَّى، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ التَّسْوِيَةَ مِنْ حَيْثُ لُزُومُ الزِّيَادَةِ، فَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ كَمَا قَالَ، وَأَمَّا نِسْبَتُهُ إلَى الْإِمَامِ فَقَدْ عَلِمْت الَّذِي نَسَبَهُ إلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَيْضًا فَصَرِيحُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ نَفَى الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّمَانِ بِرّ.

(قَوْلُهُ أَيْ وَقَدْ نَوَاهَا إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهَا صَرِيحًا تُوجِبُ فَسَادَ الْعِوَضِ، وَاسْتِشْكَالُ لُزُومِ الزِّيَادَةِ لِلْوَكِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا نِيَّةً فِيهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ مُمْكِنٌ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُشْكِلُ فِيهِ بِأَنَّ نِيَّتَهَا مَانِعَةٌ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِ وَيُجَابُ: بِأَنَّ نِيَّتَهَا بِالنَّظَرِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ قِبَلِهَا كَالْعَدَمِ فَيُؤَاخَذُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ بِرّ. (قَوْلُهُ فَلَوْ طَالَبَ الزَّوْجُ الْوَكِيلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ: رُجُوعُهُ لِصُورَتَيْ الْإِطْلَاقِ وَالْإِضَافَةِ، وَعُلِمَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُطَالَبُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ مَعَ الْإِضَافَةِ صَرِيحًا وَيُطَالَبُ مَعَ الْإِضَافَةِ بِنِيَّةٍ.

(بَابُ الطَّلَاقِ)(قَوْلُهُ بِلَا سَبَبٍ) قَدْ يُخْرِجُ طَلَاقَ الْمَوْلَى الْمُجْبَرِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ السَّبَبَ (قَوْلُهُ رَاجَعَ حَفْصَةَ) أَيْ: وَالرَّجْعَةُ فَرْعُ الطَّلَاقِ.

ــ

[حاشية الشربيني]

وَحَيْثُمَا يُطْلِقُ إلَخْ) حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي فِي م ر أَنَّ الْوَكِيلَ الْحُرَّ إذَا لَمْ يُضِفْ الْمَالَ، إمَّا أَنْ يَنْوِيَهَا هِيَ أَوْ نَفْسَهُ أَوْ يُطْلِقَ، وَمِثْلُهَا فِي حَالَةِ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ حِينَئِذٍ فَهَذِهِ تِسْعٌ، فَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ حَالَ الِاخْتِلَاعِ أَوْ أَطْلَقَ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ خَالَفَهَا فِيمَا سَمَّتْهُ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَ مُطْلَقًا فِي صُوَرِ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ خُلْعُ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ نَوَاهَا هِيَ حَالَ الْخُلْعِ فَكَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إنْ نَوَى نَفْسَهُ حَالَ الدَّفْعِ، وَإِلَّا رَجَعَ بِمَا سَمَّتْهُ فَقَطْ فَالرُّجُوعُ فِي صُورَتَيْنِ وَعَدَمُهُ فِي سَبْعٍ، وَمِثْلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ نَوَاهَا حَالَ الدَّفْعِ. سَوَاءٌ نَوَاهَا حَالَ الِاخْتِلَاعِ أَوْ أَطْلَقَ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ كَوْنَهُ رَقِيقًا غَيْرَ مَأْذُونٍ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ أَنْ يَكُونَ خُلْعَ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ حَالًا بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْمَأْذُونِ، وَلَمَّا كَانَتْ مُطَالَبَتُهُ مُتَأَخِّرَةً إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ أَدَاؤُهُ كَالْأَدَاءِ الْمُبْتَدَأِ، فَاحْتِيجَ لِصَارِفٍ عَنْ التَّرَبُّعِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْمَأْذُونِ، فَإِنَّ التَّعَلُّقَ بِهِمَا عَقِبَ الْخُلْعِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ إنَّمَا هُوَ عَنْ جِهَتِهَا، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الرُّجُوعِ قَصْدُهُ، بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهَا) أَيْ إنْ دَفَعَ، وَإِلَّا فَهُوَ إذَا لَمْ يَقُلْ: وَأَنَا ضَامِنٌ لَا يُطَالَبُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ: وَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ لَمْ يُضِفْ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُطَالَبُ كَمَا مَرَّ.

[بَابُ الطَّلَاقِ]

(بَابُ الطَّلَاقِ)(قَوْلُهُ وَقَصْدٌ) أَيْ قَصْدُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ أَيْ قَصْد لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، إذْ الْمُعْتَبَرُ قَصْدُهُمَا مَعًا لِيُخْرِجَ حِكَايَةَ طَلَاقِ الْغَيْرِ وَتَصْوِيرَ الْفَقِيهِ، وَالنِّدَاءَ بِطَالِقٍ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ، نَعَمْ قَصْدُ الْمَعْنَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا عِنْدَ عُرُوضِ صَارِفٍ

ص: 245

وَكَقَوْلِهِ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ مِنْ الطَّلَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ

وَالِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَاجَعَ سَوْدَةَ أَنْكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَقَالَ: لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ، وَلِلطَّلَاقِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مُطَلِّقٌ وَصِيغَةٌ وَقَصْدٌ لِلطَّلَاقِ وَزَوْجَةٌ وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. (صَحَّ الطَّلَاقُ مِنْ) زَوْجٍ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ (مُكَلَّفٍ) مُخْتَارٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا، وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا سَيَأْتِي (وَفِي هَزْلٍ سِوَى النِّكَاحِ) أَيْ: وَصَحَّ فِي حَالِ الْهَزْلِ غَيْرُ النِّكَاحِ (مِنْ) أَيِّ (تَصَرُّفِ) ، كَانَ طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ، كَمَا يَصِحُّ فِي حَالِ الْجَدِّ، فَلَوْ قَالَتْ لَهُ فِي مَعْرِضِ الدَّلَالِ أَوْ الِاسْتِهْزَاءِ: طَلِّقْنِي فَقَالَ: طَلَّقْتُك وَقَعَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا لِلْخَبَرِ الْآتِي؛ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَأِ ظَنِّهِ، كَمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ فِي حَالِ الْهَزْلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ، وَهَذَا وَجْهٌ جَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ.

وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (فِي النِّكَاحِ الْعَقْدُ) لَهُ صَحِيحٌ (بِالْهَزْلِ، إذْ هَزْلُ النِّكَاحِ جِدُّ) لِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي خَبَرِ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ، وَحُكْمُ غَيْرِ الثَّلَاثِ حُكْمُهُمَا كَمَا يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ اعْتِنَاءٍ (وَلَوْ يَظُنُّهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ (سِوَاهَا) لِكَوْنِهَا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ قَصْدِ الْخِطَابِ بِاللَّفْظِ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ، وَفِي مَعْنَى الظَّنِّ النِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ كَأَنْ قَبِلَ لَهُ أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ أَوْ وَكِيلُهُ فِي كِبَرِهِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ لَا يَدْرِي فَخَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا نُفُوذُهُ فِي الْبَاطِنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ، وَقَضِيَّتُهُ: تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ النُّفُوذُ

. (أَوْ فَسَقْ) صِفَةٌ لِمَعْطُوفٍ عَلَى مُكَلَّفٍ أَيْ صَحَّ الطَّلَاقُ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ فَسَقَ (بِالسُّكْرِ) أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُزِيلُ الْعَقْلَ، كَدَوَاءِ مُجَنِّنٍ بِلَا حَاجَةٍ، فَيَصِحُّ طَلَاقُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ لِعِصْيَانِهِ بِسَبَبِ زَوَالِ عَقْلِهِ فَجُعِلَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَعَدَلْت عَنْ عَطْفِ ذَلِكَ عَلَى يَظُنُّهَا الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ السَّكْرَانِ مُكَلَّفًا إلَى مَا ذَكَرْته لِيُفِيدَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَانْتِفَاءُ تَكْلِيفِهِ لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا، وَنُفُوذُ طَلَاقِهِ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَأَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ.

وَخَرَجَ بِقَوْلِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ إلَّا السَّكْرَانَ) أَيْ الْمُتَعَدِّيَ (قَوْلُهُ وَفِي هَزْلٍ) أَيْ وَصَحَّ فِي هَزْلٍ، وَقَوْلُهُ سِوَى النِّكَاحِ فَاعِلٌ. (قَوْلُهُ قُلْت: الْأَصَحُّ فِي النِّكَاحِ الْعَقْدُ) يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَقْدِ بِمَعْنَى الِانْعِقَادِ خَبَرَ الْأَصَحُّ وَجَعْلُ بِالْهَزْلِ صِلَةَ الْعَقْدُ وَالْبَاءِ لِلْمُصَاحَبَةِ، فَيُسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ صَحِيحٍ، فَالْمَعْنَى الْأَصَحُّ فِي النِّكَاحِ انْعِقَادُهُ مَعَ الْهَزْلِ

(قَوْلُهُ وَأَجَابَ إلَخْ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ مَنْ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ بَاقِي الْعَقْلِ لَا يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:{حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]

ــ

[حاشية الشربيني]

لِلَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ كَهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لَا مُطْلَقًا، إذْ لَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ قَاصِدًا لَفْظَهُ مَعَ فَهْمِ مَعْنَاهُ وَقَعَ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَهُ: لَسْت أُرِيدُ إيقَاعَهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ كَمَا فِي حَالِ الْهَزْلِ، بَلْ لَوْ قَالَ: مَا قَصَدْته لَمْ يَدِيَنْ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ احْتِيَاجِ الصَّرِيحِ إلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِ الْمَعْنَى فَارَقَتْهُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَيْ: وَفَهْمُهُ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِالْحَرْفِ وَقَوْلُهُ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرُ إلَخْ أَيْ بِحَيْثُ يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ: مَا قَصَدْت الْمَعْنَى ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ وَفِي هَزْلٍ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى لَا يُعْتَبَرُ، إلَّا عِنْدَ عُرُوضِ صَارِفٍ فَيَقَعُ إجْمَاعًا، وَإِنْ هَزَلَ بِهِ بِأَنْ قَصَدَ لَفْظَهُ دُونَ مَعْنَاهُ أَوْ لَعِبَ بِهِ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَدِنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ اللَّفْظَ لِغَيْرِ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ إرَادَةٍ مِنْ وَثَاقٍ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ مَنْ صَرَّحَ بِنَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَلَمْ يَنْوِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَاطِنًا لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ضَعِيفٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ يَظُنُّهَا سِوَاهَا) وَالْوُقُوعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ مَعَ التَّعْلِيقِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُجَاوِرَةً أَيْ: مُنَازِعَةً فِي كَوْنِهَا زَوْجَتَهُ أَوْ لَا، وَإِلَّا فَهُوَ حَلِفٌ فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَا فِي ظَنِّهِ، وَإِنْ خَالَفَ الْوَاقِعَ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ أَوْقَع الطَّلَاقَ) أَيْ قَاصِدًا لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ حِلُّ الْعِصْمَةِ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَبَ مِنْ قَوْمٍ فِيهِمْ امْرَأَتُهُ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ وَلَا يَعْلَمُ بِهَا فَقَالَ: طَلَّقْتُكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ حِلَّ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ، إلَّا بِالتَّغْلِيبِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ النُّفُوذُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ فَرَاجِعْ.

ص: 246

النَّاظِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ فِسْقُ مَنْ لَمْ يَفْسُقْ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أُوجِرَهُ، فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَفِي حَدِّ السَّكْرَانِ عِبَارَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَنْ اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ وَقِيلَ: مَنْ يُظْهِرُ مَا يَحْتَشِمُهُ وَقِيلَ: مَنْ يَتَمَايَلُ مَاشِيًا وَيَهْذِي مُتَكَلِّمًا وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْأَقْرَبُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. (لَا حَيْثُ لِسَانُهُ سَبَقْ) إلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، لَكِنْ لَا يَقْبَلُ دَعْوَى السَّبْقِ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا فَقَالَ: أَنْتِ الْآنَ طَالِقَةٌ وَمُرَادُهُ طَاهِرَةٌ، أَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِبًا أَوْ طَارِقًا فَقَالَ: يَا طَالِقُ وَادَّعَى أَنَّ الْحَرْفَ الْتَفَّ فَيُصَدَّقُ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ: يَا طَالِقُ وَقَصَدَ الطَّلَاقَ وَقَعَ أَوْ النِّدَاءَ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ عَلَى الْأَصَحِّ حَمْلًا عَلَى النِّدَاءِ.

(أَوْ لُقِّنَ اللَّفْظَ بِلَا فَهْمٍ) مِنْهُ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَمَا لَوْ لُقِّنَ لَفْظَ الْكُفْرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلْطَةٌ بِأَهْلِهِ، فَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا. (وَإِنْ مَعْنَاهُ) عِنْدَ أَهْلِهِ (رَامَ) أَيْ قَصَدَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِلَا فَهْمٍ مُحَالٌ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ بِلَفْظٍ لَا مَعْنَى لَهُ، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى وَقَصْدِ اللَّفْظِ، زَادَ الشَّيْخَانِ وَقَصْدِ مَعْنَاهُ لِيَخْرُجَ حِكَايَةُ طَلَاقِ الْغَيْرِ وَتَصْوِيرُ الْفَقِيهِ، وَالنِّدَاءُ بِطَالِقٍ لِمُسَمَّاةٍ بِهِ.

وَهَذَا الْمَزِيدُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ عُرُوضِ مَا يَصْرِفُ الطَّلَاقَ عَنْ مَعْنَاهُ كَهَذِهِ الْمُخْرَجَاتِ لَا مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ إذْ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ كَمَا فِي حَالِ الْهَزْلِ، بَلْ لَوْ قَالَ: مَا قَصَدْته لَمْ يُدَنْ وَمِنْ هُنَا قَالُوا: الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِ مَعْنَاهُ فِيمَا ذُكِرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ بَعْضِ فُضَلَاءِ عَصْرِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

فَالْحَقُّ قُوَّةُ اسْتِدْلَالِ الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ. فَإِنْ قِيلَ: نُهِيَ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ عَنْ الصَّلَاةِ إذَا سَكِرَ قُلْنَا: إنْ صَحَّ ذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ نَهْيُهُ قَبْلَ السُّكْرِ مُطْلَقًا عَنْ الصَّلَاةِ إذَا سَكِرَ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم.

(قَوْلُهُ وَفِي حَدِّ السُّكْرِ عِبَارَاتٌ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: قُلْت: وَلَا حَاجَةَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ أَيْ الْقَائِلِ بِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا صَاحٍ وَإِمَّا سَكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّاحِي، بَلْ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدِّي وَفِيمَا إذَا قَالَ: إنْ سَكِرْت فَأَنْت طَالِقٌ فَيُقَالُ: أَدْنَاهُ أَنْ يَخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَيُكْشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ اهـ. (قَوْلُهُ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ) أَيْ حِينَ النِّدَاءِ، فَإِنْ هَجَرَ ذَلِكَ الِاسْمَ حِينَ النِّدَاءِ طَلُقَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا بِلَا فَهْمٍ مُحَالٌ) إنْ كَانَتْ الْمُحَالِيَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَوْلُهُ: وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَمَّ أَيْ قَصَدَ مُؤَوَّلٌ بِنَحْوِ، وَإِنْ خُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ قَصَدَ. (قَوْلُهُ زَادَ الشَّيْخَانِ وَقَصْدِ مَعْنَاهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ الْوُقُوعَ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَلَى اشْتِرَاطِ قَصْدِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ بِرّ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي حَالِ الْهَزْلِ) مَحَلُّ نَظَرٍ، فَإِنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْمَعْنَى، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ غَيْرُ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ وَادَّعَى إلَخْ) فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ ق ل: وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَنَا اهـ. لَكِنْ حَمَلَ م ر كَلَامَ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ خُلْطَةٌ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِعِلْمِهِ بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ ق ل. (قَوْلُهُ لَوْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ النِّكَاحِ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَعْنَاهُ. (قَوْله زَادَ الشَّيْخَانِ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ) قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ: الْمُرَادُ بِهَذَا الشَّرْطِ عَدَمُ الصَّارِفِ لَا حَقِيقَةُ الْقَصْدِ اهـ. أَيْ: لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الصَّرْفِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ) أَيْ قَصَدَ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَعْنَاهُ كَمَا فِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ) أَيْ: وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْهَازِلَ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ فِي مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ قَاصِدٌ عَدَمَ حُصُولِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ عِبَارَةُ الْإِمَامِ، فَإِنَّ عِبَارَةَ النِّهَايَةِ: الْهَازِلُ الَّذِي يَقْصِدُ اللَّفْظَ دُونَ مَعْنَاهُ لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّافِعِيِّ فِي تَوْجِيهِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَلَيْسَ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ ظَانٌّ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْزِئًا غَيْرَ رَاضٍ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَهَذَا الظَّنُّ خَطَأٌ انْتَهَى. فَقَدْ قَصَدَ بِاسْتِهْزَائِهِ عَدَمَ وُقُوعِ مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ نَافِعٍ فَيَكُونُ مُرَادُ الشَّارِحِ الْمُبَالَغَةَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ قَصْدِ الْمَعْنَى عِنْدَ عَدَمِ

ص: 247

أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَيْ وَفَهْمُهُ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ فَقَالَ: قَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ إذَا نَوَى حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ.

(أَوْ بِالْإِكْرَاهِ قُرِنْ) أَيْ الطَّلَاقُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ لِخَبَرِ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَصُحِّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ أَوْ فَرْطِ هُجُومٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِمْ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ. (ظُلْمًا) الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ، كَأَنْ قَالَ وَلِيُّ الدَّمِ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَمٌ:

ــ

[حاشية العبادي]

رَاضٍ بِالْوُقُوعِ وَيَظُنُّ عَدَمَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى لَكِنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْإِيقَاعِ، وَإِنْ أَبَيْت هَذَا فَرَاجِعْ الْمُهِمَّاتِ، فَفِيهَا مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَقَدْ سَلَفَ قَرِيبًا عَنْ الرَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ بِرّ.

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ) يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى مُغَايِرٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَلِقَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِقَصْدِ الْمَعْنَى اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مَعْنَاهُ، وَبِقَصْدِ الْإِيقَاعِ قَصْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِصِيغَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا؛ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الْإِيقَاعِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ إلَّا صَرْفَهَا إلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِهَا لِغَيْرِهِ، فَحَيْثُ اسْتَعْمَلَهَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَأَيُّ حَاجَةٍ مَعَ ذَلِكَ إلَى قَصْدِ الْإِيقَاعِ؟ ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الصَّرِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ فَقَالَ قَالَ إسْمَاعِيلُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ لِيُبَيِّنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُوشَنْجِيُّ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِهَارِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ) لَك أَنْ تَقُولَ: هَذَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِمَا قَبْلَهُ بِرّ.

(قَوْلُهُ كَأَنْ قَالَ وَلِيُّ الدَّمِ إلَخْ) فِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ عَدَلَ عَنْ الْمِثَالِ الشَّهِيرِ، وَهُوَ إكْرَاهُ الْقَاضِي لِلْمَوْلَى عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ عَيْنًا، بَلْ بِهِ أَوْ بِالْفَيْئَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِنَاعِ يُطَلِّقُ الْقَاضِي فَأَيْنَ الْإِكْرَاهُ؟ ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي يَرَى الْأَمْرَ بِالْفَيْئَةِ عَيْنًا، فَإِنْ امْتَنَعَ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ، أَقُولُ: قَوْلُ الْمُجِيبِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ، وَهُوَ تَوَهُّمٌ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ، فَإِذَا فَعَلَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ صُدِّقَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[حاشية الشربيني]

الصَّارِفِ، بِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ عَدَمَ الْمَعْنَى كَالْهَازِلِ لَا يُفِيدُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَوَاشِي الْمُحَلَّيْ لِلشَّيْخِ عَمِيرَةَ أَنَّ الْهَازِلَ يَدِينُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَا ذَاكَ، إلَّا لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَعْنَى عِنْدَهُ.

(قَوْلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ) أَيْ لِيَخْرُجَ سَبْقُ اللِّسَانِ وَالْمَعْنَى أَيْ: الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلَّفْظِ الْكِنَايَةُ حَتَّى يُمْكِنَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ وَفَهْمُهُ أَيْ: فَهْمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهِ وَقَصْدِهِ أَيْ: اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ مُنَاسَبَةٌ، فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ بِلَفْظٍ لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَذَا لَوْ فَهِمَهُ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ بِالطَّلَاقِ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ، إذْ لَا يَصِحُّ الِانْتِقَالُ مِنْهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَهُوَ إرَادَةُ الطَّلَاقِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. لِيَنْدَفِعَ مَا أَطَالَ بِهِ الْمُحَشِّي هُنَا، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَمُبْتَلَّةٍ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَقْطُوعَةٌ وَيَسْتَعْمِلَ اللَّفْظَ فِيهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: نَوَى حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِنَايَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، فَنِيَّةُ الطَّلَاقِ بِهِ هِيَ قَصْدُ إيقَاعِهِ بِهِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ، هَذَا إنْ كَانَتْ الْكِنَايَةُ شَرْعِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ لَفْظًا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَيَنْوِيَ الْمَعْنَى الْمُحْتَمَلَ ثُمَّ يَقْصِدَ الْإِيقَاعَ بِهِ بِإِرَادَةِ خُصُوصِ الطَّلَاقِ فَتَأَمَّلْ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْمُرَادَ بِقَصْدِ الْمَعْنَى هُوَ قَصْدُ مَعْنَى الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِقَصْدِ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ صِيَغَ الْكِنَايَةِ لَمْ تُنْقَلْ شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ،

ص: 248

طَلِّقْ، وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْك، وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ (بِمَحْذُورٍ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ اسْتِخْفَافٍ، وَتَخْتَلِفُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ مَا قَبْلَهَا وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَحُصُولُ الْإِكْرَاهِ بِذَلِكَ هُوَ مَا حُكِيَ عَنْ النَّصِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ كَالْكَبِيرِ: إنَّهُ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ: إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِكْرَاهِهِ عَلَى فِعْلٍ يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ حَذَرًا مِمَّا هُدِّدَ بِهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَيْهِ يُنْظَرُ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ وَمَا هُدِّدَ بِهِ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي مَطْلُوبٍ دُونَ آخَرَ وَفِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ حَصَلَ بِتَخْوِيفِهِ بِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ حَبْسٍ طَوِيلٍ، وَبِقَتْلِ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ، وَبِتَخْوِيفِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ بِالصَّفْعِ فِي الْمَلَأِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَالطَّوْفِ بِهِ فِي السُّوقِ دُونَ إتْلَافِ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلٍ لَمْ يَحْصُلْ بِتَخْوِيفِهِ بِالْحَبْسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ حَصَلَ بِتَخْوِيفِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.

وَهَذَا الْوَجْهُ صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ: لَكِنْ فِي بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِمَحْذُورٍ آجِلًا كَقَوْلِهِ: طَلِّقْ، وَإِلَّا ضَرَبْتُك غَدًا قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَا بِقَوْلِهِ: طَلِّقْهَا، وَإِلَّا زَنَيْت بِهَا، وَلَوْ أُكْرِهَ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ لِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ طَلِّقْ، وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي أَوْ كَفَرْت، وَلَوْ وَافَقَ الْمُكْرَهُ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ، (كَكُلِّ شَيِّ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِخَبَرِ:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ، أَمَّا الْفِعْلِيَّةُ فَيَثْبُتُ أَثَرُهَا مَعَهُ كَالرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ لِلْقَادِرِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَالْقَتْلِ، وَقَدْ لَا يَثْبُتُ أَثَرُهَا مَعَهُ كَالْفِعْلِ فِي بَابِ الْيَمِينِ. (لَا السِّلْمِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: الْإِسْلَامِ (لِلْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ) فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ بِخِلَافِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ عَلَى كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ كَالذِّمِّيِّ وَذِكْرُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدٌ عَلَى الْحَاوِي، وَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ الْحَرْبِيِّ، بَلْ هُمَا مَفْهُومَانِ مِنْ ظُلْمًا (إلَّا) إذَا أُكْرِهَ (عَلَى) طَلَاقِ (اثْنَتَيْنِ) أَيْ زَوْجَتَيْنِ أَوْ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَبِهِمَا عَبَّرَ الْحَاوِي (أَوْ) عَلَى طَلَاقِ (إحْدَاهُمَا) مُبْهَمَةً، (فَفَرْدَةً) أَيْ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. (أَوْ ذَاتَ تَعْيِينٍ) فِي الثَّانِيَةِ فَيَصِحُّ لِظُهُورِ قَصْدِ الِاخْتِيَارِ (كَمَا فِي عَكْسِهِ) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَةً أَوْ طَلْقَةً فَطَلَّقَ ثِنْتَيْنِ، أَوْ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ فَطَلَّقَ مُبْهَمَةً، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ حَفْصَةَ فَطَلَّقَهَا مَعَ ضَرَّتِهَا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَا: وَفَصَّلَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا: إنْ قَالَ: طَلَّقْتُكُمَا طَلُقَتَا لِعُدُولِهِ عَنْ كَلِمَةِ الْإِكْرَاهِ، أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ لَمْ تَطْلُقْ حَفْصَةُ، وَعَلَى نَقْلِ هَذَا اُقْتُصِرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ فِي تَمْيِيزِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى صَرِيحٍ فَعَدَلَ إلَى صَرِيحٍ آخَرَ أَوْ كِنَايَةٍ صَحَّ طَلَاقُهُ.

(وَكَلِمَاتِ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْإِكْرَاهُ) أَيْ وَيُبِيحُ الْإِكْرَاهَ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] لَكِنَّ الثَّبَاتَ أَفْضَلُ، وَلَوْ حَذَفَ كَلِمَاتٍ لَشَمِلَ كَلَامُهُ الْفِعْلَ الْمُكَفِّرَ لَكِنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ. (وَ) يُبِيحُ

ــ

[حاشية العبادي]

كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ: قَوْلُهُ: فِي الْمِثَالِ نَظَرٌ كَانَ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ لَا يَسُوغُ لَهُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ سَاغَ لَهُ الِاقْتِصَاصُ، فَأَيْنَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ؟ ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مِنْ قَتْلٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ بَيَانَ الْمَحْذُورِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَاقِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ أَخْذُ الْمَالِ) قِيَاسُهُ وَإِتْلَافُهُ (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ لَعَلَّ مِنْهُ إطْلَاقَ كَوْنِ إتْلَافِ الْمَالِ، لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَزَمَنَ شِدَّةٍ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ بِالزَّوْجَةِ كَبِيرُ تَعَلُّقٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الطَّلَاقِ يَحْصُلُ بِالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِهِ مَعَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِرّ. (قَوْلُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إلَخْ) يُشْكِلُ. (قَوْلُهُ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ: وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ وَلَدًا (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ) اُنْظُرْ لَوْ عَكَسَ فَبَدَأَ بِغَيْرِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا كَأَنْ قَالَ فِي الْمِثَالِ: طَلَّقْت عَمْرَةَ وَحَفْصَةَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ مَا نَصُّهُ: وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ: أَنَّ كُلَّ إيذَاءٍ لِلْغَيْرِ كَشَتْمٍ وَضَرْبٍ لَا يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ، لَكِنْ بَحَثَ الشَّارِحُ يَعْنِي الْجَوْجَرِيَّ خِلَافَهُ فِي الشَّتْمِ اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِهَا بِخِلَافِ الصَّرَائِحِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لَا يَحْصُلُ إلَخْ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى الْغَدِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (قَوْلُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إلَخْ) خَالَفَهُ م ر. (قَوْلُهُ وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ نَحْوُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ فَقَطْ م ر. (قَوْلُهُ وَنَوَى) أَيْ: لِأَنَّ الصَّرِيحَ فِي حَقِّهِ كِنَايَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ فَتَحَوَّلَ، أَمَّا لَوْ حَوَّلَهُ غَيْرُهُ كَرْهًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، فَفِي ظَنِّي أَنَّ ق ل قَالَ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ فَرَاجِعْهُ مِنْ بَابِ التَّوَجُّهِ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ) لَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَلَقَتْ عَمْرَةُ أَيْضًا وَلَا يُشْكِلُ بِعَدَمِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ، لَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْت يَا زَوْجَتِي؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَطْلُقْ هُنَا مَحَلٌّ لِطَلَاقِ الزَّوْجِ حَالَةَ إيقَاعِهِ، بِخِلَافِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَمَحَلُّ عَدَمِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِي قَوْلِهِ: نِسَاء الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ إلَخْ مَا لَوْ يَنْوِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ، وَإِلَّا طَلَقَتْ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: إنَّ تَقْدِيرَ

ص: 249

(شُرْبَ الْخَمْرِ) كَمَا يُبَاحُ لِمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَنْ يَسِيغَهَا بِخَمْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، (وَ) يُبِيحُ (الْفِطْرَ) مِنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ وَالْخُرُوجَ مِنْ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ (لَا زِنًا وَقَتْلًا) مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ، فَلَا يُبِيحُهُمَا لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْقَذْفَ أَيْضًا، وَالْأَصَحُّ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا، إذْ الِانْتِشَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّهْوَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلزِّنَا، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِيهِ.

(وَحُتِمْ) أَيْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ (إتْلَافُهُ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُكْرِهٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (غَرِمْ) ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ إذَا أُكْرِهَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ، فَإِنْ أُكْرِهَ بِاسْتِخْفَافٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ، بَلْ يُبَاحُ وَلِلْمَالِكِ فِي الْأَخِيرَةِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مُكْرَهًا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ دَفْعُ الْمُكْرِهَ بِمَا أَمْكَنَهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَالِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ دَفْعُ الْمُكْرِهِ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ. (وَلَوْ بِتَعْلِيقٍ) أَيْ صَحَّ الطَّلَاقُ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَلَوْ بِتَعْلِيقِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ تَعْلِيقُهُ مِنْ الْوَكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهُ بِالْوَكَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، (وَلَمْ يُبِنْهَا) أَيْ: صَحَّ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَالْحَالَةُ أَنَّهُ لَمْ يُبِنْهَا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً، وَلَوْ رَجْعِيَّةً بِخِلَافِ الْبَائِنِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْخَبَرِ:«لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِلَفْظِ:«لَا طَلَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

(وَصَحَّ تَعْلِيقُ الرَّقِيقِ الْأَنْهَى) أَيْ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ ثَلَاثٌ عَلَى شَرْطٍ، حَتَّى إذَا وُجِدَ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، (إنْ كَانَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ إنْ صَارَ (قَبْلَ) وُجُودِ (شَرْطِهِ) أَوْ مَعَهُ (عَتِيقَا) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّعْلِيقَ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَ الطَّلَاقِ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الثَّلَاثِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ، وَشُبِّهَ ذَلِكَ بِتَعْلِيقِ السُّنِّيِّ حَالَ الْبِدْعَةِ، (خِلَافَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَا)، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْحَاوِي، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَمْ يُبِنْهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ التَّعْلِيقَ بِالتَّطْلِيقِ كَانَ أَوْلَى.

وَلِلطَّلَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ: فَالصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ:(بِقَوْلِهِ) أَيْ: صَحَّ الطَّلَاقُ مِمَّنْ ذُكِرَ بِقَوْلِهِ: (سَرَّحْتُ أَوْ طَلَّقْتُ) أَوْ (فَادَيْتُ أَوْ خَالَعْتُ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، (أَوْ فَارَقْتُ وَ) كَذَا (أَنْتِ طَالِقٌ، كَذَا مُطَلَّقَهْ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّازِمِ، (أَوْ) مَا (صِيغَ) لِلْمَفْعُولِ (مِنْ سَرَّحْتُ) أَوْ نَحْوِهَا كَانَتْ مُسَرَّحَةً (أَوْ مُفَارَقَهْ) ، أَوْ (يَا طَالِقٌ) بِالتَّنْوِينِ أَوْ بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْقَافِ لِلْوَزْنِ، لِمَنْ لَيْسَ اسْمُهَا طَالِقًا، لِاشْتِهَارِهَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ مَعَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَيْضًا: عَدَمُ إبَاحَةِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْقَذْفَ) الْمُعْتَمَدُ إبَاحَةُ الْقَذْفِ م ر (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ، بَلْ يُبَاحُ) هَذَا سَهْوٌ قَطْعًا فَفِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِرَاحِ: وَيُبِيحُ الْإِكْرَاهُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: فِيهِ أُمُورٌ. الْأَوَّلُ: اقْتَصَرَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: بَلْ يَجِبُ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِمْ اهـ. وَكَذَا فِي شُرُوحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهَا، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) الْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ فِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَيْضًا م ر. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ وَكَذَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ.

(قَوْلُهُ وَلِلطَّلَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ) .

(فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْعِبْرَةُ فِي صَرَائِحِ الْكُفَّارِ وَكِنَايَاتِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ، لَا بِمَا عِنْدَنَا وَنَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إذَا نَطَقَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْنَا اعْتَبَرْنَاهُ صَرِيحًا، وَبَحَثَ الْجَوْجَرِيُّ مَعَ الْأَذْرَعِيِّ مُرَجِّحًا كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ فَلْيُرَاجَعْ بِرّ. (قَوْلُهُ مَا صِيَغَ) يُفِيدُ أَنَّ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْ خَالَعْت وَفَادَيْت كَمُخَالَعَةٍ وَمُفَادَاةٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَيْ: الْإِرْشَادِ أَنَّ مَا اُشْتُقَّ مِنْ هَذَيْنِ أَيْ خَالَعْت وَفَادَيْت كَمُخَالَعَةٍ وَمُفَادَاةٍ اسْمَا مَفْعُولٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ أَيْ الْجَوْجَرِيِّ (قَوْلُهُ وَوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

الْخَبَرِ لَا يَنْفَعُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ كَمَا فِي الْبُجَيْرِمِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ وَيُبِيحُ الْفِطْرَ مِنْ صَوْمٍ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاوِي السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ كَرْهًا مُفْطِرٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْطِرٍ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ) لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُحَرَّمِ لِعَارِضِ الِافْتِيَاتِ عَلَى السُّلْطَانِ كَقَتْلِ بَعْضِ الْآحَادِ الْجَانِيَ. (قَوْلُهُ فَلَا يُبِيحُهَا) لَكِنْ لَوْ حَصَلَ الزِّنَا كَرْهًا، وَهُوَ صَائِمٌ لَا يُفْطِرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَامِشِ بَابِ الصَّوْمِ عَنْ ق ل. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لَكِنْ صَحَّحَ ذِكْرَهُ إفَادَةَ وَجْهِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مِلْكُهُ أَصْلَ التَّعْلِيقِ.

(قَوْلُهُ كَمَا فِي بَابِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَادَيْت أَوْ خَالَعْت، وَاَلَّذِي مَرَّ هُنَاكَ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْمُفَادَاةَ صَرِيحَانِ إنْ ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ نَوَى، وَإِلَّا فَهُمَا كِنَايَتَانِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِهِمَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنَّهُ إنْ أَضْمَرَ الْتِمَاسَ قَبُولِهَا وَقَبِلَتْ، فَإِنْ وَقَعَ بَائِنًا لَمْ تَقْبَلْ فَلَا وُقُوعَ، وَإِنْ لَمْ يُضْمِرْهُ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَوْ لَا،. (قَوْلُهُ لِاشْتِهَارِهَا إلَخْ) مَأْخَذُ الصَّرَاحَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وُرُودُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ

ص: 250

تَكَرُّرِ بَعْضِهَا فِيهِ وَإِلْحَاقِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهَا بِمَا تَكَرُّرُهُ بِجَامِعِ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا ذُكِرَ.

وَيُعْتَبَرُ فِي نَحْوِ طَلَّقْت إذَا اُبْتُدِئَ بِهِ ذِكْرُ الزَّوْجَةِ، فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: طَلَّقْت وَنَوَاهَا، لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالِاسْمِ، نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ قَطْعِ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ. (وَنَحْوُ: حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ) ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ اشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ، إذْ الصَّرِيحُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَفْظَةُ نَحْوَ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَأَفَادَ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ لَفْظٍ اشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِهِ فِي الطَّلَاقِ كَانَتْ عَلَيَّ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: لِي بِمَعْنَى عَلَيَّ كَمَا عَبَّرَ بِهَا الْحَاوِي، وَلَوْ تَرَكَهَا الزَّوْجُ فَكِنَايَةٌ قَطْعًا. (وَكَنَعَمْ إنْ يَقُلْ) لَهُ:(طَلَّقْتُهَا لِطَلَبِ الْإِنْشَا) لِلطَّلَاقِ، إذْ السُّؤَالُ مُفَادٌ فِي الْجَوَابِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتهَا، وَلِهَذَا كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ بِخِلَافِهِ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ اسْتِخْبَارًا لَا يَكُونُ إنْشَاءً، بَلْ إقْرَارٌ فَيَبْقَى عَلَى نِكَاحِهِ بَاطِنًا، إنْ كَانَ كَاذِبًا وَيُؤْخَذُ بِهِ ظَاهِرًا، فَإِنْ ادَّعَى إرَادَةَ طَلَاقٍ سَابِقٍ، وَقَدْ رَاجَعَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبَانَهَا وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا، فَعَلَى مَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي، وَفُسِّرَ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فَلَوْ جَهِلَ حَالَ السُّؤَالِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ، وَصَرْفُهُ إلَى الِالْتِمَاسِ مَجَازٌ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْت زَوْجَتَك؟ ، فَقَالَ: كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ تَعْلِيقٍ أَوْ وَعْدٍ أَوْ مُخَاصَمَةٍ تَئُولُ إلَيْهِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتهَا؟ ، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا تَقُولُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْلَمَ وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْعِلْمُ، نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ تَصْحِيحِ أَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ جَدِّ الْقَاضِي شُرَيْحٍ، وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: فَعَلْت كَذَا فَأَنْكَرَ فَقِيلَ لَهُ: إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتُك طَالِقٌ، فَقَالَ: نَعَمْ وَكَانَ قَدْ فَعَلَ، قَالَ الْقَاضِي لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْهُ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ اسْتِدْعَاءُ طَلَاقٍ فَلْيَكُنْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتهَا فَقَالَ: نَعَمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ وَغَيْرُهُ كَلَامَ الرَّوْضَةِ، وَأَفَادَ النَّاظِمُ بِزِيَادَتِهِ الْكَافَ فِي نَعَمْ أَنَّ لِمُرَادِفِهَا كَأَجَلْ وَجَيْرِ حُكْمُهَا، وَكَذَا لَوْ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ النَّاطِقِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، كَمَا عَلَّلُوا بِهِ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَنْ اذْهَبِي، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْت زَوْجَتَك فَقَالَ: طَلَّقْت، فَقَدْ قِيلَ: هُوَ كَنَعَمْ وَقِيلَ: لَيْسَ بِصَرِيحٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّ نَعَمْ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَوَابِ، وَقَوْلَهُ: طَلَّقْت مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: ابْتِدَاءً طَلَّقْت وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَا طَلَاقَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي فَقَالَ: طَلَّقْت أَوْ قِيلَ لَهُ: طَلِّقْهَا فَقَالَ: طَلَّقْت أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: طَلَّقْت، فَإِنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى السُّؤَالِ وَالتَّفْوِيضِ.

(وَمَا) أَيْ وَصَحَّ

ــ

[حاشية العبادي]

لَفْظُ الْخُلْعِ لَيْسَ فِيهِ بِرّ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ جَوَابًا. (قَوْلُهُ وَنَحْوَ حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ) لِي مُتَعَلِّقٌ بِمُحَرَّمٌ. (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْإِنْشَاءِ) اُنْظُرْ لَوْ قَصَدَ الطَّالِبُ الْإِنْشَاءَ وَالْمُجِيبُ الْإِخْبَارَ أَوْ بِالْعَكْسِ. (قَوْلُهُ مُفَادٌ فِي الْجَوَابِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتهَا لَا يُقَالُ: فَالطَّلَاقُ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظِهِ الْمُقَدَّرِ لَا بِنَعَمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْدِيرُ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ إنَّمَا يَقَعُ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِسِوَى نَعَمْ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ: لَفْظُ نَعَمْ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتهَا وَنَائِبٌ عَنْهُ وَمُؤَدٍّ مَعْنَاهُ فَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ جَوَابُ شَيْخِنَا فَلْيُتَأَمَّلْ. سم.

(قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْمَحَاكِمِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِلزَّوْجِ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَى زَوْجَتِك كَانَتْ طَالِقًا فَيَقُولَ نَعَمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إجَازَةٌ لِلتَّعْلِيقِ لَا تَعْلِيقٌ م ر. (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ) وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ ح ج. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ) أَيْ مَرَّةً أُخْرَى حَجَرٌ (قَوْلُهُ وَجَيْرِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

السُّنَّةِ أَوْ اشْتِهَارُهُ مَعَ وُرُودِ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ الْكِنَايَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي الطَّلَاقِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ: طَلِّقْهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَالِقٌ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتُك طَالِقٌ فَيَقَعَ فِي ذَلِكَ اهـ. تُحْفَةٌ. (قَوْلُهُ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الشُّهْرَةِ مَأْخَذٌ لِلصَّرَاحَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ فَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ فَكِنَايَةٌ قَطْعًا) أَيْ: وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي الطَّلَاقِ فَمَوْرِدُ الْخِلَافِ الْأَمْثِلَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى لَفْظَةِ عَلَيَّ، قَرَّرَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَمِثْلُهُ م ر وَحَجَرٌ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ قَوْلِ الشَّارِحِ إنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ لَفْظٍ اشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِهِ فِي الطَّلَاقِ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْهُ) وَإِنَّمَا أَجَازَهُ قَالَ سم: إنَّ قَوْلَهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتُك طَالِقٌ الْتِمَاسٌ لِلتَّعْلِيقِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْإِخْبَارَ، إذْ لَا مَعْنَى لَهُ، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَوُقُوعُ نَعَمْ فِي جَوَابِهِ يَجْعَلُ مَعْنَاهَا وَتَقْدِيرَهَا: نَعَمْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتِي طَالِقٌ عَلَى طَرِيقَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِ وُقُوعِهَا فِي جَوَابِ الْتِمَاسِ غَيْرِ التَّعْلِيقِ، وَلَعَمْرِي إنَّهُ وَجِيهٌ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ. وَأَقَرَّهُ ع ش، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الِالْتِمَاسَ هُنَا الْتِمَاسٌ لِإِجَازَةِ مَا عَلَّقَهُ الْقَائِلُ أَيْ: الْتِمَاسٌ لِإِجَازَةِ تَعْلِيقِهِ هُوَ لَا الْتِمَاسٌ لِتَعْلِيقِ الْمُطَلِّقِ بِخِلَافِ الْتِمَاسِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْمُلْتَمِسَ لَمْ يُنْشِئْ طَلَاقًا، وَلِذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَزَوْجَتُك طَالِقٌ فَقَالَ: نَعَمْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ) أَيْ: أَجَازَ تَعْلِيقَ الْقَائِلِ وَلَمْ يُعَلِّقْ هُوَ. (قَوْلُهُ وَقَدْ سَبَقَ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ طَلَّقْت كِنَايَةً إنْ قَصَدَ الْجَوَابَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ كَنَعَمْ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ

ص: 251

الطَّلَاقُ بِمَا (يَجِيءُ مِنْ جَمِيعِهَا) أَيْ: الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ (مُتَرْجَمَا) أَيْ: مُعَبَّرًا بِهِ عَنْهَا بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ، فَتَرْجَمَتُهَا صَرِيحَةٌ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا شُهْرَةَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صَرَاحَةِ نَحْوِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ عِنْدَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَإِنْ اشْتَهَرَ فِيهِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ صَرَاحَةِ تَرْجَمَةِ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي الْخُلْعِ عَنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُ الْمُحَرَّرِ يَقْتَضِيهِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَنَّ تَرْجَمَةَ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ كِنَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ.

وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي تَرْجَمَتِهِمَا الْوَجْهَيْنِ فِي تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ؛ لِأَنَّ تَرْجَمَتَهُمَا بَعِيدَةٌ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَبِهِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ هُنَا: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ فِي حِلْيَتِهِ: لَا يَكُونُ صَرِيحًا عِنْدِي وَظَاهِرُهُ: أَنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ لَهُمَا، وَقَدْ بَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ لَا مَا فِي الرَّوْضَةِ.

ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِ الْكِنَايَةِ، وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَقَالَ:(وَبِكِنَايَةٍ كَكَتْبِ) أَيْ صَحَّ الطَّلَاقُ بِالصَّرِيحِ كَمَا مَرَّ، وَبِالْكِنَايَةِ كَكِتَابَةِ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهَا الطَّلَاقَ، وَتَجْرِبَةِ الْقَلَمِ وَغَيْرِهِمَا، سَوَاءٌ صَدَرَتْ مِنْ حَاضِرٍ أَمْ نَاطِقٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ تَلَفَّظَ بِمَا كَتَبَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ قَالَ: قَصَدْت قِرَاءَتَهُ قُبِلَ ظَاهِرًا كَنَظِيرِهِ فِي حَلِّ الْوَثَاقِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْكِتَابَةِ مَعَ أَنَّهَا فِعْلٌ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ فِي إفْهَامِهَا الْمُرَادَ كَالْعِبَارَةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ (أَنْتِ) أَيْ وَكَانَتْ (خَلِيَّةٌ) وَ (بَرِيَّةٌ) وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، (وَبِنْتِ) أَيْ مِنِّي مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَبَائِنٌ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَيْنِ، وَهُوَ الْفِرَاقُ، (وَبَتَّةٌ وَبَتْلَهْ) أَيْ: مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ، (وَحُرَّةٌ) وَ (مُعْتَقَةٌ) كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ، لِمَا بَيْنَ مِلْكَيْ النِّكَاحِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ.

(وَمِثْلَهْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ، مِنْ مَثَّلَ بِالْقَتِيلِ جَدَعَهُ (مُطْلَقَةٌ) بِإِسْكَانِ الطَّاء وَتَخْفِيفِ اللَّازِمِ (أَطْلَقْتُكِ)، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ (اعْتَدِّي) أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَلَا يُغَيَّرُ الْحُكْمُ) فِيهِ (إذَا لَمْ يَدْخُلَا) بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَلِفُ يَدْخُلَا عِوَضٌ عَنْ نُونِ التَّوْكِيدِ، (وَوَدِّعِي) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ وَدِّعِينِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك، (وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ) ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَمَا مَرَّ فِي اعْتَدِّي (بِينِي) أَيْ مِنِّي (دَعِينِي) أَيْ اُتْرُكِينِي؛ لِأَنَّك مُطَلَّقَةٌ، وَهَذَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَوَّلُهُمَا مَفْهُومٌ مِنْ بَائِنٍ. (الْحَقِي بِأَهْلِكِ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَهْلٌ أَمْ لَا، وَالْحَقِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، (وَنَحْوُ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ) أَيْ: خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخَلَّى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ لِيَرْعَى كَيْفَ شَاءَ.

(وَنَحْوُ لَسْتُ أَنْدَهَنَّ سَرْبَكِ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ أَيْ لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَأَنْدَهُ أَزْجُرُ، وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مَا يَرْعَى مِنْ الْمَالِ كَالْإِبِلِ (تَزَوَّدِي) أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك، فَقَدْ طَلَّقْتُك، (تَجَرَّعِي) أَيْ كَأْسَ الْفِرَاقِ، (ذُوقِي) أَيْ مَرَارَتَهُ، (اذْهَبِي) أَيْ إلَى أَهْلِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك، (كُلِي) أَيْ زَادَ الْفِرَاقِ، (اشْرَبِي) أَيْ شَرَابَهُ، (اُخْرُجِي) كَمَا فِي اذْهَبِي، (اُبْعُدِي) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ مِنِّي، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، (اُعْزُبِي) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ مِنِّي، (اُغْرُبِي) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَسَافِرِي وَتَجَنَّبِي وَتَجَرَّدِي وَتَقَنَّعِي وَتَسَتَّرِي وَالْزَمِي الطَّرِيقَ، وَبَرِئْت مِنْك وَمَلَّكْتُك نَفْسَك وَأَحْلَلْتُك وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، وَأَنْتِ وَشَأْنُك وَأَنْتِ طَلَاقٌ، أَوْ الطَّلَاقُ أَوْ طَلْقَةٌ أَوْ نِصْفُ طَلْقَةٍ، وَلَك الطَّلَاقُ وَعَلَيْك الطَّلَاقُ وَأَنْتِ وَالطَّلَاقُ أَوْ وَطَلْقَةٌ أَيْ قَرَنْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَا تَصِيرُ أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ صَرَائِحَ بِقَرِينَةٍ مِنْ نَحْوِ غَضَبٍ وَسُؤَالِ طَلَاقٍ (بِنِيَّةٍ أَوَّلَ لَفْظٍ تُوجَدُ) أَيْ مَعَ نِيَّةٍ لِلطَّلَاقِ تُوجَدُ أَوَّلَ لَفْظِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ عَزَبَتْ فِي آخِرِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لَا يَكْفِي، إذْ انْعِطَافُهَا عَلَى مَا مَضَى بَعِيدٌ بِخِلَافِ اسْتِصْحَابِ مَا وُجِدَ، وَلِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ فِي أَوَّلِهِ عُرِفَ قَصْدُهُ مِنْهُ وَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ عَنْ تَصْحِيحِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرَّهُ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه نَصُّ الْأُمِّ.

قَالَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَبَلَى وَكَأَنَّ وَكَانَ ذَلِكَ اهـ. لَا رَضِيت أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ قُبَيْلَ الْعَاقِلَةِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ مُتَرْجَمًا) يَنْبَغِي جَوَازُ كَوْنِهِ اسْمَ فَاعِلٍ أَيْ: مُتَرْجِمًا عَنْهَا وَاسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ مُتَرْجَمًا بِهِ عَنْهَا وَكَتَبَ أَيْضًا: وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ.

(قَوْلُهُ كَكَتْبٍ) مِنْ الْكِنَايَةِ وَالطَّلَاقِ مَا أَفْعَلُ كَذَا مَثَلًا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ م ر. (فَرْعٌ) يَقَعُ فِي الْأَلْسِنَةِ الطَّلَاقُ الزَّمَنِيُّ مَا أَفْعَلُ كَذَا مَثَلًا وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ م ر. (قَوْلُهُ وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاوِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمِثْلِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَعْنِي: وَلَا بِتَغَيُّرِ الْحُكْمِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ بِرّ.

ــ

[حاشية الشربيني]

وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ تَرْجَمَةَ الطَّلَاقِ صَرِيحَةٌ بِخِلَافِ تَرْجَمَةِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ، فَإِنَّهَا كِنَايَةٌ قَالَهُ زي أَيْ: لِلِاخْتِلَافِ فِي صَرَاحَتِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَضَعُفَا بِالتَّرْجَمَةِ اهـ. خَطّ.

(قَوْلُهُ بِالنِّيَّةِ)

ص: 252

فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبِهِ الْفَتْوَى كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الشَّرْحَيْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لَهُ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَصُحِّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْوُقُوعُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ الْمَنْعُ فِيهِمَا، فَاعْتُبِرَ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِكُلِّ اللَّفْظِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاللَّفْظُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ فَمَثَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَرْنِهَا بِالْأَوَّلِ بِقَرْنِهَا بِالْبَاءِ مِنْ بَائِنٍ، وَالْآخَرُ أَنْ يَقْرِنَهَا بِالْخَاءِ مِنْ خَلِيَّةٍ، لَكِنْ مَثَّلَ لَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ، وَصُوِّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ جُعِلَتْ لِصَرْفِ اللَّفْظِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ، وَالْمُحْتَمَلُ إنَّمَا هُوَ بَائِنٌ مَثَلًا، وَأَمَّا أَنْتِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُخَاطَبِ، لَكِنْ أَثْبَتَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ، وَأَيَّدَ الِاكْتِفَاءَ بِهَا عِنْدَ أَنْتِ بِمَا إذَا أَوْقَعَ أَنْتِ زَمَنَ الطُّهْرِ وَطَالِقٌ زَمَنَ الْحَيْضِ، فَإِنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ قَالَ: يَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وَيَحْصُلُ لَهَا قُرْءٌ.

(وَ) كَقَوْلِهِ (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ) أَوْ بَائِنٌ (وَ) هُوَ (يَقْصِدُ طَلَاقَهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا، فَصَحَّ حَمْلُ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حِلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ مَعَ النِّيَّةِ، فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: أَنَا مِنْك حُرٌّ لَيْسَ كِنَايَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحِلُّ النِّكَاحَ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْعِتْقَ يُحِلُّ الرِّقَّ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ نَوَى أَصْلَ الطَّلَاقِ أَمْ طَلَاقَ نَفْسِهِ أَمْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا، لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ، وَتَصْوِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ لَفْظَةِ مِنْك، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ: وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ وَكَقَوْلِهِ: (اخْتَارِي بِهِ قَدْ نُوِيَا) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ

(تَفْوِيضُ تَطْلِيقٍ) أَيْ، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا (فَجَاوَبَتْ هِيَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ قَالَتْ:(اخْتَرْتُ نَفْسِي وَنَوَتْ) أَيْ الطَّلَاقَ، (أَوْ) قَالَتْ: اخْتَرْت (أُمِّي أَوْ أَبَوِيَّ أَوْ أَخِي أَوْ عَمِّي) أَوْ غَيْرَك أَوْ الْأَزْوَاجَ، وَنَوَتْ أَيْضًا لِإِشْعَارِهَا بِالْفِرَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ.

وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَوْ أُمِّي مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى كَأَبِي مِنْ أَخِي أَوْ عَمِّي، (لَا) إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت (الزَّوْجَ وَالنِّكَاحَ) أَيْ أَوْ النِّكَاحَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِأَنْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِهِ، نَعَمْ إنْ نَوَتْ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ فِي الْأَخِيرَةِ وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ (أَغْنَاكِ اللَّهْ) بِقَصْرِ الْجَلَالَةِ بِدُخُولِ الْقَطْعِ، وَهُوَ حَذْفُ أَحَدِ مُتَحَرِّكَيْ الْوَتِدِ الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الزَّوْجَ أَوْ النِّكَاحَ وَلَا إنْ قَالَ لَهَا: أَغْنَاك اللَّهُ، (وَلَا اُقْعُدِي) وَلَا (اغْزِلِي وَ) لَا (مَا جَا مِثْلَهْ) مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، إلَّا بِتَعَسُّفٍ كَقُوَّمِي، وَمَا أَحْسَنَ وَجْهَك، وَتَعَالِي، وَاقْرَبِي، وَاسْقِينِي، وَأَطْعِمِينِي، وَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك، وَزَوِّدِينِي (وَاسْتَبْرِئِي يَتْلُوهُ) أَيْ يَتْبَعُهُ (مِنْكِ رَحِمِي) كَأَنْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَأَيَّدَ الِاكْتِفَاءَ بِهَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَنْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ، فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي قَصَدَ بِهَا إنْشَاءَ الطَّلَاقِ مَجْمُوعُ أَنْتِ وَمَا بَعْدَهُ لَا مَا بَعْدَهُ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى الصَّرِيحُ. (قَوْلُهُ وَيَحْصُلُ بِهَا قُرْءٌ) حَاوَلَ الْجَوْجَرِيُّ الْفَرْقَ وَكَتَبَ أَيْضًا: لَعَلَّ قَائِلَ هَذَا لَا يَشْتَرِطُ تَأَخُّرَ الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَيَقْصِدُ طَلَاقَهَا) قَيَّدَ الطَّلَاقَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ أَمْرَيْنِ: قَصْدِ أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَقَصْدِ إضَاقَتِهِ إلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ.

(قَوْلُهُ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ) أَيْ يَنْوِي الْإِضَافَةَ لِلْمَرْأَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ أَصْلِ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ، فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ بِرّ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَيْ لَفْظَ مِنْك إذَا حُذِفَ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مَذْكُورًا، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي كَمَا لَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَنَوَى أَنْتِ كَمَا مَرَّ حَجَرٌ

(قَوْلُهُ لَا الزَّوْجَ وَالنِّكَاحَ) أَيْ: وَلَوْ نَوَتْ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ بِرّ. (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ نَوَتْ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ) أَيْ النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْ: إذَا لَمْ يُذْكَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ ذَلِكَ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا خِلَافُ الْمُرَجَّحِ فِي التَّهْذِيبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَعَلَّلَهُ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مَا يُشْعِرُ بِالْمُفَارَقَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك) يَنْبَغِي بِخِلَافِ

ــ

[حاشية الشربيني]

أَيْ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَنْوِيَا) أَيْ: هُوَ التَّفْوِيضَ، وَهِيَ الطَّلَاقَ.

ص: 253

رَحِمِي مِنْك، فَلَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَاهُ بِهِ.

وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مِثْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَعَدَّ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْكِنَايَةِ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ سَاقِطٌ أَوْ وَاقِعٌ عَلَيَّ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ تَطْلُقُ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ: فَرْضٌ عَلَيَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كِنَايَةٌ ثُمَّ قَالَا: وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ الْخِلَافَ فَقَالَ: لَوْ قَالَ: طَلَاقُك لَازِمٌ لِي فَوَجْهَانِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: هُوَ صَرِيحٌ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا مِنْ رُجْحَانِ الصَّرَاحَةِ قَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ النَّذْرِ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَإِنْ نَوَى كَانَ طَلَاقًا، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَقَالَ: لَا نَصَّ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهُ طَلَاقًا، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، فَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: أَنَّ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ.

وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ: (أَنْت حَرَامٌ مَعْ عَلَيَّ) وَنَحْوُهُ كَانَتْ عَلَيَّ مُحَرَّمَةً أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ، أَوْ حَرَّمْتُك (أَلْزِمْ) أَنْتِ بِهِ (كَفَّارَةً) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ، سَوَاءٌ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ فَرْجِهَا أَوْ التَّمَتُّعِ بِهَا أَمْ أَطْلَقَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ التَّمَتُّعِ لِقِصَّةِ مَارِيَةَ، لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى أَنْ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ.

وَقِيسَ بِالْأَمَةِ الزَّوْجَةُ، نَعَمْ إنْ خَاطَبَ بِهِ رَجْعِيَّةً أَوْ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعِ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا، أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَائِمَةً لَزِمَتْ؛ لِأَنَّهَا عَوَارِضُ سَرِيعَةُ الزَّوَالِ، فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ خَاطَبَ بِهِ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ أَوْ الْمُرْتَدَّةَ أَوْ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ زَوْجَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ شُبْهَةٍ، فَفِي لُزُومهَا وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاسْتِبَاحَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ الْقَاضِي بِالْمَنْعِ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، (لَا إنْ نَوَى) بِهِ (الطَّلَاقَا أَوْ الظِّهَارَ) لِزَوْجَتِهِ، (أَوْ نَوَى) بِهِ (الْإِعْتَاقَا لِأَمَةٍ) لَهُ (فَذَا) أَيْ: فَالْمَنْوِيُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ هُوَ اللَّازِمُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَجَازَ أَنْ يُكَنِّيَ عَنْهَا بِالْحَرَامِ، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ جَمِيعًا تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ نَوَاهُمَا مَعًا أَمْ مُتَرَتِّبَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَرْنِ النِّيَّةِ لِبَعْضِ اللَّفْظِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ

ــ

[حاشية العبادي]

أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاك.

(قَوْلُهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ) فَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ مَا أَدْخُلُ الدَّارَ، فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِدُخُولِ الدَّارِ م ر.

(قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَتَطْلُقُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يُقَالُ: الطَّلَاقُ يُحَرِّمُهَا وَالْمُطَلَّقَةُ، وَلَوْ رَجْعِيًّا لَا تُوجِبُ مُخَاطَبَتُهَا بِذَلِكَ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ سَبَقَ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَارَنَ كَمَا هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَهُ أَبَدًا، (قَوْلُهُ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ) أَيْ: أَوْ الْوَثَنِيَّةِ أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. يَنْبَغِي أَوْ الْمُحَرَّمَةِ. (قَوْلُهُ فَفِي لُزُومِهَا وَجْهَانِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَوْجَهُهُمَا لَا م ر. (قَوْلُهُ هُوَ اللَّازِمُ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَوَى مَعَ الطَّلَاقِ تَحْرِيمَهُ نَحْوَ وَطْئِهَا، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقِيلَ: إنْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ الظِّهَارَ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالْفَرْضُ مُشْتَهِرٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ عِبَادَةً اهـ. حَاشِيَةٌ مَنْهَجٌ.

(قَوْلُهُ لِاشْتِهَارِهِ إلَخْ) يَحْتَاجُ لِدِقَّةِ نَظَرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ق ل أَنَّ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ وُرُودُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ مَعَ الشُّهْرَةِ فَلَعَلَّ مَحَلَّ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُبْعِدُ مَعْنَاهُ كَلَفْظِ عَلَيَّ هُنَا، فَيُعْتَبَرُ مَعَهُ الشُّهْرَةُ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ) وَإِنْ نَوَى اهـ. ق ل عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَنْوِ.

(قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ: فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَطْءِ اهـ. بج (قَوْلُهُ أَوْ فَرْجِهَا إلَخْ) أَيْ: وَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ وَإِلَّا كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَا كَفَّارَةَ اهـ. ق ل أَيْ: فَهُوَ كَإِرَادَةِ تَحْرِيمِ وَطْئِهَا. (قَوْلُهُ وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا لَا فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، أَمَّا هِيَ فَالْأَصَحُّ فِيهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ اهـ. م ر، لَكِنْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالشَّارِحُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَنَّ أَوْجَهَ الْوَجْهَيْنِ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ. فَانْظُرْ هَلْ هُوَ ضَعِيفٌ أَوْ يُفَرَّقُ؟ ، (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيَّةِ) بِأَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا وَفِيهِ أَنَّ الْحُرْمَةَ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ الْفُرْقَةُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا، كَذَا بِهَامِشٍ فَتَأَمَّلْهُ.

(قَوْلُهُ تَخَيَّرَ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِآخِرِ اللَّفْظِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الظِّهَارِ وَتَأَخُّرِهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِآخِرِهِ وُقُوعُ الْمَنْوِيَّيْنِ مُرَتَّبَيْنِ كَمَا أَوْقَعَهُمَا، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ الْمَنْوِيُّ أَوَّلًا الظِّهَارَ صَحَّا مَعًا، أَوْ الطَّلَاقَ، وَهُوَ بَائِنٌ لَغَا الظِّهَارُ، أَوْ رَجْعِيٌّ وُقِفَ الظِّهَارُ، فَإِنْ رَاجَعَ صَارَ عَائِدًا وَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. م ر وَبَحَثَ سم عَلَى حَجَرٍ فِي الرَّدِّ بِأَنَّهُ بِالْآخِرِ يَتَبَيَّنُ الْوُقُوعُ مَعًا، إذْ لَا يُمْكِنُ قَبْلَ الْآخَرِ لِعَدَمِ تَمَامِ الصِّيغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا، وَإِنْ

ص: 254

يُزِيلُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ لَفْظُ الْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ اشْتَهَرَ فِيهِ، فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَ النِّيَّةِ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ، كَمَا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فِي الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَجُوزُ صَرْفُهُ بِالنِّيَّةِ إلَى الطَّلَاقِ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَضْعًا وَالصَّرِيحِ اشْتِهَارًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَقِيقَةً، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَرِيحٌ فِي الْكَفَّارَةِ أَمْ كِنَايَةٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ مَعْنًى اللَّفْظَةَ حَتَّى يُقَالَ: صَرِيحٌ فِيهِ أَمْ كِنَايَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا، فَتَوَسَّعُوا بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ انْتَهَى. وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَالصَّرِيحُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ، بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ كَمَا مَرَّ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَلِشِدَّةِ قَبُولِهَا التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ تَأْثِيرِ الظِّهَارِ فِيهَا دُونَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ قَالَ: فَرْجُك أَوْ رَأْسُك عَلَيَّ حَرَامٌ فَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظَةُ عَلَيَّ مَزِيدَةٌ

ــ

[حاشية العبادي]

أَوَّلًا صَحَّا مَعًا، أَوْ الطَّلَاقَ أَوَّلًا وَكَانَ بَائِنًا، فَلَا مَعْنَى لِلظِّهَارِ بَعْدَهُ، أَوْ رَجْعِيًّا كَانَ الظِّهَارُ مَوْقُوفًا فَإِنْ رَاجَعَهَا، فَهُوَ صَحِيحٌ وَالرَّجْعَةُ عَوْدٌ، وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَصْلُ ذِكْرًا. اهـ.

(قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ فَهُوَ صَحِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي النَّظْمِ وَأَصْلِهِ فَعَدَّا فِي الصَّرَائِحِ - حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ مَعَ الِاشْتِهَارِ مِثْلُهُ وَمَتَى كَانَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ، فَهُوَ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اشْتَهَرَ أَوْ لَا، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّه عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى طَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ تَكُونُ كَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، حَتَّى تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ) وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ، إلَّا إنْ نَوَى أَحَدَ الْمَذْكُورَاتِ، فَهُوَ اللَّازِمُ لَهُ ثُمَّ قَدْ يُشْعِرُ صَنِيعُهُ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ كِنَايَةً، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ التَّفْصِيلَ. (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ إلَخْ) قَدْ يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْفَرْقُ بِأَنَّ الصَّرِيحَ وَضْعًا يَقْبَلُ الصَّرْفَ أَيْضًا كَمَا فِي: أَنْتِ طَالِقٌ لِمَنْ يُحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ قَبُولُ الصَّرْفِ مَعَ الْقَبُولِ ظَاهِرًا بِدُونِ قَرِينَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَقِيقَةً فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إلَخْ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ: أَنَّ هَذِهِ الْعِلَاوَةَ عَاضِدَةٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَاسْتِحْسَانِ الشَّارِحِ لَهُ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُضْعِفَةٌ لِذَلِكَ وَقَادِحَةٌ فِيهِ أَيْ: لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْكَفَّارَةِ سَقَطَ اسْتِشْهَادُ الْإِمَامِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَجَازَ صَرْفُهُ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ قُلْت: غَرَضُ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالصَّرِيحُ اشْتِهَارٌ شَامِلٌ لِلصَّرَاحَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالصَّرَاحَةِ فِي الطَّلَاقِ، فَبَحَثَ فِي الْأُولَى بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ إلَخْ قُلْت: يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ إلَخْ وَبِالْجُمْلَةِ فَبَحْثُهُ الْمَذْكُورُ قَادِحٌ فِي قِيَاسِ الْإِمَامِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بِرّ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ فَلَا حَاجَةَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَذَا تَنْدَفِعُ مُنَاقَشَةُ شَيْخِنَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَاشِيَة.

(قَوْلُهُ دُونَ الْأَمْوَالِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَالْأَمْوَالِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُ الشَّخْصِ لِآخَرَ لَيْسَ زَوْجَةً، وَلَا أَمَةً لَهُ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ اهـ. (قَوْلُهُ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) وَقِيَاسُهُ: أَنْ يُلْحَقَ بِالرَّأْسِ كُلَّ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا حَيَاةَ بِدُونِهَا كَنَفْسِهَا أَوْ رُوحِهَا أَوْ قَلْبِهَا حَجَرٌ.

ــ

[حاشية الشربيني]

تَقَارَنَا فِي الْوُقُوعِ مَعَ الْآخَرِ، لَكِنَّ تَرْتِيبَهُمَا فِي النِّيَّةِ يَقْتَضِي تَغْلِيبَ حُكْمِ السَّابِقِ فِيهِمَا، فَفِي وُقُوعِهِمَا تَرَتُّبٌ حُكْمِيٌّ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِآخِرِ الصِّيغَةِ بِوُقُوعِ مَا أُرِيدَ بِهَا مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ، فَلَوْ أَرَادَ الظِّهَارَ أَوَّلًا ثُمَّ الطَّلَاقَ حُكِمَ بِالظِّهَارِ مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ وَبِالطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ، فَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي ابْتِدَاءِ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ تَمَامُهَا مَعًا فَلَيْسَ تَرَتُّبًا فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ إلَخْ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ دَفْعَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَرَى سَابِقًا فِي - حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ - عَلَى أَنَّهُ صَرِيحُ طَلَاقٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَخَالَفَ هُنَا فَجَعَلَهُ كِنَايَةً فِيهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ' حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ ' ' وَأَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ ' كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ آخِرًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ) فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ نِيَّةُ غَيْرِهِ، فَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَتَعَيَّنَ الطَّلَاقُ اهـ. مُحَلَّى (قَوْلُهُ لَيْسَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّارِحُ عَلَى التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ م ر، (قَوْلُهُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ) أَيْ: لَا عَلَى وُقُوعِ مَعْنًى بِهِ حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا فِيهِ أَوْ كِنَايَةً. (قَوْلُهُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الصَّرِيحِ) أَيْ: إنْ كَانَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، وَالْكِنَايَةِ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا.

ص: 255