الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهدية والغيبة عند فرق الشيعة:
فكرة الإيمان بالإمام الخفي أو الغائب توجد لدى معظم فرق الشيعة، حيث تعتقد في إمامها بعد موته أنه لم يمت، وتقول بخلوده، واختفائه عن الناس، وعودته إلى الظهور في المستقبل مهديًا، ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي قدرت له العودة، كما تختلف في تحديد الأئمة وأعيانهم والتي يعتبر الإمام الغائب واحدًا منهم.
وتعتبر السبئية - كما يقول القمي، والنوبختي، والشهرستاني وغيرهم - أول فرقة قالت بالوقف على علي (1) . وغيبته (2) ، حيث زعمت "أن عليًا لم يقتل ولم يمت، ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا"(3) .
ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: "كذبت، لو جئنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض"(4) . وظلت تنتظر عودته من غيبته، ثم انتقلت هذه "الفكرة" من السبئية إلى بعض فرق الكيسانية كالكربية (5) . حيث قالت لما مات محمد بن الحنفية - وهو الذي تدعي أنه إمامها -: إنه حي لم يمت وهو في جبل رضوى بين مكة والمدينة عن يمينه أسد وعن يساره نمر
(1) أي لم تسق الإمامة لمن بعده
(2)
القمي/ المقالات والفر: ص19-20، النوبختي/ فرق الشيعة: ص22، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/174
(3)
المقالات والفرق: ص19، فرق الشيعة: ص22، مقالات الإسلاميين: 1/86
(4)
فرق الشيعة: ص23، المقالات والفرق: ص21
(5)
الكربية: أتباع أبي كريب الضرير، وقد مضى التعريف بالكيسانية
موكلان به يحفظانه إلى أوان خروجه وقيامه (1)، وقالوا: إنه المهدي المنتظر (2) . وزعموا أنه سيغيب عنهم سبعين عامًا في جبل رضوى ثم يظهر فيقيم لهم الملك، ويقتل لهم الجبابرة من بني أمية (3) . فلما مضت سبعون سنة ولم ينالوا من أمانيهم شيئًا حاول بعض شعرائهم توطين أصحابه على هذه العقيدة، وأن يرضوا بالانتظار ولو غاب مهديهم مدة عمر نوح عليه السلام (4) .
ثم شاع التوقف على الإمام وانتظار عودته مهديًا بعد ذلك بين فرق الشيعة.. فبعد وفاة كل إمام من آل البيت تظهر فرقة من أتباعه تدعي فيه هذه الدعوى.. وتنتظر عودته، وتختلف فيما بينها اختلافًا شديدًا في تحديد الإمام الذي وقفت عليه وقدرت له العودة - في زعمهم - ولذلك قال السمعاني:"ثم إنهم في انتظارهم الإمام الذي انتظروه مختلفون اختلافًا يلوح عليه حمق بليغ"(5) .
(1) وقد تغنى شعراؤهم بذلك حتى قال شاعرهم (كثير عزة) :
ألا إن الأئمة من قريش
…
ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه
…
هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبرّ
…
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى
…
يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى عنا زمان
…
برضوا عنده عسل وماء
(انظر: مسائل الإمامة ص26، مقالات الإسلاميين: 1/92-93، الفرق بين الفرق ص41)، وقد أوردت كتب المقالات أيضًا أشعارًا في هذا المعنى لشعراء آخرين (انظر: مسائل الإمامة ص26، 27، 28، 29) ، وقد نظم البغدادي بعض الأبيان في الرد عليها الفرق بين الفرق: ص41-43)
(2)
مسائل الإمامة: ص26، فرق الشيعة: ص27، مقالات الإسلاميين: 1/92، الفرق بين الفرق: ص39، التبصير في الدين: ص18-19
(3)
مسائل الإمامة: ص27
(4)
يقول شاعرهم في ذلك:
لو غاب عنا عمر نوح أيقنت
…
منا النفوس بأنه سيؤوب
إني لأرجوه وآمله كما
…
قد كان يأمل يوسفًا يعقوب
(المصدر السابق: ص29)
(5)
الأنساب: 1/345
وحتى بعض فرق الزيدية وهي الجارودية تاهت في وهم هذا الانتظار للإمام الذي قد مات، مع اختلاف فروع هذه الطائفة في تحديد الإمام المنتظر، كما نقل ذلك الأشعري (1) . والبغدادي (2) . والشهرستاني (3) . وغيرهم (4) . ولذلك فإنه لا صحة لما قاله بعضهم من أن الزيدية كلها تنكر هذا الاتجاه كما قاله أحمد أمين (5) ، وأشار إليه جولد سيهر (6) .
هذه عقيدة الغيبة عند فرق الشيعة، ارتبطت بأفراد من أهل البيت معروفين وجدوا في التاريخ فعلاً وعاشوا حياتهم كسائر الناس، فلما ماتوا ادعت فيهم هذه الفرق تلك الدعوى، حيث لم تصدق بموتهم، وزعمت أنهم غابوا، وسيعودون للظهور مرة أخرى. أما هذه الفكرة عند الاثني عشرية فتختلف من حيث إنها ارتبطت عندهم "بشخصية خيالية" لا وجود لها عند أكثر فرق الشيعة المعاصرة لظهور هذه "الدعوى" وهي عند أصحابها شخصية رمزية (7) ، لم يرها الناس، ولم يعرفوها، ولا يعلمون مكانها، غابت - كما يدعون - بعد ولادتها، ولم يظهر حملها، وأحيطت ولادتها بسياج من السرية والكتمان، بل إن عائلتها، ووكيلها وأقرب الناس إليها لم يعلموا بأمر هذا الحمل وذلك المولود، وكانوا له منكرين، بل لم يظهر للشيعة التي تدعيه إلا من خلال نواب يدعون الصلة به.
هذه الشخصية هي شخصية المهدي المنتظر عندهم، ويشكّل الإيمان بها عند الاثني عشريّة الأصل الذي ينبني عليه مذهبهم، والقاعدة التي تقوم عليها بنية التّشيّع عندهم؛ إذ بعد انتهاء وجود أئمّة الشّيعة بوفاة الحسن العسكري أصبح
(1) مقالات الإسلاميين: 1/141-142
(2)
الفرق بين الفرق: ص31-32
(3)
الملل والنحل: 1/158-159
(4)
نشوان/ الحور العين: ص156
(5)
ضحى الإسلام: 3/243
(6)
العقيدة والشريعة: ص211
(7)
وتتداول الشيعة أخبارها بالرمز إليه بدون ذكر اسمها
الإيمان بغيبة ابنه المزعوم هو المحور الذي تدور عليه عقائدهم، والأساس الذي يمسك بنيان الشّيعة من الانهيار.
ولكن كيف ومتى بدأت هذه الفكرة عند الاثني عشرية؟