الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخ من مشايخهم بمعرفة أي القولين تقية إلا بالقول بأن ما خالف العامة (يعني أهل السنة) فيه الرشاد. وليتهم قالوا: ما وافق القرآن هو الحق وما سواه تقية.
وبعد، أليس يكفي في بيان فساد مذهبهم أنه عنصر غريب على الأمة، وأنه خلاف ما عليه أهل البيت، وخلاف ما اتفقت فيه روايات لهم مع ما جاء عند أهل السنة، وأن رواياتهم كلها متعارضة متناقضة؟!
2- مسألة الرؤية:
الرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) . وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسن (2) .
وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبين إلى السنة والجماعة (3) .
وخالف في ذلك الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية (4) . وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة وإجماع السلف (5) .
(1) القيامة، آية: 22، 23، والنص عن الطحاوية (انظر: شرح الطحاوية ص146)
(2)
علي بن أبي العز/ شرح الطحاوية ص151
(3)
علي بن أبي العز/ شرح الطحاوية ص146
(4)
علي بن أبي العز/ شرح الطحاوية ص146
(5)
انظر: الرد على الزنادقة والجهمية للإمم أحمد ص85، رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص 413، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي: 3/454، وانظر التصديق بالظر إلى الله في الآخرة للآجري، ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة، والتبصرة للشيرازي ص229، شرح الطحاوية ص146، مختصر الصواعق المرسلة ص179
وأذكر فيما يلي قول الشيعة من مصادرها:
لقد ذهبت الشيعة الإمامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية، وجاءت روايات عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص من رؤية المؤمين لربهم في الآخرة، فتفتري - مثلاً - على أبي عبد الله جعفر الصادق بأنه سئل "عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.. إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية" (1) .
ويظهر أن الحجة التي احتج بها هؤلاء الذين وضعوا هذه الرواية على جعفر تتضمن نفي الوجود الحق، لأن ما لا كيفية له مطلقًا لا وجود له. ولهذا قال بعض السلف حينما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول (2) . ولم يقل: لا كيفية له.
فالمنفي هنا علم البشر بالكيفية لا ذات الكيفية، كما أن هذا يناقض ما رواه صاحب الكافي عن أبي عبد الله أنه قال:".. ولكن لابد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره"(3) .
وقال شيخهم وآيتهم جعفر النّجفي صاحب كشف الغطا: "ولو نسب
(1) بحار الأنوار: 4/31، وعزاه إلى أمالي الصدوق
(2)
جاء هذا الأثر - بهذا المعنى - عن أم سلمة، فأخرجه اللالكائي بسنده عن أم سلمة موقوفًا (شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 3/297) ، وذكره ابن حجر (فتح الباري: 13/406) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «روي هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها: موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه» (الفتاوى: 5/365) ، كما ثبت مثل هذا الجواب عن ربيعة شيخ مالك، وروي من غير وجه عن مالك (المصدر السابق) فأخرجه اللالكائي عنهما (شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 3/398) . والبيهقي (الأسماء والصفات ص408-409)، وذكره البغوي (شرح السنة: 1/171) والسيوطي (الدر المنثور: 3/91)
(3)
أصول الكافي: 1/85
إلى الله بعض الصّفات.. كالرّؤية حكم بارتداده" (1) . وجعل الحرّ العاملي نفي الرؤية من أصول الأئمة، وعقد لذلك بابًا بعنوان "باب أنّ الله سبحانه لا تراه عين ولا يدركه بصر في الدّنيا ولا في الآخرة" (2) .
فنفيهم لرؤية المؤمنين لربهم في الآخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية، وهو أيضًا خروج عن مذهب أهل البيت، وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك، فقد روى ابن بابويه القمّي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم (3) .
3-
ومثل مسألة "الرؤية" مسألة أخرى هي "نزول الرب جل شأنه":
والذي استفاضت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق سلف الأمة وأئمتها وأهل العلم بالسنة والحديث على تسديق ذلك وتلقيه بالقبول (4) . وإثباته على ما يليق بجلاله سبحانه ويختص بعظمته.
وقد جاءت عند الاثني عشرية روايات نسبوها لأهل البيت تنكر ذلك (5) . في حين يوجد روايات أخرى تثبت النزول الإلهي وهي التي تتفق مع نقل أهل السنة عنهم. جاء في كتب الشيعة "قال سائل لأبي عبد الله: تقول إنّه ينزل إلى السّماء الدّنيا؟ قال أبو عبد الله: نقول بذلك، لأنّ الرّوايات قد صحّت به
(1) كشف الغطا: ص 417
(2)
الفصول المهمّة في أصول الأئمّة: ص 12
(3)
ابن بابويه/ التّوحيد ص117، بحار الأنوار: 4/44، وانظر: رجال الكشّي ص450 (رقم848)
(4)
ابن تيمية/ شرح حديث النزول: ص6، وانظر: الرد على الجهمية للإمام أبي سعيد الدارمي: ص284، ورد الإمام عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص377، السنة/ لابن أبي عاصم: 1/216، شرح أصول اعتقاد أهل السنة/ اللالكائي: 3/434
(5)
انظر رواياته في أصول الكافي: 1/125-127، وانظر: بحار الأنوار: 3/311، 314
والأخبار" (1) . ومثل هذا المعنى جاء في تفسير القمي أصل أصول التفاسير عندهم كما أثبت ذلك صاحب البحار (2) ، وإن كان ناشر الكتاب والمعلق عليه أضاف إليه ما يغير معناه (3) . ولم يتفطن أن بقية النص تكشف ما زاده فيه (4) .
واختلاف رواياتهم بهذه الصورة يدل على أن جانبًا منها باطل بلا ريب، ولا شك بأن الروايات التي تتفق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف هي الصواب، وإن أعرض عنه شيوخ الشيعة مجاراة لأهل الاعتزال.
ثم إن اختلاف شيوخ الإمامية المتقدمين عن متأخريهم في هذا الباب يلزم منه أن أحدهما على ضلال، وعليه "لزم ضرورة أن شيوخ الإمامية ضلوا في التوحيد إما متقدموهم وإما متأخروهم"(5) . وقد جاءت روايات تدل على أن الأئمة - باعتراف كتب الشيعة - قد أخذوا بالمنهج الوسط بين غلو متقدمي الشيعة في الإثبات، وبين غلو متأخريهم في التعطيل.
وعقد صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى" وذكر فيه اثنتي عشرة رواية عن الأئمة (6) . افتتح الباب برواية "عبد الرحيم بن عتيك القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى
(1) بحار الأنوار: 3/331. وقد عزاه المجلسي إلى كتاب التّوحيد لابن بابويه، وقد رجعت إلى كتاب التّوحيد فوجدت الرّواية إلا أنّ النّصّ الذي يدلّ على النّزول قد حذف، لكن محقّق الكتاب أشار في الحاشية إلى وجود هذا النّصّ في بعض النّسخ الخطّيّة للكتاب، ولكنّه لم يثبته في الصّلب لعدم موافقته لمشربه (انظر: التّوحيد لابن بابويه ص248)
(2)
بحار الأنوار: 3/315
(3)
قال: "ينزل أمره" انظر: تفسير القمي: 2/204
(4)
حيث جاء النص: "إن الرب تبارك وتعالى ينزل كله ليلة
…
فإذا طلع الفجر عاد الرب إلى عرشه". (انظر: بحار الأنوار: 3/315، تفسير القمي: 2/204) ولا يخفى ما فيه من الغلو في الإثبات في قوله: "ثم عاد الرب إلى عرشه".
(5)
منهاج السنة: 1/275
(6)
انظر: أصول الكافي: 1/100-104
أبي عبد الله عليه السلام: "إن قومًا بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط فكتب إليّ: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وتعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه المفترون على الله، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جل وعز، فانف عن الله تعالى البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه (1) . لا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان"(2) . وعن المفضل قال: سألت أبا الحسن عن شيء من الصفة فقال: "لا تجاوز ما في القرآن"(3) .
لاحظ أن هذا النص الذي ورد في أصح كتبهم الأربعة يأمرهم باتباع ما نزل به القرآن من صفات الله سبحانه. فمن قلد أهل الاعتزال، أو حكم العقل وأعرض عن كتاب الله، لم يتبع كتاب الله، ولم يأخذ بوصية إمامه.
قال الرضا: "للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه؛ فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيء والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه"(4) .
فأوائل الشيعة أخذوا بالتشبيه وأواخرهم أخذوا بالنفي، وأعرضوا عن المذهب الوسط، وهو مذهب الأئمة كما تقر به "نقولهم" فدل على أنهم ليسوا على
(1) مذهب السلف بين مذهبين، وهدي بين ضلالتين: هو إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على أهل التشبيه، والتمثيل. وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد على أهل النفي والتعطيل (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 5/196) لكن لفظ التشبيه صار في كلام الناس لفظًا مجملاً يراد به المعنى الصحيح وهو ما نفاه القرآن ودل عليه العقل من أن صفات الرب لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته، ويراد به معنى باطل وهو أن لا يثبت لله شيء من الصفات (انظر: شرح الطحاوية ص40)
(2)
أصول الكافي: 1/100
(3)
السابق: 1/102
(4)
بحار الأنوار: 3/263
شيء في هذا الباب فلم يأخذوا بمنهج القرآن والسنة ولم يأخذوا بطريقة الأئمة الذين يزعمون أنهم قدوتهم، بل ساروا مع أهل التمثيل أولاً، وخالفوا قول الله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثم أخذوا بمسلك أهل التعطيل وأعرضوا عن نصوص الصفات الواردة عن الله ورسوله.
المبحث الثالث
وصفهم الأئمة بأسماء الله وصفاته
وهو ما انفردت به الشيعة، وشذت به عن الأمة
…
فإذا كان شيوخ الشيعة المتقدمون قد شبهوا الخالق سبحانه بصفات المخلوقين، ثم واجه هذه الموجة الغالية في التجسيم موقف آخر قد يمثل ردة فعل له، وهو موقف التعطيل..
فشبهوا الله سبحانه بالمعدومات والجمادات والممتنعات، وعطلوا نصوص الأسماء والصفات.
فهم لم يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا في مذهبهم الأول ولا في مذهبهم الأخير.. إذا كان الأمر كذلك فإنهم لم يكتفوا بذلك، بل تطور الأمر إلى أن الأسماء والصفات الواجبة لله سبحانه وصفوا بها بعض البشر (الأئمة) فخرجوا بمذهب ثالث وهو تشبيه المخلوق بالخالق، فشابهوا النصارى في ذلك كما شابهوا اليهود في المذهب الأول (التجسيم) .
لقد خرجوا ببدعة ثالثة أحدثوها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث زعموا أن الأئمة هم أسماء الله، فأسماء الله سبحانه التي ذكرها في كتابه هي - على حد زعمهم - عبارة عن الأئمة الاثني عشر، وهذا يتضمن تعطيل الله من أسمائه الحسنى، وإعطاءها بعض البشر، ويزعمون أن النص من "المعصوم" قد ورد بذلك، وهذا إفك عظيم افتروه؛ فويل لهم مما يفترون.
روى الكليني في أصل الكافي عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1) . قال: "نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا"(2) .
(1) الأعراف، آية: 180
(2)
أصول الكافي: 1/143-144
وهذا المعنى تناقله أساطين المذهب في روايات عديدة منسوبة لجعفر الصادق وغيره (1) .
الله سبحانه يقول: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} وهؤلاء يقولون: نحن الأسماء الحسنى، فأي محاداة لله وكتابه أعظم من هذا! إن من معين هذه النصوص المظلمة تستقي طوائف الباطنية الملحدة والتي تذهب لتأليه الأئمة.. ومن مائها الآسن ترتوي.
وتفصل روايات أخرى لهم ما أجملته الرواية السابقة فيروون عن أبي جعفر أنه قال: "نحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا"(2) .
وعن أبي عبد الله: "إن الله خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عُبد الله"(3) .
وزعموا أن أمير المؤمنين عليًا قال: "أنا عين الله وأنا يد الله وأنا حبيب الله وأنا باب الله"(4) . وقال - كما يفترون -: "أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله النّاطق، وعين الله النّاظرة، وأنا جنب الله وأنا يد الله"(5) .
(1) انظر: تفسير العياشي: 2/42، المفيد/ الاختصاص: ص252، المجلسي/ بحار الأنوار: 94/22، النوري الطبرسي/ مستدرك الوسائل: 1/371، البرهان: 2/52، تفسير الصافي 2/254-255
(2)
أصول الكافي: 1/143، البرهان: 3/240
(3)
أصول الكافي: 1/144، ابن بابويه/ التوحيد ص151-152، بحار الأنوار 24/197، البرهان: 3/240-241
(4)
أصول الكافي: 1/145، بحار الأنوار: 24/194
(5)
ابن بابويه/ التّوحيد ص164، بحار الأنوار: 24/198
وفي التوحيد لابن بابويه أنّ أبا عبد الله قال: "إنّ لله عز وجل خلقًا من رحمته، خلقهم من نوره.. فهم عين الله النّاظرة وأذنه السّامعة، ولسانه النّاطق في خلقه بإذنه.. بهم يمحو السّيّئات، وبهم يدفع الضّيم، وبهم يُنزّل الرّحمة، وبهم يحيي ميتًا، وبهم يميت حيًّا، وبهم يبتلي خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيّته"(1) .
وقد ذكر المجلسي ستًا وثلاثين رواية تقول إن الأئمة هم وجه الله ويد الله (2) . وفي رجال الكشّي وغيره قال علي - كما يفترون -: "أنا وجه الله، أنا جنب الله، وأنا الأوّل، وأنا الآخر، وأنا الظّاهر، وأنا الباطن.."(3) .
وجاءت عندهم روايات عديدة في كثير من مصادرهم المعتمدة تفسر قوله سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (4) . وقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} (5) . بما رووه عن جعفر أنّه قال: "نحن وجه الله"(6)"نحن الوجه الذي يؤتى الله منه"(7) ، "نحن وجه الله الذي لا يهلك"(8) ، وروايات أخرى بهذا المعنى (9) .
وجاء في تفسير العياشي، رواية طويلة تقشعر منها أبدان المؤمنين تصف
(1) التّوحيد: ص167
(2)
بحار الأنوار: 24/191-203
(3)
رجال الكشّي ص221 رقم (374)، وانظر: بحار الأنوار: 94/180، بصائر الدّرجات ص151
(4)
الرحمن، آية: 27
(5)
القصص، آية: 88
(6)
مضى تخريج هذا النّص من كتبهم ص 172-173
(7)
مضى تخريجه من كتبهم ص 172-173
(8)
ابن بابويه/ التّوحيد ص150، بحار الأنوار: 24/201، تفسير الصّافي: 4/108، البرهان: 3/241
(9)
انظر: ابن بابويه/ التوحيد، باب تفسير {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} ص 149-153، وبحار الأنوار: 24/191 وما بعدها، وفي تفسير البرهان ثلاث عشرة رواية بهذا المعنى نقلها من مختلف كتبهم المعتمدة عندهم (انظر: البرهان 30/240-242)
ما يجري في يوم القيامة، وتقول نهاية الرواية - على لسان الأئمة -:"ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربّنا.."(1) .
هذا ونصوصهم التي تفسر أسماء الله عز وجل وصفاته بالإمام والأئمة كثيرة.
كما أنهم أضفوا على الأئمة أيضًا بعض صفات الرب سبحانه كالعلم بالغيب، وعقد لذلك صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء"(2) . وضمنه طائفة من رواياتهم. وعقد بابًا آخر بعنوان "باب أن الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا"(3) . وذكر فيه جملة من أحاديثهم، ومن روايات هذه الأبواب:
قال أبو عبد الله - كما يفترون -: "إنّي لأعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النّار، وأعلم ما كان وما يكون.."(4) . "وعن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله رضي الله عنه جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدًا، فقلنا: ليس علينا عين. فقال: وربّ الكعبة وربّ البنية - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يُعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم السّاعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وراثة"(5) .
وبعد، فهذه كلمات لا تحتاج إلى تعليق، وأقول هي "زبالة" المذاهب
(1) تفسير العيّاشي: 2/312، البحراني/ البرهان: 2/439، المجلسي/ بحار الأنوار: 3/302 (ط: كمباني)
(2)
انظر: أصول الكافي: 1/260-262
(3)
أصول الكافي: 1/258
(4)
أصول الكافي: 1/261
(5)
أصول الكافي: 1/260-261
الباطنية، التي كان لها وجود في تاريخ المسلمين، والتي تذهب إلى تأليه عليّ والأئمة. قد استوعبتها الاثنا عشرية في بنية مذهبها.
وهم يلصقون هذه المفتريات بأهل البيت ليتخذوا منهم "عكازة" يعتمدون عليها لنشر مذهبهم. وإلا فمن يقول: "أنا الأول والآخر والظاهر والباطن"(1) .؛ هل يختلف عن فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى"؟! وكيف يتجرأ أساطين المذهب كالكشي والطوسي على نقل هذا الإلحاد، وكيف يعدون الكليني ثقة إسلامهم وهو ينقل هو وأضرابه هذا الكفر البواح؟!
وهل ثمة عذر لمعتذر؟
وقد حاول شيخهم المجلسي اللجوء إلى المجاز لتفسير بعض نصوصهم الواردة في هذا الباب حيث قال: "إن تلك المجازات شائعة في كلام العرب، فيقال: لفلان وجه عند الناس، ولفلان يد على فلان وأمثال ذلك، والوجه يطلق على الجهة، فالأئمة الجهة التي أمر الله بالتوجه إليها، ولا يتوجه إليه تعالى إلا بالتوجه إليهم، وكل شيء هالك باطل مضمحل إلا دينهم وطريقتهم وطاعتهم، وهم عين الله أي شاهده على عباده، فكما أن الرجل ينظر بعينه ليطلع على الأمور فكذلك خلقهم الله ليكونوا شهداء من الله عليهم ناظرين في أمورهم.
وإطلاق اليد على النعمة والرحمة والقدرة شائع، فهم نعمة الله التامة، ورحمته المبسوطة، ومظاهر قدرته الكاملة. والجنب: الجانب والناحية وهم الجانب الذي أمر الخلق بالتوجه إليهم.. ويحتمل أن يكون كناية عن أن قرب الله تعالى لا يحصل إلا بالتقرب بهم، كما أن قرب الملك يكون بجنبه" اه (2) .
إن هذا الاعتذار دليل على رضا شيوخهم بهذا الكفر البين، وإلا فكيف يلتمس لهذا الإلحاد الظاهر مخرجًا؟! لم لا يضرب به الجدار، وينقي "ثوب التشيع"
(1) انظر: ص (558)
(2)
بحار الأنوار: 24/202
من أدران رؤوس الملاحدة، وزبانية الكفر؟ وهل يصح تأويل المجلسي إلا إذا صح تأويل قول فرعون "أنا ربكم الأعلى" إلا إذا كان هذا التأويل لمجرد التستر على الباطل، والدفاع بالهوى عن مقالات الملاحدة.
إن التعلق بالمجاز - على فرض القول (1) . به - لا مكان له هنا؛ لأن المجاز في اللغة يلاحظ فيه وجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، مع وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي (2) . والأصل في الكلام الحقيقة "ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر حمل الكلام على حقيقته"(3) .
ولذلك فإن فرقًا كثيرة في الاثني عشرية وغيرها عدت ذلك الكلام حقيقة، واعتقدت في الأئمة الألوهية بمقتضى هذا الكفر الذي ينقله لهم شيوخ الاثني عشرية، وكان حق هذه المقالة الرفض والتكذيب؛ لأنه لا معنى لدعوى المجاز، فهل توجد علاقة وقرينة لجعل معاني أسماء الله الحسنى وصفاته العليا للأئمة؟! فأين العلاقة في قولهم بأن أسماء الله "الأول والآخر والظاهر والباطن" هي أوصاف للأئمة؟!! وقوله سبحانه:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} أين القرينة الصارفة لهذه الآية عن معناها الأصلي وهو أسماء الله سبحانه؟! لا يوجد شيء من ذلك إلا إن كانت هي زعمهم أن في الأئمة جزءاً إلهيًا، فقد أخرج صاحب الكافي عن الأئمة أنهم قالوا:"إنّ الله خلطنا بنفسه"(4) .
فإذا كانت هذه هي القرينة فهي تؤكد مبدأ الغلو ولا تنفيه، وتعطي الأئمة جزءاً من صفات الله سبحانه. وأنت تلاحظ في كلمات المجلسي مظاهر الغلو في الأئمة وتكاد تكون مجرد صدى لتلك الروايات.
فهل يمكن أن يقارن قول العرب: لفلان وجه عند الناس بقول إمامهم -
(1) انظر في مسألة المجاز: ابن تيمية/ مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 7/87-119، مختصر الصواعق المرسلة ص242 وما بعدها
(2)
راجع: كتب البلاغة العربية: انظر - مثلاً -: المراغي/ علوم البلاغة ص296، حفني ناصف وزملاؤه/ البلاغة ص341 (ضمن قواعد اللغة)
(3)
أبو شامة/ ضوء الساري ص106
(4)
أصول الكافي: 1/146
كما يفترون -: "أنا وجه الله"؟! وهل يقبل أن تجعل قرينة ذلك أن عليًا والأئمة هم الجهة التي أمر الله بالتوجه إليها.. هل عندهم من برهان بهذا فيخرجوه لنا؟
لا يتوجه الناس بعبادتهم ودعائهم إلا إلى الله وحده، ولا يستقبل المسلمون في صلواتهم إلا إلى بيت الله، ولا واسطة بين الله وخلقه إلا في تبليغ وحيه سبحانه، ولا واسطة في التبليغ إلا رسل الهدى عليهم السلام، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال بعد هذا: إن الأئمة هم الجهة التي يتوجه الناس إليها؟!
أما دعوى "أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم الشيء" فهذه صفة للحق جل شأنه لا يشاركه فيها أحد سبحانه. قال تعالى: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} (1) . {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} (2) . {إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء} (3) .
والله سبحانه أمر أفضل الخلق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أن يقول: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (4) ، {قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (5) . فأمره سبحانه أن يفوض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم بغيب المستقبل، ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ
…
} (6) .
وقد ذكر علماء الإسلام أن من ادعى شيئًا من علم الغيب فقد كفر،
(1) النمل، آية: 65
(2)
الأنعام، آية: 59
(3)
آل عمران، آية: 5
(4)
الأعراف، آية: 188
(5)
الأنعام، آية: 50
(6)
الجن، آية: 26، 27، والنص عن تفسير ابن كثير: 2/293
فقد أضاف الله سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه، فلا يظهر على غيبه إلا من اصطفى من رسله (1) ، وهذا هو الغيب المطلق المحجوب عن جميع الخلق (2) .
وقد عثرت وسط هذا الركام من هذه الدعاوى الغبية الملحدة حول الأئمة على بعض النصوص التي روتها كتب الشيعة والتي تجرد الأئمة من هذه الصفات التي خلعوها عليهم، وهي لا تنبغي إلا للحق جل شأنه.
قال أبو عبد الله - كما يروي صاحب الكافي -: "يا عجبًا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني، فما علمت في أي بيوت الدار هي.."(3) .
ولو كان أبو عبد الله - كما يزعم الكليني في أبوابه التي عقدها بعد ذكره لهذا النص - لو كان يعلم ما يكون ولا يخفى عليه الشيء، وإذا شاء أن يعلم - علم لم يخف عليه موضع الجارية.
وكان الأئمة من قديم يشكون من مزاعم هؤلاء الذين جمع أقوالهم صاحب
(1) انظر هذا المعنى في تفسير القرطبي: 7/2، 3
(2)
ذكر أهل العلم أن الغيب ينقسم إلى قسمين: غيب "مطلق" أو حقيقي وهو ما يعلمه وحده سبحانه دون ما سواه، وهو المقصود عند الإطلاق، وفيه يقول الله عز وجل:{قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} . وغيب "إضافي" أو مقيد وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض؛ كالذي يعلمه الملائكة عن أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً. وأما ما يعلمه البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب أو عجزهم عن استعمالها فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله؛ لأنه غيب عمن غاب عنه من المخلوقين، ليس هو غيبًا عمن شهده. والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا، فيكون غيبًا مقيدًا ليس غيبًا مطلقًا غاب عن المخلوقين قاطبة.
(انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 16/110، تفسير المنار: 7/422)
(3)
أصول الكافي: 1/257
الكافي وأسندها للأئمة، ولهذا جاء في حديث لهم ذكره صاحب البحار وصاحب الاحتجاج عن بعض أئمتهم قال:"تعالى الله عز وجل عما يصفون سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاء في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} (1) أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول: إنا نعلم الغيب أو نشارك الله في ملكه، أو يحلنا محلاً سوى المحل الذي رضيه الله لنا".
وروايات الشيعة تكشف نفسها بنفسها وتتناقض نصوصها.
وقول الأئمة: إنهم مصدر الرزق وإنزال الغيث.. إلخ والذي يرويه شيوخ الاثني عشرية هو من مخلفات غلاة الشيعة والذين أنكر الأئمة مذهبهم.
فقد جاء في أخبارهم أن أبا عبد الله قال حينما قيل له: إن المفضل بن عمر يقول: إنكم تقدرون أرزاق العباد. فقال: "والله ما يقدر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إليّ الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم؛ فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه» (2) .
ولكن هذه الروايات هي كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وفي التقية متسع لكل نص تضيق به نفوس شيوخ الشيعة، وإذا أردت مثالاً على ذلك فاسمع ما يقوله شارح الكافي تعقيبًا على قول أبي عبد الله الذي نقلناه آنفًا (والذي يتعجب فيه أبو عبد الله من قوم نسبوا له العلم بالغيب، ويذكر للرد عليهم بأن جاريته قد اختفت في داره فلم يدر أين هي فكيف يقال عنه إنه يعلم ما كان وما يكون) . قال شارح الكافي.. ".. الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو ألا يتخذه الجهال
(1) قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه، وأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدًا
(2)
بحار الأنوار: 25/301، رجال الكشي ص323، وانظر رواية في هذا المعنى في بحار الأنوار: 25/32، ورجال الكشي ص324-325، وأخرى أيضًا في البحار: 25/316، ورجال الكشي ص518-519
إلهًا، أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب حفظًا لنفسه، وإلا فهو رضي الله عنه كان عالمًا بما كان وما يكون، فكيف يخفى عليه مكان الجارية؟ فإن قلت: إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب، قلت: إنما يوجب الكذب لو لم يقصد التورية وقد قصدها، فإن المعنى ما علمت علمًا غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار" (1) .
انظر التكلف العجيب في رد هذه الرواية لإثبات أن الإمام يعلم ما كان وما يكون حتى ارتكب في سبيل ذلك نسبة الإمام إلى الكذب، وهدم أصلاً من أصولهم وهو العصمة.
وإذا كان الإمام أراد بهذا القول ألا يتخذه الجهال إلهًا فهل أنت بإثباتك لضد قوله تريد أن تدعو إلى تأليه الإمام، وأين الدليل على وجود بعض الحاضرين الذين يخشى من وجودهم الإمام وسلسلة السند كلهم شيعة؟! وعلى أي وجه من وجوه اللغة يعتبر هذا من قبيل التورية؟!
أما شيخهم الآخر الشعراني المعلق على الشرح فلم يعجبه هذا التكليف في تأويل الرواية، ورام ردها بأقصر طريق وهو الحكم بأن الرواية كذب (2) .
وهكذا يشيع الزنادقة عن علماء أهل البيت مثل هذه الإشاعات الكاذبة، فإذا أنكروا على هؤلاء الزنادقة فريتهم، وفضحوا باطلهم أمام الملأ حمل شيوخ الشيعة هذا التكذيب والإنكار على التقية.. فصارت التقية حيلة بيد غلاة الشيعة لإبقاء التشيع في دائرة الغلو، ورد الحق، والإساءة لأهل البيت.
وقد ادعى زارة بن أعين أن جعفر بن محمد يعلم أهل الجنة وأهل النار، فأنكر ذلك جعفر لما بلغه ذلك، وكفّر من قاله، ولكن زرارة حينما نقل له موقف جعفر قال لمحدثه:"لقد عمل معك بالتقية"(3) .
(1) المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) : 6/30-31
(2)
تعاليق علمية (على الكافي وشرحه) : 6/31
(3)
انظر قصة ذلك في ميزان الاعتدال، ترجمة زرارة بن أعين: 2/69-70
المبحث الرابع
دعوى التحريف لتأييد مذهبهم في التعطيل
وهو مسلك لم يسلكه أحد غيرهم، وشذوذ اختصوا به عن سواهم؛ حيث راموا التخلص من آيات الإثبات للأسماء والصفات في كتاب الله سبحانه بدعوى خطيرة، سبق أعرضنا لها مفصلة، ولذلك سنشير إليها هنا باقتضاب ونقتصر على ما يتصل منها بباب الأسماء والصفات، هذه الدعوى هي تحريفهم للآية عما أنزل الله، فمثلاً روى ابن بابويه عن الرضا علي بن موسى في قول الله سبحانه:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} (1) . قال الرضا: "إنها هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت"(2) . قال الرضا: "إنها هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت"(3) .
وهدف الشيعة من هذا التحريف واضح، فهم يحاولون بذلك نفي الإتيان عن الله سبحانه كقول المعتزلة.
وفي الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين علي قال يخاطب أحد الزنادقة لإقناعه بالإسلام!!: "وأما قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} فإنما نزلت كل شيء هالك إلا دينه؛ لأن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه، هو أجل وأعظم من ذلك"(4) .
وواضح أن واضع هذه الأسطورة أعجمي جاهل لا يفقه من أمر العربية شيئًا، وزنديق حاقد في افترائه على كتاب الله، وتعطيله لصفات الله، ونسبة هذا الكفر لأمير المؤمنين علي. ومن كبير مكره وحقده زعمه أن هذه إجابة أمير
(1) البقرة، آية: 210
(2)
التوحيد لابن بابويه: ص 163، بحار الأنوار: 3/319، البرهان: 1/208
(3)
الاحتجاج: ص 253
(4)
الاحتجاج: ص 253
المؤمنين لإقناع أحد الزنادقة.
إن هذا المنهج في التعطيل يدل على أن هذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات لا ترعى في سبيل الدفاع عن مبادئها أية حرمة، ولا تقف عند حد.
وإذا كانت فرق العطلة من المعتزلة وغيرها لم تحاول أن تمس لفظ كتاب الله سبحانه، ورامت البحث عن تأويل للمعنى، فإن هذه الفئة قد تخطت الحدود وتجاوزت المبادئ فرامت إثبات مبدئها، يما يخرجها عن الإسلام أصلاً، فدل على أن هناك فئات من أهل التعطيل تريد الكيد للأمة بمحاربة أصل دينها وهو كتاب الله العظيم. ولقد انكشف بهذه الوسيلة أمرها وافتضح شأنها. والله من ورائهم محيط.