الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِقْرَارِ الْمُحَدِّثِ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ وَسُكُوتِهِ وَإِنْكَارِهِ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى شَيْخٍ حَدِيثًا لَمْ يَجُزْ لَهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ الشَّيْخُ بِهِ
كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ ، إِمْلَاءً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَاصِمٍ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُمْ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] قَالَ: «كَانَ فِي لِسَانِهَا طُولٌ؟ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ نَعَمْ» قَالُوا: فَأَمَّا إِذَا سَكَتَ الشَّيْخُ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَارِئِ رِوَايَةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْهُ ، وَالَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَأَنْصَتَ إِلَيْهِ مُخْتَارًا لِذَلِكَ غَيْرَ مُكْرَهٍ ، وَكَانَ مُتَيَقِّظًا غَيْرَ غَافِلٍ ، جَازَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ لِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ إِنْصَاتُهُ وَاسْتِمَاعُهُ قَائِمًا مَقَامَ إِقْرَارِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَارِئُ عِنْدَ الْفَرَاغِ: كَمَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ ، فَأَقَرَّ بِهِ ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ
⦗ص: 281⦘
هَانِئٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ رَاهَوَيْهِ " كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ ، فَإِذَا فَرَغْتُ مِنْ كُلِّ حَدِيثٍ قُلْتُ لَهُ: كَمَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ ، فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا هَذَا ، إِنَّكَ تُرِيدُ بِهَذَا أَمْرًا "
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ: " كُتُبُ الشَّافِعِيِّ الَّتِي قُرِئَ عَلَيْكَ ، أَلَيْسَ هُوَ كَمَا قُرِئَ عَلَيْكَ وَأَخْبَرَكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ؟ فَاغْتَاظَ مِنْهُ ، وَقَالَ لَهُ: لَا ، وَحَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فِي الْمَسَاكِينِ أَنْ لَا يَقُولَ لَهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لَهُ وَلَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: هُوَ كَمَا قُرِئَ عَلَيَّ وَأَخْبَرَنا بِهِ الشَّافِعِيُّ ، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ مِنَ الْغَدِ ، وَاسْتَشْفَعَ بِبَعْضِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَطَلَبْنَا إِلَيْهِ وَبَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ ، فَقَالَ الرَّبِيعُ: أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قُرِئَ عَلَيَّ وَأَخْبَرَنَاهُ الشَّافِعِيُّ ، فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى قَالَ لَهُ: كَمَا قُرِئَ عَلَيَّ وَأَخْبَرَنا بِهِ الشَّافِعِيُّ "
أَمَّا إِذَا قَرَأَ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ فَأَنْكَرَهَا الشَّيْخُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهَا عَنْهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْأَكْبَرُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَرَابَا ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ:" كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَقْرَأُ عَلَيْهِ أَحَادِيثَ مَعِي؟ قَالَ: اقْرَأْهَا ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيَقْرَأُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُكَ أَرْوِيهَا عَنْكَ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي: اقْرَأْ؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا حَدَّثْتُكَ أَنَا بِشَيْءٍ أَنْتَ حَدَّثْتَ بِهَا نَفْسَكَ " وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنِ الشَّيْخُ مُنْتَصِبًا لِلتَّحْدِيثِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ حَدِيثًا ، وَهُوَ مَشْغُولُ الْقَلْبِ ، غَيْرُ مُصْغٍ إِلَى السَّمَاعِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ ، فِي كِتَابِهِ، أنا أَبُو الْمَيْمُونِ الْبَجَلِيُّ ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ ، يَقُولُ:" رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَعْرِضُونَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ، فَقُلْتُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَلَيْسَ حَدَّثْتَنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ؟ قَالَ: ثنا أَصْحَابُنَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّمَا يَقْرَءُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ "
حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: " هَلْ يَقُومُ إِقْرَارُ الْمُحَدِّثِ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ مَقَامَ لَفْظِهِ بِالْحَدِيثِ؟ قِيلَ: أَجَلْ ، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ زَالَتِ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي إِقْرَارِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِ فِي إِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ ، أَوْ لَمْ يُحَدَّثْ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَخَرَجَ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا ، وَلَاحْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ الْكَذِبَ وَوَضْعَ الْحَدِيثِ ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُكُمْ لَوْ سَكَتَ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ؟ قِيلَ: يَجِبُ قَبُولُ حَدِيثِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَيَجُوزُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ ، لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُحَدَّثُ بِهِ عَنْهُ وَيُعْمَلُ بِهِ قَائِمٌ مَقَامَ إِقْرَارِهِ بِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا حُدِّثَ بِهِ، لَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، لَاقْتَضَتِ الْعَدَالَةُ وَالنُّصْحُ فِي الدِّينِ إِنْكَارَ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِالْعَمَلِ بِهِ وَالرِّوَايَةِ لَهُ عَنْهُ ، وَلَوِ احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ السَّكْتَ عَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا حُدِّثَ بِهِ ، لَاحْتَمَلَ أَنْ يُقِرَّ بِسَمَاعِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَاقِضٌ لِعَدَالَتِهِ ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إِقْرَارُهُ بِهِ وَسَكْتُهُ عَنْ إِنْكَارِهِ بِمَنْزِلَةِ نُطْقِهِ مَتَى كَانَتِ الْحَالُ سَلِيمَةً مِنْ إِكْرَاهٍ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَخَوْفٍ ، وَمَتَى كَانَ سَكْتُهُ عَنْ غَيْرِ غَفْلَةٍ ، بَلْ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّيَقُّظِ لِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَرَضَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنِ الْإِقْرَارُ مِنْهُ وَالسَّكْتُ قَائِمًا مَقَامَ النُّطْقِ ، فَأَمَّا إِنْكَارُهُ أَنْ يَكُونَ حُدِّثَ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ أَوْ سَمِعَهُ فَلَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ لَهُ عَنْهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ "