المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

أما هداية الدلالة على الحق والإرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان، ولا تنحصر في الاثني عشر. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1) . وإطلاق القول بأن هداية العباد لا تتم إلا بالأئمة جرأة على الله سبحانه.

‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

قالوا: لا يفلح من دعا الله بغير الأئمة، ومن فعل ذلك فقد هلك.

جاء في أخبارهم عن الأئمة: "من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك"(2) . وبلغت جرأتهم في هذا الباب أن قالوا: "إنّ دعاء الأنبياء استجيب بالتّوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين"(3) .

وقد استشهد على ذلك المجلسي بإحدى عشرة رواية من رواياتهم (4) . كما عرض لروايات كثيرة مماثلة في أبواب أحوال الأنبياء، وبالأخص في أحوال آدم وموسى وإبراهيم، وكذا في أبواب معجزات النبي (5) .

وجاءت روايات كثيرة في هذا المعنى في عدد من مصادرهم المعتمدة (6) . وهذا "الزعم" الخطير يهدف بطريقة ماكرة، وأسلوب مقنع إلى "تأليه الأئمة" وأنهم ملجأ المحتاجين ومفزع الملهوفين وأمان الخائفين وقبلة الداعين، ولا تستجاب الدعوات إلا بذكر أسمائهم، فأي فرق بين هذا وبين ما يزعمه المشركون في أصنامهم؟!

نعم هناك فرق، وهو أن المشركين في وقت الشدة يخلصون الدعاء لله

(1) يوسف، آية:108

(2)

الطّبري/ بشارة المصطفى: ص117-119، البحار: 23/103، وسائل الشّيعة: 4/1142

(3)

وهذا أحد أبواب بحار الأنوار: 26/319

(4)

انظر: بحار الأنوار: 26/319-334

(5)

بحار الأنوار: 26/334

(6)

انظر- مثلاً -: تفسير العياشي: 1/41، ابن بابويه/ الخصال: 1/130، معاني الأخبار ص42، الطبرسي/ الاحتجاج: ص27، 28، وانظر: تفسير الحسن العسكري: ص117، 118، وسائل الشيعة: 4/1139 وغيرها

ص: 445

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1) . هذه الآية تبني ما هو الشّرك وما هو التّوحيد، فهي تتعلّق بالإخلاص في الدّعاء عند اضطراب الموج ولا تتعلّق بالإمامة. أما هؤلاء فإنهم يشركون في الرخاء والشدة، بل يزعمون أن الشدة لا ترفع إلا بالدعاء بأسماء الأئمة.

تقول إحدى رواياتهم: "عن الرضا عليه السلام قال: لمّا أشرف نوح عليه السلام على الغرق دعا الله بحقّنا فدفع الله عنه الغرق، ولمّا رمي إبراهيم في النّار دعا الله بحقّنا فجعل الله النّار عليه بردًا وسلامًا، وإنّ موسى عليه السلام لمّا ضرب طريقًا في البحر دعا الله بحقّنا فجعله يبسًا، وإنّ عيسى عليه السلام لمّا أراد اليهود قتله دعا الله بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه الله"(2) .

وكما أن الاستجابة لدعاء الأنبياء بسبب الأئمة، فإن ما جرى لبعض الأنبياء هي بزعمهم بسبب موقفهم من الأئمة، فآدم عليه السلام كما يفترون - ".. لما أسكنه الله الجنة مثّل له النبي وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم فنظر إليهم بحسد، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم غفر الله له، وذلك قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} (3) . "كما ادعوا أنّ يونس عليه السلام حبسه الله في بطن الحوت لإنكاره ولاية علي بن أبي طالب ولم يخرجه حتى قبلها" (4) .

هذا ما تقوله الشيعة وتفتريه، ولكن يقول الله سبحانه:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (5) . ولم يقل سبحانه: فادعوه بأسماء الأئمة أو مقامات الأئمة أو مشاهدهم.

كما قال جل شأنه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (6) . ولو كان

(1) العنكبوت، آية: 65

(2)

بحار الأنوار: 26/325، وسائل الشّيعة: 4/1143

(3)

البقرة، آية: 37، والنص المذكور في: تفسير العياشي: 1/41، بحار الأنوار: 26/326

(4)

تفسير فرات ص13، بحار الأنوار: 26/333-334

(5)

الأعراف، آية:180

(6)

غافر، آية:60

ص: 446

أساس قبول الدعاء ذكر أسماء الأئمة لقال: ادعوني بأسماء الأئمة أستجب لكم، بل إن هذا الأمر الذي تدعيه الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء وعدم قبوله، لأن الإخلاص في الدعاء لله أصل في الإجابة والقبول. قال تعالى:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1) . {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) .

وهؤلاء الأئمة هم من سائر البشر {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (3) .

ولم يجعل الله عز وجل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليًا صالحًا ولا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً، بل الجميع عباد الله {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلَا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

} (4) . الآية، {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (5) .

وتربية الشيعي من خلال أدعيته ومناجاته لله على هذا المنهج هي تربية خطيرة.. حيث تزرع في قلبه ومشاعره الاتجاه إلى غير الواحد القهار، وتنمي في نفسه التوجه إلى البشر لا إلى خالق البشر، ويترعرع في هذا المحضن الوثني لينشأ أولاده وأحفاده على هذه الطريق، ولربما ينسى ذكر الله سبحانه أصلاً؛ لأن ذكر الأئمة في لسانه، ووجودهم في قلبه حين الدعاء والتوجه.

ويتركز ذلك من خلال الكلمة والقدوة.

وقد صرحت بعض رواياتهم بشيء من هذا المعنى، حيث تقول بأن بعض الشّيعة كتب إلى إمامه يشتكي أو يسأل ويقول:"إنّ الرّجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي إلى ربّه" فجاء الجواب: "إذا كانت لك حاجة فحرّك

(1) غافر، آية:14

(2)

الأعراف، آية:29

(3)

الأعراف، آية:194

(4)

النساء، آية:172

(5)

مريم، آية:93

ص: 447

شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك" (1) . فهم أسرع إجابة وأقضى للحاجة، وهذا شرك يهون عند شرك الجاهلية الأولى.. وواقع مشاهد الشيعة ومزاراتهم يعبر عن الثمرات المرة لهذه الأساطير.

ودعوى أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل بالأئمة هي دعوى جاهلة غبية؛ إذ ليس للأئمة وجود في حياة الأنبياء عليهم السلام، وهي دعوة للشرك بالله سبحانه؛ إذ إنهم جعلوا مفتاح الإجابة وأساس القبول هو ذكر أسماء الأئمة، فهي كقول المشركين بأن أصنامهم تقربهم إلى الله زلفى.. وهي زعم باطل، إذ إن الأنبياء عليهم السلام كما جاء في قول أصدق القائلين - إنما دعوا الله عز وجل باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه. قال سبحانه عن يونس:{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (2) .

والكلمات التي قالها آدم عليه السلام وزوجه هي كما قال الله سبحانه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) .

وهذه المقالة من الشيعة معلوم فسادها من الدين بالضرورة، وهي من وضع زنديق ملحد أراد إدخال الشرك في دين الإسلام {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (4) .

ونقلت كتب الشيعة نفسها ما يناقض هذه الدعوى عن الأئمة في مناجاتهم لله ودعائهم له، فأمير المؤمنين كان يقول كما تنقل كتب الشيعة: "إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه!

(1) بحار الأنوار: 94/22

(2)

الأنبياء، آية:87

(3)

الأعراف: آية:23

(4)

الصف، آية:8

ص: 448

فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته" (1) .

وما من إمام إلا قد رووا عنه الكثير من أمثال هذا الدعاء، مما لا يتسع المجال لعرضه وقد أتى على أكثره المجلسي في بحاره (2) .

المسألة الثالثة: الاستغاثة (3) بالأئمة

لا يستغاث إلا بالله وحده، ولكن الشيعة تدعو إلى الاستغاثة بأئمتها فيما لا يقدر عليه إلا الله وحده، وقد خصصت بعض رواياتها وظيفة كل إمام في هذا الباب فقالت:".. أمّا عليّ بن الحسين فللنّجاة من السّلاطين ونفث الشّياطين، وأمّا محمّد بن علي وجعفر بن محمّد فللآخرة وما تبتغيه من طاعة الله عز وجل، وأمّا موسى بن جعفر فالتمس به العافية من الله عز وجل، وأمّا عليّ بن موسى فاطلب به السّلامة في البراري والبحار، وأمّا محمّد بن علي فاستنزل به الرّزق من الله تعالى، وأمّا عليّ بن محمّد فللنّوافل وبرّ الإخوان وما تبتغيه من طاعة الله عز وجل، وأمّا الحسن بن عليّ فللآخرة، وأمّا صاحب الزّمان فإذا بلغ منك السّيف الذّبح فاستعن به فإنّه يعينك"(4) .

ثم جاء صاحب البحار بدعاء يتضمن الاستغاثة بالأئمة على هذا النحو السالف الذكر اعتبره من قبيل الشرح لهذا النص (5) .

وقد قرر المجلسي أنهم - كما يزعم - "الشّفاء الأكبر والدّواء الأعظم لمن

(1) أمالي الصّدوق ص48، بحار الأنوار: 94/92

(2)

ولا سيما في الجزء الرابع والتسعين

(3)

الاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، كالاستنصار طلب النصر، والفرق بين الدعاء والاستغاثة: أن الدعاء عام في كل الأحوال، والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد (انظر: ابن تيمية/ الرد على البكري ص88، سليمان بن عبد الوهاب/ تيسير العزيز الحميد: ص214-215، ابن سعدي/ القول السديد ص48-49)

(4)

بحار الأنوار: 94/33

(5)

انظر: المصدر السابق: 94/33

ص: 449

استشفى بهم" (1) .

وأدعيتهم تنسج على هذا المنوال، حيث الأئمة عندهم هم المستغاث والمرتجى، فيتوجه الشيعي للإمام ويقول - كما جاء في رواياتهم - عن إمامهم المنتظر:

".. أركان البلاد، وقضاة الأحكام، وأبواب الإيمان.. منائح العطاء، بكم إنفاذه محتومًا مقرونًا، فما شيء منه إلا وأنتم له السّبب وإليه السّبيل.. فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم، ولا مذهب عنكم يا أعين الله النّاظرة.."(2) .

ولا يخفى ما في هذا النص من تأليه للأئمة، حيث جعلهم سبب كل شيء، ولا مفزع إلا إليهم، وبهم العطاء محتومًا

!!

وأدعية كثيرة تسير على هذا الضلال في الغلو بالأئمة إلى مقام خالق الأرض والسماوات، وهي قد جمعت في كتب الأدعية عندهم كمفاتيح الجنان وعمدة الزائر وغيرهما، وقد وردت في كتبهم المعتمدة في أبواب المزار، والأدعية، ودراستها وجمعها وتحليلها يحتاج إلى بحث مستقل، وترى في تلك الأدعية السبئية قد أطلت بوجهها المظلم الذي يؤله عليًا من خلال هاتيك الدعوات والاستغاثات.

وهناك "رقاع" تكتب، وتوضع على قبول الأئمة، لأن قبور الأئمة وأضرحتهم التي لا تنفع ولا تضر هي - بزعمهم - مناط الرجاء ومفزع الحاجات. قالوا:"إذا كان لك حاجة إلى الله عز وجل فاكتب رقعة على بركة الله، واطرحها على قبر من قبور الأئمّة إن شئت، أو فشدّها واختمها واعجن طينًا نظيفًا واجعلها فيه، واطرحها في نهر جارٍ، أو بئر عميقة، أو غدير ماء، فإنّها تصل إلى السّيّد عليه السلام وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه"(3) .

ثم ذكروا أنه يكتب في هذه الرّقعة: "بسم الله الرّحمن الرّحيم، كتبت إليك

(1) بحار الأنوار: 94/33

(2)

بحار الأنوار: 94/37

(3)

بحار الأنوار: 94/29

ص: 450

يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثًا، فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند اللهف، وقدّم المسألة لله عز وجل في أمري قبل حلول التّلف وشماتة الأعداء، فبك بسطت النّعمة عليّ، واسأل الله (الخطاب للإمام في قبره) جل جلاله لي نصرًا عزيزًا.." (1) .

ثم ذكروا بأنه يصعد النّهر أو الغدير وينادي على أحد أبواب المنتظر (2) . فينادي أحدهم ويقول: "يا فلان بن فلان سلام الله عليك، أشهد أنّ وفاتك في سبيل الله وأنت حيّ عند الله مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله جلّ وعزّ، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السلام فسلّمها إليه فأنت الثّقة الأمين"(3) .

قالوا: "ثم ارم بها في النّهر وكأنّك تخيل لك أنّك تسلّمها إليه"(4) .

وهناك رسائل أيضًا تبعث إلى المنتظر المعدوم لطلب الاستغاثة.

وقد قرر المحققون من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن هذا المنتظر الذي تنتظره الرافضة لم يولد أصلاً؛ لأن الحسن العسكري مات عقيمًا - كما سيأتي - ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا المنتظر: "وهو شيء لا حقيقة له ولم يكن هذا في الوجود قط"(5) . ومع هذا فقد وضعوا من الروايات في مشروعية إرسال رقاع إلى هذا المعدوم لطلب الاستغاثة والنجدة فيما لا يقدر عليه إلا الله، فمن ذلك أيضًا:

قالوا: تكتب رقعة إلى صاحب الزّمان وتكتب فيها "بسم الله الرّحمن الرّحيم،

(1) بحار الأنوار: 94/29-30

(2)

وهم أربعة: عثمان بن سعيد، أو ابنه محمد، أو الحسن بن روح، أو علي السّمري. (بحار الأنوار: 94/30) ، وانظر: فصل الغيبة من هذه الرسالة

(3)

بحار الأنوار: 94/3

(4)

بحار الأنوار: 94/3

(5)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 28/401

ص: 451

توسّلت بحجّة الله الخلف الصّالح محمد بن الحسن (1) . بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، النّبأ العظيم، والصّراط المستقيم، والحبل المتين، عصمة الملجأ، وقسيم الجنّة والنّار أتوسّل إليك بآبائك الطّاهرين.. وأمّهاتك الطّاهرات، الباقيات الصّالحات.. أن تكون وسيلتي إلى الله عز وجل في كشف ضرّي وحلّ عقدي وفرج حسرتي، وكشف بليّتي

" (2) .

قالوا: "ثم تكتب رقعة أخرى لله سبحانه وتطيب الرّقعتين، وتُجمل رقعة الباري تعالى في رقعة الإمام رضي الله عنه وتطرحهما في نهرٍ جارٍ أو بئر ماء بعد أن تجعلهما في طين حرّ (3) ."(4) .

انظر في هذا النص وصفه لهذا المعدوم بأنه عصمة الملجأ، وفارج الحسرة، وكاشف البلية. وهي صفات لا تطلق إلا على من يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ومن يهدي من يعتصم به إلى صراط مستقيم وهو الخالق جل علاه. ولكن هؤلاء جعلوا لهذا المعدوم خصائص الرب عز وجل.

وتأمل قوله في نهاية النص: "وتجعل رقعة الباري في رقعة الإمام" فكأنهم يجعلون هذا المعدوم هو المقدّم في طلب الحاجات!!

ثم ساق المجلسي استغاثة أخرى بهذا المنتظر، وفيها "ارجع فيما أنت بسبيله إلى الله تعالى، واستعن بصاحب الزمان (5) . عليه السلام، واتخذه لك مفزعًا، فإنه نعم المعين، وهو عصمة أوليائه المؤمنين.. وقل: السلام عليك يا إمام المسلمين

(1) جاء عندهم روايات تنهى عن التّصريح باسمه (أصول الكافي 1/332، 333) فهذه الرّواية تناقض ما قرّروه، وتناقضهم لا يكاد ينتهي.

(2)

بحار الأنوار: 94/29

(3)

طين حرّ: أي لا رمل فيه (بحار الأنوار: 94/28)

(4)

بحار الأنوار: 94/28

(5)

هذا من ألقاب مهديهم المنتظر

ص: 452