الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقف
من مفاخر المسلمين ومآثرهم الحميدة
الوقف قربة من القربات، وعبادة من العبادات، والوقف يدل على صدق إيمان الواقف، ورغبته في الخير، وحرصه على مصالح المسلمين، وحبّة لهم ولأجيالهم المتعاقبة. ومنافعهم المتلاحقة. ولقد ضرب المسلمون منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمثلة في ميادين الوقف، فوقفوا أوقافاً لا تُحصى، وسبّلوا أموالاً لا تُعدّ، شملت أوقافهم جوانب كثيرة من جوانب الخير، ونواحي المعروف، ومرافق الحياة: مدارس، مساجد، مشافي، أراضي، مباني، آبار، مكاتب، سلاح على الذراري، على الفقراء، على المجاهدين، على العلماء، وغير هذا كثير.
فما تركوا ناحية من نواحي الحياة إلا وقفوا لها وقفاً، وما من حاجة من حاجات المجتمع إلا حبسوا لها أموالاً، ونظرة سريعة في ربوع العالم الإسلامي تنبئك عن أوقافهم التي وقفوها، وأموالهم التي حبسوها في سبيل الله تبارك وتعالى، اشترك في ذلك حاكمهم ومحكومهم، قوّادهم وجنودهم، تجّارهم وصنّاعهم، ورجالهم ونساؤهم، حتى غدا في كل بلد من بلدان المسلمين أوقاف يقدَّر ريعها بمئات الملايين، وأصبح لهذه الأوقاف في كل قطر أقطارهم وزارة، تدير تلك الأموال، وتقوم عليها، وهناك آلاف من الأُسر تعيش من ثمرات هذه الأوقاف وغلاّتها وهناك أيضاً مرافق كثيرة، ومصالح عديدة، استمرت ونَمَت في أحضان هذه الأوقاف، وفي
ربوع خيراتها. فجزي الله أولئك الصالحين خيراً، وأجزل لهم الأجر والمثوبة. والأمر المؤسف والمُحزن، أن الرغبة في أيامنا، منذ أزمان قريبة قد قلت عند كثير من المسلمين في الوقف، وشحّت نفوس كثيرين منهم في مثل هذه الصدقات الجارية، والمَبَرَّات النافعة.
وهذا مظهر مُحزن، إن دلّ على شئ فإنما يدل على قلّة الرغبة في الأجر والثواب، وضعف الإيمان بالآخرة ونعيمها، وشدة الحب للدنيا وشهواتها، وانشغال الناس بهذه الفانية، وتفضيلها على الآخرة ونعيمها، حتى صدق فينا قول الله تعالى {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 16]. وكأننا لم نسمع قوله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.