الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: الطينة
هذه العقيدة من مقالاتهم السرية، وعقائدهم التي يتواصون بكتمانها حتى من عامتهم، لأنه لو اطلع العامي الشيعي على هذه العقيدة "تعمد أفعال الكبار لحصول اللذة الدنيوية، ولعلمه بأن وبالها الأخروي إنما هو على غيره"(1) .
وكانت هذه المقالة موضع إنكار من بعض عقلاء الشّيعة المتقدّمين كالمرتضى وابن إدريس، لأنّها في نظرهم وإن تسللت أخبارها في كتب الشيعة إلا "أنّها أخبار آحاد مخالفة للكتاب والسّنّة والإجماع فوجب ردّها"(2) .
لكن هذه الأخبار تكاثرت على مر الزمن حتى قال شيخهم نعمة الله الجزائري (ت1112هـ) : "إنّ أصحابنا قد رووا هذه الأخبار بالأسانيد المتكثّرة في الأصول وغيرها، فلم يبق مجال في إنكارها، والحكم عليها بأنّها أخبار آحاد، بل صارت أخبارًا مستفيضة، بل متواترة"(3) ، قال هذا في الرد على من أنكرها من شيوخهم السابقين.
والذي تولى كبر إرساء هذه العقيدة - فيما يظهر - هو شيخهم الكليني الذي بوّب لها بعنوان "باب طينة المؤمن والكافر"، وضمّن ذلك سبعة أحاديث في أمر الطّينة (4) .
ثمّ ما زالت تكثر هذه الأخبار من بعد الكليني حتى سجّل منها شيخهم
(1) انظر: الأنوار النعمنية: 1/295
(2)
الأنوار النّعمانيّة: 1/293
(3)
الأنوار النّعمانيّة: 1/293
(4)
أصول الكافي: 2/ 2-6
المجلسي سبعة وستّين حديثًا في باب عقده بعنوان "باب الطّينة والميثاق"(1) .
وكأن القارئ يتطلع إلى معرفة تفاصيل هذه المقالة التي تجعل الشيعي يعتقد بأن كل بائقة يرتكبها فذنبها على أهل السنة، وكل عمر صالح يعمله أهل السنة فثوابه للشيعة، ولذلك فإن شيوخ الشيعة يكتمون ذلك عن عوامهم حتى لا يفسدوا عليهم البلاد والعباد.
هذه العقيدة أوسع تفصيل لها هو رواية ابن بابويه في علل الشّرائع حيث استغرقت عنده خمس صفحات وختم بها كتابه (2)، ورأى بعض شيوخهم المعاصرين أنّ هذا كمسك الختام فقال:"إنّه ختم بهذا الحديث الشّريف كتاب علل الشّرائع"(3) .
وملخص ذلك يقول بأنّ الشّيعي خلق من طينة خاصّة والسّنّي خلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشّيعي من معاصٍ وجرائم هو من تأثّره بطينة السّنّيّ، وما في السّنّيّ من صلاح وأمانة هو بسبب تأثّره بطينة الشّيعي، فإذا كان يوم القيامة فإنّ سيّئات وموبقات الشّيعة تُوضع على أهل السّنّة، وحسنات أهل السّنّة تُعطى للشّيعة.
وعلى هذا المعنى تدور أكثر من ستّين رواية من رواياتهم.
ويمكن أن يستنبط سبب القول بهذه العقيدة من الأسئلة التي وجهت للأئمة، والشكاوى التي رفعت إليهم، فالشيعة يشكون من انغماس قومهم بالموبقات والكبائر، ومن سوء معاملة بعضهم لبعض، ومن الهم والقلق الذي يجدونه ولا يعرفون سببه.
(1) بحار الأنوار: 5/225-276
(2)
علل الشّرائع: ص606-610
(3)
بحار الأنوار (الهامش) : 5/233
ولكن يعزو إمامهم ذلك كله لتأثر طينة الشيعي بطينة السني في الخلقة الأولى.
ولنستمع إلى بعض هذه الأسئلة المثيرة التي تكشف واقع المجتمع الشيعي المغلق:
روى ابن بابويه بسنده: "عن أبي إسحاق اللّيثي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا بن رسول الله، أخبرني عن المؤمن المستبصر (1) . إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني؟ قال: اللهمّ لا، قلت: فيشرب الخمر؟ قال: لا، قلت: فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش؟ قال: لا، قلت: يا ابن رسول الله، إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر، ويقطع الطّريق، ويخيف السّبيل، ويزني، ويلوط، ويأكل الرّبا، ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصّلاة والصّيام، والزّكاة، ويقطع الرّحم، ويأتي الكبائر، فكيف هذا ولِمَ ذاك؟ فقال: يا إبراهيم، هل يختلج في صدرك شيء غير هذا؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله أخرى أعظم من ذلك، فقال: وما هو يا أبا إسحاق؟ قال: فقلت: يا ابن رسول الله، وأجد من أعدائكم ومناصبيكم (2) . من يكثر من الصلاة والصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة، ويحرص على الجهاد، ويأثر - كذا - على البر، وعلى صلة الأرحام، ويقضي حقوق إخوانه، ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا، واللواط وسائر الفواحش، فما ذاك؟ ولِمَ ذاك؟ فسّره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه، فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي، وضاق ذرعي"(3) .
هذا واحد من الأسئلة والشكاوى التي تكشف انزعاج الشيعة من واقعهم المليء بالمعاصي والموبقات بالمقارنة بواقع سلف هذه الأمة، وأئمة أهل السنة ومعظم عامتهم من تقى وأمانة وصلاح، وقد أجيب السائل بمقتضى عقدية الطينة وهي
(1) يعني الرّافضي
(2)
يشير إلى أهل السنة
(3)
علل الشرائع: ص606-607، بحار الأنوار: 5/228-229
أن المعاصي الموجودة عند الشيعة هي بسبب طينة أهل السنة، والأعمال الصالحة التي تسود المجتمع السني بسبب طينة الشيعي.
ويأتي سائل آخر يدعى إسحاق القمي فيقول لأبي جعفر الباقر: "جعلت فداك أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي، ويدين الله بولايتكم، وليس بيني وبينه خلاف، يشرب السكر، ويزني، ويلوط، وآتيه في حاجة واحدة فأصيبه معبس الوجه، كالح اللون، ثقيلاً في حاجتي، بطيئًا فيها، وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه، ويعرفني بذلك (1) ، فآتيه في حاجة، فأصيبه طلق الوجه، حسن البشر، متسرعًا في حاجتي، فرحًا بها، يحب قضاءها، كثير الصلاة، كثير الصوم، كثير الصدقة، يؤدي الزكاة، ويُستودَع فيؤدي الأمانة"(2) .
فهذا السائل يزيد عن سابقه بشكواه من سوء معاملة أصحابه، وجَفاء طبعهم، وقلة وفائهم، على حين يجد أهل السنة وهم خصومه أحسن له من أصحابه وأقضى للحاجة، وأفضل في الخلق والمعاملة والعبادة.
وقريب من ذلك ما شكاه بعض الشيعة إلى أبي عبد الله فقال: "أرى الرجل من أصحابنا ممن يقول بقولنا خبيث اللسان، خبيث الخلطة، قليل الوفاء بالميعاد فيغمني غمًا شديدًا، وأرى الرجل من المخالفين علينا حسن السمت، حسن الهدي (3) ، وفيًا بالميعاد فأغتم غمًا"(4) .
ويأتي سائل رابع يشكو ما يجده من قلق وهم لا يعرف له تفسيرًا. تقول روايتهم: "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله، ومعي رجل من أصحابنا فقلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف
(1) أي يعرف أنه رافضي
(2)
علل الشرائع: 489-490، بحار الأنوار: 5/246-247
(3)
الهدي: الطريقة، السيرة (بحار الأنوار: 5/251)
(4)
البرقي/ المحاسن: ص137-138، بحار الأنوار: 5/251
لذلك سببًا.." (1) .
ويبدو أن مصدر القلق تلك العقيدة غير الواضحة والمستقرة التي تأخذ بها الروافض، ولكن "إمامه" يفسر هذا القلق بمقتضى عقيدة الطينة.
هذه الأسئلة والشكاوى وغيرها كثير (2) . توضح طبيعة التركيبة الشيعية في نفسيتها، وعلاقاتها، وخلقها، ومعاملاتها ودينها..
وقد احتال شيوخ الشيعة لمواجهة هذا الإحساس الذي ينتاب بعض الصادقين من الشيعة، إزاء هذه الظواهر المقلقة والمخيفة فكانت محاولة الخروج من إلحاح هذه التساؤلات والشكاوى بقولهم بهذه العقيدة.
ولنستمع إلى بعض الأجوبة على تلك الشكاوى (3) . يقول (إمامهم) : "يا إسحاق (راوي الخبر) ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت: لا والله، جعلت فداك إلا أن تخبرني، فقال: يا إسحاق، إن الله عز وجل لما كان متفردًا بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شيء، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها، ثم نضب (4) . الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت، فلو أن طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم، وسرق، ولا لاط، ولا شرب المسكر ولا اكتسب شيئًا مما ذكرت، ولكن الله عز وجل أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها ثم نضب الماء عنها، ثم قبض
(1) بحار الأنوار: 5/242، وعزاه إلى علل الشرائع: ص42
(2)
تجدها في أبواب الطينة في الكافي والبحار، وسيأتي «نماذج» أخرى في باب أثر الشيعة في العالم الإسلامي
(3)
والجواب المذكور هو على السؤال الذي قالوا إنه سأله إسحاق القمي، وقد مضى نصه: ص (958) ، وباقي الأجوبة نكتفي بما مضى من إحالات عليها، خشية الإطالة والتكرار، لأنها ترجع في النهاية إلى معنى واحد ونتيجة واحدة غالبًا
(4)
أي نشح ماؤه ونشف. (بحار الأنوار: 5/230/ هامش3)
قبضته وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون (1) ، وهي طينة خبال (2) ، وهي طينة أعدائنا، فلو أن الله عز وجل ترك طينتهم كما أخذها لم تروها في خلق الآدميين، ولم يقرّوا بالشهادتين، ولم يصوموا ولم يصلوا، ولم يزكوا، ولم يحجوا البيت، ولم تروا أحدًا منهم بحسن خلق، ولكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين - طينتكم وطينتهم - فخلطهما وعركهما عرك الأديم، ومزجهما بالماءين فما رأيت من أخيك من شر لفظ، أو زنا، أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، ليس من جوهريته وليس من إيمانه، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة، أو حج بيت، أو صدقة، أو معروف فليس من جوهريته، إنما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان اكتسبها وهو اكتساب مسحة الإيمان.
قلت: جعلت فداك فإذا كان يوم القيامة فَمَهْ؟ قال لي: يا إسحاق أيجمع الله الخير والشر في موضع واحد؟ إذا كان يوم القيامة نزع الله عز وجل مسحة الإيمان منهم فردّها إلى شيعتنا، ونزع مسحة النّاصب بجميع ما اكتسبوا من السّيّئات فردّها على أعدائنا، وعاد كلّ شيء إلى عنصره الأوّل.
قلت: جعلت فداك تُؤخذ حسناتهم فتردّ إلينا، وتُؤخذ سيّئاتنا فتردّ إليهم؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو (3) .
هذه عقيدة الطينة عندهم، وقد جاء في سياق رواية القمّي في أوّلها قوله:"خذ إليك بيانًا شافيًا فيما سألت، وعلمًا مكنونًا من خزائن الله وسرّه"(4) .
(1) الحمأ: الطين الأسود والمتغير، والمسنون: المنتن. (بحار الأنوار: 5/247، هامش2)
(2)
الخبال: الفساد، النقصان، (بحار الأنوار: 5/247، هامش رقم3)
(3)
علل الشّرائع: ص490-491، بحار الأنوار: 5/247-248
(4)
علل الشّرائع: ص607، بحار الأنوار: 5/229
وجاء في خاتمتها: "خذها إليك يا أبا إسحاق، فوالله إنّه لَمِن غرر أحاديثنا، وباطن سرايرنا، ومكنون خزائننا، وانصرف ولا تطلع على سرّنا أحدًا إلا مؤمنًا مستبصرًا، فإنّك إن أذعت سرّنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك"(1) .
فهي - كما ترى - عقيدة سرية في إبّان قوة الدولة الإسلامية، يؤكَّد على سريتها في بدايتها ونهايتها، فهل خطر ببال مخترع هذه العقيدة أنها ستقع في أيدي أهل السنة، ويعلنونها أمام الملأ كإحدى الفضائح..؟
نقد هذه العقيدة:
أولاً: إن هذه الرّوايات ناقضت نفسها بنفسها، فالشّيعي كما ترى في عرض الشّكاوى والأسئلة هو أغرق في الجريمة، وأكثر إيغالاً في المعاصي والموبقات، وأسوأ معاملة، وأردأ خلقًا ودينًا، فكيف يكون مَنْ هذه حاله أفضل طينة، وأطهر خلقة؟
ثانيًا: قد خلق الله سبحانه النّاس جميعًا على فطرة الإسلام، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (2) .
والتّفريق بينهما ممّا شذّت به أساطير الشّيعة.
ثالثًا: ناقضت الشّيعة في أخبار الطّينة مذهبها في أفعال العباد؛ لأنّ مقتضى هذه الأخبار أن يكون العبد مجبورًا على فعله وليس له اختيار له؛ إذ أفعاله بمقتضى الطّينة. مع أنّ مذهبهم أنّ العبد يخلق فعله كمذهب المعتزلة (3) .
رابعًا: تقرر أخبار طينتهم «أن موبقات الشيعة وأوزارها يتحملها أهل
(1) علل الشّرائع: ص610، بحار الأنوار: 5/233
(2)
الرّوم، آية:30
(3)
انظر: ص (638) ، وما بعدها
السنة، وحسنات المسلمين جميعًا تعطى للشيعة، وهذا مخالف للعدل الرّباني ولا يتفق مع العقل الصريح ولا الفطرة السليمة، فضلاً عن نصوص الشرع وأصول الإسلام، قال تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، وقال عز وجل:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (2) . وقال عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3)، وقال - تعالى -:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (4)، وقوله - سبحانه -:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} (5) . وغيرها كثير.
وهذه المقالة ظاهرة البطلان، يكفي مجرد تصورها لمعرفة فسادها، وهي من فضائح المذهب الاثني عشري وعوراته.
ولا يستحي الشيعة إلى اليوم من التجاهر بهذه العقيدة وإعلانها، فتجد أخبار هذه «الفرية» في بحار الأنوار (6) ، والأنوار النّعمانيّة (7) ، يعلق عليها المحقق الشيعي بما يؤكد رضاه عن هذه الأساطير واعتقادها.
وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(1) الأنعام، آية: 164، فاطر، آية:18، والزّمر، آية:7
(2)
الطور: آية: 21
(3)
الطّور: آية:21
(4)
الزلزلة، الآيتان: 7، 8
(5)
غافر، آية: 17
(6)
الأنوار النّعمانيّة: 1/287، تعليقه رقم (1)
(7)
بحار الأنوار: 5/233، هامش (3)