الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: عصمة الإمام
مسألة عصمة الإمام لها أهمية كبرى عند الشيعة (1) ، وهي من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي (2) .
والعصمة في كلام العرب: تعني المنع، وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يوبقه، واعتصم فلان بالله إذا امتنع به (3) .
أما معنى العصمة عند الشيعة فيختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته، لكن يظهر أن مذهب الشيعة في عصمة الأئمة قد استقر على ما قرره شيخ الشيعة - في زمنه - المجلسي - صاحب بحار الأنوار (المتوفى سنة 1111هـ) في قوله:"اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السلام من الذّنوب - صغيرها وكبيرها - فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا الخطأ في التّأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه"(4) .
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة: العصمة من المعصية كلها - صغيرة أو كبيرة - العصمة من الخطأ، والعصمة من السهو والنسيان.
وهذه الصّورة للعصمة التي يرسمها المجلسي، ويعلن اتفاق الشيعة عليها لم تتحقّق لأنبياء الله ورسله كما يدلّ على ذلك صريح القرآن، والسّنّة، وإجماع
(1) عبد الله فياض/ تاريخ الإمامية: ص157
(2)
باقر شريف القرشي/ حياة الإمام موسى بن جعفر: 1/111
(3)
تهذيب اللغة: مادة "عصم"
(4)
بحار الأنوار: 25/211، وانظر: مرآة العقول: 4/352
الأمة (1) ، فهي غريبة على الأصول الإسلامية، بل إنّ النّفي المطلق للسّهو والنّسيان عن الأئمّة تشبيه لهم بمن لا تأخذه سنة ولا نوم، ولهذا قيل للرّضا - وهو الإمام الثّامن الذي تدعي الشيعة عصمته -:"إنّ في الكوفة قومًا يزعمون أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقع عليه السّهو في صلاته، فقال: كذبوا - لعنهم الله - إنّ الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو"(2) .
وهذا النص - إن صح - من الممكن أن نستقرئ منه بأن نفي السهو - والذي أصبح من أسس مفهوم العصمة عند الاثني عشرية المتأخرين - كان في عصر الرضا عقيدة لقوم ينتسبون للتشيع، لم يذكر لهم اسم لقلتهم أو حقارتهم أو شناعة قولهم، وكانوا يخصون بهذه العقيدة أفضل الخليفة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقد قوبل هذا الاتجاه الغالي باللعن والتكذيب والتفكير من إمام الشيعة نفسه؛ لأن في هذا تشبيهًا للرسول صلى الله عليه وسلم بمن لا تأخذه سنة ولا نوم، فماذا يقول الرضا إذًا فيمن يطلق هذا الوصف عليه، وعلى آخرين معه من أجداده وأبنائه؟
لا شك أن إنكاره عليهم أشد وأعظم، كما يمكن أن يؤخذ من هذا النص تأخر شيوع هذا الاتجاه عن عصر الرضا.
وهذا يدعونا لبحث بواكير النشأة لهذه العقيدة وتطورها.
(1) انظر: فكرة التقريب: ص299 (الهامش)
(2)
بحار الأنوار: 25/350، وانظر: ابن بابويه/ عيون أخبار الرّضا: ص326