المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حصر الأئمة بعدد معين: - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌حصر الأئمة بعدد معين:

ويحتمل أن المراد أن الزيدية لإظهارها طلب الولاية هي التي يوقع بها وتسلمون أنتم لالتزامكم بالتقية كما أشار إليه شارح الكافي (1) .

وإذا كانت الولاية صنو النّبوّة أو أعظم فلماذا تكون سرّيّة مُحاطة بالكتمان، حتى إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أمره الله أن يبلّغ ما أنزل الله - يخفي أمرها ويسرّها إلى عليّ، ثم يسرّها عليّ إلى من شاء؟!

ولا تحدد هذه الرواية الأشخاص الذين أسرها عليّ إليهم.. وتترك الأمر لمشيئته يختار ما يريد، أما غير علي فلا خيرة له في الاختيار! فكيف تكون الولاية التي هي أصل النجاة عندهم، وأساس قبول الأعمال، والفيصل بين الإيمان والكفر كيف تظل سرية حتى يتولى نشرها ولد كيسان؟! ويعدون ذلك خروجًا عن الأصل المأمور به.

إن هذه النصوص تدل على أن واضعي هذه الفكرة هم من أعداء الأمة، واستغلوا هذه المسألة لتنفيذ أغراضهم، ولذلك أحاطوها بجو من السرية والكتمان، ونسبوها لآل البيت، لتجد طريقها إلى قلوب الناس الذين آلمهم ما جرى من أحداث على بعض علماء أهل البيت، والتي كانت هذه الزمر الحاقدة المدعية للتشيع أحد أسبابها الرئيسة.

‌حصر الأئمة بعدد معين:

كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند عليّ، ولكن جاء فيما بعد من عممها في مجموعة من أولاده.. وكانت "الخلايا" الشيعية تعمل بصمت وسرية.. ومع ذلك فقد كانت تصل بعض هذه الدعاوى إلى بعض أهل البيت، فينفون ذلك نفيًا قاطعًا، كما فعل جدهم أمير المؤمنين عليّ، ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت "عقيدة التقية" حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر الأتباع بمواقف أهل البيت الصادقة والمعلنة للناس.

(1) شرح جامع: 9/126

ص: 660

ترد رواية في "رجال الكشي" - أهم كتاب عندهم -: "في الرجال" تكشف بأن شيطان الطاق (1) . هو الذي بدأ يشيع القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت، وأنه حينما علم بذلك زيد بن عليّ بعث إليه ليقف على حقيقة الإشاعة، فقال له زيد:"بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إمامًا مفترض الطاعة؟ قال شيطان الطاق: نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، فقال: وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق عليّ من حر اللقمة، ولا يشفق علي من حر النار؟ قال (شيطان الطاق) : قلت له: كره أن يخبرك فتكفر فلا يكون له فيك الشفاعة، لا والله فيك المشيّة - كذا -"(2) .

وفي رواية الكليني في الكافي: قال زيد بن علي لأبي جعفر: "يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة، ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد، شفقة عليّ، ولم يشفق عليّ من حر النار، إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فأجابه شيطان الطاق: جعلت فداك، من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار.."(3) .

وينقل الأستاذ محب الدين الخطيب هذا النص من تنقيح المقال للمقاني (4) ، ويأخذ منه أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر الإمامة والتشريع وادعى العصمة لأناس مخصوصين من آل البيت (5) .

(1) وتلقبه الشيعة مؤمن الطاق (انظر: رجال الكشي: ص185) وانظر ترجمته ص (207) من هذه الرسالة

(2)

رجال الكشي: ص186

(3)

أصول الكافي: 1/174

(4)

انظر: تنقيح المقال: 1/470

(5)

مجلة الفتح ص5، العدد (862) ، خاتمة العام الثامن عشر، ذو الحجة 1367هـ

ص: 661

كما نقل الأستاذ محب هذا النص أيضًا من تنقيح المقال في تعليقه على مختصر التحفة وعقب على ذلك بقوله: "وهكذا اخترع شيطان الطاق أكذوبة الإمامة، التي صارت من أصول الديانة عند الشيعة، واتهم الإمام عليًا زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن ابنه الذي هو من صفوة آل محمد، كما اتهم الإمام زيدًا بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته للإيمان بإمامة أبيه.. والشيعة هم الذين يروون هذا الخبر في أوثق المصادر عندهم ويعلنون فيه أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد الإمام زيد ما لا يعرفه الإمام زيد من والده مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم.

وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذي روى عنه الجاحظ في كتابه عن الإمامة: أن الله لم يقل: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (1) .

وتذكر كتب الشيعة أنه بلغ جعفرًا ما يقوله شيطان الطاق، وما يجادل به في أمر الإمامة فقال:"لو شاء ظريف من مخاصميه أن يخصمه فعل؟ قلت (القائل هو الراوي) : كيف ذاك؟ فقال: يقول: أخبرني عن كلامك هذا من كلام إمامك؟ فإن قال: نعم، كذب علينا، وإن قال: لا، قال له: كيف تتكلم بكلام لم يتكلم به إمامك، ثم قال (أي جعفر الصادق) : إنهم يتكلمون بكلام إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضلالة، وإن برئت منه شق علي، نحن قليل وعدونا كثير، قلت (أي الراوي) : جعلت فداك فأبلغه عنك ذلك؟ قال: أما إنهم قد دخلوا في أمر ما يمنعهم عن الرجوع عنه إلا الحميّة، قال: فأبلغت أبا جعفر الأحول ذاك فقال: صدق بأبي وأمي ما يمنعني من الرجوع عنه إلا الحمية"(2) .

ولقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم (3) . (المتوفى سنة

(1) انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية ص195-196 (الهامش)، وقد مرّ نقل ما رواه الجاحظ عن شيطان الطاق بتمامه في هذا الكتاب: ص (206)

(2)

رجال الكشي: ص190-191

(3)

مضى التعريف به

ص: 662

179) بل يرى القاضي عبد الجبار الهمداني أن الذي ادعى النص، وجرأ الناس على شتم أبي بكر وعمر وعثمان والمهاجرين والأنصار هشام بن الحكم وهو ابتدأه ووضعه، وما ادعى هذا النص أحد قبله (1) .

وفي رجال الكشي ما يفيد أن مؤامرة هشام بن الحكم في مسألة الإمامة وصل خبرها إلى هارون الرشيد، حيث قال له يحيى بن خالد البرمكي:"يا أمير المؤمنين، إني قد استنبطت أمر هشام فإذا هو يزعم أن لله في أرضه إمامًا غيرك مفروض الطاعة، قال: سبحانه الله! قال: نعم، ويزعم أن لو أمره بالخروج لخرج"(2) . فيظهر أن هارون - كما يدل عليه هذا النص - فوجئ بهذه المقالة مما يدل على جدتها.

وقد أشاع هشام بن الحكم أن ما يقول به في الإمامة إنما هو عن أمر موسى الكاظم، فأساء إليه أبلغ الإساءة حتى سجنه المهدي العباسي ثم أخرجه "وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي"(3) .

وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن موسى الكاظم رحمه الله متهم بالتطلع للملك، ولذلك سجنه المهدي ثم الرشيد (4) .

ويبدو أن الذي يعمل على ترويج هذه الإشاعة في الخفاء ضده هو هشام بن الحكم ومن لف لفه.. ولذلك أقرت روايات الشيعة بأن سبب سجن موسى هو هشام بسبب ما ينسبه له من أقوال، وما يشيعه عنه من افتراءات تدور حول الإمامة وأحقيته بها.. ولذلك لما بلغ هارون شيء من ذلك عن هشام قال لعامله: "شد يدك بهذا وأصحابه، وبعث

(1) تثبيت دلائل النبوة: 1/225، ولعل القاضي يريد النص على أناس بأعيانهم من أهل البيت، إذ إن النص على علي وحده، قد سبقه إليه "ابن سبأ"

(2)

رجال الكشي: ص258

(3)

ابن كثير/ البداية والنهاية: 10/183

(4)

منهاج السنة: 2/155

ص: 663

إلى أبي الحسن موسى عليه السلام فحبسه، فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب" (1) .

واتهمت نصوص الشيعة هشامًا بأنه هو الذي شارك في قتل موسى الكاظم (2) . فقالت: "هشام بن الحكم.. ضال مضل شرك في دم أبي الحسن"(3) .

وقد طلب منه أبو الحسن - كما تقول روايتهم - أن يكف عن الكلام، ولكنه أمسك عن الكلام شهرًا ثم عاد، فقال له أبو الحسن:"أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال: لا، قال: وكيف تشرك في دمي، فإن سكت وإلا فهو الذبح؟ فما سكت حتى كان من أمره ما كان (صلى الله عليه) "(4) .

ولذلك قال أبو الحسن الرضا - كما تروي كتب الشيعة -: "

هشام بن الحكم فهو الذي صنع بأبي الحسن ما صنع وقال لهم وأخبرهم، أترى الله يغفر له ما ركب منا" (5) .

وكشفت كتب الشيعة بأن هشامًا قد تربى في أحضان بعض الزنادقة، ففي رجال الكشي ".. وهشام من غلمان أبي شاكر، وأبو شاكر زنديق"(6)، ومع ذلك فإن أحد آيات الشيعة في هذا العصر يقول عن هشام صاحب كل هذه البلايا التي تنقلها أوثق كتب الشيعة في الرجال يقول عنه:"لم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه.."(7) . وما أدري هل يخفى عليه الأمر؟ أو ينكر

(1) رجال الكشي: ص262

(2)

لأن الشيعة تزعم أنه قتل مسمومًا في سجن الرشيد

(3)

رجال الكشي: ص268

(4)

رجال الكشي: ص270-271، 279

(5)

رجال الكشي: ص278

(6)

رجال الكشي: ص278. وهو: أبو شاكر الديصاني صاحب الديصانية، مر التعريف بها ص:205، وهو الذي ساهم في إضلال هشام بن الحكم (انظر: الرافعي/ تحت راية القرآن: ص176)

(7)

عبد الحسين الموسوي/ المراجعات: ص313

ص: 664

تقية؛ لأنه يظن أن الناس لا علم لهم بما فيه كتبهم.

فإذًا هشام بن الحكم، وشيطان الطاق وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين عليّ ثم عمومها على آخرين من سلالة أهل البيت، واستغلوا بعض ما جرى على أهل البيت، كمقتل علي والحسين، في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم، والدخول إلى قلوبهم لتحقيق أغراضهم ضد الدولة الإسلامية في ظل هذا الستار.

ويبدو أن عقيدة حصر الإمامة بأناس معينين سرت في الكوفة (1) . بسعي مجموعة من أتباع هشام والشيطان، وكان بعض من تعرض عليه هذه الدعوة في المجتمع الإسلامي، يذهب إلى جعفر يسأله عن حقيقة الأمر، فيروي الكشي بسنده عن سعيد الأعرج. قال: كنا عند أبي عبد الله رضي الله عنه فاستأذن له رجلان، فأذن لهما، فقال أحدهما: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال: ما أعرف ذلك فينا، قال: بالكوفة قوم يزعمون أن فيكم إمامًا مفترض الطاعة، وهم لا يكذبون أصحاب ورع واجتهاد.. منهم عبد الله بن يعفور وفلان وفلان، فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: ما أمرتهم بذلك، ولا قلت لهم أن يقولوه (2)، قال: فما ذنبي! واحمر وجهه وغضب غضبًا شديدًا، قال: فلما رأيا الغضب في وجهه قاما فخرجا، قال: أتعرفون الرجلين؟ قلنا: نعم هما رجلان من الزيدية (3) .

إذن فكرة حصر الأئمة بعدد معي قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن يدعي الصلة بأهل البيت أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم.

ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الأئمة، قال في مختصر التحفة: "اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة، ولكنهم مختلفون في

(1) انظر: بحار الأنوار: 100/259

(2)

لا يخفى ما في هذه الكلمة من تلميح إلى أن إنكار جعفر كان على سبيل التقية

(3)

رجال الكشي: ص427

ص: 665

مقدارهم، فقال بعضهم: خمسة، وبعضهم: سبعة، وبعضهم: ثمانية، وبعضهم: اثنا عشر، وبعضهم: ثلاث عشر" (1) . وأقوالهم في هذا كثيرة وأظن أنني لو قمت بنقل اتجاهاتهم في ذلك من خلال كتب الفرق لقطع القارئ القراءة من الملل لكثرة خلافهم الذي يمضي على وتيرة واحدة، إذ بعد وفاة كل إمام من أهل البيت تنشأ بعده فرق.. منهم من يتوقف عليه ويجعل عدد الأئمة ينتهي به، ومنهم من يذهب يلتمس رجلاً آخر من أهل البيت يتخذه إمامًا، ويكتسب من خلال ذلك، ويحقق ما في نفسه من موروثات دينية سابقة، أو تطلعات عرقية وشعوبية، وينفذ من وراء ذلك أحقاده ومطامعه..

وبحسب القارئ أن يطلع على كتب الفرق ليجد ذلك.. بل إن كتب الفرق عند الشيعة نقلت صورة هذا التباين والتناقض سواء كانت من كتب الإسماعيلية كمسائل الإمامة للناشئ الأكبر، أو الزينة لأبي حاتم الرازي، أو من كتب الاثني عشرية مثل: المقالات والفرق للأشعري القمي، وفرق الشيعة للنوبختي، أو من كتب الزيدية كالمنية والأمل للمرتضى.

وقضية الإمامة عندهم ليس بالأمر الفرعي الذي يكون فيه الخلاف أمرًا عاديًا، بل هي أساس الدين وأصله المتين، ولا دين لمن لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم بعضًا، بل إن أتباع الإمام الواحد يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا (2) .

أما الاثنا عشرية فقد استقر قولهم - فيما بعد - بحصر الإمامة في اثني عشر إمامًا، و"لم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر.."(3) . وإنما عرف الاعتقاد باثني عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري كما سبق (4) .

(1) مختصر التحفة: ص193

(2)

ولذلك كانوا يشتكون من ذلك (انظر: رجال الكشي: ص498-4499)، وانظر: ص (747) من هذه الرسالة

(3)

منهاج السنة: 2/111

(4)

مضى ص (103)

ص: 666

وتجد في بعض الروايات عند الاثني عشرية ملامح من الحيرة والتردد في عدد الأئمة، مما يدل على أن تلك الروايات موضوعة قبل وفاة الحسن العسكري، وأنه قبل ذلك لم تعرف عقيدة الإيمان بالاثني عشر الذين تنتسب إليهم الاثنا عشرية، أو أنها موضوعة قبل تحدد هذه العقيدة عند الجعفرية، ولا شك أن تلك الروايات نقد واضح للاتجاه الاثني عشري.

فقد جاء في روايات الكافي أن عليًا يسر بالولاية إلى من شاء (1) . وقال شارح الكافي: إلى من شاء من الأئمة المعصومين (2) ، ولا تحدد هذه الرواية العدد، ولا تعين الشخص، فكأن الأمر غير مستقر في تلك الفترة التي وضع فيها الخبر، بينما تجد روايات عندهم تجعل الأئمة سبعة وتقول:"سابعنا قائمنا"(3) . وهذا ما استقر عليه الأمر عند الإسماعيلية.

ولكن لما زاد عدد الأئمة أكثر عند الموسوية أو القطعية والتي سميت بالاثني عشرية صار هذا النص الآنف الذكر مبعث شك في عقيدة الإمامة لدى أتباع هذه الطائفة وحاول مؤسسو المذهب التخلص منه، ونفي شك الأتباع بالرواية التالية:"عن داود الرقي قال: قلت لأبي الحسن الرضا رضي الله عنه: جعلت فداك إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شيء إلا حديثًا سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر رضي الله عنه. قال لي: وما هو؟ قال: سمعته يقول: سابعنا قائمنا إن الله. قال: صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر رضي الله عنه، فازددت والله شكًا، ثم قال: يا داود بن أبي خالد، أما والله لولا أن موسى قال للعالم: ستجدني إن شاء الله صابرًا ما سأله عن شيء، وكذلك أبو جعفر عليه السلام لولا أن قال: إن شاء الله لكان كما قال، قال: فقطعت عليه"(4) .

فكأنهم يجعلون هذا من باب البداء وتغير المشيئة والذي هو من عقائدهم -

(1) مضى ذكر النص ص (658)

(2)

المازندراني/ شرح جامع: 9/123

(3)

رجال الكشي: ص373

(4)

رجال الكشي: ص373-374

ص: 667

كما سيأتي - لأنهم يجدون به وسيلة للتخلص من أمثال هذه الأقوال.

ولقد كان أول كتاب ظهر للشيعة وهو كتاب سليم بن قيس قرر أن عدد الأئمة ثلاثة عشر، وكان هذا من أسباب القدح فيه عند طائفة من شيوخ الاثني عشرية.

كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الأربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر. فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني واثني عشر إمامًا من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض - يعني أوتادها وجبالها - بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (1) .

فهذا النص أفاد أن أئمتهم - بدون علي - اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلاثة عشر. وهذا ينسف بنيان الاثني عشرية.. ولهذا يظهر أن شيخهم الطوسي في الغيبة تصرف في النص وغير فيه فأورده بهذا اللفظ: "إني وأحد عشر من ولدي"(2) .

كذلك روت كتب الشيعة الاثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر قال: "دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي"(3) .

فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلهم من أولاد فاطمة، فإذن علي ليس من أئمتهم لأنه زوج فاطمة لا ولدها، أو يكون مجموع أئمتهم ثلاثة عشر.

ومما يدل أيضًا على أنهم لم يعتبروا عليًا من أئمتهم قوله: ثلاثة منهم علي، فإن المسمى بعلي من الأئمة عند الاثني عشرية أربعة: أمير المؤمنين علي، وعلي بن

(1) أصول الكافي: 1/534

(2)

الغيبة: ص92

(3)

أصول الكافي: 1/532، ابن بابويه/ إكمال الدين: ص264، المفيد/ الإرشاد: ص393، الطوسي/ الغيبة: ص92

ص: 668

الحسين، وعلي الرضا، وعلي الهادي.

ولذلك فإن ابن بابويه غير في النص فيما يبدو - في كتابه الخصال - حيث جاء النص عنده بدون لفظة "من ولدها"، ولكن لم يفطن لباقي النص وهو قوله:"ثلاثة منهم علي" فأثبته كما جاء في المصادر الاثني عشرية الأخرى (1) .؛ ولكنه في كتابه عيون أخبار الرضا غير النص في الموضعين بما يتفق ومذهبه أو غيّره غيره (2) .

ومن العجب أن بعض شيوخهم حكم بوضع كتاب سليم بن قيس لأنه اشتمل على أن الأئمة ثلاثة عشر ولم يحكم بمثل ذلك على الكافي الذي ورد فيه مثل ذلك، والمصادر الأخرى التي شاركته في هذا الاتجاه.

والقول بأن الأئمة ثلاثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به، ولعل تلك النصوص من آثارها، وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في رده على من خالف الاتجاه الاثني عشري، الذي ينتمي إليه (3) ، وكذلك النجاشي في ترجمة هبة الله أحمد بن محمد (4) .

وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها على الحق، وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الأخرى، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم

فإن هذه مزاعم افتروها على أهل البيت على وفق مصلحة الوقت، فكل طائفة تقرر إمامًا تدعو إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها، ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بلا دليل، وسقطوا في ورطة الضلال، {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ

(1) انظر: ابن بابويه/ الخصال: ص477-478

(2)

انظر: ابن بابويه/ عيون أخبار الرضا: 2/52

(3)

الغيبة: ص137

(4)

حيث ذكر بأن هبة الله "كان يتعاطى الكلام، ويحضر مجلس أبي الحسين ابن الشيبة العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتابًا، وذكر أن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي: إن الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين"(رجال النجاشي: ص343)

ص: 669

يُهْرَعُونَ} (1) . (2) .

نقد حصرهم الأئمة بعدد معين:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (3) . ولم يحصر سبحانه أولي الأمر بعدد معين وهذا واضح جلي.

وأمر تعيين الأئمة من أعظم أمور الدين عندهم، وهو صنو النبوة أو أعظم.. فكيف لا يبين الله ذلك في كتابه، ويذكر الأئمة بأسمائهم وأعيانهم؟

لا يوجد لأئمتهم ذكر في كتاب الله، وليس هناك نص صحيح متواتر في تعيين أئمتهم.. ولو وجد لما تخبط الشيعة وتاهوا في أمر تعيين الإمام كما حكت ذلك كتب المقالات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقت ولاة الأمور في عدد معين، ففي الصحيحين عن أبي ذر قال:"إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف"(4) .

أما كتب الشيعة الاثني عشرية فهي طافحة بالروايات التي تحدد الأئمة باثني عشر، والملاحظ أن هذه الروايات كانت موضع التداول السري، وكان الأئمة يكذبون رواتها، مما يثير الشكوك في صدقها، لا سيما وكتاب الله سبحانه - والذي أمر الأئمة بالرجوع إليه في الحكم على ما ينسب إليهم من أقوال - لا شاهد فيه لهذه الروايات إلا عن طريق التأويلات الباطنية، والروايات الموضوعة، فيصبح

(1) الصافات، آية: 69-70

(2)

مختصر التحفة: ص200

(3)

النساء، آية: 59

(4)

منهاج السنة النبوية: 2/105، والحديث المذكور أخرجه البخاري بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة"(صحيح البخاري - مع الفتح - كتاب الأذان، باب إمامة المفتون والمبتدع، جص188، ح696) ، وأخرجه مسلم بإسناده إلى أبي ذؤءصر 23 باللفظ الذي ذكره شيخ الإسلام. (صحيح مسلم/ كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: 2/1467، 1468، ح1837)

ص: 670

عمدتهم في النهاية هذه الروايات.. التي تؤكد الشواهد كذبها، كما أن الأوائل الذين جمعوا هذه الروايات وهم: الصفار وإبراهيم القمي والكليني هم من الغلاة الذين يجب اعتبارهم خارج الصف الإسلامي لنقلهم أساطير نقص القرآن وتحريفه، فهم بهذا غير مأمونين وكتبهم غير موثوقة.

وكتاب النّهج الذي هو أصح كتاب عند الشيعة لا ذكر فيه للأئمّة الاثني عشر بأسمائهم وأعيانهم؛ بل جاء فيه ما ينقض مبدأ حصر الأئمّة، حيث قال صاحب نهج البلاغة:".. إنّه لا بدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر.. يقاتل به العدو، وتأمن السّبل، ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر"(1) .

فلم يحدد الأئمة بعدد معين. فأين تذهب الشيعة، وهي تزعم أنها تصدق بكل حرف في النهج؟!

كما أن اختلاف أقوال فرق الشيعة في هذا الأمر، وتباين مذاهبهم في تحديد عدد الأئمة وأعيانهم يكشف حقيقة هذه الدعوى، إذ كل طائفة تدحض مزاعم الأخرى وتكذبها، وكفى الله المؤمنين القتال (2) .

ومسألة حصر الأئمة بعدد معين لا يقبلها العقل ومنطق الواقع؛ إذ بعد انتهاء العدد المعين هل تظل الأمة بدون إمام؟ ولذلك فإن عصر الأئمة الظاهرين عند الاثني عشرية لا يتعدى قرنين ونصف إلا قليلاً.

وقد اضطر الشّيعة للخروج عن حصر الأئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة (3) . وفي هذا العصر اضطرّوا للخروج نهائيًّا عن

(1) نهج البلاغة: ص82

(2)

انظر - مثلاً - ما كتبه أبو حاتم الرازي في التشكيك بإمامة أئمة الاثني عشرية بعد جعفر الصادق في كتاب "الزينة" ص:232-233، (مخطوط)

(3)

انظر: محمد مغنية/ الخميني والحكومة الإسلاميّة: ص68

ص: 671

هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدّولة تتمّ عن طريق الانتخاب.. لكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي (1) .

هذا ويحتجّ الاثنا عشريّة في أمر تحدي عدد الأئمّة بما جاء في كتب السّنّة عن جابر بن سمرة قال: "يكون اثنا عشر أميرًا - فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش" هذا لفظ البخاري (2)، وفي مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة" ثم قال كلمة لم أفهمها. فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: "كلّهم من قريش"(3) . وفي لفظ: "لا يزال هذا الدّين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة"(4)، وفي لفظ آخر:"لا يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً"(5) . وعند أبي داود: "لا يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم تجتمع عليهم الأمّة"(6) . وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال: "وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: الهرج"(7) .

يتعلق الاثنا عشرية بهذا النص ويحتجون به على أهل السنة، لا لإيمانهم بما جاء في كتب أهل السنة (8) ، ولكن للاحتجاج عليهم بما يسلمون به.

(1) انظر: الخميني/ الحكومة الإسلامية: ص48

(2)

صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف: 8/127

(3)

صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب النّاس تبع لقريش والخلافة في قريش: 2/1453

(4)

صحيح مسلم، 2/1453

(5)

صحيح مسلم، ص1452

(6)

سنن أبي داود، أوّل كتاب المهدي: 4/471

(7)

سنن أبي داود: 4/472، وأخرج البزار هذه الزيادة من وجه آخر فقال فيها:"ثم رجع إلى منزله فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال: الهرج". (ابن حجر/ فتح الباري: 13/211)

(8)

انظر ممن يحتج بذلك من شيوخهم: ابن بابويه/ الخصال: ص470، الطوسي/ الغيبة: ص88، الأربلي/ كشف الغمة: ص56-57، البياضي/ الصراط المستقيم: 2/100، شبر/ حق اليقين: ص 338، السماوي/ الإمامة: 1/147، وغيرهم كثير

ص: 672

وبالتأمل في النص بكل حيدة وموضوعية نجد أن هؤلاء الاثني عشر وصفوا بأنّهم يتولّون الخلافة، وأن الإسلام في عهدهم يكون في عزة ومنعة، وأن الناس تجتمع عليهم ولا يزال أمر الناس ماضيًا وصالحًا في عهدهم.

وكلّ هذه الأوصاف لا تنطبق على من تدّعي الاثنا عشريّة فيهم الإمامة، فلم يتولّ الخلافة منهم إلا أمير المؤمنين علي والحسن مدّة قليلة، ولم تجتمع في عهدهما الأمة، كما لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني عشر - في نظر الشيعة أنفسهم - بل ما زال أمر الأمة فاسدًا.. ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون (1) ، وأن الأئمّة أنفسهم كانوا يتستّرون في أمور دينهم بالتّقية (2) ، وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخلافة عهد تقية، كما صرّح بذلك شيخهم المفيد (3) . فلم يستطع أن يظهر القرآن، ولا أن يحكم بجملة من أحكام الإسلام، كما صرح بذلك شيخهم الجزائري (4) ، واضطرّ إلى ممالأة الصّحابة ومجاراتهم على حساب الدّين، كما أقرّ بذلك شيخهم المرتضى (5) . فالحديث في جانب ومزاعم هؤلاء في جانب آخر.

ثم إنه ليس في الحديث حصر للأئمة بهذا العدد؛ بل نبوءة منه صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام لا يزال عزيزًا في عصر هؤلاء.

وكان عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية عصر عزة ومنعة، ولهذا قال شيخ الإسلام:"إن الإسلام وشرائعه في زمن بني أميّة أظهر وأوسع ممّا كان بعدهم، ثم استشهد بحديث "لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش". ثم قال: وهكذا كان، فكان الخلفاء أبو بكر وعثمان وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده

(1) منهاج السنة: 4/210، المنتقى (مختصر منهاج السنة) : ص533، وستأتي أحاديثهم في أن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا إلا ثلاثة، وبعد الحسين ارتدوا إلا ثلاثة.. إلخ

(2)

مختصر الصواقع: ص231 (مخطوط)

(3)

ص43-44 من هذه الرّسالة

(4)

انظر: ص202-203 من هذه الرسالة

(5)

ص421 من هذه الرّسالة

ص: 673

الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل من النقص ما هو باق إلى الآن" ثم شرح ذلك.. (1) .

ونجد أن الاثني عشرية ترى دوام "ولاية المنتظر.. إلى آخر الدهر، وحينئذ فلا يبقى زمان يخلو عندهم من الاثني عشر، وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين: نوع يقوم فيه أمر الأمة، ونوع لا يقوم بل هو قائم في الأزمان كلها وهو خلاف الحديث (2) ، وخلاف ما يعتقده هؤلاء بأن عصر الاثني عشر إلى أن يخرج المنتظر هو عصر تقية من تركها من الشيعة بمنزلة من ترك الصلاة"(3) .

كما أن الأمة لم تجتمع عليهم لأنهم لم يتولوا حكمًا - ما عدا عليًا والحسن - بل الشيعة أنفسهم مختلفون في شأنهم وفي أعدادهم وأعيانهم اختلافًا لا يكاد يحصى إلا بكلفة، كما حفلت بتصوير ذلك كتب الفرق والمقالات.

ثم إنه قال في الحديث: "كلهم من قريش" وهذا يعني أنهم لا يختصون بعلي وأولاده "ولو كانوا مختصين بعلي وأولاده لذكر ما يميزون به، ألا ترى أنه لم يقل: كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب، وإن كانوا كذلك، لأنه قصد القبيلة التي يمتازون بها، فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم، أو من قبيل علي لذكروا بذلك، فلما جعلهم من قريش مطلقًا علم أنهم من قريش، بل لا يختصون بقبيلة، بل بنو تيم وبنو عدي، وبنو عبد شمس، وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل"(4) .

فإذن لم يبق من الأوصاف التي تنطبق على ما يريدون إلا مجرد العدد، والعدد لا يدل على شيء.. ألا ترى أن هذا الرقم وصف به هؤلاء الخلفاء الصلحاء كما وصف به أضدادهم، فقد جاء في صحيح مسلم "في أمتي اثنا عشر

(1) منهاج السنة: 4/206

(2)

منهاج السنة: 4/210

(3)

انظره بنصه في فصل "التقية"

(4)

منهاج السنة: 4/211

ص: 674