الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحور الأول: مسرح الناشئة:
لقد تبارى الفنانون وكُتّابهم في المسرح المعدّ للناشئة في تقديم كل ما يسرّ الطفل ويضحكه، دون النظر إلى القيم والأهداف، ودون مراعاة لشخصية الطفل وإمكاناته، والعمل على تنميتها، فإذا ضحك الطفل بفعل بعض الحركات المؤداة على منصة المسرح، فمعنى ذلك - من وجهة نظرهم- أن العمل المسرحي قد حقق الهدف المتوخى منه، وهذا غاية ما يتمناه كثير من القائمين على مسرح الطفل.
فنحن نرى في هذا المسرح شخصيات وهمية، كحيوانات - مثلاً- نراها وهي تتكلم وتشد انتباه الطفل، فيتلقى الطفل معلوماته المسلّمة من حيوانات، وكأن الحيوانات صارت منظِّرة في المبادئ والقيم والأخلاق والسلوك الحميد للإنسان، فما أعجب ما ذهبوا إليه!! وما أشد الشحّ الفكري لدى هذا الإنسان، وما أعظم فيوضات تلك الحيوانات بالمُثُل والعقل، فهل أضحت هي دائرة معارف الناشئة، ومصدر غرس القيم لديه؟! هذا - فيما لو أحسنّا الظن بتضمّن الحوار بينها لقيم نبيلة، وغايات إنسانية سامية!! لكن الواقع يشهد بأن الناشئ لا يلقي بالاً لما يدور من حوار بين هذه الحيوانات، بقدر ما يهتم بحركاتها وصرخاتها، ومناظرها المشوّقة الجذّابة، وبألوانها الزاهية وملابسها المزخرفة، وحيواناتها الناطقة المجسّمة، وإيهام تلبّس الحياة بها، مما يؤثر سلباً في عقيدة الناشئ ويؤدي به إلى التساهل في تقبّل ذلك (1) .
أما ذاك الانفصام بين طبيعة الحيوانات - واقعًا - وما يراه
(1) لا يخفى تجوّز العلماء في شأن الأطفال، وما يعرض لهم كالرسوم المتحركة. ومع هذا التجوز، فإن تعلق الطفل بذلك قد يعوّده على التساهل في شأن التصوير والتجسيم.
الناشئ على خشبة المسرح الحيواني، فقد بات يؤثر سلباً على عقلية الناشئ ذاتها، فالأرنب مثلاً على المسرح تراه ضاحكًا، والذئب يتكلم بفصاحة نادرة، مع تعدد ألوان وأشكال كل منها، بما يخالف واقعها، كل ذلك جعل الناشئ ينتقل بتصوراته إلى عالم متخيّل، لا وجود له، بما يفسّر محاولة بعض الأطفال مباشرة التكلم مع بعض الحيوانات الأليفة بل ومحاورتها، ظناً منهم أنها تتكلم وتضحك كما هو حالها في المسرح، فكم تردد على مسامعنا أسئلة من بعض الناشئة عن الحيوانات الحقيقية:
* لماذا لا يتفهم هذا الحيوان فكرتي؟!
* لماذا لا يحزن لما ألمّ بي، فيبكي؟!
* لماذا لم يخبر أمي عندما وقعت أرضًا؟!
* لماذا لم يتقبّل هديتي له
…
؟!
ومثل ذلك كثيرٌ
…
كثير
…
!!
فلا شك بأن افتراض قدرة الحيوان على التخاطب، وحلِّ المعضلات، والتحلِّي بالمشاعر النبيلة، كلُّ ذلك كان له أثر سلبي بالغ على القدرات العقلية للطفل، ولو احتج أصحاب هذا الفن بأن وضع هذه القيم بقالب تمثيلي يؤدي دور البطولة فيه حيوانات مصطنعة، هو لافت لنظر الطفل، ومثير لانتباهه، إلا أن ذلك - من وجهة نظرنا- يسبب خللاً في تصورات الأطفال، قد يجعلهم متعلقين بها، ومترسمين خطاها لفترات مقبلة من حياتهم (1) .
(1) وإذا كانت مصاحبة الحيوان تؤثر في صاحبها وهي صامتة، كالإبل والغنم - كما في الحديث المتفق عليه:«الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» -، فكيف بتأثيرها إذا قدمت له بشكل تمثيلي مُغرٍ منذ الصِّغر، يعتمد على الكذب، وسذاجة الأهداف مع فراغ في المضمون؟!
فالقيّمون على مسرح الطفل لم يراعوا شخصية الطفل الناشئ، ولم يسبروا أغوارها، كما لم يناسبوا بين تفكير الناشئة وأعمارهم، لذلك لا يُتوقع منهم أن يحققوا أهدافاً دينية أو تربوية واضحة، فغالب هؤلاء بالغُ همِّهم تحصيل مكاسب مادية وحسب.
تقول الفنانة (الخليجة) منى عيسى - وهي الخبيرة بمسرح الطفل -: "مع الأسف الشديد إن مسرح الطفل يأخذ الآن الطابع التجاري البحت". (1) فلم يعد لمسرح الطفل الأهداف الواضحة الملموسة، إذ تخبَّط الفنانون في ماهية أهدافه، وكيفية تحقيقها، وفي ذلك تقول:" لقد خرج هذا المسرح عن طبيعة رسالته والدور الذي يجب أن يقوم به نحو أطفالنا، وتحول إلى مؤسسات تجارية تحرص على انتزاع ضحكات الأطفال"(2) .
وعلى ذلك، فنحن بأمسّ الحاجة اليوم، إلى أعمال تدخل عالم الناشئ، فتنتشله من هذا الكمّ الهائل من الأعمال المرئية الغثة، التي لا طائل تحتها، علماً بأن محاولات جادة بدأت من قبل مؤسسات إنتاج إسلامية، إلا أنها تبقى غير كافية، وبخاصة أن بعضها ذو نظرة مادية لا تختلف كثيراً عن نظرة سابقيهم من العاملين بهذا المجال. ولذا فإن المسؤولية تتضاعف، وتكاد الأحمال تُنقض ظهر الكاتب ذي الرؤية الإسلامية الواضحة، وأصحاب القلم البنّاء، وأهل الإصلاح الاجتماعي، وهي كذلك عبء على كاهل الفنان الملتزم ذي الحس الديني والثقافي والاجتماعي، الذي بإمكانه أن يتغلغل إلى دخيلة نفس الطفل، وإلى أركان شخصيته، دون عناء يذكر،
(1) مجلة زهرة الخليج، العدد:564.
(2)
العزو السابق.