المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النيابة عن المنتظر: - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌النيابة عن المنتظر:

‌النيابة عن المنتظر:

أرسيت دعائم فكرة الغيبة لولد للحسن العسكري - كما سلف - وكان لابد من وجود وكيل مفوض يتولى شئون الأتباع في أثناء فترة الاحتجاب، ويكون الواسطة والباب للغائب في السرداب، أو في جبال رضوى، أو وديان مكة.

فكان أول زعيم تولى شئون الشيعة - كما كشفت ذلك أوراق الاثني عشرية - هي امرأة.. وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، إذ بعد وفاة الحسن العسكري، وإشاعة وجود الولد المختفي، وبقاء الشيعة بدون إمام ظاهر، بدأ الشيعة يتساءلون إلى من يرجعون؟

ففي سنة (262هـ) أي بعد وفاة الحسن العسكري بسنتين،، توجه بعض الشيعة (2) . إلى بيت الحسن العسكري وسأل - كما تقول الرواية - خديجة بنت محمد بن علي الرضا عن ولد الحسن العسكري المزعوم، فسمته له (3)، يقول راوي الخبر:"قلت لها: فأين الولد؟ قالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ قالت: إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام"(4) .

ويبدو أن رجال الشيعة أرادوا أن تبقى النيابة عن الغائب في بيت الحسن العسكري، فأشاعوا بين أتباعهم في بداية الأمر أن أم الحسن العسكري هي الوكيلة عن المنتظر، فهي الرئيسة العامة للمسلمين (بالنيابة) . ويظهر أن هذا "التعيين" كان القصد منه إيجاد الجو المناسب لنمو هذه الفكرة بين الأتباع لأن أم الحسن هي الوصية للحسن بعد وفاته كما تذكر أخبار الشيعة، فكان من الطبيعي أن تتولى

(1) البخاري، كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر: 5/136، وكتاب الفتن: 8/97، والترمذي، كتاب الفتن: 4/527-528 (2262)، والنسائي/ باب النهي عن استعمال النساء في الحكم: 8/227، وأحمد: 5/43، 51

(2)

وهو كما تقول الرواية: أحمد بن إبراهيم، وانظر: رجال الحلي: ص16

(3)

يلحظ أنهم يحرمون تسميته حتى قالوا: من سماه باسمه فهو كافر - كما سلف -

(4)

الغيبة للطوسي: ص138

ص: 892

عن ابنه، إلا أن محاربة بيت الحسن العسكري لفكرة الولد - كما سيأتي - قد وجه رجال الشيعة إلى اختيار رجل من خارج أهل البيت، ولهذا جاء في الغيبة للطوسي "ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلما مات عثمان بن سعيد، أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري.."(1) .

فهؤلاء النواب الأربعة، ويزاحمهم على مسألة النيابة آخرون، هم من خارج بيت الحسن، وتمثل نيابتهم صلة شخصية مباشرة بالمهدي المنتظر. ولذلك تسمى فترة نيابتهم في عرف الشيعة بالغيبة الصغرى.

وهؤلاء النواب الأربعة لهم ما للإمام من حق الطاعة، وثقة الرواية، جاء في الغيبة للطوسي أن الحسن العسكري قال:"هذا إمامكم من بعدي (وأشار إلى ابنه) وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر فاقبلوا من عثمان (الباب الأول) ما يقوله، وانتهوا إلى أمره فهو خليفة إمامكم والأمر إليه (2) ، فما قاله لكم فعنّي يقوله، ما أدى إليكم فعني يؤديه"(3) .

وهكذا أصبح للباب حق النيابة عن الإمام والأمر إليه، لقوله صفة القداسة والعصمة، لأنه ينطق عن الإمام، ويؤدي عنه، ولذلك فإن من خالف هؤلاء الأبواب حلت به اللعنة، واستحق النار. كما جاء في التواقيع التي خرجت من المتنظر في حق من خالف هؤلاء الأبواب (4) .

(1) الغيبة للطوسي: ص241-242

(2)

الغيبة للطوسي: ص217

(3)

الغيبة للطوسي: ص15

(4)

انظر: الغيبة للطوسي: ص244

ص: 893

إذن مسألة النيابة لهؤلاء الأربعة تخولهم التشريع، لأنهم ينطقون عن المعصوم، وللمعصوم حق تخصيص، أو تقييد، أو نسخ نصوص الشريعة - كما مر - ولذلك كان للتوقيعات الصادرة منهم نفس المنزلة التي لكلام الإمام أو أقوى كما سلف (1) .

وكذلك تخولهم إصدار صكوك الغفران أو الحرمان، وأخذ أموال الوقف والزكاة والخمس باسم الإمام. ولكن هذه النيابة انتهت إذ "لما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه. فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد السمري" (2) .

وقد يكون من أهداف موافقة القواعد الشيعية لإغلاق السمري للبابية وإشاعة ذلك بين الأتباع هو المحافظة على فكرة غيبة المهدي من افتضاح حقيقتها وانكشاف أمرها؛ حيث كثر الراغبون فيها من شيوخ الشيعة ولا سيما في عهد سلفه أبي القاسم بن روح، وعظم النزاع بينهم ووصل الأمر إلى التلاعن والتكفير والتبري، كما يلحظ ذلك في التوقيعات التي خرجت على يد الأبواب منسوبة للمنتظر (3) .

فأغلق السمري حكاية البابية.

وهنا حصل تطور آخر في مسألة النيابة، وفي المذهب الشيعي عمومًا، حيث جعلت النيابة حقًا مطلقًا للشيوخ، فقد أصدرت الدوائر الاثنا عشرية "توقيعًا" منسوبًا للمنتظر الموهوم. وخرج بعد إعلان انتهاء البابية على يد السمري. يقول التوقيع:"أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"(4) . فأعلن انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي وفوض أمر النيابة عن

(1) انظر: ص (338)

(2)

الغيبة للطوسي: ص241-242

(3)

انظر: الغيبة للطوسي: ص244، وما بعدها

(4)

الكافي - مع شرحه مرآة العقول -: 4/55، إكمال الدين: ص451، الغيبة للطوسي: ص177، الاحتجاج للطبرسي: ص163، وسائل الشيعة: 18/101، محمد مكي العاملي/ الدرة الطاهرة: ص47

ص: 894

المنتظر إلى رواة حديثهم وواضعي أخبارهم.

ولقد حقق هذا الإعلان مجموعة من الأهداف، فقد أصبحت دعوى البابية غير مقصورة على واحد، والذي قد تكشف حقيقة أمره بسهولة، وبمجرد مراقبة مجموعة له، ولذلك يلاحظ كثرة الشك والتكذيب في فترات الغيبة الأولى.

كما أن ذلك خفف التنافس على البابية التي كان لها آثارها، فبقيت مشاعة بين شيوخ الشيعة، وأطلق على انقطاع البابية الخاصة وتحولها إلى نيابة عامة «الغيبة الكبرى» فصار للإمام غيبتان صغرى وكبرى رغم أن لهم روايات لا تتحدث إلا عن غيبة واحدة (1) التكوير: آية: 16،17 (2) .

ولكن وضعت روايات تناسب هذا الوضع وتتحدث عن غيبتين، يقول بعضها:"قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان أحدهما قصيرة والأخرى طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم إلا خاصة مواليه في دينه"(3) .

فأنت ترى أن هذه الرواية أثبتت له غيبتين الأولى يتصل به خاصة شيعته،

(1) جاءت عندهم روايات صنعت - فيما يبدو - في الفترة الأولى من موت الحسن العسكري تحكي غيبة الابن المزعوم للحسن العسكري، يقول بعضها:"إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها"(أصول الكافي: 1/340) .

فكأن هذه الرواية تلقي فكرة الغيبة على الأتباع بدون تأكيد لتتحسس ردة الفعل وتحسب لها حسابها، وهي تذكر بأن له غيبة واحدة.

وتؤكد بعض رواياتهم بأنه بعد هذه الغيبة سيظهر. جاء في الكافي «عن أم هاني قالت: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن قول الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}

(2)

قالت: فقال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر، فما بعد غيبته إلا الظهور". (أصول الكافي: 1/341) .

فإعلان السمري البابية قد يراد منه إشعارهم بقرب الظهور.. ولكن مرت الأيام والسنون ولم يظهر

(3)

الغيبة للنعماني: ص113

ص: 895

وهذا قد يكون إشارة إلى السفراء الذين تناوبوا على دعوى البابية، والأخرى يتصل به خاصة مواليه، وقد أشارت رواية في الكافي إلى أن عددهم ثلاثون (1) ، فلم تنف رواياتهم الصلة المباشرة بالمنتظر في الحالتين، رغم أن السمري حينما حل وظيفة البابية أصدر توقيعًا على لسان المنتظر يقول فيه:"من ادعى المشاهدة للمنتظر فهو كاذب"(2) .

وإن شيوخهم يقولون بأنه وقعت في الغيبة الكبرى المحرومية العظمى من الإمام. يقول شيخهم النعماني بعد ذكره لأخبارهم في الغيبتين: "هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم غيبتين أحاديث قد صحت عندنا.. فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان يخرج على أيديهم الشفاء من العلم وعويص الحكمة والأجوبة (3) . عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرمت مدتها.

والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط" (4) .

ولكن شيوخ الشيعة يدعون في فترة الغيبة الثانية النيابة عن الإمام المنتظر ويستندون في ذلك على التوقيع الذي أظهره السمري عن منتظرهم، والذي يحيلهم إلى رواة حديثهم في كل الحوادث الواقعة الجديدة.

فيلحظ أنه لم يحلهم على الكتاب والسنة، وإنما أرجعهم إلى الشيوخ.

وقد تبوأ شيوخ الشيعة بذلك منصب البابية عن الغائب واستمدوا القداسة

(1) انظر: أصول الكافي: 1/340

(2)

مضى ذكره بنصه ص (340)

(3)

تقدم في فصل السنة ذكر نماذج من هذه الأجوبة الصادرة عن الإمام المزعوم، وقد تبين لنا ما فيها من جهل وسطحية، ولولا ضيق المجال وخشية الخروج عن المقصود لعرضناها بأكملها ودرسناها دراسة نقدية فاحصة، وأرجو أن ييسر الله سبحانه دراسة مستقلة لمسألة الغيبة يراعى فيها هذا الجانب

(4)

الغيبة للنعماني: ص115

ص: 896

بين الأتباع بفضل هذه النيابة عن الإمام الذي أضفوا عليه تلك الصفات الخارقة، والفضائل الكاملة.. ولذلك يطلقون على شيوخهم الذين وصلوا إلى منصب "النيابة عن الإمام" اسم "المراجع وآيات الله" فهم مظاهر للإمام المعصوم، ولذلك يقرر أحد شيوخهم المعاصرين بأن الراد على النائب كالراد على الله تعالى وهو على حد الشرك بالله وذلك بمقتضى عقيدة النيابة.

يقول شيخهم المظفر: "عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس الملطق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليهم السلام. فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعًا في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضايا، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلا بأمره وحكمه. ويرجع إليه في الأموال التي هي من حقوق الإمام ومختصاته.

وهذه المنزلة أو الرئاسة أعطاها الإمام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائبًا عنه في حال الغيبة ولذلك يسمى (نائب الإمام) " (1) .

فأنت ترى أن شيوخ الشيعة تخلوا عن آل البيت رأسًا، وتعلقوا بهذا المعدوم، ووضعوا أنفسهم مكان الإمام من أهل البيت باسم هذا المعدوم، وهذه غنيمة كبيرة، لذلك ما إن اتفقوا عليها بعد إخفاق فكرة البابية المباشرة، حتى اختفت الخلافات على منصب البابية، ورجعت فرق شيعية كثيرة، ودانت بهذه الفكرة، لأنها تجعل من كل واحد من تلك الرموز الشيعية "إمامًا""ومهديًا""وحاكمًا مطلقًا مطاعًا""وجابيًا للأموال" ولا يقاسمهم في ذلك أحد من أهل البيت، ولا يفضحهم ويكشف أوراقهم رجل من أهل البيت.

(1) عقائد الإمامية: ص57

ص: 897

ويبدو من التوقيع المنسوب للمنتظر أنه يجعل لشيوخ الشيعة حق النيابة في الفتوى حول المسائل الجديدة، إذ هو يقول: فأما المسائل الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا - كما سلف - ولا يخلوهم النيابة العامة، ولكن الشيوخ توسعوا في مفهوم النيابة حتى وصلت إلى قمة غلوها في هذا العصر على يد الخميني (1) .

كما نلحظ شيئًا من هذا في تقرير شيخهم المظفر لعقيدتهم في هذا الشأن، وكما تراه في دولتهم الحاضرة.

وقد كان لهؤلاء الشيوخ دعاوى عريضة حول الصلة بالمهدي بعد غيبته الكبرى - كما سلف - (2) .

(1) انظر: فصل "دولة الآيات" من الباب الرابع

(2)

ص340 وما بعدها

ص: 898