المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

قصة المهدي في كتب الشيعة قصة غريبة، نسج الخيال خيوطها وبلغ مداه في صياغة أحداثها، وتحولت إلى أسطورة كبرى لا تجد إلى العقل منفذًا، ولا في الفطر السليمة قبولاً حتى أنكرتها أكثر الفرق الشيعية التي عاصرت ولادتها (1) . ولنعرض لخطوطها العامة بدءًا من اختيار الحسن لأم المهدي المزعوم، إلى ولادة المهدي، واختفائه، ثم عودته، وسيرته.

أما اقتران الحسن بأم المهدي فقد صاغت كتب الشيعة أحداثه بما يشبه قصص ألف ليلة وليلة، فاختيار الحسن العسكري للجارية التي ينسبون لها الولد قد تم - كما تصوره كتب الشيعة - عن دراية بالغيب المستور، فهو يبعث خادمه لسوق بيع الجواري، ويعطيه أوصاف الجارية، ونوع لباسها، والكلام الذي ستنطق به أثناء بيعها، وما يحدث أثناء المساومة، ويرسل معه كتابًا لها بالرومية ما إن تنظر إليه حتى تبكي بكاءً شديدًا وتتمسح به، وحينما يعجب الخادم من كل ذلك تكشف له عن هويتها وأنها مليكة بنت يوشع بن قيصر ملك الروم. وتسرد له قصة حياتها، ووقوف الكوارث أمام زواجها من خطابها، وأنها رأت في منامها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يخطبها من المسيح وقال له:"يا روح الله جئتك خاطبًا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد"(الحسن العسكري) . ثم تتابع الرؤى عليها حتى تزورها في المنام أم الحسن العسكري، ومعها مريم بنت عمران، وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لها مريم: هذه سيدة النساء (2) أم زوجك أبي محمد عليه السلام، فتتعلق بها أم المهدي وتبكي وتشكو إليها

(1) انظر: ص828-830 من هذه الرسالة

(2)

لاحظ إطلاق هذا اللقب على أم الحسن العسكري؛ فهل هي أفضل من فاطمة؟!

ص: 841

امتناع الحسن العسكري من زيارتها، لكن أم الحسن قالت لها: إن ابني محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله (1) . ثم تمضي أحداث القصة حتى تسلم بتأثير هذه المنامات، فتبدأ زيارات الحسن العسكري لها في الأحلام.

ثم تذكر قصة وقوعها في أسر المسلمين، واختيارها لاسم "نرجس" إخفاءً لحقيقتها، ثم طلبها من مالكها ألا يبعها إلا لمن ترضاه وهو الذي يحمل المواصفات التي أوحي إليه بها في المنام، ثم تلتقي بعد ذلك بالحسن ولا تجد غراب في لقائه لأنها تعرفه وتتصل به قبل ذلك من خلال الرؤى والأحلام، فيزف لها البشرى بولد يملك الدنيا شرقًا وغربًا ويملأ الأرض قسطًا وعدلاً (2) .

أما حملها بالمهدي فأغرب وأعجب، إذ لم يظهر عليها أثر الحمل مع أن حكيمة بنت محمد (3) . - كما يقولون - حاولت التثبت من حملها فوثبت إليها - كما تزعم رواياتهم - فقلبتها ظهرًا لبطن فلم تر فيها أثرًا للحمل، وعادت إلى الحسن وأخبرته، لكنه أكد لها وجود الحمل وقال لها:"إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل"(4) . والأغرب من ذلك أن أم الولد نفسها حتى ليلة ولادتها لم تعلم بأمر حملها حتى قالت لحكيمة: "يا مولاتي ما أرى بي شيئًا من هذا"(5) .

ويبدو أن نفي ظهور أثر الحمل عليها هي حيلة أو محاولة للتخلص مما ثبت حتى لدى الشيعة من قيام جعفر (أخي الحسن العسكري) بحبس نساء الحسن وإمائه - بعد وفاة الحسن - لاستبرائهن حتى ثبت للقضاي والسلطان براءة أرحامهن من الحمل، وتم بعد ذلك قسمة ميراث الحسن (6) .

(1) أبو محمد لا يزورها وهي مشركة، وسيدة النساء، ومريم، ووصائف الجنة يزرنها وهي مشركة!

(2)

انظر: ابن بابويه/ إكمال الدين: ص395-400 (باب ما روي في نرجس أم القائم)

(3)

حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق

(4)

إكمال الدين: ص404

(5)

إكمال الدين: ص404

(6)

انظر: الغيبة للطوسي: ص74

ص: 842

وهذه الرواية التي تنفي تبين أمارات الحمل حتى لأم الوليد تثبت في آخرها ما ينقض هذا الزعم وهو أن المولود كان يتكلم وهو في بطن أمه حتى قالت حكيمة: "فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلم علي"(1)، وكذلك يروي الطوسي عن حكيمة نفسها أنها قالت حينما استدعاها الحسن إلى بيته للإشراف على ولادة المهدي من جاريته فقالت:"جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو؟ قال: من سوسن - تقول - فأدرت نظري فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.."(2) . فهي في هذه الرواية تدرك حملها بمجرد النظر إليها، وفي رواية ابن بابويه تقلبها ظهرًا لبط فلا تجد أثرًا، وهي هنا تسميها سوسن، وهناك تسميها نرجس، كما تسمى في بعض رواياتهم بأسماء أخرى (3) . وكل يضع كما يشاء، وكتب الاثني عشرية تستوعب الجميع.

وحينما ولد "سقط.. من بطن أمه جائيًا على ركبتيه، رافعًا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشك"(4) .

وفي رواية أخرى أنه سقط ساجدًا لله وهو يتشهد، ويدعو بقوله:"اللهم أنجز لي ما وعدتني.."(5) . ثم عرج بهذا المولود إلى السماء بواسطة طيور خضر، وحينما تبكي الأم نرجس خوفًا على ولدها يجيبها الحسن بقوله:"سيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه"(6) .

أما نموه فهو مخالف تمامًا لسنة الله في خلقه، وخارج عن النواميس الطبيعية التي يخضع لها الكائن الحي بأمر الله، يصور ذلك الخبر المروي على لسان حكيمة

(1) إكمال الدين: ص404

(2)

الغيبة: ص141

(3)

تسمى ريحانة، وصقيل. (إكمال الدين: ص408)

(4)

إكمال الدين: ص406، وانظر: الغيبة للطوسي: ص147

(5)

إكمال الدين: ص404-405

(6)

إكمال الدين: ص405

ص: 843

بنت محمد، حيث تقول:"لما كان بعد أربعين يومًا (1) . دخلت على أبي محمد عليه السلام فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار فلم أر وجهًا أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمد عليه السلام: هذا المولود الكريم على الله عز وجل، فقلت: سيدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يومًا، فتبسم وقال: يا عمتي أما علمت أنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة"(2) .

وفي رواية القمي "إن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإن الصبي منا يتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن، ويعبد ربه عز وجل عند الرضاع، تطيعه (3) . الملائكة وتنزل إليه صباحًا ومساءً"(4) .

ولكن هذا المولود الذي يحمل كل هذه الظواهر الخارقة لا يعلم به أحد ولا يرى له أثر، فما فائدة إجراء هذه الخوارق إذن؟

ثم ما لبث أن غاب ولم يعلم بأمره ولا غيبته أحد إلا "حكيمة" والتي تقول - كما تنسب إليها الرواية -: إن الحسن أمرها ألا تفشي هذا الخبر في أمر هذا المولود حتى ترى اختلاف شيعته بعد وفاته، حيث قال - الحسن -:"فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرائيل عليه السلام فرسه ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً"(5) .

فمسألة المهدي وغيبته تسربت إلى الشيعة عن طريق حكيمة كما تقوله رواية شيخ الطائفة وما أدري كيف يقبل الشيعة قول امرأة واحدة غير معصومة في أصل المذهب، وهم الذين يردون إجماع الأمة بأسرها إذا لم يكن المعصوم فيهم

(1) يعني من مولده

(2)

الغيبة للطوسي: ص144

(3)

كذا في الأصل المنقول عنه ولعله "تطعمه"

(4)

إكمال الدين: ص405

(5)

الغيبة للطوسي: ص142

ص: 844

ولو في مسألة فرعية؟!

وتلاحظ أن إمامهم يأمر بحجب أمر المهدي وغيبته إلا عن الثقات من شيعته، مع أن من لم يعرف الإمام - عندهم - فإنما يعرف ويعبد غير الله (1) ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق (2) .

أما وقت غيبة المهدي فإن روايات الشيعة تتضارب في تحديده. فيروي الطوسي أن حكيمة قالت: ".. فلما كان بعد ثلاث (من مولده) اشتقت إلى ولي الله فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أر أثرًا ولا سمعت ذكرًا، فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمد عليه السلام فاستحيت أن أبدأ بالسؤال فبدأني فقال: هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيه حتى يأذن الله له"(3) .

وفي رواية ثانية أن حكيمة فقدته بعد سبعة أيام (4)، وفي رواية ثالثة: أنها رأته بعد أربعين يومًا يمشي في الدار ثم فقدته بعد ذلك (5) ، وفي رواية أخرى أن حكيمة كانت تختلف إلى دار العسكري، تزوره كل أربعين يومًا، وقبل وفاته بأيام قلائل - كان عمر المهدي آنذاك خمس سنوات على الأكثر (6) .- زارت دار العسكري كعادتها، تقول: ف"رأيته رجلاً فلم أعرفه، فقلت لابن أخي عليه السلام: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس، هذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي"(7) .

وهكذا غاب المهدي ولم يعلم بأمره أحد سوى حكيمة التي أودعت خبره ثقات الشيعة - كما تقول رواياتهم -.

(1) أصول الكافي: 1/181

(2)

أصول الكافي: 1/184

(3)

الغيبة للطوسي: ص142

(4)

الغيبة للطوسي: ص142

(5)

الغيبة للطوسي: ص144

(6)

لأن مولده كما تقول رواياتهم في سنة 255 أو256، ووفاة العسكري سنة 260هـ

(7)

إكمال الدين: ص405-406

ص: 845

أما مكان الغيبة فإنه كان موضع السرية والكتمان، ولما تناهى إلى شيعته خبر الغيبة المزعومة حاولوا التعرف على مكانه إلا أن الباب الذي يدعي الصلة به رفض البوح بشيء من ذلك وأخرج "توقيعًا" سريًا ينسبه للمهدي يقول فيه:".. إن عرفوا المكان دلوا عليه"(1) . فهذا النص يشير إلى أنه في مكان معين، وفي مخبأ سري لا يعرفه إلا الباب، وأن سب كتمان مكان غيبته عن شيعته هو خوفه من إخبارهم للغير بمكانه.

ولكن دلت بعض روايات الكافي على البلد الذي يختفي فيه، حيث قالت:"لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة"(2) .

فهي تشير إلى أنه يختبئ بالمدينة المنورة، لأن طيبة من أسمائها (3)، ولما قال أحدهم للحسن العسكري: إن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة (4) .

بينما يروي الطوسي في الغيبة أنه مقيم بجبل يدعى رضوى، حيث يقول في روايته: ".. عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما نزلنا الروحاء (5) . نظر إلى جبلها مطلاً عليها، فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى (6) . من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إن فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين

(1) أصول الكافي: 1/333

(2)

أصول الكافي: 1/340، الغيبة للنعماني: ص125، بحار الأنوار: 52/153

(3)

انظر: معجم ما استعجم: 2/900

(4)

أصول الكافي: 1/328، وقال المازندراني في شرح الكافي: يحتمل أن يراد بالمدية سر من رأى (شرح جامع: 6/208) وهذا الاحتمال قد لا يرد في الرواية التي قبلها

(5)

الروحاء: بفتح أوله: ممدود: قرية جامعة لمزينة، بينما وبين المدينة أحد وأربعون ميلاً. (معجم ما استعجب: 1/681)

(6)

رضوى: وهو جبل بالمدينة فيه أشجار ومياه كثيرة، وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية به مقيم حي يرزق (معجم البلدان: 3/51)

ص: 846

واحدة قصيرة والأخرى طويلة" (1) .

وتذكر روايات أخرى أنه يختفي في بعض وديان مكة، فقد جاء في تفسير العياشي وغيره أن أبا جعفر قال: "يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى (2) .-

" (3) .

غير أن أحاديثهم في الأدعية والزيارة لمقامات الأئمة تلوح إلى أنه مقيم بسرداب سامراء (4) ، ولذلك جاء فيها "ثم ائت سرداب الغيبة وقف بين البابين، ماسكًا جانب الباب بيدك، ثم تنحنح كالمستأذن، وسم وانزل، وعليك السكينة والوقار، وصل ركعتين في عرضة السرداب وقل:.. اللهم طال الانتظار وشمت بنا الفجار، وصعب علينا الانتصار، اللهم أرنا وجه وليك الميمون، في حياتنا وبعد المنون، اللهم إني أدين لك بالرجعة، بين يدي صاحب هذه البقعة، الغوث الغوث الغوث يا صاحب الزمان، قطعت في وصلتك الخلاف، وهجرت لزيارتك الأوطان، وأخفيت أمري على أهل البلدان لتكون شفيعًا عند ربك وربي.. يا مولاي يا ابن الحسن بن علي جئتك زائرًا لك"(5) .

وتشير بعض أخبارهم إلى أن معه في غيبته ثلاثين من أوليائه يؤنسونه في وحدته "وما بثلاثين من وحشة"(6) .

(1) الغيبة: ص103

(2)

ذي طوى: بفتح أوله، مقصور منون، على وزن فعل: واد بمكة. (انظر: معجم ما استعجم: 2/896)

(3)

تفسير العياشي: 2/56، البرهان: 2/81-82، بحار الأنوار: 52/341

(4)

قال ياقوت: سامراء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخًا يقال لها: سر من رأى فخففها الناس وقالوا: سامراء وفيها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخر منه (معجم البلدان 3/173)

(5)

علي بن طاووس/ مصباح الزائر: ص229، محمد المشهدي/ المزار الكبير: ص216، المجلسي/ بحار الأنوار: 102/102-102، الشيرازي/ كلمة المهدي: ص471-472

(6)

أصول الكافي: 1/340

ص: 847

وتخصيص السرداب بتلك الأدعية والمناجاة والاستئذان عند الدخول.. يدل على أن واضعي تلك الروايات يوهمون أتباعهم بوجوده في السرداب، ولهذا قال ابن خلكان:"والشيعة ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى"(1) . وذكر ابن الأثير أنهم يعتقدون أن المنتظر بسرداب سامراء (2) .

ورغم ذلك فإن بعض الشيعة المعاصرين ينفي ما هو واقع ويقول: "لم يرد خبر ولا وجد في كتاب من كتب الشيعة أن المهدي غاب في السرداب.. ولا أنه عند ظهوره يخرج منه، بل يكون خروجه بمكة ويبايع بين الركن والمقام"(3) .

ولكن عمل الشيعة يخالف ذلك، ويتفق مع ما جاء في كتب الزيارة عندهم. فقد ظل الشيعة - كما يقول الشيعي أمير علي - إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي الذي صنف فيه ابن خلدون تاريخه الكبير يجتمعون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب سرداب سامراء فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون إلى بيوتهم بعد طول الانتظار وهم يشعرون بخيبة الأمل والحزن (4) .

وكان هذا الانتظار مثار سخرية الساخرين حتى قيل:

ما آن للسرداب أن يلد الذي

كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم

ثلثتم العنقاء والغيلانا (5) .

وقال ابن القيم: "ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل"(6) . ولهذا جاء في أدعيتهم ما يشعر بأنهم صاروا بهذا الاعتقاد

(1) وفيات الأعيان: 4/176

(2)

الكامل: 5/373

(3)

محسن الأمين/ البرهان على وجود صاحب الزمان: ص102

(4)

أمير علي/ روح الإسلام: 1/210، وانظر: مقدمة ابن خلدون: 2/531- 532، وانظر: ابن القيم/ المنار المنيف: ص152

(5)

انظر: الصواعق المحرقة: ص168، المنار المنيف: ص152

(6)

المنار المنيف: ص152-153

ص: 848

موضع السخرية والشماتة فيدعو أحدهم ويقول - مناجيًا الغائب -: "طال الانتظار وشمت بنا الفجار.."(1) .

وقد جاء في بعض أدعية الزيارات عندهم ما ينبئ عن حيرتهم في مكانه الذي يختفي فيه، فهم يهتفون به ويقولون:".. ليت شعري أي استقر بك النوى، بل أي أرض تقلك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها، أم ذي طوى.."(2) .

هذا وتذكر روايات أخرى لهم أنه ليس له مكان ثابت بل هو يعيش بين الناس "يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه"(3) .

وهكذا تختلف أخبارهم في تحديد مكانه، وكل زمرة تذهب في هذا مذهبًا على اختلاف الفصائل الشيعية أو على اختلاف الأحوال والأزمنة، أو حتى تستمر لعبة التلبيس والتزوير.

ومن الطبيعي أن تختلف مادام غائبهم لا وجود له.

وإذا كان مكانه موضع السرية في بعض أخبارهم، فإن اسمه أيضًا قد حجب عن شيعته، فقد جاء في "توقيعات" المنتظر التي تصدر عن "بابه":"إن دللتم على الاسم أذاعوه.."(4) .

فهذا النص يشير إلى أنه مجهول الاسم، كما هو مجهول المكان والولادة والنشأة.. ولكن ورد في كتب الشيعة أن اسمه محمد، غير أن روايات الشيعة كانت تحرم تسميته باسمه حيث جاء فيها:"ولا يحل لكم ذكره باسمه"(5) . بل اعتبرت من يسميه باسمه في عداد الكافرين، وقالت: "صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا

(1) مضى تخريج هذا النص ص:848

(2)

بحار الأنوار: 102/108

(3)

أصول الكافي: 1/337-338، الغيبة للنعماني: ص116

(4)

أصول الكافي: 1/333

(5)

أصول الكافي: 1/333، الإرشاد: ص394، إكمال الدين: ص608

ص: 849

كافر" (1) ، ولذلك تلاحظ حين يرد ذكره في رواياتهم يكتب اسمه بالحروف المقطعة هكذا: م ح م د (2) . ولما قالوا: كيف نذكره؟ قال الحسن العسكري: "قولوا: الحجة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه" (3) .

وكانت الدوائر الشيعية القديمة لا تذكره فيما بينها إلا بالرمز الذي لا يعرفه سواهم كالغريم. ولهذا قال المفيد عن إطلاق هذا اللقب عليه: "هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديمًا بينها، ويكون خطابها عليه السلام كذا - للتقية"(4) . ورموزهم التي يطلقونها عليه كثيرة مثل: "القائم والخلف، والسيد، والناحية المقدسة، والصاحب، وصاحب الزمان، وصاحب العصر (5) ، وصاحب الأمر وغيرها"(6) .

وعملية الكتمان تلك تنبئ عن تنظيم سري داخل الدولة الإسلامية، يتخذ أتباعه لغة الرمز والإشارة للتفاهم فيما بينهم، وهي من جانب آخر محاولة للتستر على الكذب، وإخفاء الحقيقة، ثم هي تنقض مايدعونه أن مهديهم قد ذكر باسمه، ووصفه من قبل (7) .

أما مدة الغيبة: فإن مخترعي هذه الفكرة كانوا يمنون أتباعهم بقصر المدة، وسرعة العودة لغائبهم، حتى أكدوا في رواياتهم بأنها لا تعدو ست سنين في أقصى الأحوال، فقد جاء في الكافي عن علي بن أبي طالب - كما يفترون - أنه قال عن منتظرهم:"تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون"(8) .

(1) أصول الكافي: 1/333، إكمال الدين: ص607

(2)

انظر - مثلاً - أصول لاكافي: 1/329

(3)

أصول الكافي: 1/33، الإرشاد: ص394

(4)

الإرشاد: ص400

(5)

انظر: حصائل الفكر: ص35

(6)

انظر: أصول الكافي:1/333، ويرى بعض شيوخهم أن النهي عن التصريح بالاسم خاص بزمن الخوف والتقية (انظر: المازندراني/ شرح جامع: 6/216-217)

(7)

انظر: أصول الكافي، باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة واحدًا واحدًا: 1/286 وما بعدها

(8)

أصول الكافي: 1/338

ص: 850

ولما سئل كم تكون الحيرة والغيبة، قال:"ستة أيام أو ستة أشهر، أو ست سنين.."(1) .

ويبدو أن هذا النص قد وضع في الأيام الأولى لنشوء فكرة الغيبة، لتسكين النفوس الثائرة وتهدئة القلوب الحائرة التي أفاقت على الحقيقة المرة حينما مات الإمام بلا عقب، وانجلت الخدعة وتبينت الحقيقة، فربطت حينئذ دعوى الغيبة بهذا الوعد القريب لتكون أقرب للتصديق وأسهل، وليضمنوا الكسب الحاضر للمال الجاهز الذي ينتظر ظهور الإمام ليدفع إليه باسم حق آل البيت، وفي البداء والتقية متسع للتأويل، والرجوع عن الكلام.. في المستقبل.. وهذا ما وقع بالنسبة لموقف شيوخهم المتأخرين من هذا النص، حيث قال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد أن الغيبة والحيرة في ذلك القدر من الزمان أمر محتوم ويجري فيهما البداء بعد ذلك (2) ، ومنهم من حاول التخلص بغير هذا (3) ، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على الطعن في مسألة الغيبة ذاتها.

كما جاء عندهم توقيت ظهور هذا الأمر في السبعين من الغيبة، ثم غير إلى مائة وأربعين، ثم أخر إلى غير أمد معين (4) ، ونسبوا للأئمة استطلاع وقت خروج الغائب من الحروف المقطعة في أوائل السور (5) .

ويظهر من رواياتهم أن الرموز التي تدير دفة التشيع كانت تمني أتباعها

(1) أصول الكافي: 1/338

(2)

المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) : 6/237

(3)

حيث قال بعضهم: يحتمل أن المقصود تحديد مدة الحيرة بهذه الفترة لا الغيبة (نفس الموضع من المصدر السابق) مع أن الحيرة والشك قد صاحبتهم في أمر الغيبة كما يظهر ذلك لك من الكتب التي ألفت في هذه المسألة، وأن السبب في تأليفها يعود لعنصر الشك في الغيبة الذي سيطر على أذهان الكثير منهم. (انظر - مثلاً -: إكمال الدين/ لابن بابويه: ص2)

(4)

انظر: أصول الكافي (مع شرحه للمازندراني) : 6/314، وانظر: الغيبة للطوسي: ص263، والغيبة للنعماني: ص197

(5)

انظر: تفسير العياشي: 2/2، البرهان: 2/3، بحار الأنوار: 62/106-109

ص: 851

بقرب الفرج والظهور للغائب المستور، حتى كان من الشيعة من يتوقع خروج الغائب بين لحظة وأخرى، فقد جاء في أخبارهم أن منهم من ترك البيع والشراء والعمل بانتظار الغائب واشتكوا من هذه الحالة حتى قال بعضهم:"لقد تركنا أسواقنا انتظارًا لهذا الأمر حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده"(1) .

ولكن الهدف من هذه الوعود هو ما أشرنا إليه من محاولتهم إمرار "لعبتهم" وإزالة شك الأتباع وحيرتهم، وهذا ديدنهم في تعليل الشيعة بالأماني، وتخديرهم بالوعود حتى اعترفوا في أخبارهم:"إن الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة"(2) . وسبب ذلك أنه لو قيل لهم: "إن هذا الأمر لا يكون إلا مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامة الناس عن الإسلام (يعني مذهبهم) ، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفًا لقلوب الناس وتقريبًا للفرج"(3) .

واختلفت رواياتهم التي وضعت لمعالجة مشكلة تحديد فترة الغيبة في طريقة معالجتها، فهي تارة أمر بالتسليم وتقول:"إذا حدثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله، وإذا حدثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرتين"(4) .

وهي تارة تعزو سبب إخلاف الوعد للظهور الذي حددته الأئمة بإفشاء الشيعة لسره، ولذلك حينما قال بعضهم:"ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال (إمامهم) : بلى، ولكنكم أذعتم فأخره الله"(5) . وتقول رواياتهم: "إن الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر.. إلى أربعين ومائة، فحدثناكم" فأذعتم الحديث،

(1) انظر: روضة الكافي: 8/80، عن مفتاح الكتب الأربعة: 3/331

(2)

أصول الكافي: 1/369، الغيبة للنعماني: ص198، الغيبة للطوسي: ص207-208، بحار الأنوار: 52/102. والخبر مروي عن علي الرضا

(3)

أصول الكافي: 1/369، الغيبة للنعماني: ص198، الغيبة للطوسي: ص207-208، بحار الأنوار: 52/102

(4)

أصول الكافي: 1/369، الغيبة للنعماني: ص198، بحار الأنوار: 52/118

(5)

الغيبة للنعماني: ص194، الغيبة للطوسي: ص263، بحار الأنوار: 52/117

ص: 852

فكشفتم قناع الستر (1) . ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتًا عندنا (2) .

وهي تارة تعزو ذلك لقتل الحسين. يقول أبو عبد الله (3) .: "إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين (4) . فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض، فأخره.."(5) .

وهم ينظمون ذلك كله في عقيدة البداء، ولذلك قال المازندراني:"توقيت ظهور هذا الأمر.. توقيت بدائي فلذلك جرى فيه البداء"(6) .

وهي حينًا تنفض اليد من أخبار التوقيت كلها وتقول: "كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون"(7) ، "كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نوقت"(8) . "ما وقتنا فيما مضى ولا نوقت فيما يستقبل"(9) ، "من وقت لك من الناس شيئًا فلا تهابن أن تكذبه فلسنا نوقت لأحد وقتًا"(10) . "أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين"(11) .

(1) في بعض النسخ قناع السر

(2)

أصول الكافي: 1/368، الغيبة للنعماني: ص197، الغيبة للطوسي: ص263، بحار الأنوار: 52/117

(3)

من المعلوم أن جعفرًا مات قبل نشوء فكرة الغيبة، ولكنهم ينسبون لجميع الأئمة أخبارًا في وقوع الغيبة

(4)

قال شارح الكافي: في السبعين من الغيبة على الظاهر (المازندراني/ شرح جامع: 6/314)

(5)

أصول الكافي: 1/368، الغيبة للنعماني: ص197، الغيبة للطوسي: ص263، بحار الأنوار: 52/117

(6)

شرح جامع: 6/314، وراجع الغيبة للطوسي: ص263-264

(7)

أصول الكافي: 1/368، الغيبة للطوسي: ص262، الغيبة للنعماني: ص198، بحار الأنوار: 52/103-104

(8)

أصول الكافي: 1/368، الغيبة للنعماني: ص198

(9)

الغيبة للطوسي: ص262، بحار الأنوار: 52/103

(10)

الغيبة للنعماني: ص195، الغيبة للطوسي: ص262، بحار الأنوار: 52/104

(11)

أصول الكافي: 1/368، وانظر: الغيبة للنعمان: ص198

ص: 853

وهكذا تتضارب أخبارهم وتتناقض، لأن الوضع يتم حسب الظروف والمناسبات.

أما سبب غيبته: فقد جاء في الكافي عن زرارة قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: إن للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: إنه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل"(1) .

وجاءت عندهم روايات عدة في هذا المعنى (2) . وأكد ذلك شيخ الطائفة الطوسي بقوله: "لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار وكان يتحمل المشاق والأذى، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء عليهم السلام إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى"(3) .

ولكن هذا التعليل للغيبة الذي يؤكده شيخ الطائفة لا يتصور في حق الأئمة - على ما يعتقد الشيعة - لأن الأئمة "يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيار منهم". كما أثبت ذلك الكليني في الكافي في روايات عديدة، وبوب لها بهذا اللفظ المذكور (4) . وأثبت ذلك المجلسي في بحار الأنوار وبوب له بلفظ:"أنهم عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنه لا يقع ذلك إلا باختيارهم"(5) . فكيف يخرجون من هذا التناقض؟! (6) .

كما أن الأئمة - على حد ما يعتقد الشيعة - "يعلمون ما كان وما يكون ولا

(1) أصول الكافي: 1/338، الغيبة للنعماني: ص118، إكمال الدين: ص449

(2)

انظر: أصول الكافي 1/337، 340، الغيبة للنعماني: ص118، إكمال الدين: ص449

(3)

الغيبة لطلوسي، فصل في ذكر العلة المانعة لصاحب الأمر من الظهور: ص199

(4)

أصول الكافي: 1/258

(5)

بحار الأنوار: 27/285

(6)

وقد رجعت إلى شرح الكافي للمازندراني لأطلع على ما يقوله في روايات الكافي التي تعلل غيبته بخوفه من القتل.. فوجدته مر عليها ولم يتعقبها بشيء

ص: 854

يخفى عليهم الشيء" (1) ، كما قرر ذلك الكليني في باب يحمل العنوان المذكور.

فبوسعهم أن يحترزوا من الخطر بما لا يخطر على بال أحد.

ثم لماذا لم يقتل واحد من أولئك النواب الأربعة الذين يدعون الصلة بالإمام مباشرة وهم ليسوا كالإمام لا يموتون إلا باختيار منهم؟!

كذلك قد توفر الأمن التام للإمام في أثناء قيام بعض الدول الشيعية فلماذا لم يخرج إليهم، ويأنسوا بطلعته، ويستفيدوا من علمه، وسلاحه، وقوته.. وإذا مازالت الدولة رجع إلى مكمنه؟ ولذلك قال أحمد الكسروي - الشيعي الأصل -: "إذا كان منتظرهم قد اختفى لخوفه على نفسه فلم لم يظهر عندما استولى آل بويه الشيعيون على بغداد، وصيروا خلفاء بني العباس طوع أمرهم؟

فلم لم يظهر عندما قام الشاه إسماعيل الصفوي وأجرى من دماء السنيين أنهارًا؟

فلم لم يظهر عندما كان كريمخان الزندي وهو من أكبر سلاطين إيران يضرب على السكة اسم إمامكم (صاحب الزمان) ويعد نفسه وكيلاً عنه؟

وبعد، فلم لا يظهر اليوم وقد كمل عدد الشيعيين ستين مليونًا وأكثرهم من منتظريه؟ " (2) .

وكذلك اليوم - من بعد الكسروي - قامت دولة الآيات فلم لا يخرج إليهم ولا سيما وهم يجأرون بالدعوات، والاستغاثة لخروجه منذ مئات السنين.

كما وضعت روايات تعلل الغيبة بامتحان قلوب الشيعة واختبارهم، وقد يكون هذا التعليل الذي تحمله تلك الروايات محاولة منهم لمعالجة ظاهرة الشك الذي تسلل إلى قلوب الشيعة، حيث لم تجد هذه المسألة طريقها إلى عقول كثير منهم حتى اضطرهم ذلك إلى نبذ عقيدة التشيع ورفضها.

(1) أصول الكافي: 1/260

(2)

التشيع والشيعة: ص42

ص: 855

كما مل الشيعة الانتظار للغائب الموعود حتى قال قائلهم: "قد طال هذا الأمر علينا حتى ضاقت قلوبنا ومتنا كمدًا.."(1) . وأطل عليهم شبخ الشك الرهيب وقد شهد بذلك ابن بابويه القمي حيث قال: "رجعت إلى نيسابور، وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة"(2) .

وقد صورت رواياتهم - التي وضعت لمعاجلة هذا الأمر كما يظهر - حيرتهم في أمر الغائب، وطول غيبته وانقطاع أخباره، جاء في الكافي "عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم.. وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون" (3) . فعللوا هذا الاختلاف بأنه امتحان للشيعة.

وقد نقلت لنا كتب الفرق أن هذا ما حدث لهم بعد موت الحسن العسكري - كما سبق - فكأن هذه الرواية وأمثالها اخترعت لمواجهة نزعة الحيرة والشك التي داهمتهم بعد موت إمامهم عقيمًا.

وقد أكثروا من الروايات التي تجري هذا المجرى، وتصور واقعهم أبلغ تصوير.

فقد جاء في الكافي: "لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس،

(1) الغيبة للنعماني: ص120

(2)

إكمال الدين: ص2

(3)

أصول الكافي: 1/337

ص: 856

لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد" (1) .

فهم يدعون أن ما حل بهم بسبب دعوى الغيبة إنما هو من أجل التمحيص والابتلاء، وأنه إذا تم ذلك رجع القائم، ونسبوا إلى جعفر الصادق: أنه دخل عليه بعض أصحابه وهو يبكي كالثكلى، لأنه نظر - كما يقولون - في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فقال:"تأملت فيه مولد قائمنا عليه السلام، وغيبته وإبطاءه وطول عمى وبلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينه.."(2) .

فهذه الرواية المنسوبة إلى جعفر تتحدث عن درة كثير من الشيعة بسبب دعوى الغيبة التي طال أمدها، وهي قد وضعت - كغيره - بعدما حل بهم هذا الأمر لحضهم على البقاء في نطاق التشيع، وذلك بدعوى أن هذا أمر أخبرت به الأئمة وهو من أمارات رجعة الإمام المفقود.

وقد شهد شيخهم النعماني وهو من شيوخ القرن الثالث، وممن عايش واقع الشيعة في الفترة المبكرة لدعوى الغيبة، فشهادته في ذلك في غاية الأهمية، شهد بشك جميع الشيعة في أمر الغيبة - إلا القليل - يقول:"فإنا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيع، المنتمية إلى نبينا محمد وآله صلى الله عليهم ممن يقول بالإمامة.. قد تفرقت كلمتها، وتشعبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله عز وجل، وخفت إلى محارم الله تعالى فطال بعضهم غلوًا، وانخفض بعضهم تقصيرًا، وشكوا جميعًا إلى القليل في إمام زمانهم وولي أمرهم وحجة ربهم.. للمحنة الواقعة بهذه الغيبة"(3) .

(1) أصول الكافي: 1/370

(2)

الغيبة للطوسي: ص105-106

(3)

الغيبة للنعماني: ص11

ص: 857

وقد أخذ بعضهم يلعن بعضًا، ويبرأ منه ويشهد عليه بالكفر، كما تصور ذلك رواية النعماني التي تقول:"لا يكون الأمر الذي ينتظر حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه بعض، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضًا"(1) . وجعلت الرواية هذه الظاهرة الخطيرة خيرًا، لأنها مؤذنة بخروج القائم فقالت:"الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله"(2) .

فيبدو من خلال هذه النصوص أن محدثي الشيعة عملوا على مواجهة هذه النكسة بوضع هذه الروايات على أهل البيت وجعلوها تشير إلى ما يلحق الشيعة من التمحيص والابتلاء والردة عند وقوع الغيبة وذلك من أجل إغرائهم بالبقاء داخل نطاق التشيع الإمامي.

ورغم هذه الاعترافات والشهادات فإن فكرة الغيبة التي اضطرت الإمامية للقول بها قد أحدثت هزة عنيفة زلزلت كيان التشيع الإمامي وكادت أن تؤدي إلى سقوطه بذهاب أتباعه.. رغم ذلك فإنهم يقولون في رواياتهم: "لو علم الله أنهم يرتابون ما خيب حجته طرفة عين"(3) . فأي ريبة أشد من شك الجميع إلا القليل، ومن التفرق والتلاعن؟!.

ويلاحظ كثرة التكذيب للغيبة من لدن الشيعة، ولا سيما في مراحل نشأتها، ولعل السبب يعود إلى وضوح كذبها لمن عاصرها وعايش ظروفها، ولذلك فقد نشط مؤسسو هذه الفكرة لسد الثغرات التي تهب عليهم منها رياح الشك، وتسديد الفجوات التي تتضح منها صورة الكذب، فعالجوا مشكلة التكذيب والتلاعن والتفرق بوضع روايات على أهل البيت تنبئ بحدوثها وتبشر بالخير عند وقوعها لأنها مؤذنة بعودة القائم (ولكنها وقعت ولم يخرج القائم) ، حاولوا معالجة ما ترامى إلى أسماع الشيعة من تكذيب أسرة الحسن لهذه الدعوات بوضع روايات

(1) الغيبة للنعماني: ص137-138، بحار الأنوار: 52/114-115

(2)

الغيبة للنعماني: ص138، بحار الأنوار: ص115

(3)

أصول الكافي: 1/333، الغيبة للنعماني: ص107

ص: 858

تقول: "إن للقائم غيبة ويجحده أهله" وحينما سأل زرارة - الموضوع عليه الخبر (1) . - عن سبب ذلك قال أبو جعفر - فيما تزعم الرواية -: "يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه"(2) .

ومن الفجوات كذلك أنه لا أحد من أسرة الحسن ولا غيرهم، يعلم بولادته ولا بمنشئه فوضعوا روايات تقول:"يبعث الله لهذا الأمر غلامًا منا، خفي الولادة والمنشأ"(3) .

ومن تتبع رواياتهم بهذه الطريقة وجد العجب.

كما قاموا من جهة أخرى بوضع روايات تجعل من انتظار الفرج بخروج القائم من أفضل الأعمال وأعظمها وذلك - فيما يظهر - لطرد الملل من طول الانتظار، وإزالة الأسى الناتج عن شدة الترقب، والشعور بالحرمان من صحبة القائم الإمام. جاء في الكافي:"أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله جل وعز ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحًا ومساءً"(4) .

فجعلوا الغيبة أمارة على ظهور الفرج مع أنه قد مضى اليوم على الغيبة أكثر من ألف ومائة سنة، ولم يقع شيء من هذه الوعود، فما تأثير ذلك على من يقرأ أمثال هذه الأماني من الشيعة؟! ألا يزداد الشك ويضعف اليقين، وقد يبحث عن مذهب آخر سوى الإسلام، لأنه قيل له - زورًا وبهتانًا - إن هذا المهدي الموعود متفق عليه بين السنة والشيعة.

ولهم روايات كثيرة في عقيدة الانتظار، وقد ذكر المجلسي منها (77) رواية

(1) لأنه مات قبل نشوء فكرة الغيبة

(2)

الغيبة للنعماني: ص118

(3)

أصول الكافي: 1/341-342، الغيبة للنعماني: ص112

(4)

أصول الكافي: 1/333، بحار الأنوار: 52/145

ص: 859

في باب عقده بعنوان "باب فضل انتظار الفرج، ومدح الشيعة في زمن الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان"(1) . حتى نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عز وجل"(2) . يعنون به خروج منتظرهم.

وجعلوا الانتظار أحب الأعمال إلى الله (3) . و"المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان"(4)، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنهم لأصحابه:"سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن. فقال: إنكم لو تحملوا ما حملوا لم تصبروا صبرهم"(5) . وغاب عن واضع الرواية من زلة الصحابة عند الرافضة.

وجاءت عندهم روايات تطفئ ذلك التطلع لخروجه وتقول "من عرف هذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم عليه السلام كان له مثل أجر من قتل معه"(6) .

وبجانب هذا الترغيب فهناك التهديد والوعيد بالكفر والخلود في النار لمن أنكر غيبة القائم حتى جعلوا إنكارها كالكفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل عدّوا ذلك مثل كفر إبليس.

روى صدوقهم بسنده المزعوم "عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدًا صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا سيدي ومن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنهم شخصه ولا يحل لهم تسميته"(7)، وافتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أنكر القائم

(1) بحار الأنوار: 52/122-150، وانظر: إكمال الدين: ص603 وما بعدها

(2)

بحار الأنوار: 52/122

(3)

بحار الأنوار: 52/122

(4)

بحار الأنوار: 52/122

(5)

بحار الأنوار: 52/130

(6)

بحار الأنوار: 52/131

(7)

إكمال الدين: ص388

ص: 860

من ولدي فقد أنكرني" (1) .

وقال صدوقهم: "مثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه في السجود لآدم"(2) .

ومسألة الغيبة صارت بفعل شيوخ الشيعة مصدر حقد، ضد الصحابة ومن تبعهم بإحسان، حتى قال شيخهم الجزائري:"إني كلما أشكلت عليّ مسألة أوجبت على نفسي لعنهم، لأنهم سبب في استتار الحجة"(3) .

فتلاحظ أنهم يحاولون توجيه السخط والحقد الكامن في نفوس الشيع من مرارة الانتظار، ولوعة الاعتقاد بأن "الإمام الغائب مقموع مقهور مزاحم في حقه قد غلب قهرًا"(4) .

وأنه بسبب غيبته - كما يزعمون - "جرى على شيعته من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء ونهب الأموال.."(5) .

فيوجهون هذا الحقد الناتج من هذا الشعور إلى سب ولعن لخير جيل عرفته البشرية.. ومن اقتفى أثرهم.

(1) إكمال الدين: ص390، لطف الله الصافي/ منتخب الأثر: ص492

(2)

إكمال الدين: ص13

(3)

شرح الصحيفة السجادية: ص37

(4)

إكمال الدين: ص12

(5)

إكمال الدين: ص12

ص: 861