الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر
قال الله سبحانه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (1) . فالضر والنفع من الله وحده، وليس للأنواء والأيام والليالي وغيرها تأثير في ذلك، والشيعة تخالف هذا بدعواها أن في بعض الأيام شؤمًا لا تقضى فيه الحاجات. قال أبو عبد الله:"لا تخرج يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك"(2) .
وقال: "السبت لنا، والأحد لبني أمية"(3) .
وقال: ".. فأي يوم أعظم شؤمًا من يوم الاثنين.. لا تخرجوا يوم الاثنين واخرجوا يوم الثلاثاء"(4) .
وقال أبو عبد الله: "لا تسافر يوم الاثنين ولا تطلب فيه حاجة"(5) .
وقال: "آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر"(6) .
وقال أمير المؤمنين علي - كما يفترون -: "يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر وطلب، ويوم الثلاثاء يوم حرب
(1) النحل، آية:53
(2)
من لا يحضره الفقيه: 1/95، وسائل الشيعة: 8/253
(3)
من لا يحضره الفقيه: 2/342، وسائل الشيعة: 8/253
(4)
من لا يحضره الفقيه: 1/95، الروضة: ص314، المحاسن: ص347، وسائل الشيعة: 8/254، وانظر: الخصال: 2/26
(5)
المحاسن: ص346، وسائل الشيعة: 8/255
(6)
الخصال: 2/27، وسائل الشيعة: 8/257
ودم، ويوم الأربعاء يوم شؤم يتطير فيه الناس، ويوم الخميس يوم الدخول على الأمراء وقضاء الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح" (1) .
وثمة أحاديث أخر عندهم بهذه المعاني (2) ، ومن مجموع هذه الروايات يتبين أن الجمعة، والأحد، والاثنين، والأربعاء أيام فيها شؤم ذاتي فلا يناسب قضاء الحاجات فيها.
ولكن تلحظ أن الرواية الأخيرة اعتبرت يوم الاثنين يوم سفر وطلب، وهذا يخالف ما مضى من روايات، ولذلك حمل شيخهم الحر العاملي هذا على التقية (3) .
فعلى هذا كل هذه الأيام الأربعة أيام مشؤومة فلم يبق أمام الشيعي من وقت للعمل من الأسبوع سوى أيام ثلاثة.
وهذا نوع من التطير (4) ، وهو التشاؤم ببعض الأيام، أو الطيور والأسماء، والألفاظ والبقاع وغيرها، وهو من عمل الجاهلية والمشركين، وقد ذمهم الله تعالى به ومقتهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير وأخبر أنه شرك، وأنه لا تأثير له في جلب نفع ولا دفع ضر، وهي من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته.
(1) علل الشرائع: ص199، الخصال: 2/28. عيون الأخبار ص137، وسائل الشيعة: 8/258
(2)
ومثل هذا النوع قد ذكره علماء الحديث من أهل السنة في كتب الموضوعات (انظر: ابن الجوزي/ الموضوعات: ص71-74، ابن عراق/ تنزيه الشريعة المرفوعة: 2/53-56، الشوكاني/ الفوائد المجموعة: ص 437-438)
(3)
وسائل الشيعة: 8/258
(4)
وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهي الطير ليطير فيعتمدها وكانوا يسمونه السانح والبارح، فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس. وكانوا يتيمنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح. (فتح الباري 10/212-213، وانظر: لسان العرب: 4/512) . ويفرق بعضهم بين الطيرة والتطير فيقول: التطير: هو الظن السيئ الذي في القلب، والطيرة: هو الفعل المرتب على الظن السيئ، وقد نسب ذلك صاحب عون المعبود إلى عز الدين بن عبد السلام (عون المعبود 10/406)
قال تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (1) .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ} يقول: مصائبهم عند الله {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .
وقال ابن جريج عن ابن عباس قال: " {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ} أي: من قبل الله"(2) .
وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك الطيرة شرك ثلاثًا"(3) .
وهذا صريح في تحريم الطيرة، وأنها من الشرك، لما فيها من تعلق القلب بغير الله تعالى (4) .
وقال ابن حجر: "وإنما جعل ذلك شركًا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضرًا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى"(5) . وهي دعوة باطلة لإضاعة الأوقات وتأجيل الحاجات، وصرف للقلوب عن الخالق البارئ إلى مخلوقات لا تضر ولا تنفع.
غير أنه لا يكاد يوجد شذوذ عند الشيعة إلا وفيه من رواياتهم نفسها ما يرد هذا الشذوذ ويبطله، فقد جاء في رواياتهم ما ينقض هذه الدعاوى، وأبلغ ما يكون نقض الخصم لكلامه بنفسه، فقد روت كتب الشيعة أن أبا عبد الله قال: لا
(1) الأعراف، آية:131
(2)
تفسير ابن كثير: 2/257
(3)
رواه أبو داود في الطب، باب في الطيرة: 4/230 رقم (3910) ، والترمذي في السير، باب ما جاء في الطيرة: 4/160-161، رقم (1614)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في الطب، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة: 2/1170، رقم (3538) ، ورواه ابن حبان في صحيحه "موارد الظمآن" رقم (1427)
(4)
فتح المجيد: ص361
(5)
فتح الباري: 10/213، وانظر: ابن منظور/ لسان العرب: 4/513
طيرة (1) .
وقال: كفارة الطيرة التوكل (2) .
وقال أبو الحسن الثاني رضي الله عنه: "من خرج يوم الأربعاء.. خلافًا على أهل الطيرة وقي من كل آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته"(3) .
وجاء عندهم أيضًا: "إذا تطيرت فامض"(4) .
وجاء في البحار وغيره "في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل، ويكره الطيرة، وكان عليه السلام يأمر من رأى شيئًا يكرهه، ويتطير منه أن يقول: "اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك" (5) .
فهذا تناقض، والتناقض علامة بطلان المذهب، ولكن مبدأ التقية، ومخالفة العامة يعطل الاستفادة من هذه النصوص وأمثالها، ولذلك تلحظ أن شيخهم الحر العاملي حمل حديثهم الذي يقول "بأن يوم الاثنين" يوم سفر وطلب على التقية.
(1) روضة الكافي: ص196، وسائل الشيعة: 18/262
(2)
روضة الكافي: ص198، وسائل الشيعة: 8/262
(3)
من لا يحضره الفقيه: 1/95، الخصال: 2/27
(4)
تحف العقول: ص50، ط:2
(5)
بحار الأنوار: 95/2-3، الطبرسي/ مكارم الأخلاق ص403