الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنه عنفوان الفطرة وثورة الإيمان الكامن في الأعماق وتوفيق الله تعالى في أولاها وأخراها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ولعلنا في هذا المقام نستعرض مقتطفات من حياة بعض التائبين والتائبات من أهل الفن وليس لنا هدف إلا تمثل العبرة ومراجعة الذات وكشف النقاب عن ذلك الوسط الفني وهمومه.
وسأقدم لك أخي القارئ مجموعة من الصراعات والتحولات التي يتعرض لها أهل الفن وهم في طريقهم إلى الرحمن الرحيم، وذلك من خلال رحلة التائبات بعد صراعات مريرة، متأرجحات بين صرخات الإيمان والضمير وبين ضلالات الشياطين.
(1) شمس البارودي
(1) :
إنها أول من خرج من الظلمات إلى النور، وأول من لامس النور قلبه، هي أول من مَلَك القرآن الكريم كيانه، حتى إنها قد دمعت عيناها من خشية الله.
تلك هي الشمس التي أشرقت على أهل الفن، وأنارت لهن طريق التوبة، وهي التي برهنت على أن باب التوبة مفتوح دائماً وبأن التوبة قريبة من كل إنسان.
هي التي أعطت المثل الطيب في فن التوبة والثبات على درب الهدى، لقد أبدت الأخت شمس تحدياً للباطل ذكّرنا بأصالة المسلم، وصبره على المحن والبلايا. لقد بعثت في نفوسنا مواجهة الباطل بكل غروره وتطاوله.
(1) التائبون إلى الله، إبراهيم الحازمي، دار الشريف، الرياض، 1418هـ - 1998م، ج1، ص208 بتصرّف.
أغراها الفن:
كانت تصلي في بداية نشأتها، ولكن بدون انتظام فتقترب من النور وتبتعد، درست الدين في المدرسة، لكن المقرّر لم يكن مهماً كبقية المواد الدراسية.
دخلت معهد الغفران ولم تكمل دراستها فيه فقد أغراها التمثيل ببريقه حيث الشهرة والأزياء
…
شعرت بأنها دُفِعت إليه دفعاً، فلم يكن الفنّ حلمها ولا أملها وكانت تشعر بأن في أعماقها ما يجعلها ترفض هذا العمل.
لقد شعرت بأن جمالها هو الشيء الوحيد الذي يستغل في عملها الفني، ولذلك أبت أن تستغل من أجل جمالها فقط، فرفضت الكثير من الأدوار التي تلح على إبراز جمالها الذي وهبه الله لها.
وتحولت بعد ذلك لتمثل مع زوجها الأستاذ والفنان التائب حسن يوسف أدواراً أقرب لنفسها فأعطت بعداً أكبر لموهبتها.
محطات على الطريق:
وأخذت في هذه الفترة تواظب على أداء الصلوات الخمس، والصلاة لا ريب في أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فبدأت عندئذ تشعر برغبة في ارتداء الحجاب وتحركت بوادر الخير في نفسها، ولكن المحيطين بها حاولوا ثنيها باستمرار عن ذلك، إنهم شياطين الإنس.
كانت تقرأ كتب سارتر وبرجون وفرويد وغيرهم، فقد ملأت مكتبتها بأمثال هذه الكتب، ثمّ تركت هذه المطالعات دون سبب ظاهر وانكبّت على تلاوة كتاب الله وما أعظمه وأجلّه من كتاب.
ثم رغبت بعدها في أداء العمرة وتحقّق لها ذلك سنة 1982م، (1402هـ) وذلك بعد عودتها من باريس - مدينة الأزياء الراقية - حيث اشترت الكثير منها، وعند وصولها إلى حرم المسجد النبوي الشريف بدأت الغشاوة تنحسر عن قلبها فعكفت، على كتاب الله تتلوه آناء الليل وأطراف النهار أملاً في إنهاء ختمة في الحرمين الشريفين، لكنها كانت تقرأ بلا فهم وكأن أحداً يمنعها منه. سألتها مرافقات لها هل ستتحجبين؟ فردّت: لا أعرف وهذا يعود لزوجي.
لم يتبدّد الظلام بعد ولكن نهايته كانت قد أوشكت.
وتؤدي شمس العمرة عن أختها المتوفاة رحمها الله تعالى، وبعد أداء العمرة لم تنم تلك الليلة، وشعرت بضيق رهيب في صدرها، وكأنما روحها تصَّعَّد في السماء من ثقل الخطايا والأوزار التي كادت أن تخنقها. إن مباهج الدنيا التي تمتعت بها، صارت سلاسل تطوّق قلبها، إنها إرهاصات نهاية تلك الرحلة المظلمة: رحلة البعد عن الله.
دموع التوبة:
طلبت شمس من والدها أن يصحبها إلى الحرم: مأوى الأفئدة الباحثة عن الهدى، وبدأت الطواف وقبّلت الحجر الأسود حجر الجنة ولسانها يلهج بالدعاء
…
اللهم قوِّ إيماني وثبتني على الحق، وتنهمر دموعها نديّة صادقة من عيون تتطلع إلى رحمة الرحمن، وتبكي وتبكي بصمت دون انقطاع فهي لحظة وداع للغفلة ولقاء مع الهدى.
وتقرأ الفاتحة في صلاتها خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وكأنها تقرؤها أول مرّة، وقد شعرت بجلالها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ