الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصية، فيحدد المراد من اللفظ بالنية. ومن الكناية: كتابي هذا لزيد. والكتابة من الناطق كناية تنعقد بها الوصية مع النية، كما في البيع.
ب-قبول الموصي له، إن كانت الوصية لمعين، فإن كانت الوصية لجهة عامة، كالفقراء، أو العلماء، لم يشترط القبول، لتعذره، وتلزم عندئذ بموت الموصي.
ج- أن يكون قبول الموصي له بعد موت الموصي، فلا عبرة بقوله أو ردِّه في حياة الموصي، إذ لا حق له قبل الموت، فأشبه إسقاط حق الشفعة قبل البيع.
وبناءً على هذا، فإنه يصح للموصي له - إن قبل الوصية في الحياة الموصي - الردّ بعد موته، وكذلك له القبول بعد موته، إن كان ردّ الوصية في حياته، لأن العبرة في القبول والرد أن يكون بعد الموت الموصي، كما قدمنا.
وعلى هذا إذا مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت الوصية، لأنها قبل موت الموصي غير لازمة، فإن مات الموصي له بعد موت الموصي، ولكن قبول الوصية، صحّت الوصية، وقام ورثته مقامه في القبول، أو الرد، لأنهم فرعه، فيقومون مقامه في ذلك.
حدود الوصية:
أينبغي للموصي، ويطلب منه ندباً ألا يزيد وصيته عن ثلث ماله، عملاً بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال:" لا " قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: " لا "، الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك ".
هذا لفظ مسلم (1628) في (كتاب الوصايا)، باب (الوصية بالثلث)، ورواه البخاري (2591) بمثله في (كتاب الوصايا)، باب (أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس).
[أشفيت منه: أشرفت عليه. أن تذر: أن تترك. يتكففون الناس: يسألون ما بأكف الناس، أو يسألون الناس بأكفّهم].
لكن الموصي لو خالف وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى بأكثر من ثلث ماله، فما حكم هذه الوصية؟
قال الشافعية: الوصية بأكثر من الثلث مكروهة شرعاً، ولكنها صحيحة، بيد أن الزيادة على الثلث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة، فإن ردوا هذه الزيادة، بطلت، بالإجماع، لأن هذا القدر الزائد على الثلث حقهم، وإن أجازوه نفذت الوصية، إمضاء لتصرف الموصي بالزيادة.
أما إذا لم يكن للموصي ورثة، وأوصى بأكثر من الثلث، فالوصية بالزائد على الثلث لغو، لأنه حق المسلمين، فلا مُجيز له.
ولذلك قالوا: يستحب أن تنقص الوصية عن الثلث المال أخذاً من قوله عليه الصلاة والسلام، في الحديث السابق:" الثلث والثلث كثير "، وأخذاً أيضاً من التعليل الوارد فيه:" إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ".
ب- يعتبر المال عند الموت الموصي، لا عند وصيته، لأن الوصية تمليك بعد الموت.
فلو أوصى بألف ليرة، وكان ماله عند الوصية ثلاثة آلاف، إلا أنه لم يبق معه عند الموت إلا ألفان، ثبتت الوصية في ثلث الألفين، وتوقف الباقي على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وإن ردّوه بطل.
ج- يعتبر ثلث المال وفاء الديون المتعلقة بمال الميت، أو بذمته.
فلو أوصى بثلث ماله، فإنما تنفذ الوصية من ثلث ما بقي له بعد وفاء ديونه.
قال الله تعالى في شأن الميراث {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
[النساء: 11]. والدين مقدّم على الوصية بالإجماع. فلو كان عليه دين مستغرق كل ماله، لم تنفذ وصيته في شئ من ماله.
إذا كان للموصي وصايا وتبرعات في مرض موته تزيد على ثلث ماله، ولم يجز الورثة الزائد، روعي في إخراجها الترتيب التالي:
1 -
إذا كان بعض هذه التبرعات منجزاً، وبعضها معلقاً، قدم المنجز على المعلق، لأن المنجز لازم لا يمكن الرجوع عنه، بخلاف المعلّق، فلو وقف داراً بألف ليرة، وأوصى بعد موته بألف ليرة، وكانت تركته عند الموت ثلاثة آلاف، قدم الوقف، ولغت الوصية، إلا أن يجيزها الورثة، لأن التبرع في مرض الموت يعتبر من ثلث التركة.
2 -
إذا كانت تبرعاته كلها متعلقة بما بعد الموت، وكانت تزيد عن الثلث، ولم يجز الورثة تلك الزيادة، قسط الثلث بين الجميع على حسب مقاديرهم.
فلو أوصى لزيد بمائة، ولخالد بخمسين، ولعمرو بخمسين وكان ثلث ماله مائة، أعطى زيد خمسين، وأعطى خالد خمساً وعشرين، وكذلك عمرو خمساً وعشرين.
3 -
إذا اجتمعت في مرض الموت تبرعات منجزة، كوقف، وصدقة، وكان مجموعها يزيد على ثلث المال، قدم الأول فالأول منها، حتى يتم ثلث المال، وتقديم الأول على الثاني، لقوته، لأنه لا يفتقر إلى إجارة الورثة.
4 -
إذا اجتمعت تبرعات منجزة في مرض الموت، وكانت دفعة واحدة،