المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النقد: هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد هل - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌ ‌النقد: هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد هل

‌النقد:

هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد هل يحتاج إلى نقد؟ إن بطلانه أوضح من أن يبين، وكذبه أجلى من أن يكشف، وتكفير الأمة امتداد لتكفير الصحابة، والسبب واحد لا يختلف.

ومن الطبيعي أن من يحقد على صحابة رسول الله ويسبهم ويكفرهم يحقد على الأمة جميعًا ويكفرها، كما قال بعض السلف:"لا يغلّ قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كان قلبه على المسلمين أغلّ"(1) . فإذا لم يرض عن أبي بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، والمهاجرين والأنصار وهم في الذروة من الفضل والإحسان، فهل يرضى بعد ذلك عن أحد بعدهم؟!

ومبنى هذا الموقف هو دعوى الروافض أن الصحابة رضوان الله عليهم أنكروا النص على إمامة علي وبايعوا أبا بكر، وقد مضى بيان بطلان النص بالنقل والعقل وبالأمور المتواترة المعلومة. وما بني على الباطل فهو باطل.

ولقد كان حكمهم بردة ذلك "الجيل القرآني الفريد" من الظواهر الواضحة على بطلان مذهب الرفض من أساسه، وأنه إنما وضع أصوله شرذمة من الزنادقة، وبطلان هذه المقالة معروف بداهة، ولذلك قال أحمد الكسروي (الإيراني والشيعي الأصل) : "وأما ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان، فلقائل أن يقول: كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي آمنوا به حين كذبه الآخرون، ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في سبيله ثم ناصروه في حروبه، ولم يرغبوا عنه بأنفسهم، ثم أي نفع لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله؟! فأي الأمرين أسهل احتمالاً: أكذب رجلاً أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة، أو ارتداد بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان

(1) الإبانة لابن بطّة: ص41

ص: 752

لكم جواب" (1) .

ومع وضوح بطلان مذهبهم - كما ترى - لمخالفته للشرع والعقل والتاريخ، وما علم من الإسلام بالضرورة، فإنه لابد من وقفة ولو سريعة في الرد عليه؛ لأنه وجد في الماضي ويوجد اليوم من يتجاهل الدلائل والبراهين في ذلك، وحسبك أن تعرف أن أحد آيات الشيعة في هذا العصر، ومن يرفع شعار الوحدة الإسلامية، ويرددها في نشراته وخطبه ورحلاته (2) . وهو شيخهم محمد الخالصي قد كتب رسالة للشيخ محمد بهجة البيطار في تاريخ 26 ربيع الأول سنة 1382هـيقول فيها:

"لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمه الكتاب والسنة، والإطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد، والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو أن كتاب الله وسنته لم تذكر الصحابة بخير، ولا تدل على فضل لهم لأنهم صحابة"(3) .

فالخالصي هنا لا يذكر الصحابة بخير مع تواتر النصوص في فضلهم، ولكنه يقول عن أئمته: إن "الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله تعالى الأعمال من العباد إلا بولايتهم"(4) . مع أن الاثني عشر لا ذكر لهم ولا لإمامتهم أصلاً في كتاب الله سبحانه. فانظر كيف يكذبون بالحقائق الواضحات، ويصدقون بالكذب الصريح.

وإذا كان الأمر وصل إلى هذا الحد فإننا نسوق الأدلة والبراهين على نقض مذهب الرافضة، وبيان فضل الصحابة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة، والتاريخ، والعقل، والأمور المعلومة المتواترة.. ونكشف - من خلال كتب الشيعة نفسها - مؤسس وواضع هذه العقيدة في المذهب الشيعي.

(1) التشيع والشيعة: ص66

(2)

انظر - مثلاً -: الإسلام فوق كل شيء: ص65

(3)

رسالة الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة للشيخ محمد بهجة البيطار: ص6

(4)

الخالصي/ الاعتصام بحبل الله: ص43

ص: 753

وهو بالتالي نقض لمذهبهم في تكفير الأمة جميعًا، لأن السبب الذي كفروا به الصحابة هو السبب بعينه الذي كفروا به سائر المسلمين، ولكن الصحابة - رضوان الله عليهم - يختصون بالمزيد من السب واللعن والتكفير قديمًا وحديثًا بهدف إبطال الشريعة التي ينقلونها للأمة.

أـ القرآن الكريم:

لقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عنهم، وأثنى الله عليهم في آيات كثيرة جلية واضحة، لا نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن بالاثني عشر.

ـ قال جل شأنه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (1) .

"وكفى فخرًا لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس، فإنهم أول داخل في هذا الخطاب، ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته"(2) .

ولهذا جاء تأويلها عن السلف بأقوال "مقتضاها أن الآية نزلت في الصحابة، قال الله لهم كنتم خير أمة"(3) .

ـ وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) .

(1) آل عمران، آية: 110

(2)

ابن حجر الهيثمي/ الصواعق المحرقة: ص7

(3)

ابن عطية/ المحرر الوجيز: 3/193، ولهذا قال علامة الشيعة الزيدية محمد بن إبراهيم الوزير بعدما ذكر من أحوال أولئك الصحب العظام ما لم تر أمة من أمم الأرض مثله. قال:"وهذه الأشياء تنبه الغافل، وتقوي بصيرة العاقل، وإلا ففي قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كفاية وغنية"(الروض الباسم: 1/56-57، وانظر: محب الدين الخطيب/ الجيل المثالي: ص19)

(4)

التّوبة: آية: 100

ص: 754

فالآية صريحة الدلالة على رضاء الله سبحانه عن المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، وتبشيرهم بالفوز العظيم، والخلود في جنات النعيم، ولهذا قال ابن كثير عند هذه الآية:

"فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم (1) ، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضي الله عنهم"(2) .

ـ وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (3) .

قال ابن حزم: "فمن أخبرنا الله سبحانه أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة"(4) .

"والذين بايعوا تحت الشّجرة بالحديبيّة عند جبل التّنعيم (5) . كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة (6) .

وهؤلاء كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر

(1) بل تجاوزوا مرحلة السب إلى الحكم بالردة والتكفير

(2)

تفسير ابن كثير: 2/410

(3)

الفتح، آية: 18

(4)

الفصل: 4/225

(5)

التّنعيم: على ثلاثة أميال أو أربعة من مكّة المشرّفة، سمّي به لأنّ على يمينه جبل نعيم كزبير، وعلى يساره جبل ناعم، والوادي اسمه نعمان بالفتح. (انظر: تاج العروس، مادّة "نعم"، ومعجم البلدان، لفظ "تنعيم")

(6)

منهاج السنة: 2/15-16 (تحقيق د. رشاد سالم)

ص: 755

وعثمان رضي الله عنهم (1) .

ولقد خاب وخسر من رد قول ربه أنه رضي عنه المبايعين تحت الشجرة.. وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وطلحة والزبير وعمارًا والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة، وقد انتظمت الخوارج والروافض البراءة منهم خلافًا لله عز وجل وعنادًا (2) .

وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (3) .

فانظر إلى عظيم مقام الصحابة، حيث أثنى الله عليهم بهذه الأوصاف، وأخبر أن صفتهم مذكورة في التوراة والإنجيل، حتى ذكر بعض أهل العلم أنّ ظاهر هذه الآية يُوجب أنّ الرّوافض كفّار؛ لأنّ في قلوبهم غيظًا من الصّحابة وعداوة لهم، والله يقول:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، فبيّن أنّ من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفّار (4) .

ـ وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (5) .

وقد حكم الله لمن وعد بالحسنى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا

(1) منهاج السّنّة: 1/206

(2)

الفصل: 4/226

(3)

الفتح، آية: 29

(4)

انظر: الإسفراييني/ التّبصير في الدّين: ص25، تفسير ابن كثير: 4/219، تفسير القاسمي: 15/104

(5)

الحديد، آية: 10

ص: 756

الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} (1) .

فجاء النص أن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم فقد وعده الله تعالى بالحسنى، وقد نص الله سبحانه:{إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (2) . وصح بالنص أن كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى، فإنه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها، وهو فيما اشتهى خالد لا يحزنه الفزع الأكبر.. وليس المنافقون ولا سائر الكفار من أصحابه صلى الله عليه وسلم (3) .

ـ وقال سبحانه: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (4) .

وهذه الآيات تتضمّن الثّناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلاًّ لهم، وتتضمّن أنّ هؤلاء الأصناف هم المستحقّون للفيء.

ولا ريب أن هؤلاء الرّافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسّابقين، وفي قلوبهم غلّ عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الرافضة من

(1) الأنبياء، آية: 101، 102، 103

(2)

آل عمران، آية: 9

(3)

المحلى: 1/42

(4)

الحشر، الآيات: 8، 9، 10

ص: 757

ذلك، وهذا ينقض مذهب الرافضة (1) .

والآيات في هذا الباب كثيرة (2) .

(1) منهاج السنة: 1/204

(2)

وحبذا لو قام أحد طلبة قسم القرآن وعلومه بتسجيل موضوع في "الصحابة في القرآن الكريم" لإظهار عظيم ثناء الله على هذا الجيل القرآني الفريد

ص: 758

ب ـ السنة المطهرة:

وكتب السنة مليئة بالثناء على الصحب، وبيان فضلهم عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

1ـ فنصوص تثني عليهم جميعًا كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"(1) .

وقوله عليه الصلاة والسلام: "خير النّاس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،» ، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرني أو ثلاثة"(2) .

2ـ ونصوص تثني على جماعات منهم على سبيل التعيين كأهل بدر، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم:".. وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"(3) .

وأصحاب الشّجرة أهل بيعة الرّضوان، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل النّار - إن شاء الله - من أصحاب الشّجرة أحد، الذين بايعوا تحتها"(4) .

(1) أخرجه البخاري، باب فضائل أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم 4/195. ومسلم، واللّفظ له، في كتابه فضائل الصّحابة، باب تحريم سبّ الصّحابة رضي الله عنهم: 2/1967 (ح2540) ، وأبو داود في كتاب السّنّة، باب في النّهي عن سبّ أصحاب رسول الله: 5/45 (ح4658) ، والتّرمذي في كتاب المناقب، باب 59: 5/695-696 (ح3861)

(2)

أخرجه البخاري: 3/151، في كتاب الشّهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد.. واللّفظ له، ومسلم بنحوه في كتاب فضائل الصّحابة، باب فضل الصّحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم: 2/1962 (ح2533)

(3)

أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل أهل بدر: 2/1941 (ح2494)

(4)

أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل أصحاب الشّجرة: 2/1942 (ح2496)

ص: 759

وغيرهما (1) .

3ـ ونصوص تثني على آحادهم وهي كثيرة ذكرتها كتب الصحاح، والسنن والمسانيد.

ولكن الشيعة قد رضيت لنفسها أن تنأى عن هذا المورد العظيم فهي لا تعرج في مقام الاستدلال عليها، ولا تحتج بها، ولا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونها، كما أنه لا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها، وإنما ينبغي أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به، سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه (2) .

ولذا أكتفي في هذا المقام بالإحالة على الكتب الأمهات في أبواب فضائل الصحابة؛ ففيها أحاديث كثيرة في فضل الصحابة والثناء عليهم، والنهي عن سبهم وأقيم عليهم الحجة من كتبهم أيضًا، من أقوال الأئمة التي يعدونها كأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) راجع: جامع الأصول، الباب الرّابع في فضائل الصّحابة ومناقبهم، وفيه خمسة فصول: 8/547 وما بعدها، وانظر: فضائل الصّحابة للإمام أحمد، وفضائل الصّحابة للنّسائي، وانظر: الشّوكاني/ درّ السّحابة في مناقب القرابة والصّحابة، الكبيسي/ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسّنّة: ص161

(2)

الفصل: 4/159

ص: 760

جـ ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم:

في الخصال لابن بابويه القمي: «عن أبي عبد الله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا (1) ، ثمانية آلاف في المدينة وألفان من أهل مكّة، وألفان من الطّلقاء، لم يرد فيهم قدري، ولا مرجئ، ولا حروري، ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون اللّيل والنّهار» (2) .

وفي البحار للمجلسي:

عن الصّادق عن آبائه عن علي عليه السلام قال: "أوصيكم بأصحاب نبيّكم لا تسبّوهم، الذين لم يحدثا بعده حدثًا ولم يؤووا مُحدِثًا، فإنّ رسول الله أوصى بهم الخير"(3) .

وفي البحار أيضًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني"(4) .

(1) هذا من وضع الجهّال، فعدد الصّحابة الذين شهدوا معه صلى الله عليه وسلم حنينًا اثنا عشر ألفًا سوى الأتباع والنّساء، وجاءت إليه هوازن مسلمين، وترك مكّة مملوءة ناسًا، وكذلك المدينة أيضًا، وكلّ من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلّهم لهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجّة الوداع وكلّهم له صحبة. (ابن الأثير/ أسد الغابة: 1/12) .

قال أبو زرعة: توفي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن رآه وسمع منه زيادة عن مائة ألف إنسان من رجل وامرأة. (تدريب الرّاوي: 2/221، الإصابة: ص4، الذهبي/ تجريد أسماء الصّحابة صلى الله عليه وسلم: ص (ب)، والمعتمد أنّه ليس هناك تحديد ثابت لهم. انظر: السّخاوي/ فتح المغيث: 3/111)

(2)

ابن بابويه القمي/ الخصال: ص 639-640، وانظر: المجلسي/ البحار: 22/305

(3)

المجلسي: البحار 22/305-306

(4)

أمالي الصدوق: 240-241، بحار الأنوار: 22/305

ص: 761

وعن موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمّتي ما يوعدون، ولا يزال هذا الدّين ظاهرًا على الأديان كلّها ما دام فيكم من قد رآني"(1) .

وفي معاني الأخبار لشيخهم ابن بابويه القمي (الصدوق) : "عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما وجدتم في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله عز وجل، وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم (ثم زاد دعاة التفرقة على هذا النص الزيادة التالية) فقيل: يا رسول الله، ومن أصحابك؟ قال: أهل بيتي"(2) .

ولا شك أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جدًا، وقد لاحظ صدوقهم هذا البعد فعقب على النص السالف بقوله:"إن أهل البيت لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بمر الحق، وربما أفتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، والتقية رحمة للشيعة"(3) .

فهو هنا يحمل "النص الذي يثني على الصحابة" على التقية، والعقل والمنطق يعترض على هذا "التأويل" فلم يكون الثناء على الصحابة الذي أثنى عليهم الله ورسوله، وشهد التاريخ بفضلهم وجهادهم تقية، ويكون السب لهم هو الحقيقة وهو مذهب الأئمة؟ إنه لا دليل لهم على هذا المذهب سوى أنه يتمشى مع منطق أعداء الأمة.

ثم إن النص السابق يرويه "جعفر الصادق" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل

(1) المجلسي/ البحار: 22/ 309-310، وعزاه إلى نوادر الرّواندي: ص23

(2)

ابن بابويه/ معاني الأخبار: 156-157، المجلسي/ البحار: 307

(3)

ابن بابويه/ معاني الأخبار: 156-157، المجلسي/ البحار: 307

ص: 762

رسول الله يكذب على الأمة - تقية - أو أن جعفرًا يكذب على رسول الله من أجل التقية؟! وكلا الأمرين طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومخالفة صريحة للنصوص.

وفي نهج البلاغة يقول علي رضي الله عنه في أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما على اختلاف بين شيوخ الشيعة في ذلك (1) .: "لله بلاء فلان (2) . فلقد قوم الأود (3) ، وداوى العَمَد (4) ، وأقام السّنّة.. وخلف الفتنة (5) ، ذهب نقي الثّوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته واتّقاه بحقّه"(6) .

وهذا نصّ عظيم يهدم كلّ ما بنوه وزعموه عن عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي الله عنهم.

وقد احتار "الروافض" بمثل هذا النص؛ لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت، وصور شيخهم ميثم البحراني (7) . ذلك بقوله:"واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأ".

ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح من أجل "استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام". أي: أن عليًا - في

(1) انظر: ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97

(2)

أي عمله الحسن في سبيل الله (ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97)

(3)

وهو كناية عن تقويمه لاعوجاج الخلق عن سبيل الله إلى الاستقامة. (مثيم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/97)

(4)

العمد بالتّحريك: العلّة. انظر: صبحي الصّالح في تعليقه على نهج البلاغة ص:671

(5)

تركها خلفًا لا هو أدركها ولا هي أدركته (المصدر السّابق)

(6)

نهج البلاغة: ص350 (تحقيق صبحي الصّالح)

(7)

ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ الإمامية، من أهل البحرين، من كتبه:"شرح نهج البلاغة"، توفي في البحرين سنة 679هـ (معجم المؤلفين: 13/55)

ص: 763

زعمهم - أراد خداع الصحابة، وأظهر لهم خلاف ما يبطن فهو خطب هذه الخطبة العامة أمام الناس، وهي مبنية على الكذب، هذا هو جواب من يزعم التشيع لعلي (1) .

وما أعتقد أن عاقلاً يرضى هذا "الجواب"، وإننا نقول بأن إجماع الشيعة ضلال، وقول علي هو الحق والصدق، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم.

وقد يقول قائل: هذه النصوص المنقولة من كتبهم تناقض ما سلف من تكفير الشيعة للصحابة، وأقول: نعم، لأن هذا المذهب يحمل في رواياته هذه الصورة المتناقضة، لكن شيوخهم وضعوا أصولاً وأقوالاً نسبوها للأئمة للتخلص من هذه الأخبار، والخروج من هذا التناقض، فمن أصولهم أن هذا التناقض أمر مقصود لإخفاء حقيقة المذهب حتى لا يقضى على المذهب وأهله من قبل العامة (يعني أهل السنة)(2) .

وقالوا عند الاختلاف: "خذوا بما خالف العامة، فإن فيه الرشاد"(3) . ولذلك يحمل شيوخهم أمثال هذه الروايات على التقية، ولأنها روايات قليلة بالنسبة لأخبارهم الكثيرة التي تفكر وتلعن، فهم لا يأخذون بها، فمفيدهم يقول:"ما خرج للتقية لا يكثر روايته عنهم كما تكثر روايات المعمول به"(4) .

ولذلك تجد في تعقيب ابن بابويه إشارة إلى أن مدح الصحابة في الرواية التي ذكرها إنما هو على سبيل التقية، وكذلك في تعقيب ميثم.

وإذا كان الأمر كذلك فإني إنما ذكرت هذه الأخبار وأمثالها لإثبات تناقض المذهب أمام العقلاء، وتبصير من يريد الحق من أتباع المذهب إلى أن هذه الروايات هي الحقيقة لا التقية؛ لاتفاقها مع كتاب الله سبحانه وإجماع الأمة.

(1) ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/98

(2)

انظر: أصول الكافي: 1/65

(3)

انظر: ص (413) من هذه الرسالة

(4)

تصحيح الاعتقاد: ص71

ص: 764

وبيان أن عقيدة التقية جعلت من المذهب ألعوبة بأيدي الشيوخ يوجهونه وفق إرادتهم، فلم يعد مذهب أهل البيت، إنما مذهب الكليني والقمي والمجلسي وأضرابهم.

ص: 765

دلالة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه:

أولاً: قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا به، وصحبة له وقربًا إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قل:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال مالك وغيره: إنّما أراد هؤلاء الرّافضة الطّعن في الرّسول صلى الله عليه وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة (1) .

ثانيًا: إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهرة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى، حيث كان الإسلام إذ ذاك قليلاً، والكفار مستولون على عامة الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة

(1) منهاج السّنّة: 4/123

ص: 766

البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وسلم وهو وحيد فقير، ذليل خائف، مقهور مغلوب، وأهل الأرض يد واحدة في عداوته، وقد خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبًا لله ورسوله.

وهذا كله فعلوه طوعًا واختيارً، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه (1) .؟! لاسيما والسبب الذي تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي، لا يوجد فيه ما يدفعهم إلى التضحية بإيمانهم، وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر، فما الذي حملهم على ذلك وهم يعلمون أنه كفر بربهم، ورجوع عن دينهم، وتركوا اتباع قول رسول الله في بيعة علي بن أبي طالب، وقد علموا أنها طاعة نبيهم، والثبات على دينهم، هل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار أبا بكر في الكفر بالله، ويتركوا اتباع قول رسول الله في علي؟ وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون.

ثالثًا: إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة، ولذلك قال أبو زرعة: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن حق، وإنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة" (2) .

ولذلك اعترفت كتب الشّيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت

(1) منهاج السنة: 4/128

(2)

الكفاية: ص49

ص: 767

إنه: "أوّل من أظهر الطّعن في أبي بكر عمر وعثمان والصّحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أنّ عليًّا عليه السلام أمره بذلك"(1) .

رابعًا: أنّ عليًّا رضي الله عنه لم يكفّر أحدًا ممّن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنّقل الصّحيح أنّ مناديه نادى يوم الجمل: لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال (2) . واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعًا مسلمون ليسوا كفارًا ولا منافقين (3) .

وهذا ثبت بنقل الشّيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم:"عن جعفر عن أبيه أنّ عليًّا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشّرك، ولا إلى النّفاق، ولكنّه يقول: هم بغوا علينا"(4) .

ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ لا دين الأئمة، فقد قال الحر العاملي في التعليق على النص السابق:"أقول: هذا محمول على التّقية"(5) .

وجاء في كتاب علي إلى أهل الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: "وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشّام، والظّاهر أنّ ربّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتّصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء"(6) .

(1) القمي/ المقالات والفِرَق: ص20، النّوبختي/ فِرَق الشّيعة: ص19-20

(2)

وهذا ممّا أنكرته الخوارج عليه حتى ناظرهم ابن عبّاس رضي الله عنه في ذلك. (منهاج السّنّة: 4/181)

(3)

منهاج السنة: 4/181

(4)

قرب الإسناد: ص 62، وسائل الشّيعة: 11/62

(5)

وسائل الشّيعة: 11/62

(6)

نهج البلاغة: ص 448

ص: 768

وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال: "إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم"(1) .

فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة.

خامسًا: "إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد، إنما استثنتهم لأنهم بزعمها على مذهب الرفض من تفكير أبي بكر وعمر، وإنكار بيعتهما، وهذا من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم؛ لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرًا على مدائن كسرى من قبل عمر يدعو إلى إمامته وطاعته.. وهذا عمّار كان أميرًا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وهذا المقداد وغيره كانوا في عساكر الصّحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة"(2) .

سادسًا: من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم لم يؤثروا على الله شيئًا، وبلغ المكروه بهم كل مبلغ، وبذلوا النفوس في الله حتى أيد الله تعالى بهم نبيه، وأظهر بهم دينه، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره؟ أم كيف يجترئ على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم (3) .؟! ولهذا قال الخطيب البغدادي: "على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم

(1) نهج البلاغة: ص323

(2)

أبو المحاسن الواسطي/ المناظرة: الورقة (66)، وانظر: ص (66-67) من هذه الرّسالة

(3)

التنبيه والرد: ص10-11

ص: 769

والاعتقاد بنزاهتهم" (1) .

ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من أذى واضطهاد، حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة، وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب، وعانوا من فراق الوطن والأهل والعشيرة فهاجروا إلى الحبشة، والمدينة، وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته، وحاربوا الأهل والعشيرة، إلى آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.

من يتأمل شيئًا من هذه الأحوال، يعرف عظمة ذلك الجيل، وقوة إيمانه، وصدق بلائه.

سابعًا: قامت القرائن العملية، والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة، والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة رضوان الله عليهم.

وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر (2) . فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الاثني عشرية أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبروا فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟! إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي الله عنه كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض (3) .

والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في تشيعه لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه - وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله -: "إن

(1) الكفاية: ص49، وانظر مثل هذا المعنى: الإيجي/ المواقف: ص413

(2)

انظر: عقد أم كلثوم للشيخ فاروقي، محمد صديق/ التحقيق الجلي في تزويج أم كلثوم بنت علي

(3)

السمعاني/ الأنساب: 1/347

ص: 770

عليًا عليه السلام زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشي عليه" (1) . لشعوره بعظيم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض.

وقد حاول شيوخ الشّيعة إبطال مفعول هذا الدّليل فوضعوا روايات الأئمّة تقول: "ذلك فرج غصبناه"(2) ، فزادوا الطين بلة، حيث صوّروا أمير المؤمنين في صورة "الدّيّوث" الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟! "إنّ أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبًا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب؟! "(3) .

ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أنّ أم كلثوم لم تكن بنت علي ولكنّها جنّيّة تصوّرت بصورتها (4) .

ومن القرائن أيضًا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إنّ عليًّا والحسن والحسين يسمّون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمي أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته، يرددها مع أهلها في يومه

(1) ابن الجوزي/ المنتظم: 7/38-39

(2)

فروع الكافي: 2/10، وسائل الشّيعة: 7/ 434-435

(3)

السويدي/ مؤتمر النّجف: ص86

(4)

انظر: الأنوار النّعمانيّة: 1/ 83-84، وقد جاء مثل هذا التّوجيه في كتب الإسماعيليّة. انظر: الهفت الشّريف: ص84 وما بعدها

ص: 771

مرات وكرات؟! (1) .

(1) انظر ما سجّله محبّ الدّين الخطيب من علاقات المصاهرة بين الآل والأصحاب وأولاد آل البيت الذين يحملون أسماء الخلفاء الثّلاثة وغيرهم من الصّحابة في كتابه: "حملة رسالة الإسلام الأوّلون وما كانوا عليه من المحبّة والتّعاون" ص:11 وما بعدها، أو "نشأة التّشيّع وتطوّره": ص12 وما بعدها، وانظر: ما سجّله إحسان إلهي ظهير ممّا نقله من كتب الشّيعة في هذا الباب في كتابه "الشّيعة وأهل البيت"، ممّا لا حاجة لتكرار نقله هنا

ص: 772