الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الحاقة]
فاتحة سورة الحاقة
لا يخفى على من تمكن في مقر التوحيد وانكشف بوقوع الطامة الكبرى التي اندكت دونها الأرض السفلى والسموات العلى وفنيت عندها هياكل الأشباح وهويات الأشياء ان ظهور عموم المظاهر والمجالى انما هي على حسب الأوصاف الذاتية الإلهية والأسماء التي امتدت وانبسطت على مرآة العدم وانعكس من ذلك الانبساط عموم ما انعكس من سراب العالم واظلال السوى والأغيار وبالجملة قد قبض الحق ما أبدى وانقهرت ماهيات الأشياء وتلاشت هوياتها الباطلة ولم يبق الا الحق الحقيق بالحقية الوحيد بالقيومية الفريد بالديمومية بحيث لا يعرضه تغير وزوال ولا يعتريه تبدل وانتقال لذلك اخبر سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم عن وقوع الحاقة الحقيقية الحقية وابهمها عليه صلى الله عليه وسلم تهويلا وتفخيما لشأنها فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على عموم ما ظهر وبطن إظهارا لقدرته الغالبة الرَّحْمنِ عليه بامتداد اظلاله للظهور والبروز الرَّحِيمِ عليه بقبضه الى ذاته للخفاء والبطون
[الآيات]
الْحَاقَّةُ اى النشأة الاخرى التي ظهرت فيها حقية الحق وثبوته وتحقق دونها من على الحق وفاز بمبتغاه واستقر في دار السرور ومن على الباطل ولحق العذاب المعد له واستقر على الويل والثبور ثم استفهم سبحانه عنها تهويلا وتعظيما فقال
مَا الْحَاقَّةُ التي قد انقهرت دونها اظلال الأغيار وأشباح العكوس والسوى مطلقا وبرزوا لله الواحد القهار ثم زاد سبحانه على تهويلها بان نفى احاطة علم حبيبه صلى الله عليه وسلم الذي قد جاء من عنده رحمة للعالمين إياها حيث قال
وَما أَدْراكَ وأى شيء أعلمك وأفهمك يا أكمل الرسل مَا الْحَاقَّةُ الحقية الحقيقية التي طويت دونها عموم المراتب ونقوش مطلق الكثرات والإضافات واضمحلت عندها عكوس الأسماء والصفات رأسا وبالجملة قد انقهرت وقت قيامها رسوم الناسوت ولم يبق الا الحي القيوم اللاهوت وحضرة الرحموت ولا شك انه متعال عن مطلق الإدراك والاطلاع المترتب على نشأة الناسوت بل على نشأتى الملكوت والجبروت. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمكذبين المنكرين عليها
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ اى بالحاقة المذكورة التي يقرع الأسماع سماع أهوالها ويدهش العقول ذكر افزاعها
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ اى بسبب طغيانهم المتجاوز عن الحد في تكذيبها اهلكوا بصيحة هائلة متجاوزة عن حد الصياح
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ باردة في غاية البرودة عاتِيَةٍ شديدة العصف بحيث لم يقدروا على دفعها وردها اصلاحين
سَخَّرَها وسلطها سبحانه حسب قهره عَلَيْهِمْ وانتقامه عنهم بمقتضى سخطه وجلاله لذلك قد أبقى عليهم سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً متتابعة مترادفة قاطعة قالعة فَتَرَى ايها المعتبر الرائي الْقَوْمَ فِيها اى في تلك الأيام ولياليها صَرْعى هلكى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ساقطة عن أصولها لا جوف لها
فَهَلْ تَرى لَهُمْ وما ترى منهم بعد تلك الأيام مِنْ باقِيَةٍ يعنى لم يبق منهم بعد تلك الواقعة الهائلة نفس لها حياة قد استؤصلوا بالمرة في تلك الأيام
وَبعد انقراض أولئك الغواة الطغاة الهالكين في تيه الجهل والعناد جاءَ فِرْعَوْنُ العتو العتل الطاغي المتجاوز عن الحد في البغي والعدوان وَمَنْ قَبْلَهُ ونقدم عليه من الأمم المكذبة الباغية او ومن معه من ملائه واشرافه على القرائتين وَجاء ايضا الْمُؤْتَفِكاتُ اى قرى قوم لوط والمراد من فيها من المكذبين وبالجملة كلهم جاءوا بِالْخاطِئَةِ