الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية
كانت العرب في جاهليتها إذا أراد أحدهم سفرًا أو غزوًا ونحو ذلك أجال القداح وهي الأزلام، وكانت عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب افعل، وعلى الآخر لا تفعل، والثالث غفل ليس عليه شيء، ومن الناس من قال: مكتوب على الواحد أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله، أو النهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد (1) .
وقد ابتلي فئات من الناس بالأزلام، كما ابتلوا بالأنصاب، فالأنصاب للشرك في العبادة والأزلام للتكهن وطلب علم ما استأثر الله به، هذا للعلم وتلك للعمل ودين الله وشرعه مضاد لهذا وهذا.
وقد أدخلت طائفة الاثني عشرية الاستخارة بالأزلام في دينها وأضافت عليها بعض الإضافات وسموها الرقاع. وعقد الحر العاملي لهذا بابًا بعنوان "باب استحباب الاستخارة بالرقاع وكيفيتها"(2) . وذكر في هذا الباب جملة من أحاديثهم في ذلك بلغت خمس روايات، أما المجلسي فقد ذكر أنواعًا من الاستخارات تدخل في هذا المعنى في أبواب ثلاثة وهي باب الاستخارة بالرقاع (3) ، وباب الاستخارة بالبنادق (4) ، وباب الاستخارة بالسبحة والحصى (5) .
(1) تفسير ابن كثير: 2/12، تفسير الطبري: 9/510 (ط: المحققة)
(2)
وسائل الشيعة: 5/208-213
(3)
بحار الأنوار: 91/226-234
(4)
بحار الأنوار: 91/235-240
(5)
بحار الأنوار: 91/247-251
وفي هذه الاستخارات تذكر كتب الشيعة كيفية قد تختلف في البداية عن طرق أهل الجاهلية حيث الصلاة والدعاء، وهي صلاة على طريقة مبتدعة، ثم دعاء معين ولكنها تنتهي بما يشبه عمل الجاهلية حيث استكشاف ما هو خير عن طريق تحريك السبحة، أو كتاب افعل أو لا تفعل في رقاع معينة واختبار ذلك عدة مرات.
ومن أمثلة ذلك ما جاء عند الكليني (1) ، والطوسي (2)، والحر العاملي (3) . وغيهم (4) . عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت أمرًا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها: «بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة هكذا النسبة للأم، والله يقول: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} (5) . افعل، وفي ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صل ركعتين، فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة: أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثم استو جالسًا وقل: اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري، في يسر منك وعافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها وأخرج واحدة، فإن خرج ثلاث متواليات افعل. فافعل الأمر الذي تريده، وإن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله، وإن خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل فأخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها» .
أما الاستخارة بالبنادق فيفسرها ما جاء في روايتهم التي تقول: ".. انوِ الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين، في واحدة لا، وفي واحدة نعم، واجعلهما في بندقتين من طين، ثم صلِّ ركعتين واجعلهما تحت ذيلك وقل: يا الله، إني أشاورك
(1) الفروع من الكافي: 1/131
(2)
التهذيب: 1/306
(3)
وسائل الشيعة: 5/208
(4)
انظر: المقنعة ص36، المصباح ص372
(5)
الأحزاب، آية: 5
في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر علي مما فيه صلاح وحسن عاقبة، ثم أدخل يدك فإن كان فيها نعم فافعل، وإن كان فيها لا، لا تفعل" (1) .
وجاء في أخبارهم أن "استخارة مولانا أمير المؤمنين وهي أن تضمر ما شئت وتكتب هذه الاستخارة وتجعلهما في مثل البندق ويكون بالميزان (2) . وتضعهما في إناء فيه ماء ويكون على ظهر إحداهما افعل والأخرى لا تفعل، فأيهما طلع على وجه الماء فافعل به، ولا تخالفه (3) .
ولا شك بأن أمير المؤمنين عليًا بريء من لوثات الجاهلية وأوهامها، وهذا مما دسته الشيعة عليه، ولذلك لم ينقله عنه سواها..
أما الاستخارة بالسبحة والحصى فقد قال شيخهم المجلسي: "سمعت والدي يروي عن شيخه البهائي.. أنه كان يقول: سمعنا مذاكرة عن مشايخنا عن القائم صلوات الله عليه في الاستخارة بالسبحة أنه يأخذها، ويصلي على النبي وآله صلوات الله عليهم ثلاث مرات، ويقبض على السبحة، ويعد اثنتين اثنتين، فإن بقت واحدة فهو افعل، وإن بقيت اثنتان فهو لا تفعل"(4) .
هذا الأنواع من الاستخارة ذات أصل جاهلي حاولوا إلباسه ثوب الإسلام.
وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه (5)، لما روى الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة
(1) الفروع من الكافي: 1/132، التهذيب: 1/306، وسائل الشيعة: 5/209
(2)
أي متساويتين بأن تزنهما بالميزان، قاله شيخهم المجلسي: البحار: أبو 91/239
(3)
بحار الأنوار: 91/238، باب الاستخارة بالبنادق
(4)
بحار الأنوار: 91/250
(5)
ابن كثير/ التفسير: 2/13
ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب
…
" (1) .
وهذه الاستخارة جاءت أيضًا في كتب الشيعة بنفس النص السابق (2) . الوارد في أمهات كتب المسلمين (مصادر أهل السنة) ، ولكن عقيدة التقية التي كانت من أهم العوامل التي نأت بالشيعة عن الانضواء تحت لواء الجماعة.. جعلت بعض شيوخ الشيعة يرجح العمل برقاع الجاهلية على غيرها لا لشيء إلا لأنها مما شذت به طائفته عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وما عليه أهل السنة، ذلك أن ما يتفق من رواياتهم مع إجماع المسلمين يصبح العمل به عند الشيعة موضع تردد لاحتمالات التقية المزعومة.
قال الحر العاملي: "قد رجح ابن طاووس العمل باستخارة الرقاع بوجوه كثيرة منها.. أنها لا تحتمل التقية لأنه لم ينقله أحد من العامة"(3) . ويعني بالعامة أهل السنة، وهذا اعتراف منهم أن استخارة الرقاع مما شذت به طائفتهم.
ويبدو أن بعض شيوخهم رابهم أمر هذه الرقاع وشعروا بشذوذه فقال بعضهم (4) .: "وأما الرقاع وما يتضمن افعل ولا تفعل ففي حيز الشذوذ"(5) . كما طعن بعضهم في إسنادها (6) .
ولكن هذا الصوت الذي ينكر هذا الاتجاه في الاستخارة لم يرق لبعض
(1) الحديث
…
أخرجه البخاري: 2/51 في التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، و8/168، باب قول الله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} ، وأبو داود 2/187، 188 (1538)، والترمذي: 2/ 349 (480) ، والنسائي 6/80-81، وابن ماجه: 1/440 (1383)، وأحمد: 3/344
(2)
انظر: بحار الأنوار: 91/265، مكارم الأخلاق ص372
(3)
وسائل الشيعة: 5/211
(4)
وهو شيخهم جعفر بن الحسن الحلي (ت676هـ) الملقب عندهم بالمحقق
(5)
انظر: بحار الأنوار: 91/287
(6)
قال شيخهم ابن إدريس: "إنه من شواذ الأخبار، لأن رواتها فطحية ملعونون مثل: زرعة وسماعة"(بحار الأنوار: 91/287)
متأخري الشيعة، فقد ردوه وقالوا:"إنه لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب، وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم، والمصنفون في مصنفاتهم"(1) ، ثم قالوا بأنه قد ألف أحد شيوخهم (2) . كتابًا ضخمًا في الاستخارات واعتمد فيه على رواية الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب (3) ، وقالوا بأنه لم ينكرها إلا قلة (4) . منهم لا عبرة بإنكاره.
هذه حكاية الاستخارة بالرقاع، والبنادق، والسبحة، والحصى، وما دار حولها من جدل.. وهي عين استخارة المشركين "افعل أو لا تفعل" سوى أنهم أضافوا إليها صلاةً ودعاءً، وخصصت بعض رواياتهم موضع هذه الاستخارة بأن تكون عند قبر الحسين (5) . ليتسع باب الشرك أكثر. وهذه بدعة انفرد بها هؤلاء القوم، جعلتهم يتعلقون، ويأتمرون بما تهديهم إليه هذه الأزلام.
مع أن الله سبحانه يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} - إلى قوله سبحانه -: {وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ
…
} (6) . أي حرم عليكم أيها
(1) بحار الأنوار: 91/288
(2)
وهو رضي الدين الحسن علي بن طاووس الحسني
(3)
بحار الأنوار:91/288
(4)
اختلفت أقوالهم في أول من أنكرها؛ فذكر شيخهم الملقب بالشهيد بأنه لم ينكرها من شيوخهم سوى ابن إدريس ومن أخذ مأخذه كالشيخ نجم الدين (بحار الأنوار: 91/288) . بينما قال المجلسي بأن أصل الإنكار كان من شيخهم المفيد، وذلك حينما ذكر رواية الاستخارة بالرقاع قال:"وهذه الرواية شاذة.. أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل". ثم أنكر بعض متأخريهم وجود هذا الكلام في نسخة المفيد وقالوا بأنه مما ألحق في كلامه وليس منه. (بحار الأنوار: 91/287-288) وهذا يدل على أنهم يغيرون في كتب شيوخهم ويبدلون.
(5)
انظر: وسائل الشيعة: 5/220، بحار الأنوار: 101/285
(6)
المائدة، آية:3
المؤمنون الاستقسام بالأزلام، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام (1) . قال ابن عباس:"هي قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور"(2) . أي يطلبون بها علم ما قسم لهم (3) . وقوله سبحانه: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} أي تعاطيه فسق وغيٌّ وضلالة وجهالة وشرك" (4) .
وهؤلاء الروافض في استخارتهم تلك ساروا في خطا المشركين، ورجحوا العمل بهذه "الأزلام"(5) . على الاستخارة الشرعية، لأن انفرادهم بها عن المسلمين دليل الصحة عندهم، كما هي قاعدتهم، كما ألزموا أتباعهم العمل بنتيجتها، وتوعدوا على مخالفتها (6) . فكأنهم اعتقدوا أنها تأتيهم بالخبر عن الله، وهذا كالاستقسام بالأزلام عند المشركين. قال ابن القيم:"الاستقسام هو إلزام أنفسهم بما تأمر به القداح كقسم اليمين.."(7) .
فكيف يزعم الرافضي أن ما خرج من هذه الرقاع التي يستقسم بها هي عين ما أراد الله فيلزم نفسها بها.. أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهدًا؟ ! فهذه الرقاع تدفعه للمضي في أمره أو تمنعه بلا بينة ولا برهان كحال أهل الشرك، ولعله "لا فرق بين ذلك وبين قول المنجم: لا تخرج من أجل نجم كذا". والله سبحانه يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} (8) . (9) . فهؤلاء يقولون: اعمل أو لا تعمل، بأمر الحصى والجمادات.
(1) تفسير ابن كثير: 2/12
(2)
تفسير الطبري: 6/78
(3)
ابن القيم/ إغاثة اللهفان: 1/227
(4)
تفسير ابن كثير: 2/13
(5)
انظر: الحر العاملي/ الإيقاظ من الهجعة: ص3، 70-71
(6)
قالوا - مثلاً -: "وإن وجد في كلها (أي الرقاع) لا تفعل فليحذر عن الإقدام على ذلك الأمر". (بحار الأنوار: 91/228)
(7)
إغاثة اللهفان: 1/227
(8)
لقمان، آية:34
(9)
إغاثة اللهفان: 1/227