المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل: - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ٢

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: عقيدتهم في أصول الدين

- ‌الفصل الأول: عقيدتهم في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة

- ‌المبحث الثاني: الولاية أصل قبول الأعمال عندهم

- ‌المبحث الثالث: اعتقادهم أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق

- ‌المسألة الأولى: قولهم: لا هداية للناس إلا بالأئمة

- ‌المسألة الثانية: قولهم: لا يقبل الدعاء إلا بأسماء الأئمة

- ‌المسألة الرابعة: قولهم: إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله

- ‌زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام:

- ‌زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال:

- ‌زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله:

- ‌مناسك المشاهد:

- ‌الجانب النقدي (لمسألة المشاهد عند الشيعة) :

- ‌المبحث الرابع: قولهم: إن الإمام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء

- ‌المبحث الخامس: قولهم: إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء

- ‌المبحث السادس: دعاؤهم بالطلاسم والرموز واستغاثتهم بالمجهول

- ‌المبحث السابع: استخارتهم بما يشبه أزلام الجاهلية

- ‌الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام

- ‌المبحث الثاني: قولهم بأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء

- ‌المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة

- ‌المبحث الرابع: الجزء الإلهي الذي حل في الأئمة

- ‌المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المبحث الأوّل: الغلو في الإثبات (التّجسيم)

- ‌المبحث الثاني: التعطيل عندهم

- ‌1- المسألة الأولى: قولهم بأن القرآن مخلوق:

- ‌2- مسألة الرؤية:

- ‌الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان والوعد والوعيد

- ‌المسألة الأولى: مفهوم الإيمان عندهم:

- ‌المسألة الثانية: الشهادة الثالثة

- ‌المسألة الثالثة: القول بالإرجاء

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الوعد

- ‌المسألة الخامسة: قولهم في الوعيد

- ‌المبحث الثاني: قولهم في أركان الإيمان

- ‌الإيمان بالملائكة:

- ‌الإيمان بالكتب:

- ‌المسألة الأولى: دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌أ- "مصحف فاطمة

- ‌ب- كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت

- ‌ج- "لوح فاطمة

- ‌د- دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌نقد هذه المقالة:

- ‌المسألة الثانية: دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الأئمة

- ‌الإيمان بالرسل:

- ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

- ‌معجزات الإمام:

- ‌الإيمان باليوم الآخر:

- ‌الإيمان بالقدر:

- ‌الباب الثالث: أصولهم ومعتقداتهم (الأخرى) التي تفردوا بها

- ‌الفصل الأول: الإمامة

- ‌منزلة الإمامة عندهم:

- ‌سرية هذا المبدأ:

- ‌حصر الأئمة بعدد معين:

- ‌استدلالهم على مسألة الإمامة:

- ‌الاستدلال بالأمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:

- ‌حكم من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر:

- ‌1- الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌2- تكفيرهم أهل البيت:

- ‌3- تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:

- ‌4- الحكم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر:

- ‌5- قضاة المسلمين:

- ‌6- أئمة المسلمين وعلماؤهم:

- ‌7- الفرق الإسلامية:

- ‌8- الأمة كلها:

- ‌النقد:

- ‌الفصل الثاني: عصمة الإمام

- ‌نشأة هذه العقيدة وتطورها

- ‌استدلالهم على عصمة أئمتهم

- ‌نقد عام لمبدأ "عصمة الأئمة

- ‌الفصل الثالث: التقية

- ‌تعريفها:

- ‌استدلالهم على التقية:

- ‌الفصل الرابع: المهدية والغيبة

- ‌المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:

- ‌نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الاثني عشرية وتطورها

- ‌الخطوط العامة لقصة المهدية عند الاثني عشرية

- ‌الاستدلال على وقوع الغيبة

- ‌دفاعهم عن طول أمد الغيبة:

- ‌المهدي بعد عودته المزعومة

- ‌أ- شريعة مهديهم المنتظر:

- ‌ب- سيرة القائم المنتظر:

- ‌ج- جند القائم:

- ‌الشيعة وغيبة مهديهم:

- ‌النيابة عن المنتظر:

- ‌نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الاثني عشرية:

- ‌الفصل الخامس: الرجعة

- ‌استدلالهم على الرجعة:

- ‌نقد مقالة الرجعة:

- ‌الفصل السادس: الظهور

- ‌الفصل السابع: البداء

- ‌استدلالهم على البداء:

- ‌روايات في كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:

- ‌الفصل الثامن: الطينة

الفصل: ‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

وكقولهم بعصمة الأئمة، وضرورة اتباع قولهم (1) ، فهم أعطوهم بهذا معنى النبوة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فمن جعل بعد الرسول معصومًا يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها"(2) .

وبالغوا في الضلالة حينما زعموا أن الأنبياء عليهم السلام هم أتباع لعلي، وأن منهم من عوقب لرفضه ولاية علي، حتى جاء في أخبارهم "عن حبّة العرني قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الله عرض ولايتي على أهل السّماوات وأهل الأرض أقرّ بها من أقرّ، وأنكرها من أنكر، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقرّ بها" (3) .

ولهم في هذا المعنى روايات كثيرة (4) .

من هنا قرروا: بأن الأئمة هم أفضل من الأنبياء، وأن الأئمة جاءوا بالمعجزات لإقامة الحجة على الخلق أجمعين. وسأعرض لهاتين المسألتين بشيء من التفصيل في الصفحات التالية.

‌تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والرسل:

الرّسل أفضل البشر وأحقّهم بالرّسالة؛ حيث أعدّهم الله تعالى لكمال العبوديّة والتّبليغ والدّعوة والجهاد {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (5) ، فهم قد امتازوا "برتبة الرّسالة عن سائر النّاس"(6) .

وقد أوجب الله على الخلق متابعتهم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَاّ

(1) انظر فصل العصمة

(2)

منهاج السنة: 3/174

(3)

بحار الأنوار: 26/282، بصائر الدّرجات: ص22

(4)

ذكرها المجلسي في "باب تفضيلهم على الأنبياء" 26/267-319

(5)

الأنعام، آية:124

(6)

الحليمي/ المنهاج في شعب الإيمان: 1/238

ص: 613

لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} (1) . ولا يفضل أحد من البشر عليهم. قال الطّحّاوي في بيان اعتقاد أهل السّنّة: "ولا نفضّل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء"(2) .

وتفضيل الأئمة على الأنبياء هو مذهب غلاة الروافض، كما نبه على ذلك عبد القاهر البغدادي (3) ، والقاضي عياض (4) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية (5) .

وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب أن "من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم ومساويًا لهم فقد كفر"، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء (6) . ولذلك قال القاضي عياض:"نقطع بتفكير غلاة الرّافضة في قولهم: إنّ الأئمّة أفضل من الأنبياء"(7) . وهذا المذهب بعينه قد غدا من أصول الاثني عشرية، فقد قرّر صاحب الوسائل أنّ تفضيل الأئمّة الاثني عشر على الأنبياء من أصول مذهب الشّيعة التي نسبها للأئمّة (8) ، وقال بأن الروايات عندهم في ذلك أكثر من أن تحصى (9) ، وفي بحار الأنوار للمجلسي عقد بابًا بعنوان "باب تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر

(1) النّساء، آية: 64

(2)

انظر: العقيدة الطّحاويّة (مع شرح علي بن أبي العزّ) ص493، قال الشّيخ ابن أبي العزّ:"ويشير الشّيخ إلى الرّدّ إلى الاتّحاديّة وجهلة المتصوّفة"(شرح الطّحاويّة ص493) ، واللّقاء والتّشابه بين الصّوفيّة والرّافضة كثير

(3)

البغدادي/ أصول الدين: ص298

(4)

القاضي عياض/ الشفاء: ص1078

(5)

ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/177

(6)

رسالة في الرد على الرافضة: ص29

(7)

الشّفا: ص1078

(8)

انظر: الفصول المهمّة في أصول الأئمّة "باب أنّ النّبيّ والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السّابقين والملائكة وغيرهم": ص151

(9)

انظر: الفصول المهمّة في أصول الأئمّة: ص154

ص: 614

الخلق، وأنّ أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم صلوات الله عليهم" (1) .

واستشهد لهذا الأصل بثمانية وثمانين حديثًا من أحاديثهم المنسوبة للاثني عشر (2) . وقال: "والأخبار - يعني أخبارهم - في ذلك أكثر من أن تحصى وإنما أوردنا في هذا الباب قليلاً منها وهي متفرقة في الأبواب لاسيما باب صفات الأنبياء وأصنافهم عليهم السلام، وباب أنهم عليهم السلام كلمة الله، وباب بدو أنوارهم، وباب أنهم أعلم من الأنبياء، وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة صلوات الله عليهما"(3) .

وقد قرّر شيخهم ابن بابويه في اعتقاداته التي تسمّى دين الشّيعة الإماميّة هذا المبدأ عندهم فقال: "يجب أن يعتقد أنّ الله عز وجل لم يخلق خلقًا أفضل من محمّد صلى الله عليه وسلم والأئمّة، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله عز وجل وأكرمهم وأوّلهم إقرارًا به لِمَا أخذ الله ميثاق النّبيّين في الذّر، وأنّ الله تعالى أعطى كلّ نبيّ على قدر معرفته نبيّنا صلى الله عليه وسلم وسبقه إلى الإقرار به، ويعتقد أنّ الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته عليهم السلام وأنّه لولاهم ما خلق السّماء ولا الأرض ولا الجنّة ولا النّار ولا آدم ولا حوّاء ولا الملائكة ولا شيئًا ممّا خلق صلوات الله عليهم أجمعين"(4) .

وقد نقل صاحب البحار هذا النّصّ وعقّب عليه بقوله: "اعلم أنّ ما ذكره رحمه الله من فضل نبيّنا وأئمّتنا صلوات الله عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمّتنا أفضل من سائل الأنبياء هو الذي لا يرتاب فيه من تتبّع أخبارهم عليهم السلام على وجه الإذعان واليقين، والأخبار في ذلك أكثر من أن تُحصى.. وعليه عمدة

(1) انظر: بحار الأنوار: 26/267

(2)

انظر: بحار الأنوار: 26/267

(3)

بحار الأنوار: 26/297-298

(4)

اعتقادات ابن بابويه: ص106-107

ص: 615

الإماميّة ولا يأبى ذلك إلا جاهل بالأخبار" (1) .

وقد ألّف بعض شيوخهم في هذا المذهب مؤلّفات (2) .

وهذه المقالة هي التي يجاهر بها الخميني ومن يشايعه في هذا العصر كما قرّر ذلك في كتابه الحكومة الإسلاميّة - كما سيأتي - (3) .

وتعزو رواياتهم هذه الأفضلية إلى أمور يرونها في الأئمة مغرقة في الغلو والضلال تقشعر من سماعها أبدان المؤمنين (وقد مر بعضها في فصلي اعتقادهم في توحيد الألوهية والربوبية) .

وليس الأئمة أفضل من الأنبياء فحسب؛ بل ما استحق الأنبياء ما هم فيه من فضل - بزعمهم - إلا بسبب الولاية. قال إمامهم "ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي عليه السلام، وما كلّهم الله موسى تكليمًا إلا بولاية علي عليه السلام، ولا أقام الله عيسى بن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعليّ عليه السلام"، ثم قال: أجمل الأمر ما استأهل خلق من الله النّظر إليه إلا بالعبوديّة لنا (4) .

ولو ذهبت أنقل من أحاديث "بحارهم" وغيره من هذا "اللون" لاستغرق ذلك صفحات طويلة (5) .

(1) بحار الأنوار: 26/297-298

(2)

مثل كتاب تفضيل الأئمّة على الأنبياء، وكتاب تفضيل علي عليه السلام على أولي العزم من الرّسل (كلاهما لشيخهم هاشم البحراني، المتوفّى سنة 1107) ، وتفضيل الأئمّة على غير جدّهم من الأنبياء لشيخهم محمّد كاظم الهزار، وتفضيل أمير المؤمنين علي على من عدا خاتم النّبيّين/ لمحمّد باقر المجلسي (المتوفّى سنة 1111هـ) ومن الظّريف أنّ أحد شيوخهم ألّف كتابًا بعنوان:«تفضيل القائم المهدي على سائر الأئمّة» من تأليف فارسي يدعى فتحعلياشه (ت 1250هـ)، وانظر: الذّريعة 4/ 358-360

(3)

في فصل دولة الآيات من الباب الرّابع

(4)

الاختصاص: ص250: بحار الأنوار: 26/294

(5)

انظر: الكثير منها في الجزء السادس والعشرين من البحار، ولا سيما "باب تفضيل الأئمة على =

ص: 616

ويبدو أن هذا هو المذهب الذي استقر عليه مذهب الاثني عشرية عبر التغيرات والتطورات التي تلاحق المذهب، والذي أشار الممقاني إلى طبيعتها وهو التطور نحو الغلو (1)، فإن الشيعة في هذه المسألة (أعني مسألة تفضيل الأنبياء على الأئمة) كانوا ثلاث فرق - كما يقول الأشعري -:

فرقة: يقولون بأن الأنبياء أفضل من الأئمة، غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأئمة أفضل من الملائكة.

والفرقة الثانية: يزعمون أن الأئمة أفضل من الأنبياء والملائكة.

والفرقة الثالثة: وهم القائلون بالاعتزال والإمامة، يقولون: إن الملائكة والأنبياء أفضل من الأئمة (2) .

ويضيف المفيد في أوائل المقالات مذهبًا رابعًا لهم وهو أفضلية الأئمة على سائر الأنبياء ما عدا أولي العزم (3) . ثم لا يبوح بذكر المذهب الذي يعتمده من هذه المذاهب بل يذكر توقفه للنظر في ذلك (4) .

ولكن يظهر أن كل هذه المذاهب تلاشت بسعي شيوخ الدولة الصفوية ومن تبعهم واستقر المذهب على الغلو في الأئمة، حتى إن المجلسي يقول في عنوان الباب الذي عقده في بحاره لهذا الغرض:"إنّ أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم صلوات الله عليهم" ولا يستثني في ذلك أحدًا من المرسلين، حتى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم (5) .

= الأنبياء" ص:267-319، وباب أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين: ص319-334، من نفس الجزء

(1)

انظر: نص كلامه ص (394، 1104)

(2)

مقالات الإسلاميين: 1/120

(3)

أوائل المقالات: ص42-43

(4)

أوائل المقالات: ص43

(5)

انظر: ص (615)

ص: 617

وجاءت عندهم نصوص تعقد مقارنات بين رسول الله وعلي، وتنتهي بأن لعلي فضل التميز على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث شاركه علي في خصائصه، وانفرد علي بفضائل لم يشاركه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعقد لهذه النصوص صاحب البحار بابًا بعنوان "باب قول الرسول لعلي: أعطيت ثلاثًا ما أعط" - كذا - (1) .

وقد جاء في الكافي والبحار وغيرهما نصوص كثيرة تقول بأن لعلي والأئمة من الفضل ووجوب الطاعة كرسول الله، ولكنها ما تلبث أن تنتقل بالقارئ إلى أن الأئمة أفضل من رسول الله، بل تذهب إلى القول بأن عليًا والأئمة انفردوا بخصائص لا يشاركهم فيها أحد من الخلق، وإذا تدبرت تلك الخصائص وجدت أنها من صفات الرب جل شأنه، وبحسبك أن تعرف أن من هذه الأوصاف التي يتنطع بها الروافض ما ينسبونه لعلي أنه قال: "لم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني

إلخ" (2) .

فما أعظم افتراءهم على الله، وعلى دينه، وعلى نبيه، وعلي، وأهل البيت. ولقد أنكر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه تفضيله على الشيخين أبي بكر وعمر، وهدد من يتفوه بذلك بأنه سيجلده حد المفتري (3) . وتواتر عنه من ثمانين

(1) انظر: بحار الأنوار: 39/89، ومن أمثلة ذلك ما جاء في أخبارهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت ثلاثًا وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي ثلاثًا ولم أشاركه فيها، فقيل يا رسول الله: وما هي الثلاث التي شاركك فيها علي عليه السلام؟ قال: لي لواء الحمد وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، ولي الجنة والنار وعلي قسيمهما، وأما الثلاث التي أعطيها علي ولم أشاركه فيها فإنه أعطي ابن عم مثلي ولم أعط مثله، وأعطي زوجته فاطمة ولم أعط مثلها، وأعطي ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلهما. (بحار الأنوار: 39/90، وانظر في هذا المعنى: عيون أخبار الرضا: ص212، مناقب آل أبي طالب: 2/47)

(2)

أصول الكافي: 1/197 وما بعدها، وقد ذكر جملة من أحاديثهم بهذا المعنى المذكور، وانظر: ص 623-624 من هذه الرسالة، حيث سأذكر - إن شاء الله - بعض نصوص هذه "الفرية" والمراجع الشيعية التي تناقلتها

(3)

انظر: منهاج السنة: 4/137، وروي ذلك عن علي بأسانيد جيدة (الفتاوى: 28/475)

ص: 618

وجهًا أنه كان يقول على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر (1) . ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها (2) . فما حاله رضي الله عنه مع هذا الصنف الذي يدعي التشيع له ويفضله على أنبياء الله؟ لا شك أن إنكاره عليهم أعظم وأشد، وقد قرر بعض أهل العلم بأن من فضَّل عليًا - فكيف ممن بعده - على نبي الله إبراهيم أو محمد فإنه أشد كفرًا من اليهود والنصارى (3) .

وقد روت كتب الشيعة أنه عندما قيل لأمير المؤمنين: أنت نبي، قال:"ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وسلم"(4) . قال ابن بابويه: يعني بذلك عبد طاعته لا غير ذلك (5) .

ويحتمل أن هذا الاتجاه الغالي الذي استقر عليه المذهب الاثني عشري كان من آثار فرقة من فرق الشيعة تذهب إلى تفضيل علي على محمد صلى الله عليه وسلم يقال لها العلبائية (6) .

وفي ظني أن عقيدة عصمة الإمام عندهم تؤدي إلى ظهور هذا المذهب وأمثاله؛ ذلك أنهم يصفون الأئمة بأوصاف لا يتصف بها أحد من أنبياء الله ورسله - كما سيأتي - وإن من يرجع إلى كتاب الله سبحانه يجد أنه ليس لأئمتهم

(1) منهاج السنة: 4/137-138

(2)

انظر: تلخيص الشافي: 2/428، عن الشيعة وأهل البيت: ص52

(3)

منهاج السنة: 4/69

(4)

ابن بابويه/ التوحيد: ص174، 175، المجلسي/ بحار الأنوار: 8/283، الطبرسي/ الاحتجاج (انظر: منهاج السنة: 4/69)

(5)

التوحيد ص175

(6)

العلبائية: من فرق الشيعة، وهم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسي، أو الأسدي، كان يفضل عليًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول بذم محمد صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه.

(الملل والنحل: 1/175، وانظر: رجال الكشي: ص571، إلا أنه سماها: العليائية: بحار الأنوار: 25/305)

ص: 619

الاثني عشر ذكرا، فضلاً عن أن يقدموا على أنبياء الله ورسله.

كما أنه يلاحظ "أن الأنبياء لكونهم أرفع رتبة يقدمون بالذكر على غيرهم من صالحي عباد الله. قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} (1) . (2) . فرتب الله سبحانه عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب (3) . "وكتاب الله يدل في جميع آياته على اصطفاء الأنبياء واختيارهم على جميع العالم" (4) .

وقد أجمع أهل القرون الثلاثة على تفضيل الأنبياء على من سواهم، وهذا الإجماع حجة - حتى عند الشيعة - لأن فيهم الأئمة (5) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذي ليسوا بأنبياء"(6) .

والعقل يدل صريحًا على أن جعل النبي واجب الطاعة وجعله أمرًا وناهيًا وحاكمًا على الإطلاق والإمام نائبًا وتابعًا له لا يعقل بدون فضيلة النبي عليه، ولما كان هذا المعنى موجودًا في حق كل نبي مفقودًا في حق كل إمام لم يكن إمام أفضل من نبي أصلاً، بل يستحيل (7) .

ثم إنّه قد ورد في كتب الشّيعة نفسها ما يتّفق مع النّصّ والإجماع والعقل، وينفي ذلك الشّذوذ؛ وهو ما رواه الكليني عن هشام الأحول عن زيد بن علي أنّ الأنبياء أفضل من الأئمّة، وأنّ من قال غير ذلك فهو ضالّ (8) .

(1) النّساء، آية: 69

(2)

مختصر الصّواقع: ص187

(3)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 11/221

(4)

مختصر التحفة: ص101

(5)

مختصر الصواقع: ص186-187

(6)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 11/221

(7)

مختصر التحفة: ص101

(8)

انظر: مختصر الصّواقع: ص187

ص: 620