المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية: - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

إن فرق المسلمين تخالف الاثني عشرية في خلق المهدي ووجوده فكيف ببلوغه، فكيف برشده، فكيف بإمامته، فكيف بعصمته، فكيف بمهديته؟! والشيعة لا يقدرون ببرهان واضح على إثبات واحدة من هذه الأمور (1) . - كما سلف أثناء استعراضنا لعقيدتهم وأدلتهم -.

فأهل السنة يقررون بمقتضى النصوص الشرعية، والحقائق التاريخية.. والدلائل العقلية أن مسألة غيبة المهدي عند الاثني عشرية لا تعدو أن تكون وهمًا من الأوهام، إذ "ليس له عين ولا أثر، ولا يعرف له حس ولا خبر، لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين، بل حصل باعتقاد وجوده من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد"(2) .

وقد ذكر أهل العلم بالأنساب والتواريخ أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب (3) .

ثم إنهم يقولون: إن المهدي دخل السرداب بعد موت أبيه، وعمره سنتان أو ثلاث أو خمس على اختلاف رواياتهم، وأصبح من ذلك الوقت هو الإمام على المسلمين رغم طفولته واختفائه، مع أن الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أن يكون هذا اليتيم - على فرض وجوده - عند من يستحق حضانته من قرابته، وأن يكون ماله عند من يحفظه حتى يؤنس منه الرشد، فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إمامًا لجميع المسلمين معصومًا

(1) أبو المحاسن الواسطي/ المناظرة بين أهل السنة والرافضة، الورقة (59)

(2)

منهاج السنة: 4/213

(3)

انظر: منهاج السنة: 2/164

ص: 899

لا يكون أحد مؤمنًا إلا بالإيمان به؟! (1) . "فكيف إذا كان معدومًا أو مفقودًا مع طول هذه الغيبة؟! والمرأة إذا غاب وليها، زوجها الحاكم أو الولي الحاضر لئلا تضيع مصلحة المرأة بغيبة الولي الموجود، فكيف تضيع مصلحة الأمة مع هذا الإمام المفقود على طول الدهور"(2) .

وبغض النظر عن موقف أهل السنة من مهدي الاثني عشرية وغيبته.. فإن المتأمل لنصوص المهدية والغيبة في كتب الاثني عشرية المعتمدة، يلاحظ ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أن هذه الدعوى لم تلق قبولاً لدى الشيعة أنفسهم إلا في العصور المتأخرة نسبيًا، وذلك حين جدت الدعاية الشيعية في ترويج هذه العقدية، وألغت فكرة البابية التي انكشف بواسطتها أمر الغيبة، ولذلك فإن شيخهم النعماني وهو من معاصري الغيبة الصغرى يقرر أن جميع الشيعة في شك من أمر الغيبة إلا قليلاً منهم.

ذلك أن أمارات الشك واضحة بيّنة لهم، حيث إن الحسن العسكري - كما يعترفون - توفي ولم ير له أثر، ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم أخوه جعفر وأمه ما ظهر من ميراثه (3) .

وقد ورد في الكافي - أصح كتب الحديث عندهم - وغيره عن أحمد بن عبد الله بن خاقان (4) . قال: (5) فلما فرغوا من ذلك بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل للصلاة عليه، فلما دنا أبو عيسى منه

(1) منهاج السنة: 2/164

(2)

منهاج السنة: 1/30، المنتقى: ص31، رسالة رأس الحسين: ص6

(3)

انظر: ص (828)

(4)

كان أميرًا على الضياع والخراج بقم في خلافة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل. (انظر: أصول الكافي: 1/503، إكمال الدين ص39)

(5)

لما مات الحسن العسكري سنة ستين ومائتين ضجت سر من رأى ضجة واحدة مات ابن الرضا، وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فوضعت تلك الجارية في حجرة ووكل بها بعض النسوة، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته

ص: 900

كشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب

ثم قال: هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا، مات حتف أنفه على فراشه، حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته.. ثم صلى عليه.. وبعد دفنه أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي وهم عليها الحمل ملازمين لها حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر (1) .

فأنت تلاحظ أن الاثني عشرية ساقوا هذه الرواية للدلالة عن بطلان قول من قال من الشيعة بالوقف على الحسن العسكري في إنكار وفاته، ولكن تبين من خلالها بطلان دعوى الولد، لأن أسرة الحسن، ونقابة أهل البيت، والسلطان حققوا علنيًا في حقيقة الأمر وذلك لإبطال ما يزعمه الشيعة في هذا المجال، ولهذا قرر القمي والنوبختي وغيرهما بأن الشيعة افترقوا - بعد وفاة الحسن العسكري - إلى فرق عديدة أنكر أكثرها وجود الولد أصلاً (2) . حتى قال بعضهم: إنا قد طلبنا الولد بكل وجه فلم نجده، ولو جاز لنا دعوى أن للحسن ولدًا خفيًا لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف، ولجاز أن يقال في النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلف ابنًا نبيًا رسولاً، لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلف ولدًا من صلبه، فالولد قد بطل لا محالة (3) .

وهذا الواقع - في نظري - هو الذي حدًا بشيوخ الشيعة إلى وضع روايات تجعل من لوزام منتظرهم اختفاء حمله، وولادته، والشك فيه.. كمحاولة من شيوخهم لتجاوز هذه المرحلة التي كاد أن ينكشف فيها أمر التشيع.

وعلاوة على إنكار جل الشيعة لذلك، فإن لأهل البيت موقفًا صريحًا

(1) أصول الكافي: 1/505، إكمال الدين: ص41-42

(2)

المقالات والفرق: ص102-116، فرق الشيعة: ص96-112

(3)

المقالات والفرق: ص114-115، فرق الشيعة: ص103-104

ص: 901

حاسمًا في هذا الأمر. وهو من البراهين الواضحة على بطلان هذه الدعوى، حيث جاء في تاريخ الطبري في حوادث سنة 302هـأن رجلاً ادعى - في زمن الخليفة المقتدر - أنه محمد بن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر، فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد بن عبد الصمد المعروف بان طومار.

فقال له ابن طومار: لم يعقب الحسن. وقد ضج بنو هاشم من دعوى هذا المدعي وقالوا: يجب أن يشهر هذا بين الناس، ويعاقب أشد عقوبة. فحمل على جمل وشهر يوم التروية ويوم عرفة، ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي (1) .

وهذه الشهادة من بني هاشم، وعلى رأسهم نقيب الطالبيين مهمة لأنها من نقيب العلويين الذي كان عظيم العناية بتسجيل أسماء مواليد هذه الأسرة في سجل رسمي (2) ، ولقدم فترتها الزمنية حيث إنها واقع في زمن الغيبة الصغرى التي كثر فيها ادعاء هذا الولد وادعاء بابيته من العديد من الرموز الشيعية.

وعلاوة على شهادة نقيب الطالبيين وبني هاشم، فإن أقرب الناس إلى الحسن العسكري وهو أخوه جعفر يؤكد أن أخاه مات ولا نسل له ولا عقب (3) .

والشيعة يعترفون بذلك، بل ينقلون أنه حبس جواري أخيه وحلائله حتى ثبت له براءتهن من الحمل (4) ، وأنه شنع على من ادعى ذلك وأبلغ دولة الخلافة الإسلامية (5) . بتآمره، ولكن الطوسي يقول: إن هذا الإنكار من جعفر "ليس بشبهة

(1) تاريخ الطبري: 13/26-27، المطبعة الحسينية ط: الأولى، أو جص49-50 من طبعة دار المعارف، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم

(2)

محب الدين الخطيب في تعليقه على المنتقى: ص173

(3)

انظر: الصواعق المحرقة: ص168

(4)

انظر: الغيبة للطوسي: ص75

(5)

سفينة البحار: ص162

ص: 902

يعتمد على مثلها أحد من المحصلين لاتفاق الكل على أن جعفرًا لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، والغلط غير ممتنع منه" (1) .

فالطوسي لا يقبل الإنكار من جعفر، لأنه غير معصوم، ولكن الطوسي ومعه طائفة الاثني عشرية يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد ودعوى بابيته وهو غير معصوم، أليس هذا تناقضًا؟!.

كيف يكذب جعفر وهو أخو الحسن العسكري ومن سلالة أهل البيت، وعميد الأسرة بعد وفاة الحسن، ويصدق رجل أجنبي عن أهل البيت، وهو متهم في دعواه، لأنه يجر المصلحة لنفسه من المال والجاه باسم البابية، ومن هذا شأنه ألا يشك في قوله وترد شهادته؟!

ولموقف جعفر المتميز ضد محاولات الرموز الشيعية اختراع ولد لأخيه، ضاق الشيعة ذرعًا بأمره، حتى لقبوه "بجعفر الكذاب"(2) . ووضعوا روايات نسبوها لأوائل أهل البيت تتنبأ بالغيب فتتحدث بما سيقع من جعفر، وتندد به.

فنسبوا للسجاد أنه قال: "كأني بجعفر الكذاب قد حمل طاغية زمانه، على تفتيش أمر ولي الله المغيب في حفظ الله جهلاً منه بولادته، وحرصًا على قتله إن ظفر به طمعًا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه"(3) .

نلاحظ في هذه الرواية أنهم اتهموا جعفرًا بأنه أنكر ولادته طمعًا في

(1) الغيبة: ص75

(2)

انظر: ابن بابويه/ إكمال الدين: ص312، سفينة البحار: 1/162، أصول الكافي: 1/504 (هامش2)، مقتبس الأثر: 14/314، قالوا: إنه يلقب جعفر بن محمد بالصادق في مقابل جعفر هذا الذي يلقبونه بالكاذب أو الكذاب (مقتبس الأثر: 14/314) فقد يكون شيوع إطلاق لقب «الصادق» على جعفر، وتمييزه بذلك بين آبائه وأقرانه مصدره الشيعة، نكاية بحفيدة جعفر

(3)

إكمال الدين: ص312، سفينة البحار: 1/162

ص: 903

الميراث، على حد المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت، ذلك أن صانعي هذه الروايات هم الذين ادعوا الولد وقالوا ببابيته حرصًا على الأموال - كما سلف - كذلك فإن الرواية تتناقض حينما تقول بأن جعفرًا يجهل ولادته، ثم تقول بأنه يحرص على قتله، فإذا كان يجهل أنه ولد له ولد فكيف يحرص على قتل مجهول وجوده؟! ثم انظر كيف يدافعون عن عثمان بن سعيد، ويتهمون جعفرًا وهم يدعون التشيع للآل.

وليس جعفر هو وحده من أسرة الرضا الذي ينكر هذه الدعوى. بل يظهر من روايات الشيعة أن الإنكار كان من بيت الولد المزعوم ومن بني عمه، يدل على ذلك ما جاء في كتب الشيعة "عن إسحاق بن يعقوب (1) . قال: سألت محمد بن عثمان العمري (2) . أن يوصل لي كتابًا قد سألت فيه مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (3) . صلى الله عليه: أما ما سألت عنه أرشدك الله من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا. فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف.." (4) .

فيدل هذا على أن إنكار وجود الولد صدر من أهل بيته وعمومته، والدعوى جاءت من الخارج.. فأيهما أقرب للتصديق؛ أيكذب أشراف أهل البيت، ويصدق سمان لا يعرف له شأن في دين ولا علم ولا نسب ولا مقام ولا أصل؟!.

وقد يقال بأن أهل بيته وعمومته يتسترون عليه صيانة له، لكن التوقيع

(1) لاحظ الأسماء يهودية

(2)

الباب الثاني لمهدي الاثني عشرية

(3)

وما يدريهم أنه خط صاحب الزمان - على فرض وجوده - والخطوط تتشابه، والرجل الذي خرجت على يده "الرقعة" غير معصوم، ومشكوك في أمره لأنه يجر المصلحة لنفسه، وناقل هذا التوقيع عن محمد بن عثمان أحد الأسماء اليهودية

(4)

إكمال الدين: ص451، الاحتجاج: 2/283 ط: النجف 1386هـ، وص 469-470 ط: بيروت 1401هـ، سفينة البحار: 1/163، مقتبس الأثر: 14/316

ص: 904

الصادر عن المنتظر المزعوم يدل على أن الإنكار حقيقي لأنه يحكم عليهم بأنهم كابن نوح في الكفر، إذ ليس بين الله وبين أحد قرابة، مع أن مذهبهم قائم على أن قرابة أئمتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي خولتهم تلك المكانة..

كذلك حملتهم على جعفر ووصفه "بالكذاب" ورميه بكل عيب ونقيصة (1) . يدل على أن الإنكار من أسرة الحسن حقيقي، ولذلك صنع أصحاب هذه الدعوة تلك الروايات التي تهاجم جعفرًا، وأهل بيت المنتظر وبني عمه وتندد بإنكارهم وتفيض بالحقد عليهم. وقد كان لموقفهم أثره في ذلك الوقت، حيث شك جميع الشيعة في هذه الدعوى إلا القليل، كما شهد بذلك شيخهم النعماني وغيره.

وعلاوة على ذلك كله فإن الحسن العسكري نفسه المنسوب له هذا الولد قد نفى ذلك وأنكره حيث أسند وصيته في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته، وأوكل لها النظر في أوقافه وصدقاته وأشهد على ذلك وجوه الدولة وشهود القضاء، كما يروي ذلك الكليني في الكافي (2) ، وابن بابويه في إكمال الدين (3) . وغيرهما (4) ، ولو كان له ولد هو إمام المسلمين، يحمل تلك الأوصاف الكاملة والخارقة لما وسعه إلا توكيله، فمن هو وكيل ورئيس على الأمة، ومن هو أمان للكون والناس لا يعجزه مع غيبته أن يقوم بأعباء النظر على أوقاف أبيه وصدقاته.. فلمّا لم يفعل دل على أنه لا ولد له أصلاً.

وليس ينال من هذه الشهادة العملية للحسن العسكري قول الطوسي: إن الحسن فعل ذلك قصدًا إلى إخفاء ولادة ابنه وسترًا له عن سلطان الوقت (5) ،

(1) انظر: مراجع هذه المسألة في ص (903) هامش رقم (1)

(2)

أصول الكافي: 1/505

(3)

إكمال الدين: ص42

(4)

انظر: الغيبة للطوسي: ص75

(5)

الغيبة: ص75

ص: 905

لأن هذا القول دعوى بلا برهان.

وبهذا يثبت بطلان وجوده، وبطلان ما ترتب على ذلك.

فهذه شهادة أهل السنة، وأكثر فرق الشيعة، ونقابة آل أبي طالب، وأسرة آل أبي طالب وأخيه جعفر، والحسن العسكري، وكل هذه الشهادات والبينات تنفي دعوى الولد، وهي ترد دعوى الأجانب البعداء في نواياهم مم ادعى البابية والمشاهدة. فكيف إذا أضيف إلى ذلك استبعاد بقائه - على فرض وجوده - مئات السنين ولو مدّ الله في عمر أحد من خلقه لحاجة الناس إليه لمد في عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال أبو الحسن الرضا، وهو مع طول هذه المدة لا يعرف أحد مكانه، ولا يعلم مستقره ومقامه، ولا يأتي بخبره من يوثق بقوله.

وكل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الأغراض يكون مدة استتاره قريبة، ولا يخفى على الكل.

وكيف يغيب المسؤول الأول عن الأمة هذه الغيبة الطويلة؟ أليس هذا كله دليلاً واضحًا جليًا على أن حكاية الغيبة أسطورة من الأساطير التي صنعها المرتزقة والزنادقة والحاقدون؟!.

ويبدو أن هذه المقالة كان الدافع وراءها ماديًا وسياسيًا، فالرغبة في الاستئثار بالأموال، ومحاولة الإطاحة بدولة الخلافة كانا هدفين أساسيين في اختراع هذه الفكرة، والدليل على ذلك أن لغة المال تسود توجيهات الفرق الشيعية، وهي مصدر نزاعهم واختلافهم، كما حفظت نصوص ذلك كتب الاثني عشرية - كما مر -.

كذلك فإن قضية "الإمامة والخلافة" هي حديث هذه الخلايا الشيعية وهم في فلكها يسيرون.. وابتداع فكرة الإمام الخفي يخلصهم من أهل البيت، ويجعل الزعامة في أيديهم.

ص: 906

ولم يتكلفوا شيئًا من عناء التفكير والبحث والتأمل للوصول إلى هذه الغاية، إذ إنهم وجدوا هذه الفكرة في الديانة المجوسية، ذلك أن "المجوس" تدعي أن لهم منتظرًا حيًا باقيًا مهديًا.. - كما مر -.

ص: 907