الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:
إن لدى أهل السنة أدلة ثابتة صحيحة عندهم في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على عليّ بالإمامة.
وما تنسبه الشيعة من نصوص لأهل السنة هي باطلة في أصلها أو في دلالتها، ولا حجة فيها عليهم.
ولدى الشيعة أدلتهم في ثبوت النص سجلوها في كتبهم الخاصة بهم، وأهل السنة لا يؤمنون بها، ويرون أنها وضعت على الأئمة من قبل بعض الروافض.
وما في كتب الشيعة من أدلة تنقض ما ادعوه في هذا الباب كما في نهج البلاغة وغيره يلجؤون في ردها إلى التأويل أو دعوى التقية، فليرجع في الحكم في هذه المسألة التي هي أصل الأصول عند الشيعة إلى الأمور المعلومة والمتواترة والمتفق عليها "نقدر - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - أن الأخبار المتنازع فيها لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح، ونترك الاستدلال بها في الطرفين، ونرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر وما يعلم من العقول والعادات وما دلت عليه النصوص المتفق عليها"(1) .:
أولاً: لندع جانب الرّوايات المختَلَف فيها ونحتكم إلى كتاب الله سبحانه عن طريق فهمه من خلال اللّغة العربيّة. فالله سبحانه أنزل القرآن بلسان عربي
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي، ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم"(منهاج السنة: 4/14) ويكفي نقل ما ذكره شيخ الإسلام في مواضع متفرقة من المنهاج فهي كنز عظيم
مبين، وقد اتّفق أهل السّنّة والشّيعة على حدود العربيّة، واتّفقوا على ما وضع لمفرداتها من المعاني، ومعنى هذا أنّ اللّغة العربيّة يمكن أن تكون المرجع في الحكومة في هذا الأمر.
فهل نجد في كتاب الله ذِكرًا للأئمّة الاثني عشر بأسمائهم، كما ذكر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم باسمه ووصفه؛ لأنّ الإمام عندهم كالنّبي، ومنكر الإمام كمنكر النبي أو أعظم.
وهل نجد لإمامة الاثني عشر ذكرًا صريحًا في كتاب الله كما ذكرت أركان الإسلام صريحة واضحة في مواضع متفرقة من كتاب الله من غير حاجة لمعرفة أصلها إلى تأويل باطني أو روايات موضوعة، والإمامة عندهم أعظم أركان الإسلام؟!
فكيف لا تذكر ولا يشار إليها؟ أليس هذا دليلاً على أنّ مزاعم الإماميّة في هذا الباب لا أصل لها؟ وحينئذ لابد من رفض هذه المزاعم لمناقضتها لكتاب الله.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته لابن المطهر الحلي إلى هذا المنهج فقال: "فإن تركوا الرواية رأسًا أمكن أن تترك الرواية"(1)، ثم طبق هذا المنهج في الاحتجاج لإبطال دعوى الروافض في الإمامة فقال: "وهب أنا لا نحتج بالحديث فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2) . فشهد لهؤلاء بالإيمان من غير ذكر للإمامة.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (3) . فجعلهم صادقين في
(1) منهاج السنة: 1/32
(2)
الأنفال، آية: 2-4
(3)
الحجرات، آية: 15
الإيمان من غير ذكر الإمامة.
وساق شيخ الإسلام شواهد أخرى من هذا القبيل (1) ، وهي وغيرها تبين أن إمامة الاثني عشر التي تجعلها الاثنا عشرية أصل الدين وأساسه، ليس لها أصل في كتاب الله سبحانه.
ثانيًا: أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه، لاسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له فكيف لا ينقل الحق الذي قد بلغ للناس؟! ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه (2) .
ولو كتم الصّحابة مسألة النّصّ عليه لكتموا فضائل علي ومناقبه ولم ينقلوا منها شيئًا، وهذا خلاف الواقع، فَعُلِمَ أنّه لو كان شيء من ذلك لنقل؛ لأنّ "النّصّ على الخلافة واقعة عظيمة، والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جدًا، فلو حصلت هذه الشهرة لعرفها المخالف والموافق، وحيث لم يصل خبر هذا النص إلى أحد من الفقهاء والمحدثين علمنا أنه كذب"(3) ، وإنما تفرد بنقله الشيعة "وهم فيه مدعون وفيما نقلوه متهمون لا سيما مع ما ظهر من كذبهم وفسقهم وبدعتهم وسلوكهم طرق الضلالة والبهث بادعاء المحال ومخالفة العقول، وسب أصحاب الرسول"(4) .
والصحابة رضوان الله عليهم نقلوا إلينا ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وأمره ونهيه، وأكله وشربه، وقعوده، ونومه، وسائر أحواله عليه الصلاة والسلام، فكيف يتصور أن ينص النبي صلى الله عليه وسلم على علي بالخلافة ولا ينقل ذلك بحال؟!
قال ابن حزم: "وبرهان ضروري وهو أن رسول الله مات وجمهور الصحابة رضوان الله عليهم، حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين، فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص عليه.
(1) انظر: منهاج السنة: 1/33
(2)
منهاج السنة: 4/14
(3)
الرازي/ أصول الدين: ص137
(4)
الآمدي/ غاية المرام: ص377
ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة اتّفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم والنّيّات والأنساب.. على طيّ عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وما وجدنا قطّ رواية عن أحد في النّصّ المدّعى إلا رواية واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنّى أبا الحمراء لا يعرف من هو في الخلق (1) .
ثالثًا: أن الإمامة من المفرضات التي تتعلق بها مصالح الناس كلهم، فإذا قيل فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أحد بعينه، والصحابة غيروا وبدلوا، أمكن حينئذ لكل ملحد أن يقول: إن الصلوات الخمس كانت عشرًا وإنما الصحابة كتموها وجعلوها خمسًا بأهوائهم، وهكذا إذا ادعى مدع تغيير ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم أمكن ذلك في جميع الفرائض ويتعدى ذلك إلى أن يحصل الثقة بشيء من أمور الدين أصلاً (2) .
رابعًا: أن قول الروافض بالنص على علي كقول من يزعم النص على العباس، فإن قالوا: ليس النص على العباس بصحيح، قيل: ولا النص على عليّ صحيح، وبإبطالهم النص على العباس يبطل النص على عليّ، لأن الكل لم يرد به نص صحيح صريح، وهناك فرق شيعية كثيرة تنازع الروافض في النص على الكثير ممن تدعي إمامته، حتى ينازعها في إمامها الثاني عشر عشرون فرقة، والكل يزعم بطلان نص الآخر.
والنص في اللغة مأخوذ من المنصة وهي الظاهر على الفرس لظهوره، فأين ظهور النص، ولو كان لذلك أصل لظهر واشتهر ونقل وتداولته الألسنة وشاع بين الخاص والعام، فإن قالوا: فقد نص ولكنهم كتموه، قيل لهم: فقد نص على عمه العباس ولكنهم كتموه، وأيضًا فإذا أمكن أن يكتم مثل هذا ولا يظهر يسوغ لقائل أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له ابن ونص عليه وأن الصحابة حسدوه
(1) الفصل: 4/161
(2)
دفع شبه الخوارج والرافضة: الورقة (15)
وقتلوه، وما أشبه هذه الدواعي الفاسدة التي لا يصير إليها عاقل (1) .
خامسًا: أنا رأينا أبا بكر حيث نص على عمر ما اختلف فيه اثنان، ولا وقع في ذلك خفاء، وكذلك حيث نص عمر على ستة أنفس من قريش ظهر ذلك عنهم ظهورًا لا يسع جحده، لا يمكن رده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل، ومبادرة الخلق إلى امتثال أمره أكثر، وتشوف النفوس إلى نقل ما صدر عنه أعظم، فمن المحال البين أن ينص أبو بكر على واحد ولا يقع خلاف فيمن استخلفه، ولا أمكن أحد أن يكتمه، وكذلك عمر، بل معاوية حيث نص على يزيد، اشتهر ذلك ونقل عنه اشتهارًا ظاهرًا متواترًا لا نزاع فيه ولا مراء، فكيف نقل نص معاوية، وكتم نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقله أحد (2) ، باعتراف الشيعة الذين يقرون بأن مسألة الولاية وأحاديثها سر من أسرارهم؟!
سادسًا: كيف يقبل المهاجرون والأنصار والمسلمون جميعًا أمر أبي بكر في عمر حين استخلفه، ولم يختلف اثنان على إمامة عمر، ولا يقبلون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي، فهل صار المسلمون أطوع لأبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
"كيف يحتمل عقل عاقل، أو يشتبه على بر أو فاجر - إلا من أراد الله فتنته - أن المهاجرين والأنصار وجميع التابعين لهم بإحسان علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نص على علي بن أبي طالب، وأمرهم أن يوالوه فعصوه وتركوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أبو بكر أن يولوا عمر بن الخطاب فاتبعوه وأطاعوه، وأمرهم عمر بن الخطاب أن يولوا الستة فلم يخالفوه ولم يعصوه"(3) .
وكيف يتصور أن يقوم المسلمون بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغيرها من فرائض الإسلام ويتركون فريضة واحدة تحبط عملهم كله وهي بيعة علي،
(1) دفع شبه الخوارج والرافضة: الورقة 14 ب
(2)
دفع شبه الخوارج والرافضة: الورقة 14-15 (مخطوط)
(3)
أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه/ إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط غير مرقم الصفحات)
وأي مصلحة لهم في مبايعة أبي بكر وترك مبايعة علي؟ (1) .
سابعًا: لو كان النّصّ على عليّ صحيحًا لم يجز لعليّ رضي الله عنه أن يدخل مع السّتّة الذي نصّ عليهم عمر، وكان يقول: أنا المنصوص عليّ فلا حاجة لي إلى الدّخول فيمن نصّ عليه عمر (2) ، ولم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان، ولا يجوز أن يظنّ بعليّ رضي الله عنه أنّه أمسك عن ذكر النّصّ عليه خوف الموت، وهو الأسد شجاعة، وقد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّات، ثم يوم الجمل، وصفّين، فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين؟ (3) . وألجأه إلى التّقية.
وإذا كان منصوصًا عليه بالإمامة، ومفوضًا إليه أمر الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قلد أمرًا يجب عليه القيام به، ومدافعة المبطل عنه بكل وجه، وإن أهمل ذلك وتركه من غير سبب، فقد خالف وحاشاه من ذلك، ولو كان مغلوبًا عليه فلا بد أن يجري سبب يوجب عذره من أخذ حقه سيما مع التفويض إليه.
ورأينا عثمان بن عفان وهو أضعف عندكم من علي لم يسلمها إلى غير أهلها، ورضي بحكم الله وقضائه، ولم يضيع ما جعل إليه، ورأينا أبا بكر حيث ارتدت قبائل العرب، ومنعوا الزكاة لم يهمل أمر الأمة ولو أهمله لانهدم الإسلام، فقاتلهم ونصره الله عليهم.. وما كان في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسكت عن حق رآه (4) . فكيف ينسب هؤلاء الروافض إلى أمير المؤمنين علي الرضى بالباطل، والجبن والخوف عن المطالبة بحقه، حتى ارتد الناس كلهم بسبب تأخره عن إعلان حقه والدعوة إليه، ولم يبق منهم إلا النزر اليسير - كما يقولون - وهو أسد الله وأسد
(1) أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه/ إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط غير مرقم الصفحات)
(2)
دفع شبه الخوارج والرّوافض: الورقة 15، وقد أخرج البخاري في صحيحه قصّة البيعة والاتّفاق على عثمان بن عفّان رضي الله عنه (انظر: البخاري/ فضائل الأصحاب، باب قصّة البيعة والاتّفاق على عثمان: 4/204 وما بعدها)
(3)
الفصل: 4/162
(4)
دفع شبه الخوارج والرافضة: الورقة 16أ
رسوله؟!
بل لم ينقل أنه دعا إلى نفسه، وجادل من أجل بيعته، فضلاً عن القتال، ولو وقع ذلك لاشتهر، وقد وقعت مناسبات مهمة، وأحداث خطيرة توجب إظهار النص كحادثة السقيفة، وحادثة الشورى، فلم يفعل شيئًا من ذلك (1) ، بل إنه دعا أصحابه إلى بيعته كما تقر الرافضة ولم يدّع نصًا (2) .
وقد ذكر شيخ الإسلام بأن من الطرق التي نعلم منها بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وطلب بعض الأنصار أن يكون منهم أمير، ومن المهاجرين أمير (3) . فأنكروا ذلك عليه وقالوا: الإمارة لا تكون إلا في قريش (4) .
وروى الصحابة في متفرقة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) قال شيخهم البياضي: إنما عدل عن ذلك النص لوجهين:
أـ لو ذكره فأنكروه حكم بكفرهم حيث أنكروا متواترًا.
ب ـ أنهم قصدوا في الشورى الأفضل فاحتج عليهم بما يوجب تقديمه (الصراط المستقيم: 1/299) . فتأمل جوابه تجد أنه متناقض، حيث زعم أن عليًا تخلى عن إعلان النص خشية إنكاره، فيرتد منكره، مع أنهم يكفرون الصحابة لإنكارهم النص بزعمهم، ثم هي حجة باردة ساقطة لأنها تعني أن أصل الدين وجوهره لا يدعى إليه لئلا ينكر فيكفر منكره.
أما اعتذاره من عدم ذكره للنص في حادثة الشورى، فيكفي إقراره بأنه لم يظه رالنص إذ زعمه بأنه لا موجب لذكر النص لا يتفق مع العقل والمنطق، لاسيما وأن الأمر يتعلق بمنصب الإمامة. وهي أصل الأصول عندهم
(2)
قال البياضي: "قالوا: طلب علي بيعة أصحابه دليل على عدم نصه. قلنا: الخلافة حقه فله التوصل إليها بما يمكنه"(الصراط المستقيم: 1/299) .
وهذا إقرار منهم بأن عليًا حين واتته الخلافة بعد عثمان لم يذكر نصًا لأصحابه، ولو كان ثمة نص لأظهره ولم يحتج الأمر إلى بيعة وانتخاب.
وقوله: "هي حقه فله التوصل إليه بما يمكنه" حجة منقوضة عندهم، لأن القضية تتعلق عندهم بإيمان الناس، أو كفرهم، وهي منصبة كالنبوة أو أعظم وليست حقًا شخصيًا، لكن الروافض يتحدثون في كل مسألة بما يوجب - في نظرهم - ردها، وينسون ما قرروه من قبل
(3)
وهذا يقر به الشيعة. انظر: الصراط المستقيم: 1/299
(4)
أخرجه الإمام أحمد: 3/129، 4/421، وأبو داود الطيالسي ص125 (ح926، 2133) ، ورواه الإمام مسلم بلفظ "الناس تبع لقريش" وفي لفظ آخر "لا يزال هذا الأمر في قريش =
أن الإمامة في قريش، ولم يرو واحد منهم لا في ذلك المجلس ولا غيره ما يدل على إمامة علي، وبايع المسلمون أبا بكر، وكان أكثر بني عبد مناف من بني أمية وبني هاشم وغيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن أبي طالب يختارون ولايته، ولم يذكر أحد منهم هذا النص، وهكذا جرى الأمر في عهد عمر وعثمان، وفي عهده أيضًا لما صارت له ولاية لم يذكر هو ولا أحد من أهل بيته ولا من الصحابة المعروفين هذا النص.
ولو كان للنص وجود ما حصل الاختلاف في عهده، إذ لم تتفق الأمة فيه لا عليه ولا على غيره.
وقد جرى تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه فضلاً عن غيرهم من احتج في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهاره، وقد احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"تقتل عمارًا الفئة الباغية"(1) ، وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو ثلاثة ونحوهم، وليس هذا متواترًا، والنص عند القائلين به متواتر، فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث، ولم يحتج أحد منهم بالنص (2) .؟!
أما دعوى النص على إمامة الاثني عشر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على ذلك فهي أعظم استحالة، وأوضح بطلانًا، وأظهر كذبًا، فلم ينقله إلا الاثنا عشرية، وسائر فرق الشيعة تكذبها وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة.
والنصوص التي ينقلها الاثنا عشرية تعارضها نصوص القائلين بإمامة غير
= ما بقي من الناس اثنان" (صحيح مسلم، كتاب الإمارة: 2/1451-1452 (ح1818، 1820)
(1)
أخرجه البخاري، في كتاب الجهاد والسير، باب مسح الغبار عن الناس: 3/207، ومسلم كتاب الفتن 3/2235 (ح2915)، والترمذي: كتاب المناقب، باب مناقب عمار بن ياسر: 5/669 (ح3800)، وأحمد: 2/161، 164، 206، وجص5، 22، 28، 90، وجص97، وجص214، 306، جص289، 300، 311، 315
(2)
منهاج السنة: 4/14-15
الاثني عشر من فرق الشيعة البالغة الكثرة، فإن كل طائفة تدعي من النص غير ما تدعيه الاثنا عشرية.
وهذه الدعوى لم تظهر إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من مائتين وخمسين سنة، فهو من اختلاق متأخري الشيعة، ومن قبلهم يخالفهم في ذلك.
وأهل السنة وعلماؤهم وهم أضعاف أضعاف الشيعة يعلمون أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم علمًا يقينًا لا يخالطه الريب، ويباهلون الشيعة على ذلك.
والمنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا وأنهم لم يكونوا يدعون أنه منصوص عليهم بل يكذبون من يقول ذلك، فضلاً عن أن يثبتوا النص على اثني عشر (1) .
ولو كان الأمر في الإمامة على ما يقول هؤلاء الروافض لَمَا كان الحسن رضي الله عنه في سعة من أن يسلّمها إلى معاوية رضي الله عنه، فيعينه على الضّلال وعلى إبطال الحقّ وهدم الدّين، فيكون شريكه في كلّ مظلمة، ويبطل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوافقه على ذلك أخوه الحسين رضي الله عنهما، فما نقض قطّ بيعة معاوية إلى أن مات، فكيف استحلّ الحسن والحسين رضي الله عنهما إبطال عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما طائعين غير مكرهين؟ مع أنّ الحسن معه أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه.
فتالله لولا أن الحسن رضي الله عنه علم أنه في سعة من إسلامهم إلى معاوية، وفي سعة من أن لا يسلمها لما جمع بين الأمرين، فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي سحقه، وسلمها بعد ذلك لغير ضرورة، وذلك له مباح؛ بل هو الأفضل بلا شك، لأن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطب بذلك على المنبر وقال:"إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين" رويناه من طريق البخاري (2) .
(1) انظر: منهاج السنة: 4/209-210
(2)
ابن حزم: الفصل: 4/172-173، والحديث رواه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: "ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح =
هذا والبراهين المعلومة الضرورية في هذا الباب كثيرة، ويكفي بعضها لمعرفة الحق لمن تجرد عن الهوى والتعصب.
= به بين فئتين عظيمتين": 3/169، وأبو داود، كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الفتنة: 5/48 (ح4662) ، الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام: 5/658 (ح3773) ، والنسائي، كتاب الجمعة، باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر: 3/107، وأحمد: 5/37-38، 44، 49، 51