الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الطَّالِبُ إِلَى الرَّاوِي صَحِيفَةً قَدْ كَتَبَ فِيهَا: إِنْ رَأَى الشَّيْخُ أَنْ يُجِيزَ لِي جَمِيعَ مَا يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِهِ فَعَلَ ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّاوِي بِلَفْظِهِ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ كُلَّ مَا سَأَلْتَ ، أَوْ يَكْتُبُ لَهُ ذَلِكَ تَحْتَ خَطِّهِ فِي الصَّحِيفَةِ ، وَيَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ ، فَهَذَا النَّوْعُ دُونَ
الْمُنَاوَلَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْإِجَازَةِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، وَلَا أَحَالَهُ عَلَى تَرَاجِمِ كُتُبٍ بِأَعْيَانِهَا مِنْ أُصُولِهِ وَلَا مِنَ الْفُرُوعِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا أَحَالَهُ عَلَى مَا يَصِحُّ عِنْدَهُ عَنْهُ ، وَهُوَ فِي تَصْحِيحِ مَا رَوَى النَّاسُ عَنْهُ عَلَى خَطَرٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ عَلَى صِحَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ إِلَّا بِتَوَاتُرٍ مِنَ الْخَبَرِ، أَوِ انْتِشَارٍ يَقُومُ فِي الظَّاهِرِ مَقَامَ التَّوَاتُرِ، وَبَابُ الْمُنَاوَلَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا يَقْطَعُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَاتِهِ فِيهَا ، فَيَجِبُ عَلَى الطَّالِبِ الَّذِي أُطْلِقَتْ لَهُ الْإِجَازَةُ أَنْ يَتَفَحَّصَ عَنْ أُصُولِ الرَّاوِي مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ الْأَثْبَاتِ ، فَمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، وَيَكُونُ مِثَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: قَدْ وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ مَا صَحَّ عِنْدَكَ، أَنَّهُ مِلْكٌ لِي أَنْ تَنْظُرَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْوِكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ ، فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَحِيحٌ ، وَمَتَى صَحَّ عِنْدَهُ وُجُوبُ الْمِلْكِ لِلْمُوَكِّلِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْإِجَازَةُ الْمُطْلَقَةُ مَتَى صَحَّ عِنْدَهُ فِي الشَّيْءِ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ. سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الْبَرْقَانِيَّ عَنِ الْإِجَازَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُكَاتَبِةِ، فَقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِمَا ، إِلَّا أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الشَّيْخِ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِهِ ، أَوْ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِهِ ، فَيَنْظُرَ فِيهِ ، فَإِذَا عَرَفَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ مَا فِيهِ أَجَازَهُ لِصَاحِبِهِ ، وَأَذِنَ لَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ ، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ حَدِيثِي فَارْوِهِ عَنِّي ، وَيُطْلِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ إِذَا بَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ كِتَابًا قَدْ نَظَرَ فِيهِ وَصَحَّحَهُ ، وَكَاتَبَهُ بِأَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ ، جَازَ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَاتَبَهُ بِأَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ حَدِيثَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَا أَرَى أَبَا بَكْرٍ وَهَّنَ إِطْلَاقَ الْإِجَازَةِ إِلَّا لِمَا
فِي تَصْحِيحِ أَحَادِيثِ الرَّاوِي مِنَ الْمَشَقَّةِ ، وَعَدَمِ أَمَانِ الْخَطَرِ فِي ذَلِكَ لَا غَيْرُ ، يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَنِّي دَفَعَتُ إِلَيْهِ وَرَقَةً قَدْ كَتَبْتُ فِيهَا أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُجِيزَ لَهُمْ أَشْيَاءَ ، وَعَيَّنْتُ ذِكْرَهَا ، ثُمَّ كَتَبْتُ فِي إِثْرِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ الَّتِي سَمِعَهَا مَنْثُورَةً وَمُصَنَّفَةً ، وَعَلَى سَبِيلِ الْمُذَاكَرَةِ ، وَمَا جَمَعَهُ وَصَنَّفَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَكَتَبَ فِي ظَهْرِ الْوَرَقَةِ: قَدِ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ اسْمُهُ كَثِيرًا ، وَأَجَزْتُ لِمَنْ سُمِّيَ فِي الصَّفْحَةِ قَبْلَ هَذِهِ جَمِيعَ مَا صَحَّ لَدَيْهِمْ مِنْ حَدِيثِي، مِمَّا ذَكَرُوهُ وَمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ ، أَنْ يَرْوُوهُ عَنِّي عَلَى الْإِجَازَةِ ، إِذَا صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِي ، وَكَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ بِيَدِهِ
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلَّابُ ، قَالَ:" سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ قُلْتُ: سَمِعْتُ كِتَابَ الْكَلْبِيِّ وَقَدْ تَقَطَّعَ عَلَيَّ ، وَالَّذِي هُوَ عِنْدَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَكَيْفَ تَرَى لِي؟ تَرَى أَنْ أَسْتَجِيزَهُ أَوْ أَسْأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِهِ إِلَيَّ؟ قَالَ: لَا ، قُلْ لَهُ يَكْتُبُ بِهِ إِلَيْكَ فَتَقُولُ: كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ، وَالْإِجَازَةُ لَيْسَ هِيَ شَيْئًا " قَالَ الْخَطِيبُ: " وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ الْإِجَازَةَ وَالْمُنَاوَلَةَ شَيْئًا ، وَهَاهُنَا قَدِ اخْتَارَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى إِجَازَةِ الْمُشَافَهَةِ ، وَالْمُنَاوَلَةُ أَرْفَعُ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ: لِأَنَّ الْمُنَاوَلَةَ إِذْنٌ وَمُشَافَهَةٌ فِي رِوَايَةٍ لِمُعَيَّنٍ ، وَالْمُكَاتَبَةُ مُرَاسَلَةٌ بِذَلِكَ ، فَأَحْسَبُ إِبْرَاهِيمَ رَجَعَ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ عَنْهُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مِنْ تَصْحِيحِ الْمُكَاتَبَةِ ، وَأَمَّا اخْتِيَارُهُ لَهَا عَلَى إِجَازَةِ الْمُشَافَهَةِ فَإِنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمُسْتَجِيزِ بِمَا اسْتَجَازَهُ نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ أَصْلِ الْمُجِيزِ ، وَلَا مُقَابَلَةٌ بِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لِيَ الْبَرْقَانِيُّ عِنْدَ سُؤَالِي إِيَّاهُ عَنِ الْإِجَازَةِ الْمُطْلَقَةِ ، وَنَرَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنَ الْأَصْلِ أَوْ مُقَابَلَةٌ بِهِ ، لَيْسَتْ شَيْئًا ، لِأَنَّ تَصْحِيحَ ذَلِكَ سَمَاعًا لِلرَّاوِي مُقَابَلًا بِأَصْلِ كِتَابِهِ ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي الطَّالِبُ بِهِ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا بَعْدَ الْمَشَقَّةِ ، وَالْمُكَاتَبَةِ بِمَا يَرْوِي، إِنْفَاذُهُ إِلَى الطَّالِبِ أَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ ، وَأَجْدَرُ بِالصِّحَّةِ ، وَأَبْعَدُ مِنَ الْخَطَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ