الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدلالهم على عصمة أئمتهم
استدلالهم بالقرآن:
رغم أن كتاب الله سبحانه ليس فيه ذكر للاثني عشر أصلاً - كما مرّ - فضلاً عن عصمتهم، إلا أن الاثني عشرية تتعلق بالقرآن لتقرير العصمة، ويتفق شيوخهم على الاستدلال بقوله - سبحانه -:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (1) .
وبهذه الآية صدر المجلسي بابه الذي عقده في بحاره بشأن العصمة بعنوان "باب.. لزوم عصمة الإمام"(2) .
وجملة من شيوخ الشيعة المعاصرين يجعلون هذه الآية أصل استدلالهم من القرآن، ولا يستدلون بسواها مثل محسن الأمين (3) ، ومحمد حسين آل كاشف الغطا، والذي يقول بأنّ هذه الآية صريحة في لزوم العصمة (4) .
ويتولى صاحب مجمع البيان سياق وجهة استدلال أصحابه بهذه الآية على مرادهم فيقول: "استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصومًا من القبايح؛ لأنّ الله - سبحانه - نفى أن ينال عهده - الذي هو الإمامة (5) . - ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالمًا إمّا لنفسه، وإما لغيره.
(1) البقرة، آية: 124
(2)
بحار الأنوار: 25/191
(3)
انظر: أعيان الشيعة: 1/458
(4)
أصل الشّيعة: ص59
(5)
اختلف السّلف في معنى العهد - كم سيأتي - ولكن الرّوافض يأخذون بما يوافق هواهم ويقطعون به بلا دليل
فإن قيل: إنما نفى أن ينال ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب فلا يسمى ظالمًا فيصح أن يناله.
والجواب: أن الظّالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالمًا، فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها، والآية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها، فلا ينالها الظّالم وإن تاب فيما بعد" (1) .
نقد استدلالهم:
أولاً: اختلف السلف في معنى العهد على أقوال:
قال ابن عباس والسدي: إنه النبوة، قال:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} "أي نبوتي"، وقال مجاهد: الإمامة، أي لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به، وقال قتادة وإبراهيم النّخعي وعطاء والحسن وعكرمة: لا ينال عهد الله في الآخرة الظّالمين فأمّا في الدّنيا فقد ناله الظّالم فأمن به وأكل وعاش.. قال الزّجّاج: وهذا قول حسن، أي لا ينال أماني الظّالمين؛ أي: لا أؤمنهم من عذابي. والمراد بالظّالم: المشرك، وقال الربيع بن أنس والضحاك، عهد الله الذي عهد إلى عباده: دينه، يقول: لا ينال دينه الظالمين، ألا ترى أنه قال:{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} يقول: ليس كلّ ذرّيتك يا إبراهيم على الحقّ.. وروي عن ابن عباس - أيضًا - {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ، قال: ليس للظالمين عهد، وإن عادته فانقضه (2) .
فالآية - كما ترى - اختلف السلف في تأويلها، فهي
(1) الطّبرسي/ مجمع البيان: 1/201، وانظر: الطّوسي/ التّبيان: 1/449، المجلسي/ بحار الأنوار: 25/191
(2)
انظر: تفسير الطبري: ج (من الأجزاء المحققة) ص20 وما بعدها، تفسير البغوي: 1/112، ابن عطية/ المحرر الوجيز: 1/250، القرطبي/ الجامع لأحكام القرآن: 2/108، تفسير ابن كثير: 1/172-173، الشوكاني/ فتح القدير: 1/138، الألوسي/ روح المعاني: 1/377، تفسير القاسمي: 2/245-246
ليست في مسألة الإمامة أصلاً في قول أكثرهم، والذين فسروها بالإمامة قصدوا إمامة العلم والصلاح والاقتداء، لا الإمامة بمفهوم الرافضة.
ثانيًا: لو كانت الآية في الإمامة فهي لا تدلّ على العصمة بحال؛ إذ لا يمكن أن يقال بأنّ غير الظّالم معصوم لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو.. إلخ كما هو مفهوم العصمة عند الشيعة، إذ يكون قياس مذهبهم من سها فهو ظالم ومن أخطأ فهو ظالم.. وهذا لا يوافقهم عليه أحد ولا يتّفق مع أصول الإسلام، فبيّن إثبات العصمة، ونفي الظّلم فرق كبير؛ لأنّ نفي الظّلم إثبات للعدل، لا للعصمة الشّيعيّة.
ثالثًا: لا يسلم لهم أن من ارتكب ظلمًا ثم تاب منه لحقه وصف الظلم ولازمه، ولا تجدي التوبة في رفعه، فإن أعظم الظّلم الشّرك، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} (1)، ثم فسّر الظّلم بقوله:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (2) . ومع هذا قال - جلّ شأنه - في حقّ الكفّار: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (3) .
لكن قياس قول هؤلاء أنّ من أشرك ولو لحظة، أو ارتكب معصية ولو صغيرة فهو ظالم لا ينفكّ عنه وصف الظّلم، ومؤدّى هذا أنّ المشرك ولو أسلم فهو مشرك لأنّ الظّلم هو الشّرك (4) .
فصاروا بهذا أشدّ من الخوارج الوعيديّة؛ لأن الخوارج لا يثبتون الوعيد لصاحب الكبيرة إلا في حالة عدم توبته.
(1) الأنعام: آية: 82
(2)
لقمان، آية:13
(3)
الأنفال: آية: 38
(4)
هم يعنون بالظّلم الشّرك؛ لأنّ مرادهم إبطال خلافة أبي بكر وعمر؛ لأنّهما قد أسلما بعد شرك، والشّرك لم ينفكّ عنهما بعد إيمانهما في زعمهم، ولذلك قال الكليني:"هذه الآية أبطلت إمامة كلّ ظالم". (أصول الكافي: 1/199)
ومن المعلوم في بدائه العقول فضلاً عن الشرع والعرف واللغة "أن من كفر أو ظلم ثمّ تاب وأصلح لا يصحّ أن يطلق عليه أنّه كافر أو ظالم.. وإلا جاز أن يُقال: صبي لشيخ، ونائم لمستيقظ، وغني لفقير، وجائع لشبعان، وحي لميت، وبالعكس، وأيضًا لو اطرد ذلك يلزم من حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافرًا قبل سنين متطاولة أن يحنث، ولا قائل به"(1) .
ومن المعروف أنه قد يكون التائب من الظلم أفضل ممن لم يقع فيه. ومن اعتقد أن كل من لم يكفر ولم يقتل ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضلاله، وتاب بعد ذنوبه، فهو مخالف لما علم بالاضطرار من دين الإسلام، فمن المعلوم أن السابقين أفضل من أولادهم، وهل يشبه أبناء المهاجرين والأنصار بآبائهم عاقل (2) .؟!
كما أن استدلالهم هذا يؤدي إلى أن جميع المسلمين وكذلك الشيعة وأهل البيت - إلا من تعتقد الشيعة عصمتهم - جميعهم ظلمة لأنهم غير معصومين، وقد قال شيخهم الطوسي بأن الظّلم اسم ذمّ فلا يجوز أن يطلق إلا على مستحقّ اللّعن لقوله - تعالى -:{أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (3) .
رابعًا: وأختم القول بما قرره أحد علماء الشيعة الزيدية في نقض استدلال الشيعة الاثني عشرية بهذه الآية حيث قال: "احتج الرافضة بالآية على أن الإمامة لا يستحقها من ظلم مرة، ورام الطعن في إمامة أبي بكر وعمر، وهذا لا يصح لأن العهد إن حمل على النبوة فلا حجة، وإن حمل على الإمامة فمن تاب من الظّلم لا يوصف بأنّه ظالم، ولم يمنعه - تعالى - من نيل العهد إلا حال كونه ظالمًا"(4) .
(1) الألوسي/ روح المعاني: 1/377
(2)
انظر: منهاج السنة: 1/302-303
(3)
التّبيان: 1/158، والآية رقم18 من سورة هود
(4)
يوسف بن أحمد الزّيدي/ الثّمرات اليانعة: جالورقة 60 (مخطوط)
أدلتهم من السنة:
ويتمسكون بروايات من طرق أهل السنة للاحتجاج بها على أهل السنة، وإقناع قومهم بأن ما هم عليه موضع إجماع، وهي ما بين كذب، أو بعيد عن استدلالهم، وقد مضى الحديث فيها في فصل الإمامة.
والروايات التي يحتجون بها هي تتعلق بأهل البيت، ولا حجة للاثني عشرية في ذلك أصلاً لما ثبت من أن الاثني عشرية ليس لها علاقة بأهل البيت إلا العلاقة المزعومة بعلي وبعض أولاده، وهما الحسن والحسين، وبعض ذرية الحسين، وقد انقطع النسل الذين يقولون بإمامتهم لوفاة الحسن العسكري عقيمًا، فعلاقتهم منذ سنة 260 هـ بشيوخ يزعمون النيابة عن معدوم لا وجود له، وهم الذين انتهوا بالمذهب إلى هذه النهاية المفزعة التي مر علينا جملة من صورها.
وقد سلف ذكر الشواهد في تكفيرهم لأهل البيت، ولذلك فإنّ تمسّكهم بالقول بعصمة أهل البيت هو من خداع العناوين.
غير أن الاثني عشرية تقيم معتقدها في العصمة وغيرها بما يرويه صاحب الكافي، وإبراهيم القمي، والمجلسي وأضرابهم من روايات منكرة في متنها فضلاً عن إسنادها، تثبت لهؤلاء الاثني عشر العصمة المزعومة، وقد ساق المجلسي في بابه الذي عقده في شأن العصمة ثلاثًا وعشرين رواية من روايات شيوخه كالقمي، والعياشي والمفيد وغيرهم، وقد ذكرها بعد استدلاله بآية البقرة، التي تبين لنا أن استدلالهم فيها باطل.
أما الكليني في الكافي فقد عقد مجموعة من الأبواب في معنى العصمة المزعومة، ساق فيها أخبارًا بسنده عن الاثني عشر يدّعون فيها أنهم معصومون بل وشركاء في النبوة، بل ويتصفون بصفات الألوهية، وقد مر في باب اعتقادهم في
أصول الدين أمثلة من ذلك، وتجد ذلك في الكافي في باب "أن الأئمة هم أركان الأرض" وأثبت فيه ثلاثة روايات تقول بأن الأئمة الاثني عشر كرسول الله في وجوب الطاعة، وفي الفضل، وفي التكليف، فعلي "جرى له من الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم"(1) ، كذا سائر الاثني عشر، ثم ما تلبث أن ترفعهم عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقام رب العالمين حيث تقول بأن عليًا قال:"أُعطيت خصالاً لم يعطهنّ أحد قبلي: علّمت علم المنايا والبلايا.. فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي"(2) .
والذي يعلم المنايا والبلايا هو الله - سبحانه - {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (3) .
والذي لا يعزب عنه شيء، ولا يفوته شيء هو الخالق - جل علاه - قال تعالى:{لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} (4) .
فالأمر تعدى حدود العصمة إلى دعوى الرسالة والألوهية، وهذا خروج عن الإسلام رأسًا.
وقد تتابعت أبواب الكافي في هذا المعنى (5) ، وهي لا تخرج عن دعاوى المتنبئين والملحدين على مدار التاريخ سوى أنهم نسبوا هذه المفتريات إلى جملة من أهل البيت الأطهار.
(1) أصول الكافي: 1/198
(2)
أصول الكافي: 1/197
(3)
لقمان، آية:34
(4)
سبأ، آية:3
(5)
انظر: من أصول الكافي، باب فرض طاعة الأئمة: 1/185، وقد ذكر فيه (17) رواية لهم، وباب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه: 1/192، وأورد فيه (6) روايات، وباب أن الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه، وأبوابه التي منها يؤتى: 1/193، وفيه ثلاثة روايات، وغيرها من الأبواب والأخبار التي يعرف كذبها بالاضطرار من دين الإسلام
أدلتهم العقليّة على مسألة العصمة:
نستطيع أن نرجع أدلتهم العقلية التي يستدلون بها على عصمة الإمام إلى أصل واحد، وهو أنّ الأمّة كلّها معرّضة للخطأ والضّلال، والعاصم لها من الضّلال هو الإمام.
ولهذا رتبوا أدلتهم على هذا الأساس فقالوا: إن الأمة لابد لها من رئيس معصوم يسدد خطأها، فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدّده فيلزم التّسلسل فحينئذ يلزم القول بعصمة الإمام؛ لأن الثقة عندهم بالإمام لا بالأمة.. وقالوا بأنه هو الحافظ للشرع، ولا اعتماد على الكتاب والسنة والإجماع بدونه..إلخ (1) .
والحقيقة غير هذا تمامًا، فالأمّة معصومة بكتاب ربّها وسنّة نبيّها صلى الله عليه وسلم، ولا تجمع الأمّة على ضلالة، وعصمة الأمّة مغنية عن عصمة الإمام، وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة قالوا: لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيًا يبين الحق، وهذه الأمّة لا نبي بعد نبيّها، فكانت عصمتها تقوم مقام النّبوّة، فلا يمكن أحد منهم أن يبدّل شيئًا من الدّين إلا أقام الله من يبيّن خطأه فيما بدّله، ولذلك فإنّ الله - سبحانه - قرن سبيل المؤمنين بطاعة رسوله في قوله عز وجل:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (2) .
فعصمة الأمة وحفظها من الضلال - كما جاءت بذلك النصوص الشرعية - تخالف تمامًا من "يوجب عصمة واحد من المسلمين، ويجوز على مجموع المسلمين -
(1) انظر: ابن المطهر/ كشف المراد: ص390-391، وانظر: نهج المسترشدين: ص63، وانظر: الألفين: ص56 وما بعدها، القزويني/ الشيعة في عقائدهم: ص368-369، الزنجاني/ عقائد الإمامية: ص77، هاشم معروف الحسيني/ أصول التشيع: ص131-132.
(2)
النّساء، آية: 155
إذا لم يكن فيهم معصوم - الخطأ" (1) .
وكل ما سطروه وملأوا به الصفحات من أدلة عقلية تؤكد الحاجة إلى معصوم قد تحققت بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن الأمة ترد عند التنازع إلى ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة ولا ترد إلى الإمام {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} (2) . "قال العلماء: إلى كتاب الله، وإلى نبيّه صلى الله عليه وسلم، فإن قبض فإلى سنّته" (3) ، وهي بهدي الكتاب والسنة لا تجمع على ضلالة؛ لأنها لن تخلو من متمسك بهما إلى أن تقوم الساعة.
ولهذا فإن الحجة على الأمة قامت بالرسل، قال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} إلى قوله: {لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (4)، ولم يقل - سبحانه -: والأئمة، وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسل كالأئمة (5) .
وأدلّتهم العقليّة التي تؤكّد الحاجة إلى إمام معصوم، وأنّ الأمّة بدونه لا إيمان لها ولا أمان، هذه الحجج هي أيضًا تؤدّي في النّهاية إلى إبطال عصمة الأئمّة عندهم؛ لأنّ أئمّتهم لم يتحقّق بهام مقاصد الإمامة التي يتحدّثون عنها.
والواقع أنّه يكفي من ذلك انتهاء ظهور الإمام عندهم منذ سنة (260هـ) ، سواء كان لم يوجد أصلاً - كما يقوله أكثر الفرق الشّيعيّة التي وجدت إثر وفاة الحسن، وكما تقوله أسرة الحسن وعلى رأسهم أخوه جعفر، وكما يؤكّده علماء النّسب والتّاريخ، كما سيأتي - أو هو مختف لم يظهر - كما تقوله الاثنا عشريّة - فإنّ هذا الغائب الموعود أو المعدوم لم ينتفع به في دين ولا دنيا.
(1) المنتقى (مختصر منهاج السنة) : ص410
(2)
النّساء، آية:59
(3)
ابن عبد البرّ/ التّمهيد: 4/264
(4)
النّساء، آية:165
(5)
انظر: ابن تيمية/ الفتاوى: 19/66
وهذه ثلمة لا تسد، وفتق لا يرتق في المذهب الاثني عشري لا يبقي ولا يذر لحججهم وزنًا ولا أثرًا، وكذلك أجداده من قبل إذ لم يتول منهم أحد ما عدا أمير المؤمنين علي، والحسن قبله تنازله، ولهذا قال أهل العلم: إن دعوى العصمة عندهم ليس عليها دليل إلا زعمهم بأن الله لم يخل العالم من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف.. وكذلك أجداده المتقدمون لم يحصل بهم المصلحة واللطف الحاصلة من إمام معصوم ذي سلطان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، فإنه كان إمام المؤمنين الذي يجب عليهم طاعته، ويحصل بذلك سعادتهم، ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعى له العصمة إلا علي رضي الله عنه ومن المعلوم أن المصلحة واللّطف الذي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثّلاثة أعظم من المصلحة واللّطف الذي كان في خلافة علي زمن القتل والفتنة والافتراق (1) .
أما من دون علي فإنما كان يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه، وكان علي بن الحسين وابنه أبو جعفر، وابنه جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم الله كما علمه علماء زمانهم، وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع للأمة، وهذا معروف عند أهل العلم، ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولاية من القوة والسلطان، وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل.
وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده الأمة، ولا كان لهم يد تستعين بها الأمة؛ بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين.. ولذلك لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة (2) .
(1) منهاج السّنّة: 2/104
(2)
منهاج السنة: 3/248