الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوَقْفُ
تعريف الوقف:
الوقف - ويُجمع على وقوف، وأوقاف -: هو في اللغة: الحبس، تقول: وقفت كذا إذا حبسته. ولا تقول: أوقفته إلا في لغة رديئة. وهذا على عكس حبس، فإن الفصيح فيه أن تقول: أحبست كذا، ولا تقول: حبسته إلا في لغة رديئة. والوقف شرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
وهذه القيود في هذا التعريف سوف تستبين لك وأنت تقرأ فقرات هذا البحث إن شاء الله تعالى.
دليل مشروعيه الوقف:
الوقف مشروع، بل هو قُربة، وأمر مرغَّب فيه شرعاً، ولقد قامت أدلة الكتاب والسنّة على تقريره، وبيان مشروعيته:
- أما الكتاب، فقول الله تبارك وتعالى:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} . [آل عمران: 92].
فإن أبا طلحة رضي الله عنه لما سمع هذه الآية الكريمة رغب في الوقف، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره.
روى البخاري (607) في (كتاب الوصايا)، باب (مَن تصدَّق إلى
وكيله ثم ردّ الوكيل إليه)، عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ .. } جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وإن أحبَّ أموالي إلى بَيْرَحاءُ - قال: وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها، ويشرب من مائها - فهي إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، أرجو بِرَّهُ وذُخْرَهُ، فَضَعْها أيْ رَسولَ الله حَيث أراكَ اللهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بخ أبا طلحة، وذلك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين ". فتصدَّقَ به أبو طلحةَ على ذوي رحِمِهِ، قال: وكان منهم: أبي وحسانُ.
[بخْ: بوزن بل، كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ، وتُكرِّر للمبالغة، فيقال: بخْ بخْ، فإن وصلت خفضت ونوِّنت، فقلت: بخ بخ].
وكذلك قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115].
فلفظ {مِنْ خَيْرٍ} عام يشمل وجوه الخير كلها، ومنها الوقف.
- وأما السنّة، فأحاديث كثيرة، منها:
ما رواه مسلم (1631) في (كتاب الوصية)، باب (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف. والولد الصالح، هو القائم بحقوق الله تعالى، وحقوق العباد.
ومنها ما رواه البخاري (2586) في (كتاب الشروط)، باب
(الشروط في الوقف)، ومسلم (1632) في (كتاب الوصية)، باب
(الوقف)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصاب أرضاً
بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنَّي أصبتُ أرْضَاً بخيبر، لم أُصب مالا قط أنفسَ عندي منه، فما تأمرني به؟ قال:" إن شئْت حبست أصْلَها وتصدَّقت بها ". قال: فتصدق بها عمر: أنه لا يُباُع ولا يوهب ولا يُورَثُ، وتصدقَ بها في الفقراء، وفي القُرْبى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، ولا جُناحَ على من وَلِيَها أن يأكلَ منها بالمعروف، ويُطعَمَ غيرَ متموِّل.
قال ابن سيرين رحمه الله: غير متأثل مالاً.
[أصاب أرضا: أخذها وصارت إليه بالقَسْم حين فُتحت خيبر، وقسمت أرضها.
يستأمره: يستشيره.
أنفس: أجود، والنفيس: الجيد.
حبَّست: وقفت.
في الرقاب: تحرير العبيد.
لا جناح: لا إثم.
ولِيَهَا: قام بأمرها.
غير متمول: غير مدخر للمال.
غير متأثل: غير جامع للمال. وكل شئ له أصل قديم، أو جمع حتى يصير له أصل، فهو مؤثل].
والمشهور أن وقف عمر رضي الله عنه هذا كان هو أول وقف في
الإسلام.
وقد اشتهر الوقف بين الصحابة وانتشر، حتى قال جابر رضي الله عنه: ما بقى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدّقوا بصدقات محرمات. والشافعي رحمه الله يطلق هذا التعبير (صدقات محرمات) على الوقف.