الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: الرجعة
الرجعة من أصول المذهب الشيعي، فمن رواياتهم "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا" (1) . وقال ابن بابويه في الاعتقادات:"واعتقادنا في الرجعة أنها حق"(2) . وقال المفيد: "واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات"(3) .
وقال الطبرسي والحر العاملي وغيرهما من شيوخ الشيعة: بأنها موضوع "إجماع الشيعة الإمامية (4) ، وأنها من ضروريات مذهبهم"(5) ، وأنهم "مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت كالإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والقيامة"(6) .
ومعنى الرجعة: الرجوع إلى الدنيا بعد الموت (7) .
ويشير ابن الأثير: أن هذا مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم (8) .
وقد ذهبت فرق شيعية كثيرة إلى القول برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة، ومنهم من يقر بموتهم ثم رجعتهم، ومنهم من ينكر موتهم ويقول بأنهم غابوا
(1) مضى تخريجه في كتب الشيعة ص: (46)
(2)
الاعتقادات: ص90
(3)
أوائل المقالات: ص51
(4)
الطبرسي/ مجمع البيان: 5/252، الحر العاملي/ الإيقاظ من الهجعة: ص33، الحويزي/ نور الثقلين: 4/101، المجلسي/ بحار الأنوار: 53/123 (وقد ذكر المجلسي أنهم أجمعوا على القول بها في جميع الأعصار)
(5)
الإيقاظ من الهجعة: ص60
(6)
الإيقاظ من الهجعة: ص64
(7)
القاموس: 3/28، مجمع البحرين: 4/334
(8)
النهاية: 3/202
وسيرجعون - كما مر في مبحث الغيبة - وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ، إلا أنه قال بأنه غاب وسيرجع ولم يصدق بموته.
وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة الإمام عند السبئية، والكيسانية وغيرها، ولكنها صارت عند الاثني عشرية عامة للإمام وكثير من الناس. ويشير الألوسي إلى أن تحول مفهوم الرجعة عند الشيعة من رجعة الإمام فقط إلى ذلك المعنى العام كان في القرن الثالث (1) .
وقد اشتهرت بعض الفرق الشيعية باسم "الرجعية" لقولهم بالرجعة (2) . واهتمامهم بها.
أما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عن الاثني عشرية فهو يشمل ثلاثة أصناف:
الأول: الأئمة الاثني عشر، حيث يخرج المهدي من مخبئه، ويرجع من غيبته، وباقي الأئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا.
الثاني: ولاة المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة - في نظرهم - من أصحابها الشرعيين (الأئمة الاثني عشر) فيبعث خلفاء المسلمين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان.. من قبورهم ويرجعون لهذه الدنيا - كما يحلم الشيعة - للاقتصاص منهم بأخذهم الخلافة من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب.
الثالث: عامة الناس، ويخص منهم: من محض الإيمان محضًا، وهم الشيعة عمومًا، لأن الإيمان خاص بالشيعة، كما تتفق على ذلك رواياتهم وأقوال شيوخهم -
(1) روح المعاني: 20/27، وانظر: أحمد أمين/ ضحى الإسلام: 3/237
(2)
وقد ذكرها كفرقة بهذا الاسم ابن الجوزي في تلبيس إبليس: ص22، والقرطبي في "بيان الفرق" الورقة 3 أ (مخطوط)، وصاحب الرسالة الفرقية المشهور بعالم محمد أفندي: ص2 (مخطوط غير مرقم الصفحات) ، والسلخي في شرح.. الاثنتين والسبعين فرقة/ الورقة 13ب (مخطوط)
كما سلف (1) . - ومن محض الكفر محضًا، وهم كل الناس ما عدا المستضعفين (2) .
ولهذا قالوا في تعريف الجرعة: إنها "رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة (3) . وعودتهم إلى الحياة بعد الموت"(4) . في صورهم التي كانوا عليها (5) .
والراجعون إلى الدنيا هم: "النبي الخاتم، وسائر الأنبياء، والأئمة المعصومون، ومن محض في الإسلام، ومن محض في الكفر، دون الطبقة الجاهلية المعبر عنها بالمستضعفين"(6) .
أو بعبارة شيخهم المفيد: "من علت درجته في الإيمان، ومن بلغ الغاية في الفساد، كلهم يرجعون بعد موتهم"(7) . وكذا من كان له قصاص وإن لم يكن ماحضًا فيرجع ويقتص من قاتله (8) .
وزمن الرجعة العامة هو كما يذكر شيخهم المفيد وغيره "عند قيام مهدي آل محمد عليهم السلام"(9) . ورجوعه من غيبته، ولكن بعض شيوخهم يقول: إن الرجعة العامة غير مرتبطة بأمر ظهور المهدي. ذلك أن الرجعة - كما يقول - "غير الظهور، لأن الإمام عليه السلام حي غائب وسيظهر إن شاء الله ولم يسلب الملك
(1) انظر: ص (572-573)
(2)
المستضعفون: مصطلح عند الشيعة يرد في مصادرهم على ألسنة شيوخهم القدامى والمعاصرين، وهم كما يقول المجلسي: ضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمن الفترة، أو كان في موضع لم يأت غليه خبر الحجة فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار (بحار الأنوار: 8/363، والاعتقادات للمجلسي: ص100)
(3)
المفيد/ أوائل المقالات: ص51
(4)
الحر العاملي/ الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة
(5)
أوائل المقالات: ص95
(6)
جواد تارا/ دائرة المعارف العلوية: 1/253
(7)
أوائل المقالات: ص95
(8)
كريم بن إبراهيم/ الفطرة السليمة: ص383
(9)
انظر: أوائل المقالات: ص95، الحر العاملي/ الإيقاظ من الهجعة: ص58
فيرجع إليه، فمبدأ الرجعة من رجوع الحسين إلى الدنيا" (1) .
وهذا قد يتفق مع رواياتهم التي تقول "أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا، الحسين بن علي عليه السلام"(2) .
وقد ذكرت بعض رواياتهم أن الرجعة تبدأ بعد هدم الحجرة النبوية وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين الراشدين - كما يحلم القوم - حيث جاء في أخبارهم أن منتظرهم يقول: "وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريّان، فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأولى، فينادي منادي الفتنة من السماء: يا سماء انبذي، ويا أرض خذي فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن (أي إلا شيعي) ثم يكون بعد ذلك الكرة والرجعة"(3) .
والغرض من الرجعة هو انتقام الأئمة والشيعة من أعدائهم (4) . وهم سائر المسلمين من غير الشيعة ما عدا المستضعفين، ولذلك فإن سيوف الشيعة تقطر دمًا من كثرة القتل للمسلمين حتى قال أبو عبد الله:"كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة"(5) .
ولا شك بأن تحديد موضع القتل العام بالمسجد الحرام يدل دلالة أكيدة أن المقصود بالقتل هم المسلمون، وأن هذا ما تحلم به الإمامية.. وهذا الخبر وأمثاله يعطينا - بغض النظر عن العنصر الخرافي فيه - صورة لتفكير تلك الزمر الشيعية التي وضعت تلك الروايات، وأهدافها ومخططاتها، فهي "إسقاطات" لرغبات مكبوتة، ونوازع مقهورة لفرقة تتربص بالأمة الدوائر.
(1) كريم بن إبراهيم/ الفطرة السليمة: ص383
(2)
بحار الأنوار: 53/39
(3)
بحار الأنوار: 53/104-105
(4)
انظر: الإيقاظ من الهجعة: ص58
(5)
بحار الأنوار: 53/40، وعزاه إلى الاختصاص للمفيد، ولم أجده في الطبعة التي بين يدي
كما أن هذه الأخبار السرية (1) . قد توضح لنا بعض ما جرى في التاريخ من قيام القرامطة بقتل حجاج بيت الله داخل الحرم (2) ، وأنها كانت تتخذ من مثل هذه الأخبار المنسوبة لآل البيت سندًا لها لدفع تلك العناصر التخريبية للقيام بدورها الدموي.
كما أنها تكشف لنا فحوى الأماني التي يعلنها شيعة هذا العصر ويصرحون فيها بتحرقهم وتلهفهم لفتح مكة والمدينة وكأنها بأيدي كفار (3) .
كذلك يتحقق في الرجعة حساب الناس على يد الحسين: يقول أبو عبد الله: "إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السلام، فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة وبعث إلى النار"(4) .
وفي الرجعة يتحول صفوة الخلق وهم أنبياء الله ورسله إلى جند لعلي كما يقول هؤلاء الأفاكون حيث قالوا: "لم يبعث الله نبيًا ولا رسولاً إلا رد جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين"(5) .
كما يحلم الشيعة بأن حياتهم في الرجعة ستكون في نعيم لا يخطر على البال حتى "يكون أكلهم وشربهم من الجنة (6) ، ولا يسألون الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلى وتقضى لهم"(7) .
ويخير الشيعي وهو في قبره بين الرجعة أو الإقامة في القبر. ويقال له: «يا
(1) لأن الرجعة كانت سرًا من الأسرار كما سيأتي
(2)
انظر خبر ذلك في حوادث سنة 317هـ، في المنتظم لابن الجوزي: 6/222 وما بعدها، والبداية والنهاية لابن كثير: 11/160، وتاريخ ابن خلدون (العبر) : 3/191
(3)
سيأتي نص كلامهم في باب الشيعة المعاصرين
(4)
بحار الأنوار، باب الرجعة: 53/43
(5)
بحار الأنوار: 53/41
(6)
بحار الأنوار: 53/116
(7)
بحار الأنوار: 53/116
هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم» (1) .
وتنتهي الرجعة بالنسبة للشيعة بالقتل لمن مات من قبل، وبالموت لمن قتل، وهذه النهاية إحدى أغراض الرجعة فهم يقولون في أخبارهم:"ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل"(2) .
هذا وكانت عقيدة الرجعة سرًا من أسرار المذهب الشيعي، ولذلك قال أبو الحسين الخياط - أحد شيوخ المعتزلة (3) . -:"بأنهم قد تواصلوا بكتمانها وألا يذكروها في مجالسهم ولا في كتبهم إلا فيما قد أسروه من الكتب ولم يظهروه"(4) .
وقد وجدت في كتب الاثني عشرية ما أشار إليه الخياط من التواصي بكتمان أمر الرجعة، حيث روت بعض كتب الشيعة عن أبي جعفر قال:"لا تقولوا الجبت والطاغوت (5) ، ولا تقولوا الرجعة، فإن قالوا لكم فإنكم قد كنتم تقولون ذلك فقولوا: أما اليوم فلا نقول"(6) .
وفي رواية أخرى ينسبونها للصادق: "لا تقولوا الجبت والطاغوت وتقولوا الرجعة، فإن قالوا: قد كنتم تقولون؟ قولوا: الآن لا نقول، وهذا من باب التقية
(1) الغيبة للطوسي: ص276، بحار الأنوار: 53/92
(2)
تفسير القمي: 2/131، البرهان: 3/211، تفسير الصافي: 4/76، بحار الأنوار: 53/40، وانظر: ص39، 41، 53، 77، 137 من نفس الجزء، وانظر: رجال الكشي: ص407-408
(3)
كان حيًا قبل سنة 300هـ (انظر: معجم المؤلفين: 5/223)
(4)
الانتصار: ص97
(5)
قال المجلسي: أي لا تسموا الملعونين بهذين الاسمين، أو لا تتعرضوا لهما بوجه. (بحار الأنوار: 53/40) ، وهو يشير بهذا إلى خليفتي رسول الله وصهريه وحبيبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
(6)
بحار الأنوار: 53/39