الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
قضاة المسلمين.
6-
أئمة المسلمين وعلمائهم.
7-
الفرق الإسلامية.
8-
الأمة.
وسأذكر عقيدتهم في هذه الفئات تفصيلاً فيما يلي:
1- الصحابة رضوان الله عليهم:
كتب الشيعة مليئة باللعن والتفكير لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه، من المهاجرين والأنصار، وأهل بدر، وبيعة الرضوان، وسائر الصحابة أجمعين، ولا تستثني منهم إلا النزر اليسير الذي لا يبلغ عدد أصابع اليد، وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من الأمور التي لا تحجب بالتقية.
وإ كانت من قبل قد تخفى على بعض أئمة الإسلام. فقد جاء في شرح مسلم للنووي بأن الإمامية يقولون بأن الصحابة مخطئون في تقديم غير علي لا كفار (1) .
ولكن من أهل العلم وأصحاب المقالات من اطلع على هذا الأمر عند الإمامية، قال القاضي عبد الجبار:"وأما الإمامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الاثني عشر النص الجلي، الذي يكفر من أنكره، ويجب تكفيره، فكفروا لذلك صحابة النبي عليه السلام"(2) .
وقريب من هذا المعنى قال عبد القاهر البغدادي (3) ، وابن تيمية (4) . وغيرهما (5) .
(1) شرح مسلم للنووي: 15/174
(2)
شرح الأصول الخمسة: ص761
(3)
الفرق بين الفرق: ص 321
(4)
منهاج السنة: 4/128
(5)
انظر: البزدوي/ أصول الدين: ص247-248
ولكن العدد الذي تستثنيه الرافضة من حكمها العام بالتكفير لم أجد من أشار إليه بما يتفق مع ما جاء في كتب الاثني عشرية، فيقول عبد القاهر البغدادي:"وأما الإمامية فقد زعم أكثرهم (1) . أن الصحابة ارتدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى علي وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الرافضة تقول: إن المهاجرين والأنصار كتموا النص، فكفروا إلا نفرًا قليلاً.. إما بضعة عشر أو أكثر، ثم يقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازالا منافقين. وقد يقولون: بل آمنوا ثم كفروا"(2) .
وستجد أن العدد الذي تستثنيه الاثني عشرية أقل مما يذكرون.
هذا ما جاء في كتب أهل السنة وغيرهم حول مذهب الشيعة في الصحابة، وسنرى فيما يلي ماذا تقول الشيعة من خلال مصادرها المعتمدة عندها.
تقول كتب الاثني عشرية: إن الصحابة بسبب توليتهم لأبي بكر قد ارتدوا إلا ثلاثة، وتزيد بعض رواياتهم ثلاثة أو أربعة آخرين رجعوا إلى إمامة علي، ليصبح المجموع سبعة، ولا يزيدون على ذلك.
ولقد تداولت الشيعة أنباء هذه "الأسطورة" في المعتمد من كتبها، فسجلوا ذلك في أول كتاب ظهر لهم وهو كتاب سليم بن قيس (3) ، ثم تتابعت كتبهم في تقرير ذلك وإشاعته وعلى رأسها الكافي (4) . أوثق كتبهم الأربعة، ورجال الكشي (5) . عمدتهم في كتب الرجال، وغيرها من مصادرهم كتفسير العياشي (6) ،
(1) تلحظ أن عبد القاهر لا يعمم هذا المذهب على الإمامية كلها، وقد أشار الأشعري إلى أنهم اختلفوا في ذلك على فرقتين. (انظر: مقالات الإسلاميين: 1/128-129)
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 3/356
(3)
انظر: كتاب سليم بن قيس: ص74-75
(4)
الكليني/ الكافي: 2/244
(5)
رجال الكشي: ص6، 7، 8، 9، 11
(6)
تفسير العياشي: 1/199
والبرهان (1) ، والصافي (2) ، وتفسير نور الثقلين (3) ، والاختصاص (4) ، والسرائر (5) ، وبحار الأنوار (6) .
وليست هذه مجرد آراء لبعض شيوخهم، ولكنها روايات عن معصوميهم تحمل صفة "العصمة" والقدسية عندهم.
أما السب لذلك الجيل القرآن الفريد، على ألسنة شيوخهم فهو قد سود معظم كتبهم.
ولو ذهبت أسرد للقارئ ما رأيت من هذا الغثاء لبلغ مجلدات، وسأكتفي بذكر بعض النصوص التي فيها التصريح بالتكفير؛ إذ هو يكشف ويغني عما دونه من سب وطعن.
روى ثقتهم الكليني في الكافي: "عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدّثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة"(7)(8) .
فالتكفير - كما ترى - يتناول أفضل صحابة رسول الله وهم المهاجرون
(1) هاشم البحران/ البرهان: 1/319
(2)
محسن الكاشاني/ الصافي: 1/389
(3)
الحويزيني/ نور الثقلين: 1/396
(4)
المفيد/ الاختصاص: ص4-5
(5)
ابن إدريس/ السرائر: ص468
(6)
بحار الأنوار: 22/345، 351، 352، 440
(7)
علّق هنا شيخهم المعاصر "علي أكبر الغفاري" فقال: "يعني أشار عليه السلام بثلاث من أصابع يده. والمراد بالثّلاثة سلمان وأبو ذرّ والمقداد". (الكافي: 2/244 - الهامش) . فانظر كيف لم تمح هذه المعاني الخرافيّة من عقول هؤلاء الشّيوخ على مرّ السّنين.. وسيأتي مزيد بيان في باب الشّيعة المعاصرين.
(8)
أصول الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب قلّة عدد المؤمنين: 2/244، وانظر: رجال الكشّي: ص7، بحار الأنوار: 22/345
والأنصار، ويبين أن الشيعة في عصر أبي جعفر لا يرون أحدًا من المسلمين على الإسلام إلا قلة شاذة تقول برأيهم، وهي لا تشكل بالنسبة إلى مجموع المسلمين شيئًا، حتى إنها لو اجتمعت على أكل شاة لما أتت عليها، وقد شكوا ذلك إلى إمامهم، فقال لهم معزيًا بأن الشيعة الأوائل كانوا لا يتجاوزون الثلاثة والباقي في حكم المرتدين.
وهذا النص قد يبين أن الرافضة إلى عهد أبي جعفر محمد الباقر، كانوا قلة شاذة بالنسبة للمسلمين، وأن دعوتهم لم تجد القبول، ولم تحظ بالانتشار، وكانت تعيش في سراديب التقية والكتمان، ويعزي رؤساؤها أتباعهم بما يفترونه على أهل البيت من أمثال هذه المفتريات.
ولم تكشف رواية الكافي أسماء الثلاثة الذين سلموا من الردة، حيث قالوا بمذهب الرافضة، لكن مذهب الرفض لم يظهر أصله إلا بعد مقتل عثمان، فهؤلاء ليسوا بصحابة، ولا يبعد أن يكون هؤلاء من السبئيين الذين بدأ النشاط الرافضي على أكتافهم، ولا يستبعد أن هؤلاء السبئيين يتخذون أسماء "مستعارة" وقد تكون أسماء صحابة لهم مكانتهم.
وهذا ما جاء في رجال الكشي ".. عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع"(1) .
فهذا النص بالإضافة إلى تكفيره لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد يشير إلى الخلية الأولى لمذهب الرفض وأنها تتقنع بهذه الأسماء المستعارة. وحتى هؤلاء الثلاثة
(1) رجال الكشي: ص6، الكافي، كتاب الروضة: 12/321-322 (مع شرح جامع للمازندراني)
الذين تستثنيهم أخبار الشيعة، لم يسلموا من شك في "معرفة" الإمام التي هي أصل الإيمان باستثناء واحد منهم، ولذلك حينما قال أبو جعفر: ارتد الناس إلا ثلاثة، أردف قائلاً: «إن أردت الذي لم يشك، ولم يدخله شيء فالمقداد.
فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض، وهو هكذا، فلبب (1) . ووجئت (2) . عنقه حتى تركت كالسلقة (3)، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أبا عبد الله، هذا من ذاك، بايع، فبايع.
وأما أبو ذر فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت، ولم يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به" (4) . - كذا -.
وهؤلاء الثلاثة الذين نجوا من الردة، لم يسلموا أيضًا من قدح الشيعة وعيبهم، فتذكر أخبارهم بأن العلاقة بين هؤلاء الثلاثة طيبة في الظاهر، ولكن لو علم كل واحد منهم بما في قلب الآخر لقتله، أو ترحم على قاتله؛ لأن كلاً منهم أجنبي في باطنه واعتقاده عن صاحبه، ففي رجال الكشي "قال أمير المؤمنين: يا أبا ذر، إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله قاتل سلمان" (5) .
وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان، لو عرض علمك على مقداد لكفر، يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر (6) .
ولذلك فإن التعامل قائم بينهم (وهم خلص الشيعة في زعم الروافض) على أساس التقية والكتمان، "فعن جعفر عن أبيه رضي الله عنه قال: ذكرت التقية يومًا
(1) لببه: جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره (رجال الكشي -الهامش- ص11)
(2)
وجأ يوجأ: ضربه باليد والسكين (رجال الكشي -الهامش- ص11)
(3)
في نسخة أخرى "كالسلعة". والسلعة: خراج كهيئة الغدة. (المصباح: ص337)
(4)
رجال الكشي: ص11، بحار الأنوار: 22/440
(5)
رجال الكشي: ص15
(6)
رجال الكشي: ص11
عند علي عليه السلام فقال: إن عَلِمَ أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد آخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فما ظنك بساير الخلق" (1) .
وهذه النصوص تنطبق على أهل البدعة والكفر؛ لأنك {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} ويبرأ منها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هذه النصوص يؤخذ منها تكفير الشيعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يؤخذ منها أيضًا الصورة غير المنظورة في الظاهر لأهل الرفض؛ حيث قتلهم وتناكر قلوبهم، وإضمار السوء لبعضهم، واعتقادهم بأنه ليس على الإيمان سواهم، وهذه خصائص الرعيل الأول عندهم فما ظنك بسائرهم؟
وتقول نصوص الشيعة: إن هؤلاء الثلاثة قد لحق بهم أربعة آخرون، ليصل عدد المؤمنين (أو قل: الروافض) في عصر الصحابة إلى سبعة، ولكنهم لم يتجاوزوا هذا العدد.
وهذا ما تتحدث عنه أخبارهم حيث تقول: "عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله رضي الله عنه فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس إذًا (2) .؟ فقال: إي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون، قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال: فقال: إنها فتحت على الضلال إي والله هلكوا إلا ثلاثة. ثم لحق أبو ساسان (3) ، وعمار (4) ، وشتيرة (5) ،
(1) رجال الكشي: ص17
(2)
أي: بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعة الناس لأبي بكر (في منظور الروافض)
(3)
قال شيخهم الأردبيلي: أبو ساسان اسمه الحصين بن المنذر، وقد يقال: أبو سنان، ثم ساق الرواية المذكورة عن الكشي (جامع الرواة: 2/387) . وقد ذكر ابن حجر بأنه يسمى "حضين" - بالضاد المعجمة مصغرًا - ابن المنذر بن الحارث الرقاشي، وقال: كان من أمراء علي بصفين، وهو ثقة، مات على رأس المائة (تقريب التهذيب: 1/185)
(4)
يعني: عمار بن ياسر
(5)
قال الأردبيلي: "شتيرة" من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ثم ساق رواية الكشي مرة أخرى. (جامع الرواة: 1/398)
وأبو عمرة (1) . وصاروا سبعة" (2) .
وتؤكد جملة من نصوصهم على أن العدد لم يزد على ذلك. قال أبو جعفر: "وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة"(3) .
وكان أبو عبد الله يقسم على ذلك فيقول: "فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر"(4) .
وتتفاوت أخبارهم وتختلف في تعيين بعض هؤلاء السبعة (5) ، فيما يبدو أنه اختلاف بين الفرق الشيعية في تعيين آحادهم، وكل يضع من جهته، أو لأن من طبيعة الكذب الاختلاف والتناقض.
وإن كان يحتمل - كما قلت - أن الرافضة تكفر الصحابة كلهم، وأن هؤلاء السبعة رموز على "الخلية الأولى للرفض" لأن صفاتهم، وعلاقاتهم، ومذهبهم ليست من الصحابة في شيء.
(1) قال الأردبيلي: أبو عمرة الأنصاري اسمه ثعلبة بن عمرو، من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين (جامع الرواة: 2/408) . قال ابن عبد البر: أبو عمرة الأنصاري اختلف في اسمه؛ فقيل: عمرو بن محصن، وقيل: ثعلبة بن عمرو بن محصن، وقيل: بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك. قال ابن عبد البر: وهو الصواب إن شاء الله، قتل بصفين وهو يقاتل مع علي رضي الله عنهما.
(الاستيعاب: 4/133-134، وانظر: الإصابة: 4/441، أسد الغابة: 5/263)
(2)
رجال الكشي: ص7
(3)
رجال الكشي: ص11-12
(4)
المفيد/ الاختصاص: ص63، الحميري/ قرب الإسناد: ص38، بحار الأنوار: 22/322
(5)
قارن - مثلاً - بين ما جاء في الرواية التي عند الكشي والطوسي في تعيين السبعة كما سقتها، وبين ما جاء في قرب الإسناد للحميري وفيه:"فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له الثبيت، وزيد بن أرقم"(قرب الإسناد: ص38، بحار الأنوار: 22/322)
والرافضة تؤول أحيانًا (1) . آيات الإيمان والثناء على الصحابة بهذا العدد اليسير الذي تستثنيه من الأصل العام في التكفير، ففي تفسير القمي في قوله سبحانه:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2) . قال: "فإنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، وأبي ذر وسلمان والمقداد"(3) .
وفاتهم أن الشيعة إنما تثني على هؤلاء الثلاثة، وتدخلهم في عداد المؤمنين، لا لهذه الأوصاف المذكورة في الآية ولكن لأنهم آمنوا بإمامة علي، وكفروا بإمامة أبي بكر، وهذا الأصل الذي تزن به الشيعة من خالفها ليس له ذكر في هذه الآية التي جعلوها نصًا في إيمان الثلاثة، وكذلك الشأن في آيات القرآن كلها فهي رد عليهم لا حجة لهم.
وجعلوا آيات الكفر والكافرين والشرك والمشركين في سائر الصحابة أجمعين، كما نجد ذلك في عدد من أبواب الكافي وبحار الأنوار (4) .
ومع هذا الحكم العام في التكفير لأصحاب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأنصاره وأحبابه، وأصفيائه، فإنهم يخصون، كبار الصحابة رضوان الله عليهم بمزيد من الطعن والتكفير، ولهم في ذلك أقوال ونصوص تقشعر من سماعها جلود المؤمنين.
فهم يخصون الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان، وزراء رسول الله وأصهاره بالنصيب الأوفى من التكفير، وقد عقد شيخهم المجلسي في كتابه البحار - الذي عده بعض شيوخهم المعاصرين المرجع الوحيد في تحقيق معارف
(1) لأن تأويلها في غالب نصوصهم بالأئمة
(2)
الأنفال، آية:2-4
(3)
تفسير القمي: 1/255، بحار الأنوار: 22/322
(4)
انظر في الكافي: باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية: 1/412-436، وفيه (92) رواية، وراجع ما مر حول ذلك ص158 وما بعدها
المذهب - (1) . - بابًا بعنوان "باب كفر الثّلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم"(2) . وعقد شيخهم الآخر البحراني عدة أبواب في هذا الموضوع منها: "الباب 97: اللّذان تقدّما على أمير المؤمنين عليهما مثل ذنوب أمّة محمّد إلى يوم القيامة (3) . والباب 98 أن إبليس أرفع مكانًا في النار من عمر، وأن إبليس شرف عليه في النار» (4) .
وجاءت رواياتهم مغرقة في هذا الكفر تضرب في كل اتجاه فيه، فهي مرة لا تكفر الشيخين فحسب؛ بل ترى أن من أعظم الكفر الحكم بإسلامهما حتى روى صاحب الكافي:"ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: من ادّعى إمامة من الله ليست له (5) ، ومن جحد إمامًا من الله (6) ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيبًا"(7) ، وحينًا تنعتهم بأنّهم الجبت والطّاغوت (8) ، وتارة تصبّ عليهم اللّعنات ولا سيّما في أدعية الزّيارات (9) ، و"أذكار" ما بعد الصّلوات حيث يستبدلونها باللّعن على الشّيخين وسائر المسلمين (10) .
وقد نقل بعض من كتب عن الشيعة في هذا العصر شيئًا من سوآت الشيعة وعواتها في تكفير صديق الأمة وفاروقها (11) ، ولكن الذي يمكن أن أضيفه هنا،
(1) البهبودي/ مقدمة البحار، ج صفر ص19
(2)
بحار الأنوار: 8/208-252 من الطّبعة الحجريّة
(3)
المعالم الزّلفى: ص324
(4)
المعالم الزلفى: ص325
(5)
هذا نصّ في تكفير كلّ خلفاء المسلمين إلى أن تقوم السّاعة!
(6)
هذا تكفير لكلّ من لا يؤمن بأئمّتهم الاثني عشر من جميع المسلمين الأوّلين والآخرين!
(7)
أصول الكافي: 1/373، 374، النّعماني/ الغيبة: ص70، تفسير العيّاشي: 1/178، بحار الأنوار: 25/111
(8)
أصول الكافي: 1/429
(9)
من لا يحضره الفقيه: 2/354
(10)
مستدرك الوسائل: 10/342
(11)
كما في كتابات الشيخ موسى جار الله في الوشيعة، وإحسان إلهي ظهير في "السنة والشيعة" وغيرهما
أن ما كتبه شيوخ الشّيعة في ظل الدّولة الصّفويّة كان فيه التّكفير لأفضل أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم صريحًا ومكشوفًا، وما كتبه أوائل الشّيعة في عصر الكليني وما بعده كان بلغة الرّمز والإشارة، وقد كشف أقنعة هذه الرموز شيوخ الشيعة المتأخرون حينما ارتفعت التقية إلى حد ما وظهرت الاثنا عشرية على حقيقتها.
فمن مصطلحاتهم الخاصة: تسمية الشيخين بالفصيل ورمع، وذلك لأنهم لا يجرؤون على التصريح بالاسم في إبان قوة دولة الإسلام.
جاء في تفسير العيّاشي: ".. قلت (الراوي يقول لإمامهم) : ومن أعداء الله أصلحك الله؟ قال: الأوثان الأربعة، قال: قلت: من هم؟ قال: أبو الفصيل، ورمع، ونعثل، ومعاوية، ومن دان دينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله"(1) .
قال شيخهم المجلسي في بيانه لهذه المصطلحات: "أبو الفصيل أبو بكر؛ لأنّ الفصيل والبكر متقاربان في المعنى، ورمع مقلوب عمر، ونعثل هو عثمان"(2) .
وعند قوله سبحانه: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} (3) . روى العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: "يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب، بابها الأول للظالم وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك، والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم"(4) .
قال المجلسي في تفسير هذا النص: "زريق كناية عن الأول؛ لأن العرب تتشام بزرقة العين، والحبتر هو الثعلب، ولعله إنما كنى عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالأول أنسب ويمكن أن
(1) تفسير العيّاشي: 2/116، بحار الأنوار: 27/58
(2)
بحار الأنوار: 27/58
(3)
الحجر، آية: 44
(4)
تفسير العياشي: 2/243، البرهان: 2/345
يكون هنا أيضًا المراد ذلك، إنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ، وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس، وكذا أبي سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وساير أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكرًا وروي أنه كان شيطانًا" (1) .
كما يردّ في كثير من نصوصهم الإشارة إلى هذين العظيمين بلقب "فلان وفلان"، كما في روايتهم التي تقول: عن أبي عبد الله في قوله: {وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (2) . قال: وخطوات الشّيطان والله ولاية فلان وفلان (3) .
وفي قوله سبحانه: {..أَوْ كَظُلُمَاتٍ} قالوا: فلان وفلان {فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} يعني نعثل {مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} طلحة والزبير {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} (4) . معاوية.. (5) .
قال المجلسي: المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر، ونعثل هو عثمان (6) .
ومن مصطلحاتهم أيضًا للرمز للشيخين ما جاء في تأويلهم سورة الليل وفيها {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} هو قيام القائم {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} حبتر ودلام غشيًا عليه الحق (7) .
قال شيخ الدولة الصفوية - في زمنه - (المجلسي) : حبتر ودلام: أبو بكر وعمر (8) .
(1) البحار: 4/378، 8/220
(2)
البقرة، آية: 168، 208، الأنعام، آية: 142
(3)
تفسير العياشي: 1/102، البرهان: 1/208، تفسير الصّافي: 1/242
(4)
النور، آية: 40
(5)
تفسير القمي: 2/106، بحار الأنوار: 23/304-305
(6)
بحار الأنوار: 23/306
(7)
كنز الفوائد: ص389-390، بحار الأنوار: 24/72-73
(8)
بحار الأنوار: 24/73
وتجد بعض النصوص التي فيها الرمز للشيخين في كتب أوائلهم، ولكن حينما ينقلها عنهم بعض شيوخ الدولة الصفوية يستبدل الرمز بالاسم الصريح (1) .
كما تطاولوا بالسب والتكفير، وعلى سبيل التعيين على كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويختارون منهم أعيانهم وخيارهم، فكما طعنوا وكفروا الخلفاء الثلاثة، فكذلك يفعلون في آخرين من فضلاء الصحابة وعظمائهم كعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، جاء في تفسير القمي والصافي: "عن الصادق: لما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم: أبو بكر، وعمر (2) ، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، والمغيرة بن شعبة. قال عمر (3) .: أما ترون عينه كأنما عين مجنون يعني النبي، الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي (4) . فلما قام قال: أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله. قال: اللهم فاشهد، ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، وسلموا عليه بإمرة أمير المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول الله (5) .
(1) انظر: تفسير القمي: 1/301، حيث رمز للشيخين بفلان وفلان، ولكن حينما ينقل شيخهم الكاشاني هذا النص يصرح بالاسمين. (تفسير الصافي: 2/359)
(2)
هكذا في تفسير الصافي، أما في تفسير القمي فقال:"وهم: الأول والثاني.. إلخ"
(3)
هكذا في تفسير الصافي، وفي تفسير القمي "قال الثاني"
(4)
لا يخفى على عاقل أن واضع هذا القول قد رام الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وفي نبوته بادئ ذي بدء، لأنه يريد أن يقال: إذا كان كبار صحابته لم يؤمنوا به، وهم الذين عاصروه وتلقوا عنه، وشاهدوا معجزاته.. فغيرهم أحق، كذلك يريد أن يقال: رجل سوء له أصحاب سوء، كما كشف عن هذا الهدف بعض السلف، كما يريدون الطعن في الإسلام ذاته بطريقة ماكرة خفية على الأغرار والدهماء وهو الطعن في الناقل لإبطال المنقول
(5)
هكذا في الأصل المنقول منه بدون ذكر للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولاحظ: الرسول يعلمه جبريل، وأئمتهم يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء، كما بوب عليه صاحب الكافي. (أصول الكافي: 1/260)
بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فأنكروا وحلفوا فأنزل الله: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ} " (1) .
ومثل هؤلاء أيضًا يتناولون آخرين من فضلاء الصحابة ونقلة الشريعة كأبي هريرة (2) ، وأنس بن مالك (3) ، والبراء بن عازب (4) ، وطلحة والزبير بن العوام (5) . وغيرهم.
أما كلام شيوخهم في هؤلاء العظماء فقد سود الصفحات، فإنه لا يخلو مصنف من مصنفاتهم في مسألة الإمامة ونحوها إلا وفيه من التكفير والسب واللعن ما لا يخطر ببال مسلم، لأنهم لا يرونهم على الإسلام أصلاً، وفضلاً عن ذلك فإنهم يرونهم من ألد أعدائهم، ومن الظالمين لهم، لأنهم بايعوا أباب بكر وعمر وعثمان وكانوا في عهدهم على كلمة سواء، وكانوا بنعمة الله إخوانًا فأقاموا دولة الإسلام، وفتحوا البلاد ونشروا الإسلام بين العباد، وأطفأوا نار المجوسية، وحطموا طاغوت الوثنية، وأخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وخالقهم، فأوغروا بذلك صدور الزنادقة الحاقدين من أصحاب تلك البلاد المفتوحة، وأتباع تلك الديانات الموضوعة، فكان من كيدهم الدخول لإفساد أمر هذه الأمة من طريق التشيع، وكان من الطبيعي أن تكون مسألة الإمامة هي هدفهم، وشغلهم الشاغل، فكان من أمرهم ما كان، ثم أصبح كيدهم وخلاصة مكرهم عقيدة لهؤلاء الشيع
(1) تفسير القمي: 1/301، تفسير الصافي: 2/359
(2)
انظر: بحار الأنوار: 22/242، الخصال: 1/190. وقد ألف الرافضي المعاصر عبد الحسين الموسوي كتابًا في أبي هريرة رضي الله عنه انتهى فيه إلى القول بأنه كان منافقًا كافرًا (انظر: الموسوي/ أبو هريرة) وانظر في الرد على افتراءاته: محمد عجاج الخطيب، أبو هريرة راوية الإسلام ص201 وما بعدها، عبد المنعم العزي/ دفاع عن أبي هريرة، عبد الرحمن الزرعي/ أبو هريرة وأقلام الحاقدين
(3)
انظر: رجال الكشي: ص45
(4)
رجال الكشي: ص45
(5)
وقالوا فهيما: "كانا إمامين من أئمة الكفر" انظر: تفسير العياشي: 2/77-78، البرهان: 2/107، تفسير الصافي: 2/324
كفروا بها الحاكم والمحكوم.
قال ابن بابويه في الاعتقادات: "فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون"(1) .
فهذا تكفير للحاكم والمحكوم في مختلف العصور (ما عدا حكم علي والحسن) وحينما سئل شيخهم المفيد الملقب عندهم بركن الإسلام وآية الله الملك العلام عما ورد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال: لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. فأجاب: عليه من الله ما يستحق "إن الوجه فيه أن المفاضل بينه وبين الرجلين إنما وجب عليه حد المفتري، لأن المفاضلة لا تكون إلا بين متقاربين في الفضل، وكان الرجلان بجحدهما النص قد خرجا عن الإيمان بطل أن يكون لهما فضل في الإسلام فكيف يحصل لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين؟ ومتى فضل إنسان أمير المؤمنين عليهما فقد افترى بالتفضيل لأمير المؤمنين عليهما، من حيث كذب في إثبات فضل لهم في الدين، وجرى في هذا الباب مجرى من فضل المسلم البر التقي على الكافر المرتد، ومجرى من فضل جبرائيل على إبليس، ورسوله الله على أبي جهل بن هشام"(2) .
فانظر كيف عدّ أفضل الأمة بعد نبيها بمنزلة إبليس وأبي جهل. وهذا موضع إجماع طائفته حيث يقول: "فقد حصل الإجماع على كفره (يعني عمر) بعد إظهاره الإيمان"(3) .
وقال شيخهم المجلسي: "وممّا عدّ من ضروريّات دين الإماميّة (4) . استحلال
(1) الاعتقادات: ص112-113، بحار الأنوار: 27/62
(2)
العيون والمحاسن: 2/122-123
(3)
العيون والمحاسن: 1/9
(4)
انظر كيف يستخدم كلمة "دين" وكأنّه يلوح بأنّ ما عليه الإماميّة دين مستقلّ بذاته، منفصل عن دين الإسلام، ولا ريب أنّ ما سطّره المجلس في بحاره وعقائده هو في الغالب دين آخر لا يمتّ لدين الإسلام بصلة
المتعة، وحجّ التّمتّع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية" (1) .
ومن لم يبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان فهو عدو وإن أحب عليًا (2) .
ولذلك يتعبّدون الله سبحانه بعد كلّ صلاة بلعن الخلفاء الثّلاثة وغيرهم من فضلاء الصّحابة، وبعض أمّهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين. وعقد لذلك الحرّ العاملي بابًا بعنوان:"باب استحباب لعن أعداء الدّين عقيب الصّلاة بأسمائهم"، وذكر فيه ما روى الكليني عن ابن ثوير والسّراج قالا: سمعنا أبا عبد الله رضي الله عنه وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرّجال وأربعًا من النّساء، فلانًا وفلانًا وفلانًا (الخلفاء الثّلاثة) ويسمّيهم ومعاوية، وفلانة وفلانة (عائشة، وحفصة رضي الله عنهما وهندًا وأمّ الحكم أخت معاوية (3) .
وفي مستدرك الوسائل لشيخهم النّوري الطّبرسي عقد بابًا بعنوان: "باب استحباب لعن أعداء الدّين عُقيب الصّلاة بأسمائهم"(4) . وساق فيه جملة من رواياتهم ومنها: "عن أبي عبد الله أنّه قال: إنّ من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن لا ينصرف الرّجل فيهم حتى يدعو بهذا الدّعاء: اللهمّ.. ضاعف لعنتك وبأسك ونكالك وعذابك على اللّذين كفرا نعمتك، وخوّفا رسولك.. وحلا عقده في وصيه، ونبذا عهده في خليفته من بعده، وادعيا مقامه، وغيّرا أحكامه، وبدّلا سنّته، وقلبا دينه، وصغّرا قدر حجّتك وحججك، وبدءا بظلمهم، وطرقا طريق الغدر عليهم، والخلاف عن أمرهم، والقتل لهم.. ومنعا خليفتك من سدّ الثّلم، وتقويم العوج، وإمضاء الأحكام، وإظهار دين الإسلام، وإقامة حدود القرآن، اللهمّ العنهما، وابنتيهما، وكلّ من مال ميلهم، وحذا حذوهم، وسلك طريقتهم وتصدّر ببدعتهم لعنًا لا يخطر على البال، ويستعيذ منه أهل النّار، العن اللهمّ من دان بقولهم،
(1) الاعتقادات للمجلسي: ص 90-91
(2)
انظر: وسائل الشيعة: 5/389
(3)
فروع الكافي: 1/95، الطّوسي/ التّهذيب: 1/227، وسائل الشّيعة: 4/1037
(4)
مستدرك الوسائل: 1/342
واتّبع أمرهم، ودعا إلى ولايتهم، وشكّ في كفرهم من الأوّلين والآخرين" (1) .
فانظر كيف لعنوا في هذه "الكلمات المظلمة" المسلمين جميعًا من الأوّلين والآخرين، وخصّوا بمزيد من اللّعن والتّكفير من أقاما دولة الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشرا دين الله في العالمين، وعدوهما وجميع من ابتعهما (أي جميع المسلمين) من أعداء الدين، فأي دين يعتقده هؤلاء الذين يعدون صحابة رسول الله ومن اتبعهم بإحسان هم أعداء للدين؟ فليكن أي دين ونحلة إلا دين الإسلام، إن هذه "اللعنات" تؤكد أن واضعها من أتباع تلك الديانات التي قضى عليها الإسلام بقيادة أبي بكر وعمر وإخوانهما رضوان الله عليهم جميعًا.
وفي مزاراتهم يجري أيضًا - بواسطة الأدعية التي وضعها لأولئك الأتباع زنادقة العصور البائدة - غرس الأحقاد وبثّ الضّغائن، وتأجيج العداوة في لعنات متتالية ومتتابعة على خير القرون، ففي زيارة فاطمة - مثلاً - يلعنون أبا بكر وبقيّة الصّحابة رضوان الله عليهم في دعاء يقولون فيه:"السّلام عليك يا فاطمة يا سيّدة نساء العالمين، لعن الله مانعك إرثك، ودافعك عن حقّك، والرّادّ عليك قولك، لعن الله أشياعهم وأتباعهم وألحقهم بدرك الجحيم"(2) .
وتلاحظ أن واضع هذا الدعاء يقصد فيه لعن صديق هذه الأمة ثم يلحق فيه كل من شايعه، فيدخل فيهم أمير المؤمنين علي، لأنه من شيعة أبي بكر وأعوانه ووزرائه. ولا تخفى هذه الحقيقة على واضع هذا الدعاء، ولكنه عدو للجميع ويتستر بالتشيع لأن العقل الشيعي في غيبوبة بفعل العواطف المشحونة - زورًا - بظلم آل البيت وقهرهم وضياع حقهم، وصراعهم مع أعدائهم وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد حشدوا في ذلك ركامًا هائلاً من الأساطير لا تبقى في قلب من يؤمن
(1) مستدرك الوسائل: 1/342
(2)
بحار الأنوار: 100/197، باب زيارة فاطمة، وانظر: ص198 رقم16، وانظر: ص200 من الجزء نفسه
بها إلا الحقد، والتعطش لسفك الدماء، والرغبة في الانتقام (1) . وواقعهم يشهد بذلك.
مثالب الصحابة (المزعومة) :
ومع اللعن والتكفير لخير القرون، فإن الشيعة ملأت الصفحات فيما يسمونه بمثالب الصحابة ومعايبهم (2) ، وانشغل بعض أهل السنة في الرد عليهم (3) ، والحقيقة المهمة في هذا الموضوع أن إثارة الشيعة لهذه القضايا هو في حقيقة أمره تستر على السبب الحقيقي من موقفهم من الصحابة، ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم لو كانوا في عصمة من كل خطأ، وفي حرز من كل ذنب، لما رضي عنهم الإمامية، لأن ذنب الصحابة عند هؤلاء هو بيعتهم لأبي بكر دون علي، وكل ذنب يغتفر إلا هذا الأمر، كما أن من جاء بقراب الأرض خطايا ومعه "جواز الولاية" فقد نجا.
(1) انظر بعض أخبار هذا الصراع المزعوم، في إثبات الوصية الذي ينسبونه للمسعودي صاحب مروج الذهب ص122 وما بعدها
(2)
انظر: ابن المطهر الحلي/ منهاج الكرامة: ص132
(3)
وقد أجاب شيخ الإسلام عما يثيره الروافض في هذا الباب بجواب مفصل (انظر: منهاج السنة 3/19 وما بعدها) وبجواب مجمل ملخصه ما يلي: أن المثالب التي تنقل عن الصحابة نوعان:
أحدهما: ما هو كذب، إما كذب كله، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطع، وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن السائب الكلبي، وأمثالهما من الكذابين الذين شهد الأئمة بكذبهم، وسقوط أخبارهم.
النوع الثاني: ما هو صدق، وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها من أن تكون ذنوبًا، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب.
وما قدّر من هذه الأمور ذنبًا محققًا، فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة، لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة، منها: التوبة، ومنها الحسنات الماحية للذنوب؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، ومنها المصائب المكفرة.. (منهاج السنة: 3/19)
وقد تنبه إلى هذه الحقيقة المهمة القاضية عبد الجبار فقال: "وكثيرًا تسأل الإمامية عما كان من عثمان في تولية أقاربه وغير ذلك، وفي سير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، وما ذاك إلا لضعفهم وانقطاعهم؛ لأن عثمان لو لم يول أقاربه ولم يصنع ما صنع لكان كافرًا مشركًا عندهم بادعائه الإمامة لنفسه ولأبي بكر وعمر، ولو كان طلحة والزبير وعائشة في عسكر أمير المؤمنين وفي المحاربين معه ما كانوا إلا مشركين باعتقادهم إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، فمن يكلم الإمامية في إثارتهم لهذه المسائل كمن يكلم اليهود في وجوب النية في الطهارة، أو يكلم النصارى في استحلالهم الخمر، وإنما يكلم في هذا من قال: لا ذنب لعثمان إلا ما أتاه من الحمى، وتولية الأقارب، ولولا ذلك لكان مثل عمر، ومن قال: لا ذنب لطلحة والزبير وعائشة إلا مسيرهم إلى البصرة، ولولا ذلك لكانوا مثل أبي عبيدة وعبد الرحمن وابن مسعود.
فاعرف هذا ولا تكلمهم فيه البتة، وكلمهم فيما يدعونه من النص فهو الأصل" (1) .
(1) تثبيت دلائل النبوة: 1/294