الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات
للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله
السؤال: ما حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات؟
الجواب: هي منقسمة إلى قسمين:
الأول: ما اشتمل على حكم ومواعظ وحماسة ونصائح ونحو ذلك مما لا غرام فيه، ولا يشتمل على صوت مزمار ونحوه - فهذا لا محذور فيه، لما فيه من المصلحة.
الثاني: ما فيه غرام، ويشتمل على صوت مزمار وما أشبه ذلك - فهو حرام، والأصل في ذلك الكتاب والسنة. أما أدلة (الكتاب) فأربعة:
أولاً: قول الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسرَاء: 64]، فسّره ابن عباس وغيره بالغناء. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بيَّن في هذه الآية: أن الغناء طريق من الطرق التي يسلكها إبليس لإغواء الأمة، وقد تسلط بهذا وبغيره، بدليل قوله تعالى:{لأََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَاّ قَلِيلاً} [الإسرَاء: 62]، وهذا القليل هو المذكور في قوله تعالى:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *} [ص: 82-83]، وقد بين تعالى أنه ظفر بهم بقوله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} [سَبَإ: 20] . وقد وقع في هذا كثير من أهل هذا الزمان، فنعوذ بالله من زيغ القلوب. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *} [آل عِمرَان: 8] .
ثانياً: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا *} [الفُرقان: 72] . قال محمد بن الحنفية ومجاهد: «الزور» هنا الغناء. وجه الدلالة أن الله تعالى بيَّن من أوصاف المؤمنين أنهم إذا مروا بالزور وهو الغناء مروا مر الكرام، ومفهوم ذلك أن استعماله ليس من أوصاف المؤمنين، فيكون حراماً.
ثالثاً: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *} [لقمَان: 6] . قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد (بلهو الحديث) الغناء قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه، وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبي الصهباء عنه، وهو قول مجاهد، وعكرمة. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بين أن بعضاً (من الناس يشتري لهو الحديث) وهو الغناء من أجل إضلال الناس، وإذا كان الغناء سبباً من أسباب الضلالة فلا شك في تحريمه.
رابعاً: قال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ *وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ *وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ *} [النّجْم: 59-61] . قال عكرمة: عن ابن عباس " السمود " الغناء في لغة حِمْير، يقال: اسمدي لنا أي غني لنا. قال عكرمة: كانوا إذا أسمعوا القرآن غنَّوا، فنزلت. وجه الدلالة أن الله تعالى استفهم منهم استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع وذكر في سياق هذا أن من أوصافهم الذميمة السمود وهو الغناء، فهذا يدل على أنه محرم، إذ لو كان مشروعاً أو باقياً على البراءة الأصلية لما ذمهم على فعله.
وأما "السنة" فنقتصر على دليل واحد، وهو ما رواه البخاري في الصحيح معلقاً بصيغة الجزم (1) ، ورواه أبو داود وابن ماجَهْ في السنن، وأبو بكر الإسماعيلي في المستخرج على الصحيح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» وتقرير الاستدلال من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الحديث سيق لذم هذا الصنف من الناس الذين يتجاوزون حدود الله، ومنها هذه الأمور التي منها المعازف، وأكد ذلك باللام في صدر الكلام، وبالنون المؤكدة، ولو كان مباحاً لما ذمهم.
الثاني: أنه قال: «يستحلون» ففهم من هذا أن حرمته متقررة. والمعازف هي آلات الملاهي على اختلاف أنواعها، قاله غير واحد من أئمة اللغة: كابن منظور وصاحب القاموس.
الثالث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَن المعازف بما ذكره معها وهي محرمة، فتكون المعازف مساوية لها في أصل الحكم الذي هو التحريم من (باب دلالة الاقتران) .
وأما أقوال الأئمة، فقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني. وأما الشافعي فقد صرح أصحابه العارفون بمذهبه أنه يقول بتحريمه. وأما الإمام مالك - لما سئل - عنه فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. وأما الإمام أبو حنيفة فيقول مالك عنه: وأما أبو حنيفة فإنه يكرهه، ويجعله من الذنوب. قلت: والمراد بالكراهة هنا كراهة
(1) هو موصول على قول الجمهور.